1 –  الإضافة الفكرية والسياسة الباقية من رصيد الثورة المجيدة في 25 يناير 2011 تتلخص في كلمتين: المواطن حر في نفسه، ثم المواطن سيد في بلده.

2 – الردة الفكرية والسياسية التي تمثلها جمهورية ما بعد 30 يونيو 2013 تتلخص في كلمتين: الدولة والحرية لا يلتقيان، ثم المواطن لا يعرف مصلحته.

بين التاريخين، بين 25 يناير و30 يونيو، ولدت الحرية في الأول، ثم وئدت في الأخير، هذه الحرية المولودة ثم الموءودة هي موضوع هذا المقال.

………………………..

ونبدأ من 25 يناير 2011.

حيث تمكن المصريون في المائة ساعة الأولى من عصر الثلاثاء 25 يناير إلى عصر الجمعة 28 يناير أن ينجزوا هدفين عظيمين:

الأول: منع التمديد للرئيس بعد 30 عاما متواصلة من الحكم الفردي المشوب بهامش ديمقراطي شكلي، فقد كان صلب العملية السياسية يدور حول استفتاءات شكلية وانتخابات مزورة، تصادر إرادة الشعب، وتصادر على المستقبل.

الثاني: قطع الطريق على التوريث لنجل الرئيس، ذاك التوريث الذي كان من شأنه الانقلاب على أسس النظام الجمهوري من جذورها، كما كان من شأنه أن يشق الطريق لطبقة حكم جديدة، وافدة من خارج جهاز الدولة، ومنفصلة عن التيار الرئيسي للمجتمع المصري.

هذه الساعات المائة منحت قبلة الحياة للسنوات المائة التي هي القرن ال 21، فهي ليست مائة ساعة عادية، إنما هي لحظة استثنائية في تاريخ المصريين منذ عمروا ضفاف النيل ومنذ سكنوا هذا الوادي ومنذ قدموا للإنسانية المتحضرة اختراع السياسة ومنذ أهدوا العالم المتحضر فكرة الدولة القانونية المركزية المستقرة ذات الأصول والشرائع والتقاليد.

هذه الساعات المائة أفقدت كل حاكم يأتي بعدها نعمة الجلوس المطمئن على كرسي السلطة ما لم يكن الشعب راضيا عنه، وهذا معناه أن يكون الشعب راضيا عن ثلاثة أمور: الأول هو الطريقة التي جاء بها الحاكم ومن معه إلى السلطة. الثاني: الطريقة التي يمارس بها الحاكم اختصاصاته في السلطة. الثالث: الطريقة التي يستمر بها الحاكم في السلطة.

هذه الساعات المائة صاغت وبلورت ووضعت للمصريين دستورا خالدا كتبوه بجسارة وجدارة واقتدار ويمكن تلخيصه في عبارة موجزة كالآتي:

” حق الشعب في اختيار حكامه بإرادته الواعية الحرة، ثم حقه في مراقبتهم، ثم حقه في مساءلتهم، ثم حقه في محاسبتهم، ثم حقه في محاكمتهم، ثم حقه الدستوري في عزلهم، عندما، وكلما، تقتضي المصلحة العامة عزلهم”.

بهذه الروح، كانت الساعات المائة فتحا مبينا في حركة التاريخ، انفتحت به الروح المصرية على أفق جديد مختلف تماما، أفق يسمح بإعادة النظر في مجمل المعاني الرئيسة التي كانت هزلت ثم ضمرت ثم جفت ثم تيبست ثم فقدت روح الحياة ثم ماتت، هذه المعاني هي: معنى المواطن، معنى الوطن، معنى الشعب، معنى السلطة، معنى الحرية، معنى القانون، معنى الدولة، بل معنى الحياة على وجه العموم والإجمال.

………………………….

شرح هذه المعاني، كيف كانت قبل الثورة، وكيف أصبحت بعدها، يحتاج إلى قدر من التوضيح.

– ثورة 25 يناير 2011 حررت الدولة ذاتها من الوضع المشين المهين الذي كانت قد آلت إليه، إذا يعرف -من اقترب من الدولة المصرية عشية 25 يناير 2011- أنها كانت رهينة ثلاثة رجال، ليس منهم رئيس الجمهورية نفسه، كانت الدولة المصرية يحكمها بترتيب القوة والنفوذ : 1 – السيد رئيس الديوان الجمهوري . 2 – السيد وزير الداخلية . 3 – السيد نجل الرئيس.

