يعود ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مرة أخرى للظهور في وسائل الإعلام العالمية حاملًا وجهه الإصلاحي. متحدثًا، في لقاء مع مجلة “The Atlantic ” الأمريكية، حول وجه المملكة الذي تغير في السنوات السبع الماضية. رافضًا انتقاده تحت أي بند. ورافعًا شعار “لا يحق لأحد التدخل في شؤون المملكة الداخلية”.

أكد بن سلمان، خلال حديثه، أن الإصلاحات الخاصة بالمرأة السعودية جاءت ضمن خطته الإصلاحية، و”ليست استرضاء لأحد”. مُشددًا على أن جماعة الإخوان “لعبت دورًا ضخمًا في صناعة التطرف”. وأن من نتاج هذه الجماعة مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وزعيم التنظيم الحالي أيمن الظواهري. لفت كذلك إلى أن “المتطرفين سنة وشيعة اختطفوا الإسلام. ولم يجدوا من يوقفهم عند حدودهم”، حسب تعبيره.

تحت عنوان “السلطة المطلقة”، تصدر حوار بن سلمان الذي أجراه جرايمي وود صفحات وسائل الإعلام العالمية. ليس فقط من أجل حديث الأمير الذي انزوى عن الظهور الإعلامي في الغرب منذ اتهامه بمقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي. بل كذلك من أجل الانطباع الذي تركه الحوار في نفس وود. الذي قال: لقد سافرت إلى المملكة العربية السعودية على مدار السنوات الثلاث الماضية. محاولًا أن أفهم ما إذا كان ولي العهد قاتلًا، أم مصلحًا، أم كليهما. وإذا كان الاثنين، فهل يمكن أن يكون أحدهما دون الآخر؟

أضاف: لمدة عامين تقريبًا، اختبأ محمد بن سلمان عن المشهد العام. كما لو كان يأمل في نسيان مقتل خاشقجي. لم يحدث ذلك. لكن ولي العهد لا يزال يريد إقناع العالم بأنه ينقذ بلاده، ولا يتخذها رهينة، وهذا هو السبب في أنه التقى مرتين في الأشهر الأخيرة معي ومع رئيس تحرير هذه المجلة، جيفري جولدبرج”.

وتابع: في اجتماعاتنا، كان ولي العهد ساحرًا وودودًا وذكيًا وغير رسمي. ولكن النظم الملكية المطلقة، لا يمكنها الهروب من الغرابة.

 

مزيد من الحداثة

أبدى وود ملاحظته حول التقدم السريع الذي تشهده البلاد. قال لولي العهد: في كل مرة أجيء فيها أرى تغييرًا، ومزيدًا من الحداثة، ومزيدًا من التقدم. وصف المملكة بأنها أصبحت مشابهةً لدبي، ومشابهة أيضًا بصورة بسيطة لأمريكا. هنا، رفض الأمير السعودي التشبيه. قال: لا نحاول أن نكون مثل دبي أو أمريكا. بل نسعى إلى أن نتطور بناءً على ما لدينا من مقومات اقتصادية وثقافية. وقبل ذلك الشعب السعودي وتاريخنا. نحن نحاول أن نتطور بهذه الطريقة.

أضاف بن سلمان: لا نريد أن نقدم مشاريع منسوخة من أماكن أخرى، بل نريد أن نضيف شيئًا جديدًا للعالم. الكثير من المشاريع التي تقام في المملكة تعد فريدة من نوعها، إنها مشاريع ذات طابع سعودي. فإذا أخذنا العلا على سبيل المثال، فهي موجودة في السعودية فقط، لا يوجد أي نموذج مثلها على هذا الكوكب. وإذا أخذنا أيضًا على سبيل المثال مشروع الدرعية، فهو أكبر مشروع ثقافي في العالم، ويعد فريدًا من نوعه. كما أن المشروع يعد مشروعًا تراثيًّا ثقافيًّا ذا طابع نجدي. وإذا رأينا على سبيل المثال مشروع جدة القديمة، فهو مشروع تطويري قائم على التراث الحجازي.

هنا، يُشير ولي العهد إلى المشروع الأحدث في المملكة والشرق الأوسط. يقول: إذا أخذنا نيوم على سبيل المثال، وذا لاين، المدينة الرئيسية في نيوم. فهي تمثل مشروعًا فريدًا من نوعه تم إنشاؤه وصنعه بواسطة السعودية. إنه لا يعد مشروعًا منسوخًا من أي مشروع آخر موجود في أي منطقة في العالم. بل يمثل تطورًا وإيجادًا للحلول التي لم يتمكن أحد من إيجادها.

وشدد: نؤكد مجددًا أننا لا ننسخ المشاريع، بل نحن نحاول أن نكون إبداعيين. إننا نحاول استخدام الأموال التي نملكها في صندوق الاستثمارات العامة. والأموال التي نملكها في ميزانية الحكومة بطريقة إبداعية تعتمد على ثقافتنا وعلى الإبداع السعودي.

إطلالة شبابية

ظهر ولي العهد في المقابلة مع المجلة الأمريكية تاركا زر ردائه عند الرقبة مفتوحا بأسلوب غير رسمي -كاجوال- يفضله الشباب السعوديون. قدّم إجاباته للصحفي بارتياح وبلا اضطراب على أسئلة حول عاداته الشخصية. وصفه وود بأنه يحاول الحد من استخدامه لتويتر. يتناول الإفطار كل يوم مع أطفاله. من أجل المتعة، يشاهد التلفاز، ويتجنب مسلسلات، مثل House of Cards، التي تذكره بالعمل. بدلاً من ذلك، قال دون سخرية واضحة، إنه يفضل مشاهدة المسلسلات التي تساعده على الهروب من واقع وظيفته، مثل Game of Thrones”.

كشف وود أنه قبل اللقاء، سأل أحد مستشاري محمد بن سلمان إذا كان هناك أي أسئلة يمكن أن يطرحه على ولي العهد لم يستطع هو نفسه طرحها، فأجاب المستشار سريعا: “لا يوجد، وهذا ما يجعله مختلفًا عن كل ولي عهد سبقه”.

أضاف: “تسببت الأسئلة الصعبة في تحرك ولي العهد بسرعة، وكان صوته يهتز بتردد أعلى. في كل دقيقة أو دقيقتين، كان يقوم بتشنج حركي معقد. إمالة سريعة للرأس للخلف، يتبعها بلع، مثل بجعة تبتلع سمكة. اشتكى من أنه تعرض للظلم، وأظهر شعورا بعقلية الضحية وبهوس العظمة بمستوى غير عادي حتى بمعايير حكام الشرق الأوسط”.

لن نقلل من أهمية معتقداتنا

التعارض الشهير بين القيم المستحدثة والمذهب الوهابي الذي حكم المملكة لعقود طويلة دفع محرر المجلة لسؤال ولي العهد: هل يمكنكم تحديث البلاد إلى درجةٍ تُصبح فيها هوية السعودية الإسلامية أكثر ضعفًا؟ هنا، أشار بن سلمان إلى أن جميع دول العالم -بشكل أو آخر- قائمة على معتقدات.

