في تحليله القصير المنشور على World Politics Review عن الغزو الروسي لأوكرانيا. وصف كانديس روندو، الزميل والأستاذ الممارس في مركز مستقبل الحرب. تلك الأيام بأنها “ستطارد السياسة الأمريكية لسنوات قادمة”. حيث تؤثر المعارك الدائرة، وردود الأفعال المختلفة خلال المفاوضات على مستقبل المسار السياسي للولايات المتحدة. على الأقل للسنوات العشر المُقبلة.
في بداية حديثه، يلفت روندو إلى أنه مع وجود القوات الروسية الآن في عمق أوكرانيا. ومع الجلسات الطارئة التي يعقدها حلفاء الناتو، وأعضاء الأمم المتحدة، من أجل تهدئة للصراع. قد يبدو الأمر وكأنه عابث قليلا للتركيز على مسألة كيف سيشكل الغزو الروسي السياسة الداخلية في الولايات المتحدة.
رغم ذلك، لا يزال من المهم أيضًا الاعتراف بما تعنيه هذه اللحظة التاريخية للمسار المستقبلي لأمريكا. وبالتالي، ما قد تعنيه المواقف المتغيرة في واشنطن بالنسبة للعلاقات الأمريكية- الروسية.
يقول روندو: يجب الاعتراف بذلك مقدمًا. يمكن قتل أو تشريد الآلاف -إن لم يكن الملايين- من الأوكرانيين في حالة تصاعد الصراع مع روسيا. في غضون بضعة أشهر، قد تبدو خريطة أوروبا مختلفة تمامًا بالنسبة لنا. على افتراض نجاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تحقيق هدفه المتطرف. المتمثل في قطع رأس القيادة السياسية الأوكرانية في كييف.
بالنظر إلى المقاومة الأوكرانية الشرسة في مواجهة الهجوم الروسي الأولي، وكذلك حجم الهجوم الروسي. الذي ينتشر عبر المناطق الحدودية الثلاث لأوكرانيا، فإن الدمار القادم -بلا شك- سيتردد صداه لجيل أو أكثر في جميع أنحاء البلاد والقارة. وعلى الأرجح العالم.
ماذا تعني حرب روسيا وأوكرانيا لسياسة الولايات المتحدة؟
يمكن القول إن التهديد المتمثل في قيام روسيا بتكثيف عدوانها العسكري في أوكرانيا. يعيد بالفعل تشكيل الآراء السياسية في الولايات المتحدة. وجد استطلاع حديث لـ AP-NORC أن 4 فقط من كل 10 أمريكيين موافقون على كيفية تعامل الرئيس الأمريكي جو بايدن مع السياسة الخارجية والعلاقات الأمريكية- الروسية.
أيضًا، تنتشر عدم الثقة في وكالات الاستخبارات الأمريكية على نطاق واسع. وهو أثر مؤلم لتسييس المعلومات الاستخباراتية المستخدمة لتبرير الحرب الأمريكية في العراق قبل 20 عامًا. يبدو أن معظم الذين شملهم الاستطلاع يتفقون على أن الولايات المتحدة بحاجة إلى توخي الحذر بشأن مشاركتها في أوكرانيا، وتجنب التصعيد العسكري.
في غضون ذلك، يصطف الصقور والحمائم، في كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. في التبرير حول ما إذا كان سيتم تقديم المزيد من المساعدة الفتاكة لأوكرانيا. وكذلك، ما إذا كانت العقوبات الأمريكية ضد الدائرة المقربة من بوتين، والقطاع المالي الروسي، سيكون لها التأثير المطلوب. وإذا كان الأمر كذلك، فبأي سرعة.
تجبر الآثار المدمرة المحتملة للصراع على أوكرانيا السياسيين الأمريكيين -من كافة التيارات- على اتخاذ مواقف عامة بشأن رد الولايات المتحدة على العدوان الروسي. والتي قد يندمون عليها جميعًا في الوقت المناسب.
ترامب وبوتين.. الثري مولع بالجاسوس
ليس من المستغرب أن يكون المنافس الرئيسي لبايدن، الرئيس السابق دونالد ترامب، قد نقل الأمور إلى المستوى التالي، واصفًا بوتين بأنه “عبقري” لغزو “بارع” لأوكرانيا. كما لم يكن مفاجئًا، قرر تاكر كارلسون -شخصية فوكس نيوز الذي رفضته المخابرات المركزية ليصبح المذيع الأكثر مشاهدة في أمريكا- المشاركة في هذا الحدث. حيث قدم دفاعًا عن بوتين، وصفه الأستاذ بمعهد مستقبل الحرب بـ “المسعور”.
كما فعل الأمر نفسه مؤيدا ترامب، إريك برنس، الرئيس السابق لشركة “بلاك ووتر” الذي ارتبط اسمه بالمرتزقة التي تعمل في أفريقيا. وستيف بانون، كبير مستشاري ترامب للشؤون الاستراتيجية، والذي وصفه الرئيس السابق فيما بعد بأنه “فقد عقله”.
مع توقع المزيد من نفس الحديث حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة في نوفمبر 2024. من المؤكد تمامًا أن الغزو الروسي سيستمر في تأجيج نيران السياسات الحزبية المستقطبة في واشنطن لبعض الوقت. والأقل تأكيدًا هو المدة التي ستستغرقها الأزمة الروسية- الأوكرانية لتهدد استقرار المؤسسات الأمريكية مرة أخرى.