كان هذا هو حال الدولة المصرية عشية الثورة المجيدة، رئيس الجمهورية ذات نفسه لم يكن يحكم، كان خارج الخدمة الفعلية، كان على الكرسي بجسده فقط، لا بعقله، ولا بقلبه، ولا بهمته، كان قد فقد الشغف في السلطة وسئمت نفسه الحكم، كانت غريزته السياسية فقدت رهافتها، وكان عقله السياسي قد أجهدته الشيخوخة وأنهكته خمسة وثلاثون عاما، منها خمسة أعوام نائبا للرئيس، وثلاثون عاما رئيسا ولا نائب له، في فترة شهدت تغيرات كبرى سواء في النظام العالمي أو في الداخل المصري.

–  ثورة 25 يناير 2011 كانت لحظة تحرير جمعي للدولة وللشعب وللوطن والمواطن وللضمير وللفكر المصري في وقت واحد، فقد كانت البلد تغلي منذ مطلع الألفية بحالة من الفوران والغليان وقودها الأجيال الشابة التي رفضت أن تتقبل فكرة أن يكون ميلادها ومحياها ومماتها داخل أسوار الرئيس ثم نجل الرئيس، هذه الأجيال هي من نزلت الميادين، وأزالت الرئيس ونجل الرئيس وبرلمان الرئيس وحكومة الرئيس وإعلام الرئيس، وفي هذه اللحظة استطاعت هذه الأجيال إحياء معنى الشعب وطرح معنى المواطن وإعادة تعريف معنى الوطن ذاته.

– ثورة العرابيين في الربع الأخير من القرن التاسع عشر طرحت البذرة الأولى لمفهوم “مصر للمصريين”، ثم جاءت ثورة 1919 لتنجزه عبر نضالها على محورين: الاستقلال في مواجهة الاحتلال ثم الدستور في مواجهة استبداد سلالة محمد علي باشا، ثم جاءت ثورة 23 يوليو 1952 لتكمل المسيرة لكنها أنجزت الاستقلال عن الاحتلال ثم استبدلت استبداد الحكام من ضباط الجيش باستبداد الحكام من سلالة محمد علي باشا، فانتقلت المصريون من استبداد الأسرة العلوية إلى استبداد من حلوا محلها من ضباط الجيش ناصر ثم السادات ثم مبارك.

ثم جاءت ثورة 25 يناير 2011 لتقدم إضافة عبقرية لمعني “مصر للمصريين”، وهو أن المصريين -في مجموعهم- يشكلون جمعية عمومية وهم ملاك هذا الوطن على وجه الحقيقة وليس على وجه المجاز، وأنهم السادة وأصحاب السيادة ولا سيد لهم ولا سيد عليهم، وأن فكرة الوطنية والوطن قد اكتسبت معنى جديدا، فلم تعد تقف عند معناها القديم الذي اكتسبته من الوقوف في وجه التدخل الأجنبي والاحتلال والاستعمار، وإنما أضيف لها معنى جديد اكتسبته من وقوف الشعب في وجه الديكتاتورية الوطنية التي تمثلت في النظام الجمهوري من 1953 حتى 2011، وهنا تتأكد قيمة الإضافة العظيمة التي قدمتها ثورة 25 يناير 2011 لدروس الوطنية المصرية، فلم يكن ما حدث من استبداد وفساد وتخلف ومظالم في العهد الجمهوري ناجما عن استعمار بالدرجة الأولى ولكنه كان ومازال ناجما عن سوء الإدارة وسوء التخطيط وسوء ترتيب الأولويات الذي اتبعته الأنظمة الحاكمة في العهد الجمهوري، علما أن هذه الأنظمة ذاتها حصدت كفاح الثورتين العرابية 1881 ثم ثورة 1919 في مواجهة الاستعمار القديم ثم قبلت -من تلقاء نفسها- الخضوع لمنطق الاستعمار الجديد.