يقول: على سبيل المثال، أمريكا قائمة على أساس المعتقدات التالية: الديمقراطية، والحرية، والاقتصاد الحر وغيرها، والشعب يكون متحدًا بناء على هذه المعتقدات، فإذا طرحت السؤال التالي: هل جميع الديمقراطيات جيدة؟ وهل جميع الديمقراطيات مجدية؟ بالتأكيد لا. إن دولتنا قائمة على الإسلام، وعلى الثقافة القبلية، وثقافة المنطقة، وثقافة البلدة، والثقافة العربية، والثقافة السعودية، وعلى معتقداتها، وهذه هي روحنا، وإذا تخلصنا منها، فإن هذا الأمر يعني أن البلد سينهار.

يتابع الأمير: السؤال الأهم هو: كيف يمكننا وضع السعودية على المسار السليم، وليس المسار الخاطئ؟ السؤال ذاته يواجه أمريكا: كيف يمكن للمرء أن يضع الديمقراطية والأسواق الحرة والحرية على المسار السليم؟ لأن هذه الأمور قد تسلك المسار الخاطئ. لذا فإننا لن نقلل من أهمية معتقداتنا، لأنها تمثل روحنا. فالمسجد الحرام يوجد في السعودية، ولا يمكن لأحد أن يزيله. لذا فإننا بلا أدنى شك لدينا مسؤولية مستمرة إلى الأبد تجاه المسجد الحرام.

الإخوان مصنع التطرف

يعترض بن سلمان على لفظ “الإسلام المعتدل”. الذي يقول إنه يجعل المتطرفين والإرهابيين سعداء. حيث إنها أخبار جيدة لهم إذا استخدمنا ذلك المصطلح “إذا قلنا “الإسلام المعتدل” فإن ذلك قد يوحي أن السعودية والبلدان الأخرى يقومون بتغيير الإسلام إلى شيءٍ جديد”.

يضيف: نحن نرجع إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، التي عاش بها الرسول -عليه الصلاة والسلام- والخلفاء الأربعة الراشدين، حيث كانت مجتمعاتهم منفتحة ومسالمة. كان عندهم مسيحيون ويهود يعيشون في تلك المجتمعات، وأرشدتنا هذه التعاليم أن نحترم جميع الثقافات والديانات بغض النظر عنها.

يؤكد: هذه التعاليم كانت مثالية، ونحن راجعون إلى الجذور، إلى الشيء الحقيقي. إن ما حدث هو أن المتطرفين اختطفوا الدين الإسلامي وحرفوه، بحسب مصالحهم، حيث إنهم يحاولون جعل الناس يرون الإسلام على طريقتهم، والمشكلة هي انعدام وجود من يجادلهم ويحاربهم بجدية. وبذلك سنحت لهم الفرصة في نشر هذه الآراء المتطرفة المؤدية إلى تشكيل أكثر جماعات الإرهاب تطرفًا، في كلٍّ من العالمين السني والشيعي.

يُشير ولي العهد إلى أن جماعة الإخوان المسلمين دور كبير وضخم تلعب في خلق التطرف. يرى أن بعضهم يعد كجسر يودي بالمرء إلى التطرف. يقول: عندما تتحدث إليهم لا يبدون وكأنهم متطرفين، ولكنهم يأخذونك إلى التطرف، فعلى سبيل المثال: أسامة بن لادن والظواهري كانا من الإخوان المسلمين. وقائد تنظيم داعش كان من الإخوان المسلمين، ولذلك تعد جماعة الإخوان المسلمين وسيلة وعنصر قوي في صنع التطرف على مدى العقود الماضية.

يلفت بن سلمان إلى أن الأمر لا يقتصر على جماعة الإخوان المسلمين فحسب، بل خليط من الأمور والأحداث، ليس فقط من العالم الإسلامي. بل حتى من أمريكا التي بخوضها حربًا في العراق أعطت للمتطرفين فرصة سانحة. كما أن هناك بعض المتطرفين في السعودية ليسوا من جماعة الإخوان المسلمين قد لعبوا دورًا في ذلك، خصوصًا بعد قيام الثورة في إيران عام 1979م، ومحاولة الاستيلاء على المسجد الحرام بمكة المكرمة.

إجراءات معقدة

يحكي وود عن كواليس لقاؤه بولي العهد السعودي: “في لقائنا الأول، استدعانا محمد بن سلمان إلى قصر على البحر الأحمر، وهو ملجأ عائلته من فيروس كورونا. كانت البروتوكولات متعددة الدرجات: سلسلة من اختبارات PCR بواسطة ممرضات من العيادات الملكية، طائرة خاصة في منتصف الليل من الرياض. موكب من مدرج طائرات بالصحراء، تسليم الأجهزة الإلكترونية، توقف في دار ضيافة غامضة مرئية في صور الأقمار الصناعية ولكن بدون علامات على الخرائط. بعدها دعانا إلى قصره حوالي الساعة 1:30 صباحًا، وتحدثنا لمدة ساعتين تقريبًا.

بالنسبة للقاء الثاني، في قصره بالرياض، قيل للصحفيين أن يكونا مستعدين بحلول الساعة 10 صباحًا. لكنه بدأ أيضا بعد منتصف الليل. يقول الصحفي الأمريكي: القاعات كانت نشطة. كان ولي العهد قد عاد لتوه بعد ما يقرب من عامين من العمل عن بعد، وفرش مساعدوه والوزراء السجاد الأحمر سعيًا لعقد اجتماعات، هي الأولى منذ شهور، مع رئيسهم.

يروي: تراكمت طرود ووثائق على المكاتب والطاولات في مكتبه، الذي كان كبيرًا ولكن ليس مترفًا. كان التنازل الأكثر وضوحًا للذوق الرفيع هو تلسكوب قديم الطراز مثبت على حامل ثلاثي القوائم. حيث تم ضبط ارتفاعه بشكل ضحل لا يبدو أنه موجه نحو السماء بل إلى الرياض، العاصمة المترامية الأطراف التي حكمت منها أسرة آل سعود، معظم القرون الثلاثة الماضية.

أضاف: “في بداية كلا من المقابلتين، قال محمد بن سلمان إنه حزين لأن الوباء منعنا من العناق. اعتذر عن اضطرارنا جميعًا إلى ارتداء الكمامات. حضر كل لقاء العديد من الأمراء الصامتين يرتدون أردية وكمامات بيضاء متطابقة، مما يتركنا غير متأكدين، حتى يومنا هذا، من كان حاضرًا بالضبط.

الوهابية ليست دينًا.. وطلابها كتبوا التاريخ بمنظورهم

فيما يخص الشيخ محمد بن عبد الوهاب، صاحب المذهب الأكثر تطرفًا في التاريخ الحديث. يرى ولي العهد السعودي أنه “كسائر الدعاة وليس رسولًا، بل كان داعية فقط”. وأنه واحدًا من ضمن العديد من ممن عملوا من السياسيين والعسكريين في الدولة السعودية الأولى.

يلفت الأمير إلى أن المشكلة في الجزيرة العربية -آنذاك- كانت أن الناس الذين كانوا قادرين على القراءة أو الكتابة هم فقط طلاب محمد بن عبدالوهاب. يقول: تمت كتابة التاريخ بمنظورهم، وإساءة استخدام ذلك من متطرفين عديدين. ولكنني واثق لو أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والشيخ عبدالعزيز بن باز، ومشايخ آخرين موجودين الآن، فسيكونون من أول الناس المحاربين لهذه الجماعات المتطرفة الإرهابية.

