في عام 2020 بينما العالم ينسحق تحت وطأة حزن مقيم أنتجه فيروس كورونا على كافة المستويات النفسية والاجتماعية والعملية، كان شح الأعمال الكوميديا مقلق. ربما لأهمية تواجدها كعنصر تنفيس في أوقات كتلك. في هذا الوقت تماما خرج الموسم الأول من مسلسل اللعبة. فكان عبثًا تحتمله للتخفيف مما يحدث في عالم قاس على الجميع.

تدور الأحداث حول وسيم ومازو. وهما الصديقان المتنافسان منذ صغرهما، واللذان يقرران خوض تحد مستمر بينهما، تتواصل أحداثه إلى أن يتقدمان في العمر فيختاران أن ينتهي التنافس. ذلك حتى يظهر شخص غامض يدفعهما للعودة.

وقتها، قوبل المسلسل بحفاوة بالغة من قبل المشاهدين الذين أبدوا تفاعلًا غير مسبوق، لفت أنظار صناع العمل أنفسهم. إذ لم يكن يتخيل أحدهم هذا النجاح الساحق. قرر صناع العمل تقديم الجزء الثاني في عام 2021 إرضاءً لرغبة الجمهور. وقد لقى أيضًا نجاحًا مماثلًا.. أو يزيد في رأيي.

وأثناء كتابة هذا المقال نتابع الحلقات الأخيرة من الجزء الثالث، وربما ليس الأخير من المسلسل “اللعبة أو العب مع الكبار” الذي تستثمر فيه منصة “شاهد”.

نحاول حاليًا الوقوف قليلًا أمام هذا النجاح المبهر في استمراريته ومحاولة توثيق ملامح “إيفيه”. (لفظ “إفيه” مأخوذ من “Effet” الفرنسية بمعنى “تأثير”، وحُرّف ليعبَّر عن أي تأثير كوميدي أو مضحك).

ما الذي يجعل اللعبة مبهرًا للجمهور في كل مرة؟

1: الهدف من الضحك استئصال العداء تجاه الأشياء والأشخاص. وبالتالي، قبل أن يجد موضوع الضحك، عليه أن يختاره بجدية، أن يبتعد عن الاختيارات المضمونة التي تدور حول الجنس والعنصرية وتغيير الصوت.

كاتب الكوميديا المحترف عليه أن يتمنى أن يشاهد مواقف غريبة يوميًّا. لو سارت الأمور بشكل طبيعي، فلا وجود لنكتة جيدة. هكذا ينصح دائمًا الكاتب الكوميدي مارك شوارتز وهكذا ينفذ دائمًا فريق عمل “اللعبة” التي تلعب بجد.

2: بداية من الثنائي البطل، القادمان من مساحة كوميدية تهكمية، بدأت منذ فيلم “رجال لا تعرف المستحيل” الذي كان سابقة جيله، نفهم جيدًا أننا لسنا أمام أشخاص خفيفي الظل فقط، هم أيضًا كتّاب للإيفيه. ما يجعل هناك سلاسة غير عادية أثناء عرضه. وربما ندعي أنهما فقط في السينما المصرية اللذان لاقت نجاحتهما الكتابية النجاح ذاته لأعمالهما التمثيلية.

3: تميز مذهل على كافة مستويات اختيارات الأدوار المساعدة للأبطال. ثم إعادة اكتشاف سامي مغاوري وعارفة عبد الرسول كأسطوات في عالم الكوميديا. إلى جانب الاختيار الأذكى من المخرج معتز التوني -الأكثر إخلاصًا للكوميديا في جيله- باختيار مي كساب، للتأكيد مرة أخرى أنها واحدة من أفضل أبناء جيلها تمثيليًا. مرة أخرى يمكننا الثقة في اعتبار مي كساب رهانًا مضمون النجاح لكل من يختارها.