صحيح أنها لم تكن أكثر من لحظة خاطفة، مجرد ساعات مائة، لكنها كانت كافية لميلاد فكرة المواطن الحر، بقدر ما كانت كافية لإعادة ميلاد مفهوم الشعب السيد، وذلك قبل أن ينزل الجيش والإخوان إلى الميادين، حيث انفتحت ثغرتان لثورتين مضادتين، الأولى تمثلت في عام من حكم الإخوان، والثانية تمثلت في تسعة أعوام من ديكتاتورية ما بعد 30 يونيو 2013م، ومازال الأفق مفتوحا أمام فصول جديدة من زحف الثورة المضادة بموجاتها المختلفة.

………………………………..

نأتي للحديث عن دولة ما بعد 30 يونيو 2013م.

دولة 30 يونيو كان ومازال لها خصمان: خصم تكتيكي هو الإخوان، ثم خصم استراتيجي هو ثورة 25 يناير 2011.

1 – الإخوان خصم أسهل نسبيا، حتى لو بدا على السطح غير ذلك، أسهل لأن الإخوان – رغم دخولهم في كل بيت مصري على وجه التقريب -إلا أنهم كانوا ومازالوا خارج إطار الحركة الوطنية المصرية، هم خارج فلك الوطنية المصرية بمحض إرادتهم، بطبيعة منظومتهم الفكرية المتجاوزة للوطن المصري والقومية المصرية، ثم بطبيعة تنظيمهم السري المغلق، ثم بطبيعة روح الفتح والغزو والجهاد التي تصبغ نشاطهم السياسي والتي تجعل من كل معركة سياسية مجرد غزوة كما تجعل من كل نصر غنيمة حرب، هذا الطبع في الإخوان مكن ويمكن وسوف يمكن كل الأنظمة من سهولة الانفراد بهم ثم التنكيل بهم ثم استئصال شأفتهم دون كثير اكتراث من مكونات المجتمع المصري في عمومه.

2 – ثورة 25 يناير 2011 هي الخصم الاستراتيجي لدولة ما بعد 30 يونيو 2013، لم تكن الخصومة من اختيار الثورة، بالعكس كانت تحسن الظن بالدولة، وكانت ترى فيها حائط صد ضد فاشية الإخوان، لكن الخصومة جاءت من طرف الدولة، بمبادرة من الدولة، إذا الدولة هي من قررت تجريد ثورة 25 يناير 2011 من كل فضيلة سياسية ووطنية وأخلاقية، ثم الدولة هي من قررت تشويه فكرة الثورة في ذاتها، ثم الدولة هي من قررت تشويه كل من تصدر الثورة وكان له فيها صورة مشهودة أو صوت مسموع أو كلمة مكتوبة ومقروءة، ثم الدولة هي من استخدمت الثورة شماعة تنسب إليها ما تستطيعه من أسباب فشلها كدولة ثم تبرئ نفسها كدولة من تبعات أخطائها في إدارة شؤون البلاد خلال سنوات ما بعد 2013.

ثورة 25 يناير 2011 تمثل هاجسا ومصدر قلق كبير لدولة ما بعد 30 يونيو، رغم أن الثورة ليس لها أي وجود مادي على أرض الواقع، وبعد مرور 11 عاما عليها لم يبق منها غير الذكريات ثم التضحيات ثم من فقدوا حياتهم بالموت أو من فقدوا حريتهم في السجون، أو من فقدوا أرزاقهم ومعاشهم ووظائفهم ومستقبلهم خارج السجون، رغم مجهود أكثر من عشر سنوات من تشويه سمعتها وإلصاق كل نقيصة بها إلا أن ثورة 25 يناير 2011 مازالت قوة نفسية خطيرة تروع دولة 30 يونيو وتبث الرعب في جهازها العصبي.

………………………………

– لماذا تخاف دولة ما بعد 30 يونيو من ثورة 25 يناير؟

– تخاف منها لأنها أرست قاعدة ذهبية مستقرة في الضمائر وفي العقول وفي القلوب، بقدر ما هي مستقرة على مر الأيام وكر الزمان، هذه القاعدة هي باختصار شديد:

” حق الشعب في اختيار حكامه ومراقبتهم ومحاسبتهم ومساءلتهم ومحاكمتهم وعزلهم من مواقعهم عندما وكلما تقتضي المصلحة العامة عزلهم بالدستور والقانون وكلمة الشعب”.

– ثم تخاف منها لأنها كانت محض انعقاد مباغت للجمعية العمومية لملاك مصر أو اتحاد ملاك مصر، وفي هذا الاجتماع ظهر أن للبلد ملاكا غير الحكام.