بالتالي، تؤدي الآثار الضارة لهذا التقلب الداخلي المتجدد في الولايات المتحدة إلى إعادة الضرر إلى أوكرانيا وأوروبا.
التعاطف مع بوتين
يقول روندو: لا نخطئ إذا قلنا إن التعاطف مع نصير بوتين الفاشي للقيم التقليدية. والتعاطف مع رواياته ضد “الغرب الليبرالي”، وهجماته غير المتقطعة على أوروبا والولايات المتحدة. ستكون تيارًا حيًا ينبض عبر السياسة الأمريكية لسنوات قادمة. وفي حين أن الكثيرين في الولايات المتحدة من المرجح أن يتبنوا نظرة أكثر قتامة لأفعال بوتين. إلا أن المزيد سيستمرون في تصديق الخيال القائل بأن الموقف الانعزالي سيعزل الولايات المتحدة عن تأثير الحرب في أوروبا. هذا النوع من التفكير غير التاريخي هو -بعد كل شيء- السبب في أن الأمريكيين والأوروبيين والعالم يواجهون الآن بصدق احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة.
يضيف: عندما تتوقف عن التفكير في الأمر. فإن الحقيقة أن الأمر استغرق غزوًا روسيًا ثانيًا للأراضي الأوكرانية لإيقاظ واشنطن على حقيقة أن بوتين يعتقد أنه في حالة حرب مع الولايات المتحدة. سيطرت تداعيات انتزاع روسيا لأوكرانيا عام 2014 على السياسة الأمريكية لمدة ثماني سنوات متتالية، مما يجعل الولايات المتحدة غير معروفة للعديد من مواطنيها.
أولاً، كانت هناك حرب كلامية بين ترامب والمرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون في عام 2016 خلال الحملة الانتخابية. بعد ذلك، كان هناك القرصنة الروسية وإلقاء رسائل البريد الإلكتروني الخاصة باللجنة الوطنية الديمقراطية. وحملة التأثير الهائلة التي تهدف إلى تعزيز فرص ترامب في الفوز على كلينتون، والتي تديرها وكالة أبحاث الإنترنت الروسية.
أدى ذلك إلى التحقيق الذي أجراه المحامي الخاص روبرت مولر في التدخل الروسي في السياسة الانتخابية الأمريكية. بعد ذلك، بعد وقت قصير من إطلاق مولر تحقيقه، عادت الروبوتات والمتصيدون الروس إلى العمل مرة أخرى، وهذه المرة للترويج لحملة تضليل لتدمير المؤسسات تُعرف الآن باسم نظرية مؤامرة QAnon.
ألم أمريكي من نجاح بوتين في أوكرانيا
بعد أقل من عام من التصويت على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتولي منصبه. أثار وصوله إلى السلطة -والمحادثات التي تم تسريبها مع ترامب- أزمة عزل رئاسية في واشنطن. بعد أكثر من عام بقليل من ذلك، شنت عصابة غاضبة مؤيدة لترامب انقلابًا عنيفًا في مبنى الكابيتول الأمريكي بهدف قلب نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020. وهو الحدث الذي أدى لاحقًا إلى إجراء محاكمة ثانية ضد الرئيس المنتهية ولايته.
يؤكد الأستاذ بمعهد دراسات الحرب: نعم، الأمريكيون قلقون بشأن التضخم والتأثير المحتمل للعقوبات على روسيا. على مضخة الوقود وفواتير الطاقة الخاصة بهم. من الصحيح أيضًا أن الكثيرين لن يربطوا أبدًا النقاط بين كيفية تأثير انتزاع بوتين الوحدوي على أوكرانيا على الاقتصادات الأوروبية. وكيف سيؤثر ذلك بدوره على التجارة الأمريكية مع أوروبا، أحد أهم شركائها. وكيف سيؤثر ذلك على سعر بضائع المستهلكين.
هم ليسوا مخطئين: سيكون هناك ألم قصير المدى لمعظم المستهلكين في الولايات المتحدة وأوروبا. ولكن، قد يكون هناك أيضًا ضرر طويل المدى للتجارة عبر الأطلسي والاقتصاد العالمي. إذا نجح بوتين في احتلال أوكرانيا حتى لفترة وجيزة.
يلفت إلى أنه من المرجح أن تستمر استطلاعات الرأي في عكس الشكوك العميقة بين الأمريكيين بشأن أي مشاركة عسكرية في أوكرانيا. يقول: الانعزالية هي -بعد كل شيء- تقليد أمريكي. لكن دخول الولايات المتحدة في الحربين العالميتين الأولى والثانية، أيضًا تحمل دروسًا مهمة للمحللين ومنظمي استطلاعات الرأي عبر الطيف السياسي.
انس أمر “الحرب الباردة الجديدة”. كما لو يعتقد بعض الخبراء أنه من الممكن أن يتحول القتال في أوكرانيا إلى حرب إقليمية يمكن أن تجذب بولندا أو دول البلطيق. مما يعني أن الناتو -وبالتالي الولايات المتحدة- سوف ينجر إلى الصراع. في هذه المرحلة، لن يهم كثيرًا ما يفكر فيه الأمريكيون حول كيفية عمل البيت الأبيض. لأن العالم الذي نعيش فيه سيكون غير معروف، والسلام في أوروبا لا يمكن استعادته لسنوات قادمة.