4: “لو أثارت الكلمة ضحكة فهي طريفة، أبقِ عليها”. يُطلق كُتاب الكوميديا على هذا “استنفاد الضحكة”. أي الاستفادة من الإفيه حتى يمله الجمهور. وتلك هي الوسيلة الأضمن قبل أن تكون الأسهل بين وسائل الإضحاك.

ومن هنا يمكن أن ننطلق أكثر نحو بدايات الكوميديا وأصلها. فنجد الاستثمار في نجاح ما يعجب الجمهور على حساب أي شيء.

ينزعج الجمهور قليلًا من دور بيومي فؤاد في الأجزاء الأولى على اعتبار “قلشاته” وطريقته عمومًا باتت متوقعة تجعله يتم استبعاده. بينما الاندماج مع محمد ثروت كزميل نجاح يجعل بطلا العمل يفردان له مساحات أكثر رحابة دون الخوف من انتزاع الكاميرا منهما كأبطال. ذلك إلى جانب التركيز على مناطق بعينها علقت مع الجمهور الذي يتم التعامل معه كعنصر مشارك فعلًا دون مبالغة في صناعة الحلقات.

5: يقول إيمو فيليبس: “تعلمتُ الجنس بالطريقة الصعبة، تعلمته من الكتب”. يعكس المثال بنية أو شكل الجملة المتوقع قولها. إذ من المنطقي أن يكون تعلُّم الجنس عن طريق ممارسته أصعب من القراءة عنه فقط. لكن المضحك هنا أن الإفيه يحوّل هذا المظهر النسبي أو المنطقية التي ينبغي قولها إلى العكس فيخلق ضحكة. لذلك نجد في المسلسل التجريب المستمر والمدروس في الوقت ذاته، في كل مرة ستفاجيء بأشياء غير متوقعة أو بأخرى استنفذت التفكير فيها قبل خروجها، أفكار جديدة وأماكن جديدة للتصوير في إطار فكرة حية وخفيفة تجعل الحلقة أشبه بمباراة لكرة القدم بكل ما فيها من حماس وإثارة وتوحد مع الأبطال لنشاهد ضحك غير متوقع.

6: سيناريو يرسم شخصيات وأبعاد كل فريق بمجهود يستحق التحية كأشياء تثبت من فكرة التوحد الجمهور مع كل فريق أو شخصية على حدة مثل علاقة “إيسو وويسو” أو “ماظو وشيماء” أو “بسيوني وشويكار”، لا نشاهد مساحة لمعركة لأبطال يلقون الإيفيهات بينما الجميع في خدمة “للفرش” لهذا الإيفيه والمشاركة فيه، بل إن لكل شخصية عقليتها وشخصيتها في إلقاء ضحكها الخاص المنطقي مما يجعل الإيفيه أكثر صدقًا وطزاجة وإضحاكًا بالطبع.

7: لا يخجل الصناع من اللعب ضمن أي مساحة لإنتاج إيفيه حقيقي، يمكنهم السخرية الحقيقية من كل شيء وتسخير كل شيء للضحك بشكل شديد الذكاء في كل مرة، من المرض للشيخوخة للموت كأشياء ربما يحذر السخرية منها، ستجدها “تابوهات” مكسورة داخل المسلسل لأشخاص لا تحترم أي شيء قدر احترامها الشديد للعبث والهزل.

8: أغلب الأعمال التي يمكن تصنيفها كوميدية في الفترة الأخيرة تعتمد على الاستظراف دون فهم واعي للأمر بينما يعي صناع مسلسل اللعبة الفرق جيدًا، يصنعون مساحات مختلفة من الضحك البعيد عن “التهزيق والتنمر والغباء الذي يمثله الآخر الأضحوكة والعنف الذي يظهر مع كل بطل “كوميدي” يضرب الآخر على قفاه بسبب أو بدون، نحن أمام أشياء تنتج إيفيه بعد عمل مرهق، تنتج إيفيه بشكل جاد، وهو ما يجعلهم خلطتهم تنال الإعجاب في كل مرة.