– ثم تخاف منها لأنها -رغم الحكم بقبضة الحديد والنار- من الوارد جدا أن يكون لها ظهور ثان مباغت ومفاجئ ومن وراء ظهر الزمن كما ظهرت أول مرة.

– ثم تخاف منها لأنها كشفت عن قدرات الشعب الحليم إذا غضب، قدرات بمثل هدر المحيط، لا يحتويها تهديد، ولا يوقفها وعيد.

ثم تخاف منها لأنها ولدت نقيض الحاكم الفرد المستبد هو المواطن الحر في ذاته والسيد في وطنه والمالك لمصيره .

هذه المخاوف، كانت وماتزال تعصف وتعبث بأعصاب دولة ما بعد 30 يونيو.

ولتهدئة هذه المخاوف إلى ما تسميه الفيلسوفة الأسبانية عديلة كورتينا “التهيئة العقلية Mentalization “، وهي تكتيك يتم اللجوء إليه لترويض البشر حتى يقبلوا تغيير مواقفهم، تقول في ص 15 من كتابها “مواطنون في العالم: نحو نظرية للمواطنة” [وحقيقة الأمر هي أن التهيئة العقلية هي منذ زمن بعيد، إحدى الوسائل الأكثر فعالية لتعديل المواقف، كما أن الطريقة الأكثر شيوعا واستخداما في باب العقلنة، هي في الغالب تتكون من عنصرين بسيطين هما: فرض القانون، واستخدام الكرباج، فمن يستطيع فرض قانونه وبث الخوف فإنه الرابح في اللعبة] انتهى الاقتباس .

من خلال برلمان 2015 ثم برلمان 2020 شرعت دولة ما بعد 30 يونيو كل ما يخدم مصالحها من تشريعات، وعلى مدى تسع سنوات لم تتورع عن استخدام الكرباج، ولم تتوقف عن بث الخوف، وبكل المعايير فإنها ربحت اللعبة وحسمت الصراع وأحكمت قبضتها، فليس فوق أرض مصر ولا تحتها من يجرؤ على فتح فمه بكلمة ذات شأن أو خطر.

………………………………..

دولة ما بعد 30 يونيو انتصرت نوع الانتصار المخيف، الانتصار الذي يقذف بالمنتصر في فراغ موحش ومرعب، انتصار الصمت الوحشي الذي تخلو معه الساحة من خطر، ويخلو معه الملعب من منافس، وتخلو معه الجبهة من خصيم، ويخلو معه الميدان من صوت غير صوت صاحبه وصداه وظله بل وشبحه ومخاوف نفسه وهواجس عقله وقلق صدره. فرضت قانونها ثم استخدمت كرباجها ثم بثت من الخوف ما يضمن إسكات شعب بأكمله، ورغم ذلك كله، فإن دولة ما بعد 30 يونيو مسكونة بكمية خوف تفوق مليون مرة كمية الخوف التي بثتها في ضمائر الناس وقلوبهم وعقولهم بل ومفاصل عظامهم.

رغم مرور ما يقرب من عشر سنوات على حكم دولة ما بعد 30 يونيو 2013م، ورغم منظومة إعلامها التي لا تتوقف عن الإنجازات، إلا أن الواقع المعيشي للمواطن يسوء يوما بعد يوم، ولا يملك المواطنون غير الغضب المكتوم يصول بين الصدور ويجول بين الضلوع ويمرح في عقول لا تملك أن تبوح .

هنا تميل دولة دولة ما بعد 30 يونيو إلى ترحيل مسؤوليتها -عن تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين- بعيدا عن أكتافها وتذهب بها بعيدا لتلقيها على من تصادف وجوده قريبا من اللحظة أو قريبا من الذاكرة أو قريبا منها:

– فتارةً يكون المسؤول هو ما يسمى حروب الجيل الرابع، وتارة يكون المسؤول هو أهل الشر، وتارة يكون المسؤول دولا معينة في لحظة معينة، وتارة يكون المسؤول الإخوان، وتارة يكون المسؤول هزيمة 5 يونيو 1967، وتارة يكون المسؤول هو نظام مبارك، وتارة يكون المسؤول هو زيادة معدلات المواليد، وتارة يكون المسؤول هو الشعب نفسه، والمسؤول الأول والأخير بطبيعة الحال هو ثورة 25 يناير 2011 فهي الملومة أبدا وهي الخطيئة التى لا غفران لها ولا نسيان ولا تسامح.