أكد: الحقيقة في الأمر هي أن تنظيم داعش لا يستخدم شخصية دينية سعودية كمثال يتبعه، ولكن عندما تموت هذه الشخصية، يبدأ عناصر داعش بعد ذلك باقتطاع كلماتهم من سياقها، دون النظر لظروف الزمان والمكان التي صدرت بها.

يلفت الأمير الشاب إلى ان الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليس السعودية. فالسعودية لديها المذهب السنّي والشيعي، وفي المذهب السنّي توجد أربعة مذاهب، ولدى الشيعة مذاهب مختلفة كذلك، ويتم تمثيلها في عدد من الهيئات الشرعية، ولا يمكن لشخص الترويج لإحدى هذه المذاهب ليجعلها الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في السعودية.

يلفت إلى أنه ربما حدث ذلك أحيانًا سابقًا. بسبب أحداث في عقدَي الثمانينات والتسعينات، ومن ثم في أوائل القرن الحادي والعشرين. لكن “اليوم نحن نضعها على المسار الصحيح كما قلت من قبل، فنحن نرجع إلى الأساس، إلى الإسلام النقي، للتأكد من أن روح السعودية القائمة على مستوى الإسلام. والثقافة، والقبيلة، والبلدة أو المنطقة، هي تخدم الدولة، وتخدم الشعب، وتخدم المنطقة، وتخدم العالم أجمع، وتقودنا إلى النمو الاقتصادي. وهذا ما حصل في السنوات الخمس الأخيرة”.

يتابع: لذلك في يومنا هذا، أنا لا أقول إننا قد نفعل ذلك -العودة للإسلام النقي- وربما لو عملنا هذا اللقاء في 2016. قد تقولون: إن ولي عهد السعودية يضع افتراضات، ولكننا فعلنا ذلك، وترونه الآن بأعينكم في السعودية. تعالوا فقط وتفقدوا الوضع، وانظروا إلى فيديوهات للسعودية قبل ستة أو سبعة أعوام، فقد فعلنا الكثير، ولاتزال هنالك أمور باقية لنفعلها، وسنعمل على فعلها.

وتيرة التغيير

يوضح ولي العهد السعودي أنه لا يستطيع تغيير السعودية من ملكية إلى نظام مختلف. وذلك لأن الأمر مرتبط بملكية قائمة منذ ثلاثمائة سنة، وقد عاشت هذه الأنظمة القبلية والحضرية التي يصل عددها إلى 1000 بهذا الأسلوب طيلة السنوات الماضية. وكانوا جزءًا من استمرار السعودية دولة ملكية. حسب قوله.

يقول: من بين أفراد العائلة المالكة، هنالك أكثر من خمسة آلاف فرد من عائلة آل سعود. وأعضاء هيئة البيعة اختاروني لكي أحمي المصالح الخاصة بالملكية، وتغيير هذا الأمر يعتبر خيانة لأفراد عائلة آل سعود. وكذلك خيانة للقبائل والمراكز والهجر وانقلابًا عليهم، وكل هذه المكونات تساعد على إحداث تغيير في السعودية. ولهذا، فإنني لا أعتقد أنهم هم من يتسببون في إبطاء وتيرة التغيير، بل هم الأدوات التي تساعدني على القيام بالمزيد.

أضاف: إذا قلت لكم: إنني أرى خط النهاية، فهذا الأمر يعني أنني قائد سيء. فخط النهاية يعتبر شيء بعيد، كل ما عليك القيام به هو الركض، والاستمرار بالركض بسرعة أعلى، والمواصلة في خلق المزيد من خطوط النهاية، والاستمرار في الركض.

بالنسبة للحريات الاجتماعية. أو كما سأل وود: هل سيكون بإمكاني أن أفعل هنا ذات الأمور التي يُمكنني قانونيًّا فعلها في الولايات المتحدة؟ أم سيكون هناك حد معين لأنها دولة إسلامية؟ لفت بن سلمان إلى أن هناك بعض الأمور المُحرمة على المسلمين، وقد حدد الله عقوبتها، وهناك أمور أخرى لم يضع الله لها عقوبة، وهذه الأمور حسابها بينهم وبين الله.

أوضح: إذا كنت أجنبيًّا، فلا يمكن تطبيق تعاليم الإسلام عليك، فإن كنت أجنبيًّا يعيش في السعودية أو مسافرًا فيها. فلك الحق في فعل ما تريد، بناءً على معتقداتك، أيًّا كانت هذه المعتقدات. ولكن وفق الأنظمة، وهذا ما حدث في زمن الرسول وزمن الخلفاء الراشدين الأربعة. فلم يُطبقوا القوانين الاجتماعية على غير المسلمين، بغض النظر عمَّا إذا كانوا مواطنين أو مسافرين عبر بلادهم.

موقف عصري من الشريعة

يرى الصحفي الأمريكي إن معرفة ولي العهد السعودي المُتقنة التي يتحدث بها عن الشريعة الإسلامية فريدة حقًّا بين حُكام السعودية. والموقف الذي يتخذه يُعد موقفًا عصريًّا جدًّا، لكنه أيضًا غير شائع بين علماء المسلمين. هنا، يُجيب الأمير بأنه في الشريعة الإسلامية، رأس المؤسسة الإسلامية هو ولي الأمر، أي الحاكم. لذلك، فإن القرار النهائي بشأن الفتاوى لا يأتي من المفتي، بل يتخذ القرار النهائي من الملك، وبهذا، فإن المفتي وهيئة الإفتاء يقدمون المشورة للملك، لكن في التعاليم الإسلامية للحاكم القرار النهائي.

يوضح أن الجميع بايعوا على ذلك، وكلمة الفصل هي لملك المملكة العربية السعودية “إنهم يعلمون أن باستطاعتهم النقاش، فعليك أن تناقش، وعليك أن تشرح. وعليك أن تستند على الأدلة من تعاليم الإسلام، ومن زمن الرسول، ومن زمن الخلفاء. وعليك أن تتدبر القرآن، وعليك أن تتأمل الحديث حتى توضِّح مقصدك. ومن ثم عليك أن تكون متأكدًا من أن الشعب مستعد لهذه الفتوى ويؤمن بها. وعندئذ يتخذ الملك القرار”.

سارع بالقول: لكن إذا استخدمت السلطة بصفتك الملك واتخذت القرار، دون المرور بمراحل هذه العملية. فإن ذلك قد يخلق صدمة في الشارع، وصدمة للشعب.

أحاديث الآحاد

كان موقف ولي العهد السعودي عن أهمية الحديث المتواتر ليس أمرًا يسمعه عادة من ولي عهد أو ملك. لكن بن سلمان يرى أن هذا هو المصدر الأساسي للانقسام في العالم الإسلامي. بين المسلمين المتطرفين وبقية المسلمين. يقول: هنالك عشرات الآلاف من الأحاديث، والغالبية العظمى منها لم تُثبت، ويستخدمها العديد من الناس كوسيلة لتبرير أفعالهم. فعلى سبيل المثال، تنظيما القاعدة وداعش يستخدمان الأحاديث النبوية الضعيفة جدًّا، والتي لم تثبت صحتها، لإثبات وجهة نظرهم.

يوضح: لذلك، يخبرنا الله بالقرآن أن نتَّبع تعاليم الرسول -عليه الصلاة والسلام- وكان الناس يدونون القرآن. ويكتبون أحاديث الرسول، وقد أمرهم الرسول بعدم تدوين الحديث في بداية الإسلام، حتى لا يختلط الحديث بالقرآن. لذلك علينا التأكد من صحة الأساس، وعندما نستدل بأحاديث الرسول علينا أن نكون حذرين جدًّا، وقد حُدِّدت الأحاديث في ثلاثة جوانب.

أولًا: ما نسميه المتواتر، وهذا يعني أن العديد من الناس سمعوا من الرسول عليه الصلاة والسلام. والقليل من الناس سمع من هؤلاء العدة، وقليل من الناس سمعوا ذلك من أولئك القلائل. وقد تم توثيق ذلك، وهذه الأحاديث قوية جدًّا، وعلينا أن نتَّبعها. وعددها قرابة 100 حديث.

وثانيًا: ما نسميها الأحاديث الآحاد، وهي ما سمعه شخص عن الرسول، وسمعه شخص آخر عن الشخص الأول. حتى نصل لمن وثقها، أو سمعها قلة من الناس عن الرسول، وسمعها شخص واحد من هؤلاء القلة. لذلك إذا كان هناك شخص مُسند واحد، فإننا نسميه خبر الواحد، وهذا يُسمى الآحاد. وعلينا تمحيص ما إذا كان ثابتًا، ويتماشى مع تعاليم القرآن، أو يتوافق مع تعاليم المتواتر. ويتماشى مع مصلحة الناس، وبناءً على ذلك يتم استخدامه أم لا.

وثالثًا: ما يُسمى الخبر، وهو ما سمعه شخص عن الرسول، ومن بين طبقات السند أسماء غير معروفة. وهذه الأحاديث عددها عشرات الآلاف، والتي لا يجب عليك استخدامها مطلقًا. إلا في حالة واحدة: إذا كان لديك خياران، وكلاهما جيد جدًّا، فيمكنك استخدام حديث الخبر في هذه الحالة، بشرط أن يكون في مصلحة الناس.

تطبيق الشريعة

لهذه الإفاضة في الحديث عن العلوم الشرعية سأل الصحفي الأمريكي ولي العهد: بما أنك قادر على الحديث عن هذا الأمر بمثل هذه السلاسة والمعرفة، فلماذا تحتاج إلى مفتي؟ بإمكانك فعل ذلك بنفسك.

أجابه ولي العهد: لأن مهمة المفتي هي الإجابة على الأسئلة اليومية للناس، فمثلًا: إذا أكل شخص في نهار رمضان وأراد أن يعرف ماذا يفعل، هل أذنب أم لا. ثم أراد الاتصال بمن يجيبه على ذلك، فهذا مهمة المفتي، وهذا يستدعي التنظيم، وأن يكون لديك تفويض من الحكومة. ولهذا فإن هدف الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء هو الإجابة على أسئلة الناس بشأن احتياجاتهم.

مع الخوض في الشريعة، تطرقت الأسئلة إلى عقوبة الإعدام على نحوٍ متكرر في السعودية، والتي تتعرض لكثيرٍ من الانتقادات. كذلك عقوبة قطع اليد، وعقوبات أخرى تفرضها الشريعة. أجاب الأمير: فيما يتعلق بعقوبة الإعدام، لقد تخلصنا منها جميعًا ما عدا فئة واحدة، وهذه الفئة مذكورة في القرآن، ولا يُمكننا فعل أي شيء حيالها. حتى لو رغبنا في فعل شيء ما. لأن فيها قول صريح.

أوضح: فإذا قتل أحدٌ شخصًا آخر، فإن لعائلة المقتول الحق -بعد الذهاب للمحكمة- في المطالبة بقتله، ما لم يعفون عنه. أو إذا كان شخص يُهدد حياة كثير من الناس، فهذا يعني أنه يجب أن يُعاقب بالإعدام، وهذا نصَّ عليه القرآن، بغض النظر عمَّا إذا كنت أحب ذلك أم لا، فليس لدي القدرة على تغييره.

تابع: إذا كانت هناك عقوبة إعدام، فلن تُنفَّذ في اليوم التالي، بل بعد ستة أشهر أو حتى عام. لإعطاء العائلة التي فقدت فردًا مقتولًا الوقت ليهدأوا، ويتفكروا بتمعن. نسبة عالية من الإعدامات يتم إلغاؤها بناءً على هذه الأنواع من التسويات. لذلك، نحن نبذل قصارى جهدنا في هذا الشأن، وسنبذل المزيد حيال ذلك.

ولفت إلى أن عقوبة الجلد التعزيرية تم إلغاؤها تمامًا في المملكة، ولم يعد هناك أي عقوبة للجلد. يؤكد: أُلغيت 100%، والمشكلة الوحيدة التي نحاول حلها هي التأكد من عدم وجود عقوبة إلا بقانون، وهذا ما نعمل عليه. هناك عدد قليل من العقوبات التي ترجع للقاضي. وهذا ما نناقشه، ونسعى لإيقافه في العامين أو الثلاثة أعوام القادمة.

اغتيال خاشقجي

تطرق مراسل ذا أتلانتيك إلى النقطة الأكثر قتامة في السمعة الخارجية لولي العهد السعودي. وهي اتهام وكالة المخابرات الأمريكية له بإصدار الأمر بقتل الصحفي جمال خاشقجي أو اعتقاله. والذي عمل لفترة طويلة في الولايات المتحدة. هنا، حاول الأمير الذي اختفى لوقتا طويل بسبب هذه القضية الرد بطريقة شديدة الدبلوماسية.

قال: من المؤلم رؤية أي شخص يُقتل دون وجه حق. لذلك، حتى لو كان الشخص يستحق عقوبة الإعدام أكثر من أي شخصٍ آخر في العالم، فيجب أن يخضع للنظام القضائي، ويجب أن يكون له الحق في الدفاع عنه نفسه. إن ما حدث يُعد أمرًا مؤلمًا، ونتمنى ألَّا يحدث لمواطن سعودي أو لأي مواطن في العالم بأسره، وذلك كان فشلًا ذريعًا في النظام، وقد بذلنا قصارى جهدنا لإصلاح النظام، والتأكد من عدم حدوث مثل ذلك مرة أخرى.

وأضاف: كما اتخذنا إجراءات مشابهة لما قد تتخذه أي حكومة منصفة، حيث أحلنا أولئك الأشخاص إلى التحقيق. ومن ثم إلى المحكمة، وبعد ذلك قررت المحكمة عقوبات مختلفة عليهم، وهم يواجهون تِلك العقوبات. هذا ما حدث عندما ارتكب الأمريكيون أخطاء في العراق أو أفغانستان أو جوانتنامو، فأنتم اتخذتم الخطوات الصحيحة، وكذلك فعلنا نحن.

لم تطبقوا حقوق الإنسان عليّ

نفى الأمير بشكل قاطع أن تكون له أية علاقة باغتيال الصحفي المنشق. قال لوود: لماذا أقوم بذلك؟ إنه أمر واضح. قطعًا، لقد آلمتني كثيرًا، وآلمت السعودية من ناحية “المشاعر”. لقد لامونا. أتفهم الغضب، خاصة بين الصحفيين، وأتقبل مشاعرهم، ولكن نحن أيضًا لدينا مشاعر وألم هنا، فنحن نشعر أننا لم نعامل بالطريقة الصحيحة.