………………………..

لو أنصفت دولة 30 يونيو لعلمت أن مشكلتها مع نفسها وليست مع ثورة 25 يناير 2011، مشكلتها تكمن في عدم استعدادها لتحمل مسؤوليتها عما استجد من أوضاع يضيق بها المواطن في عهدها، تسع سنوات كافية كإطار زمني لتكون المشاكل الجديدة ابنة المرحلة الجديدة وفي نطاق مسؤوليتها ولا تخرج عن حدود التزامها، وحتى المشاكل القديمة الموروثة عن فترة ما قبل 30 يونيو 2013 فإن السنوات التسع من حكم 30 يونيو فترة كافية ليكون قد حدث فيها إنجاز ملموس يحسه المواطن ويشعر بانعكاسه بالخير واليسر على حياته ومعيشته.

وما يقال عن براءة ثورة 25 يناير يقال مثله عن كل خصوم دولة ما بعد 30 يونيو فقد تم فرمهم ثم تكسير عظامهم ثم طحنهم ثم عجنهم جميعا ثم دوسهم تحت الأقدام، بما يستحيل معه – بأي معيار عقلي -أن يكونوا خطرا على الدولة أو مصدر إعاقة لخططها ومشاريعها ومنهجها في الحكم والإدارة.

نفطة البداية: أن تعلن دولة ما بعد 30 يونيو مسؤوليتها عما جرى لمصر وللمصريين فيما مضى من عهدها، ثم تعلن استعدادها لتصويب مسارها فيما بقي منه.

ثم تقتنع أن ثورة 25 يناير لم تكن غلطة تاريخية ولاثمرة خطيئة ولا ابنة سفاح سياسي غير مشروع، والعكس صحيح : ثورة 25 يناير هي لبنة طبيعية في بناء الثورات المصرية، هي تتويج ثورات المصريين، وهي -في وقتها- كانت خلاصة وعصارة نضال المصريين في القرنين الأخيرين من الزمن.

ثم من الحكمة أن تدرك دولة ما بعد 30 يونيو أن نضال المصريين لن يتوقف، فهو مستمر، حتى لو تعطل بفعل الكرباج، ولا توجد قوة في الكون تستطيع وقف كفاح شعب مثقف ومتحضر وطموح مثل الشعب المصري.

……………………….

أحسنت دولة ما بعد 30 يونيو صنعا عندما حددت غايتها في كلمتين: “الحفاظ على الدولة المصرية وتثبيتها”، فهذا هدف استراتيجي عظيم في لحظة انقلب فيها الربيع العربي إلى فوضى تعصف بالدول والشعوب من حولنا.

كما أحسنت دولة ما بعد 30 يونيو عندما تمكنت من حفظ الاستقرار والأمن وبسط هيبة القانون وإلا كان البديل أبهظ ثمنا من أن نقدر على دفعه كدولة وكمواطنين.

لكنها أخطأت عندما اتخذت من ثورة 25 يناير خصيما ثم عدوا.

ثم أخطأت حين عزفت عن الديمقراطية واشتهت الديكتاتورية.

ثم أخطأت حين اعتقدت أن الثورة والدولة على طرفي نقيض.

ثم أخطأت خطأها الأكبر عندما تصورت أن الحرية والدولة لا يلتقيان.

……………………

الدولة ليس عنها بديل، وقد تعودت الدولة عندنا وعند غيرنا أن تحكم بدون حرية، لكن هذا رغم أنه الأصل في التاريخ انتهى وانقضى.

ومستقبل الدولة – كفكرة ومؤسسة ووظيفة بات مرهونا بالحرية، تماما مثلما كان وجودها في الماضي مقرونا بالاستبداد.

كان – في وسع دولة ما بعد 30 يونيو – أن تدرب المصريين على الديمقراطية لا أن تصادرها من جذورها.

ومازال هذا الخيار هو الحل الوحيد الممكن: إصلاح ديمقراطي يكفل طرفي المعادلة.

يكفل الحرية للمواطنين، بمثلما يكفل استقرار الدولة وتماسكها.