أضاف: أشعر أنا شخصيًّا أن قوانين حقوق الإنسان لم تطبق علي. حيث تنص المادة الحادية عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن كل شخص بريء حتى تثبت إدانته، وأنا لم أنل هذا الحق. لذلك كيف تتحدث معي عن حقوق الإنسان بدون أن تتعامل معي وفقًا للمادة الحادية عشر من إعلان حقوق الإنسان؟

تابع بن سلمان: إنه أمر غير منطقي، وشعور مؤلم أنه تم التعامل معنا بهذه الطريقة، ولكن في ذات الوقت نتفهم تلك المشاعر. ولكن السؤال الأكبر بالنسبة لي هو: لقد قُتل سبعون صحفيًّا تقريبًا حول العالم تلك السنة، هل يمكنك أن تسميهم لي؟ لا؟ إذن شكرًا جزيلًا. وهل فعلًا هذا إحساس بزميل صحفي؟ أم إنه مصمم ضدنا، وضدي أنا؟ إذا كان فعلًا إحساس بزميل صحفي. إذن أعطني أسماء الصحفيين السبعين الذين قُتلوا تلك السنة.

لم أقرأ مقالا كاملا لخاشقجي في حياتي.. واغتياله كان خطأ كبيرًا

يظن ولي العهد أن هذه القضية تلقت كل هذا الاهتمام لأن هناك العديد من الناس الذين يريدون أن يتأكدوا من أن مشروعي -السعودية اليوم رؤية 2030- يفشل. ولكنهم لن يستطيعوا المساس به، ولن يفشل أبدًا، ولا يوجد شخص على هذا الكوكب يمتلك القوة لإفشاله.

وأضاف: يمكنك إبطاؤه بنسبة 5%، هذا أكثر ما تستطيع فعله. ولكن أكثر من ذلك لا يستطيع أحد فعل شيء. لا أريد أن أوجه اتهامات لأحد، هناك مجموعات قليلة، يستطيع أي شخص يمتلك معرفة جيدة أن يحدد الصلة بين تلك المجموعات في الغرب. والمجموعات في الشرق الأوسط، الذين لديهم مصالح في أن يرونا نفشل.

يفجر الأمير مفاجأة وهو يُضيف: لم أقرأ مقالًا كاملًا لخاشقجي في حياتي، سواء كان في صحيفة سعودية أو في صحيفة أمريكية. ما أقرأه هو موجزي اليومي، إذا كان هناك شيء مهم في الإعلام المحلي والإعلام الإقليمي والإعلام الدولي. أبذل قصارى جهدي للتأكد من أن لدينا الحوكمة والإجراءات الصحيحة. للتأكد من أن مثل هذه الأشياء لن تحدث مرة أخرى، وألتزم بذلك.

أكد: أحاول أن أفعل كل ما بوسعي لكيلا يحدث ذلك مجددًا. نريد أن نتأكد أن نظامنا ناضج، وأن لا شيء كهذا يمكن أن يحدث مرة أخرى.

قال الصحفي الأمريكي: لقد التقيت بخاشقجي مرة واحدة، قبل أسابيع من مقتله، وسألته: “ماذا تريد فعلًا؟ هل تريد الإطاحة بعائلة آل سعود؟” وكانت إجابته لي: ” لا، أعتقد أن آل سعود يجب أن يحكموا السعودية للأبد”. صدمني الأمر عندما قُتل شخص مع الحكم المستمر لآل سعود، إذا كان يعتبر عدو، إذن لابد أن هناك العديد من الناس يُعتبرون أعداء أيضًا. يبدو أن هناك جوًّا عامًّا من الخوف في هذه البلاد؟

عندها، نفى ولي العهد: لا أعتقد ذلك، على أي حال إن كانت هذه هي الطريقة التي ندير بها الأمور، فلن يكون خاشقجي من بين أول ألف شخص على القائمة، وإذا افترضنا جدلاً -لا سمح الله- أن هناك عملية أخرى ستجري من هذا القبيل. فلن تكون بهذه الطريقة.

غير مكترث لبايدن

يصر ولي العهد السعودي على أن اغتيال خاشقجي “كان خطأ كبيرًا”، حسب قوله. يقول: نحن لا نؤمن بهذا النوع من العمليات، ولا نؤمن بأي عملية خارج إطار القانون. ونعتقد أنه إذا كان هناك أي شخص ارتكب جريمة، أو أي شخص يشكل خطورة على السعودية. أو يشكل خطرًا على العالم. فسنتخذ الإجراءات بناءً على القانون السعودي، وبناءً على القوانين الدولية، وقوانين الدول الأخرى. وهذا ما فعلناه من إجراءات في الماضي، وما سنفعله في المستقبل.

رغم أن عملية قتل خاشقجي أضرت بالعلاقات مع الولايات المتحدة. لم يبد الأمير الشاب مكترثًا برأي أو رؤية الإدارة الأمريكية الحالية. أجاب على سؤال وود: هل تريد أن يعرف عنك جو بايدن شيئًا قد لا يعرفه عنك؟ ببساطة شديدة وكلمة واحدة: هذا لا يهمني. وأوضح: هذا الأمر يعود إليه، ومتروك له للتفكير في مصالح أمريكا، فليفعل ذلك إذن.

وقال: أنا لستُ أمريكيًّا، لذا لا أعرف إذا كان لدي الحق في الحديث عن المصالح الأمريكية أم لا. ولكنني أعتقد أن أي دولة في العالم لديها مصالح أساسية: اقتصادية، وسياسية، وأمنية. وهذا هو الأساس الرئيسي الذي تقوم عليه السياسة الخارجية لأي دولة.

وتساءل: كيف يمكنني دفع عجلة اقتصاد دولتي؟ وكيف يمكنني تعزيز أمنها؟ وكيف يمكنني تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية. للتأكد من أن دولتي آمنة، وللتأكد من أن دولتي تنمو، ولديها المزيد من فرص الاستثمار والتجارة. لذا أعتقد أن هذه هي مصالح أمريكا، التي تتطلب فِعل ما ذكرته سابقًا.

الإجابة نفسها أعادها الأمير -بشكل ما- عندما ردد الصحفي أن الولايات المتحدة لا تعطي السعودية الثناء الكافي بعد الإصلاحات المتعلقة بأوضاع النساء. قال: نحن لا نقوم بذلك لينسب إلينا الفضل. هذا لا يهمنا، وما نقوم به هو من أجلنا نحن السعوديون. فإذا نظرتم إلى الأمر من منظور صحيح، فشكرًا لكم، أما إذا كنتم لا تهتمون كثيرًا، فهذا شأنكم.

بين أسرع الدول نمو

يلفت الأمير إلى أن نمو السعودية كعضو في مجموعة العشرين يتصاعد. يقول: بإمكانك رؤية ترتيبنا قبل 5 سنوات، كنَّا قريبين من المرتبة 20، أما اليوم فنحن على وشك الوصول إلى المرتبة 17 بين دول مجموعة العشرين. ونطمح للوصول إلى مرتبة أعلى من المرتبة 15 بحلول 2030.

أوضح: في عام 2021، فعلى سبيل المثال، كان هدفنا هو نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.9%، ونعتقد أننا حققنا نسبة 5.6% في عام 2021، وهذا بالتأكيد يضعنا من بين أسرع الدول نموًّا في العالم، وفي العام المقبل، سينمو الاقتصاد بأكمله بنسبة تقارب 7%.. مما يدفعنا إلى التساؤل، أين تكمن الإمكانيات العالمية؟ إنها في المملكة العربية السعودية. وإذا أردت تفويتها، فهناك أشخاص آخرين في الشرق سيكونون سعداء للغاية، وفي الوقت نفسه تحاول صدهم، أنا لا أستطيع فهم ذلك.

رغم أريحية ومراوغة الرد في الكثير من الأسئلة. إلا أنه عند الحديث عن “الآخرين” الذين ذكرهم الأمير كشركاء محتملين. حاول وود الحصول على ردود واضحة فقال: دعنا نناقش هذا الموضوع. هل أنتَ مرتاح مع الصين بطريقة لم تكن مرتاحًا لها في الماضي؟ هنا، رد الأمير بجملة صارمة: ليس لأحد الحق في التدخل في شؤننا الداخلية.

أضاف ولي العهد: نحن لدينا علاقة طويلة وتاريخية مع أمريكا، وبالنسبة لنا في السعودية هدفنا هو الحفاظ عليها وتعزيزها. لدينا مصالح سياسية، ومصالح اقتصادية، ومصالح أمنية، ومصالح دفاعية، ومصالح تجارية. لدينا العديد من المصالح، ولدينا فرصة كبيرة لتعزيز كل هذه المصالح، وأيضًا لدينا فرصة كبيرة لخفضها في عدة مجالات. وإذا سألتنا في المملكة العربية السعودية، فنحن نريد تعزيزها في جميع المجالات.

شدد بالقول: ليس لأحد الحق في التدخل في شؤننا الداخلية، فهذا الأمر يخصنا نحن السعوديين، ولا أحد يستطيع فعل شيء حيال ذلك، وإذا كنتَ تعتقد أن لديك وجهات نظر معينة في الشأن الاجتماعي -وكانت قوية- فأنت ستكسب دون الضغط علينا.

ممارسة الضغوط لم تجدِ نفعًا

تابع بن سلمان: اسمح لي أن أقدم لك مثالًا، نحن لم نُلغي العبودية قبل 60 أو 70 سنة لأنه تمت ممارسة ضغوط علينا. بل لأنه كان هناك تأثير جيد من الدول الأجنبية، لقد درس السعوديون في الخارج، وجاءت الشركات الأمريكية والأوربية وغيرها من الشركات وعَمِلت في السعودية، وكان تأثيرها قوي، وعليه قررنا أن العبودية أمرٌ خطأ لا يمكن الاستمرار به، لذا ألغيناها.

أشار الأمير إلى أن ممارسة الضغوط لم تجدي نفعًا على مدى التاريخ، ولن تجدي نفعًا “إذا كانت لديك الفكرة الصائبة، والطريقة الصحيحة في التفكير، فاستمر فيما تفعله. فالأشخاص سيتبعونك إذا كان ذلك هو الأمر الصائب. وإذا كان الأمر خاطئًا، فالأشخاص سيتبنون طريقتهم الخاصة في التفكير، وعليك تقبل الأمر”.

يوضح: في المملكة العربية السعودية، نحن نتقبل ثقافتكم في أمريكا، ونتقبل طريقة تفكيركم، ونتقبل كل شيء في دولتكم. لأن هذا الأمر عائد لكم، ونتمنى أن يتم معاملتنا بنفس الطريقة. فنحن نختلف مع الكثير من الأشياء التي تؤمنون بها، لكننا نحترمها، فليس لدينا الحق في وعظكم في أمريكا، بغض النظر عما إذا كنا نتفق معكم أو لا، ونفس الأمر ينطبق علينا.

وأكد: لا أعتقد أننا نحن في المملكة العربية السعودية قد وصلنا إلى المعيار الاجتماعي الذي نطمح له. ومع ذلك، نحن نختار التغييرات التي نعتقد أننا – كسعوديين – نشعر بالثقة فيها، بناءً على ثقافتنا ومعتقداتنا في المملكة العربية السعودية.

التلويح بالتوجه إلى الصين

عند العودة إلى موضوع الصين. بدا وكأن الملك السعودي المرتقب يقوم بتهديد الغرب باحتمالية فقدانه للمصالح الاقتصادية مع المملكة لصالح التنين الأصفر. يلفت إلى أن السعودية واحدة من أسرع البلدان نموًّا في العالم، و “ستُصبح قريبًا جدًّا البلد الأسرع نموًّا في العالم”، وفق تعبيره.

يقول: لدينا اثنان من أكبر عشرة صناديق في العالم، والمملكة تمتلك واحدة من أكبر الاحتياطيات بالعملة الأجنبية في العالم. والسعودية لديها القدرة على تلبية 12% من الطلب على البترول في العالم. والسعودية تقع بين ثلاث مضائق بحرية: مضيق السويس ومضيق باب المندب ومضيق هرمز، وتطل على البحر الأحمر والخليج العربي. ويمر من خلالها 27% تقريبًا من التجارة العالمية.

يضيف: إجمالي الاستثمارات السعودية في أمريكا هو 800 مليار دولار. وفي الصين -حتى هذا الوقت- استثمرنا أقل من 100 مليار دولار، ولكن يبدو أنها تنمو هناك بسرعة كبيرة. كما أن لدى الشركات الأمريكية تركيز كبير على المملكة العربية السعودية إذ لدينا أكثر من 300 ألف أمريكي في السعودية. وبعضهم يحملون كِلا الجنسيتين، ويقيمون فيها، والعدد يزداد كل يوم.

يؤكد: لذا فالمصالح واضحة. والأمر يعود لكم سواء كنتَ تريدون الفوز بالسعودية أو خسارتها. في الحقيقة، إذا حاولتَ الضغط علينا بخصوص شيء نؤمن به بالفعل، أنت فقط تُصعب علينا تنفيذه.

نحو إصلاحات مجتمعية أكبر

رغم ذلك، حاول ولي العهد السعودي تطمين حلفاؤه في الغرب، بعد التلويح بالعصا الصينية. أجاب عن سؤال “هل يجب أن نكون غير مرتاحين؟” بشأن التقارب مع الصين أو روسيا بقوله: في السعودية، هل تتراجع التنمية الاجتماعية للخلف أم تتقدم للأمام؟ انظروا فقط لما حدث في الخمس سنوات الماضية، وما يحدث اليوم، وانظروا لما سيحدث العام القادم. إنها بلا شك تتقدم للأمام. لا يحتاج الأمر خبيرًا ليرى ذلك، قوموا بإجراء بحوثكم فقط على الإنترنت، أو قوموا برحلة قصيرة إلى السعودية، وسيكون بإمكانكم رؤية ذلك.

وأضاف: تحدثوا إلى الناس. فمن بين نحو الـ 33 مليون نسمة الذين يعيشون في السعودية، نحو 20 مليون سعودي. وسوف يخبرونكم بذلك. لذا، ومن الناحية الاجتماعية، نحن نسير في الطريق الصحيح. لكن على أية حال، لن تبدو المرحلة النهائية مطابقة لمعاييركم الاجتماعية بنسبة 100%، لنقل: إنها ستكون بين 70 و80%.

تابع: يمكنني القول: إن ما نحن عليه اليوم 50%، ولا تزال هناك 20 إلى 30% يتعين علينا الوصول إليها، ولن نصل إلى 100%. لأن لدينا بعض المعتقدات التي نحترمها في السعودية، وهذا لا يتعلق بي، بل يتعلق بالشعب السعودي. وأنا من واجبي أن أحترم المعتقدات السعودية، ومعتقداتي كمواطن سعودي بينهم، وأن أناضل من أجلها.

هل يمكن أن تقود الملكية الدستورية مستقبل السعودية؟

أجاب ولي العهد السعودي عن هذا السؤال إجابة قاطعة: لا، هذا لن ينجح، لن تنجح الملكية الدستورية. وأوضح: تم تأسيس السعودية على الملكية المطلقة، الآلاف من الأنظمة تحتها من شيوخ قبائل ورؤساء مراكز وهجر، وكذلك الأسرة المالكة السعودية التي أمثلها، والشعب السعودي الذي أمثله.

تابع: هذه الآلاف من الأنظمة يعد ملك المملكة العربية السعودية هو قائدها، وهو من يحمي مصالحها. وهؤلاء يشكلون 13 إلى 14 مليون سعودي، من بين 20 مليون سعودي تقريبًا. لذا لا يمكنني شن انقلاب على 14 مليون مواطن سعودي.

مع هذا، لا ينفي الأمير الشاب أن هناك الكثير من الأفكار الديمقراطية الجذابة بالنسبة له. وصف كذلك الملكية الدستورية بأنها “جذابة”. لكن الأمر يعتمد على المكان والطريقة والخلفية. حسب رؤيته “فالديمقراطية في أمريكا رائعة، إذ نتج عن الديمقراطية أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم، ودولة عظيمة. وقد نتج عنها العديد من الأشياء العظيمة في العالم بأكمله”.

تابع: لكنها وُجدت وصُممت بناءً على الوضع الذي كنتم فيه من إخراج البريطانيين وحتى توحيد أمريكا. وبالتالي، فقد صممتم نظامكم السياسي، ومعتقداتكم الاجتماعية بطريقة تدعم أمريكا. ومن ثم تطورتم، ولو نظرتم إلى أمريكا قبل 100 سنة على سبيل المثال، ستجدون المعتقدات الاجتماعية السائدة حينها سخيفة. وحتى بالنسبة لنا في السعودية، نراها سخيفة، لذا لقد تطورت.

لا أفعل ما يحلو لي

أوضح كذلك أن السعودية كملكية مطلقة “لا تعني أن الملك يمكنه أن يستيقظ غدًا ويفعل ما يحلو له”. فهناك أمر أساسي يقود الطريقة الشرعية لإدارة شؤون البلاد، وهو النظام الأساسي للحكم، الذي ينص بوضوح أن هناك ثلاثة سلطات: الأولى السلطة التنفيذية، التي يقودها الملك كرئيس لمجلس الوزراء، أما السلطتين الأخريين القضائية والتنظيمية، فلا يقودهما ولكن يقوم بتعيينهما.

هنا، ضرب الأمير مثالًا عن طريقة اتخاذ القرار: أردنا السماح للمرأة بالقيادة منذ عام 2015. لكننا لم نستطع القيام بذلك قبل 2017. هذا يوضح لكم كيف أننا نعمل وفقًا للقوانين، ووفقًا للنظام الأساسي للحكم، وأمام الشعب. أما لو أدرنا شؤون البلاد بعشوائية، كخيمة -في إشارة إلى ورقة “الشيخ والخيمة” الشهيرة حول السياسات العربية- فهذا يعني أن الاقتصاد بأكمله سينهار. ولن يستثمر أحد في السعودية، والسعوديون لن يؤمنوا بنا، فلا يمكننا إدارة شؤون البلاد بعشوائية. هذه كانت طريقة القذافي.

هذه هي قوة السعودية

جاءت الأسرة المالكة السعودية قبل 600 سنة، كأسرة حاكمة، حيث أسسوا الدولة السعودية قبل 300 سنة. ثم انهارت لمدة سبع سنوات، ثم عادت مرة أخرى، وانهارت لمدة 10 سنوات، ثم عادت مجددًا. يقول ابن سلمان: تعلمنا الكثير من الدروس، وتطورنا، كما تطور النظام. وكل جيل يأتي، يأتي بناءً على نظام أساسه هذه السلطات الثلاث. وعندما يأتي ملك جديد، يأتي ولي عهد جديد، لا يحاولان تقويض هذه السلطات؛ لأن هذه هي قوة السعودية.

خلال الحوار، أفضى الصحفي الأمريكي إلى ولي العهد ما سمعه من بعض السعوديين الذين يقولون: إنه مع كل جيل، هناك المزيد من أفراد الأسرة المالكة، وربما سيكونون في نهاية المطاف أكثر مما ينبغي. لذا ربما يجب ألَّا يحصل بعضهم على اللقب. سأله: هل ترى أن هذا محتمل؟

أجاب ولي العهد: نحن في السعودية ليس لدينا مفهوم الدماء الملكية، وطريقتنا كأسرة مالكة هي خدمة الشعب والحفاظ على وحدته. نحن جزء من الشعب، فعلى سبيل المثال، والدتي ليست من الأسرة المالكة، بل من أسرة قبلية، من قبيلة العجمان من قبائل يام. وعددهم ما يقارب مليون نسمة في السعودية.

تابع: إذا نظرتم إلى الأسرة المالكة، ستجدون أننا نتزوج من عامة الناس، وأننا جزء منهم، نحن نعيش هنا وتربينا هنا، ونحن جزء من شبه الجزيرة العربية. لقد كنا نحكم المناطق كـ بني حنيفة منذ كُتب التاريخ، وحتى قبل الإسلام وقد أسسنا الدرعية الأولى، في وقت غير معروف، ثم أسسنا الدرعية الثانية قبل 600 سنة، وأسسنا السعودية قبل 300 سنة.

وشدد: نحن جزء من الشعب، وليس لأي فرد من الأسرة المالكة حق خاص ليمارسه ضد الشعب. وإذا تخطى حدًّا فسيُعاقب مثل أي شخص في السعودية، وإذا ارتكب جريمة سيُعاقب ويواجه القانون كأي شخص في السعودية. أما كونه فرد من الأسرة المالكة، فهو لقب عليه احترامه.

اعتقالات الريتز كارلتون

تطرق الحديث إلى واحدة من أشهر عمليات السيطرة التي قام بها الأمير السعودي الشاب عندما تولى مقاليد منصبه، وهي حادثة “الريتز كارلتون” الشهيرة والمثيرةً للجدل. لأن ولي العهد استخدم فندقًا فاخرًا كسجن لعشرات الأثرياء. هُنا، يُفسّر بن سلمان ما فعله: ما حدث في الريتز كارلتون لم يكن اعتقال أشخاص، بل كان من أجل منحهم خيارين.

كان الخيار الأول أن السلطات السعودية ستعامل هؤلاء وفقًا للقانون تمامًا، وبالتالي ستقوم النيابة العامة بإعداد لائحة الاتهام. والخيار الثاني لهؤلاء الأشخاص كان سؤالهم ما إذا كانوا يرغبون بأن يسلكوا طريق المفاوضات.

يقول ولي العهد: اختار 95% منهم طريق المفاوضات، لذا لم يكونوا مجرمين، ولم يكن بإمكاننا وضعهم في السجن. لقد وافقوا على البقاء في الريتز كارلتون لإجراء المفاوضات ولإنهائها، وأعتقد أن 90% من المفاوضات قد انتهت. أما البقية، وهم من رفضوا التفاوض، فقد أحيلوا إلى النيابة العامة وفقًا للقانون السعودي، وهناك نسبة جيدة اتضح أنهم بريؤون، سواء عبر المفاوضات أو في المحاكم.

ينفي بن سلمان القول بأن الغرض من الريتز كارلتون التخلص من المنافسين. يقول: إذا كنت تقصد التخلص من المنافسين بوضعهم في الريتز كارلتون فهم أصلًا غير موجودين. فكيف لي أن أتخلص من أشخاص ليس لديهم سلطة أساسًا وبهذه الطريقة؟

محاربة الفساد

أشار محمد بن سلمان إلى أن عملية الريتز كارلتون كانت -بوضوح- محاولة إيقاف مشكلة ضخمة في السعودية. يدفع بأن من تم احتجازهم لم يقبعوا في السجن “حسنًا، على الأقل إنه فندق خمس نجوم”. لكنه برر بقوله: في كل ميزانية هناك نسبة عالية تذهب للفاسدين. لن يكون لدينا نمو بنسبة 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ولن تكون لدينا زيادة 50% من الاستثمار الأجنبي في السعودية في 2021 لو استمر الفساد.

يضيف: لن يكون هناك وزراء أكفاء، ولا أشخاص بارزون أكفاء يعملون في الحكومة ويكافحون ليل نهار، ويعملون على مدار اليوم. مالم يعتقدوا أنهم يسلكون طريقًا قويمًا ومشروعًا. وهذا لن يحدث طالما كان هناك فساد في السعودية. ولفت إلى أن تلك العملية كانت أحد أوامر الملك سلمان في بداية 2015 بسبب القضاء على الفساد “بدأت الحكومة في جمع الملفات وتجهيزها في عام 2017. ومناقشة أفضل مسار للعمل، ومن ثم أصدر الملك القرار بنفسه.

تابع: كانت رسالةً قوية، لقد اعتقد البعض أن السعودية كانت تحاول اصطياد الحيتان الكبيرة والمحترفة. لكنهم بحلول عام 2019 إلى 2020، أدركوا أنه حتى لو سرق أحدهم 100 دولار فسيدفع الثمن. وشدد في رده على انتقاد بعض العقوبات الصادرة بقوله: “العقوبات لم تصدر مني أنا شخصيًّا. بل صدرت عن النظام القضائي السعودي”.

وشدد: أعتقد أن ما قمنا به في السعودية يمثّل الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها تحقيق ما أردنا تحقيقه. وكما تعلم، في بعض الأحيان يتعين على المرء أن يضغط في بعض المجالات التي سيكون لبعض القرارات الصعبة فيها تأثيرات جانبية. ولقد اتخذنا أقل القرارات ضررًا، وينبغي عليك اتخاذ هذه القرارات لصالح الدولة.

الخلاف مع قطر.. شجار عائلي

وصف ولي العهد السعودي الخلافات الخليجية ومقاطعة قطر بأنها “شجار عائلي”. أكد أن دول مجلس التعاون الخليجي هي دولة واحدة. وأضاف: العائلة تظل عائلة، والأمر مثل شجار بين الأشقاء. مما يعني أنهم حتمًا سيتجاوزونه، وحتمًا سوف نصبح أفضل الأصدقاء. فلدى دول مجلس التعاون الخليجي نفس النظام، ولدينا نفس الآراء السياسية بنسبة 90% على ما أعتقد. ونواجه نفس المخاطر الأمنية، ونفس التحديات والفرص الاقتصادية، ولدينا كذلك نفس المجتمع والنسيج الاجتماعي.

وأكد: نحن كلنا كدول مجلس التعاون الخليجي مثل دولة واحدة، وهذا ما دفعنا لتأسيس مجلس التعاون والعمل معً. لأن عملنا معًا سيضمن أمننا، ويضمن نجاح خطتنا الاقتصادية. وسيُظهر أن أجندتنا السياسية يمكنها أن تنجح أيضًا. من المؤكد أن هناك بضعة اختلافات، لكن دورنا يتمثل في تعزيز المصالح، وحل الاختلافات.

وتابع: لا أرغب في الحديث عن أشياء سلبية. لقد تجاوزنا الأمر، واليوم باتت لدينا علاقات رائعة ومذهلة مع قطر. والشيخ تميم شخص رائع، وقائد رائع، وكذلك الحال لبقية قادة دول الخليج. وهدفنا وتركيزنا منصب على كيفية بناء مستقبل رائع. فهم قريبين منا جدًّا الآن، وأصبحنا أفضل من أي وقت آخر على مر التاريخ.

إيران جيراننا وليس بإمكاننا التخلص منهم

عن فرصة علاقات أكثر إيجابية مع إيران، وهم ليسوا من دول مجلس التعاون الخليجي. يرى ولي العهد السعودي أنهم ” سيبقون جيراننا للأبد، ليس بإمكاننا التخلص منهم، وليس بإمكانهم التخلص منا. لذا فإنه من الأفضل أن نحل الأمور، وأن نبحث عن سُبل لنتمكن من التعايش”.

أضاف: قمنا خلال أربعة أشهر بمناقشات، وسمعنا العديد من التصريحات من القادة الإيرانيين. والتي كانت محل ترحيب لدينا في المملكة العربية السعودية، وسوف نستمر في تفاصيل هذه المناقشات. آمل أن نصل إلى موقف يكون جيدًا لكلا البلدين، ويشكل مستقبلًا مشرقًا للسعودية وإيران.

مع ذلك، أشار إلى اعتقاده بأن أي بلد في العالم لديه قنابل نووية يُعد خطيرًا. سوءًا إيران أو أي دولة أخرى “لذا نحن لا نود أن نرى ذلك، وأيضًا نحن لا نرغب في رؤية اتفاق نووي ضعيف. لأنه سيؤدي في النهاية إلى ذات النتيجة”.

إسرائيل ليست عدو.. بل حليف محتمل

تعليقًا على زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخرًا لأبو ظبي، وما إذا كانت المملكة ستحذو حذو بعض الدول العربية في تطبيع علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. ما تُعرف بـ “اتفاقيات إبراهيم”. لفت ولي العهد السعودي إلى أن الاتفاق بين دول مجلس التعاون الخليجي هو ألَّا تقوم أي دولة بأي تصرف سياسي، أمني، اقتصادي من شأنه أن يُلحق الضرر بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

قال: جميع دول المجلس ملتزمة بذلك، وما عدا ذلك، فإن كل دولة لها الحرية الكاملة في القيام بأي شيء ترغب القيام به حسب ما ترى. إنهم يملكون الحق كاملًا في القيام بأي شيء يرونه مناسبًا للإمارات. أما بالنسبة لنا، فإننا نأمل أن تُحل المشكلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وأكد: إننا لا ننظر لإسرائيل كعدو، بل ننظر لهم كحليف محتمل في العديد من المصالح، التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معًا. لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك.

حساسية النقد

رغم ما يوصف به بأنه “حساس جدًّا تجاه النقد. وهو ما بدا في ردود الأفعال بعد قضية مقتل خاشقجي، ورغم انه لا يهتم بما يظنه جو بايدن عنه. يرى ولي العهد السعودي أنه جيدًا في التعامل مع النقد. يقول لـ وود: لو لم أكن قادرًا على التعامل مع النقد لما كنت جالسًا اليوم أستمع لهذا السؤال، والسؤال السابق، والسؤال القادم.

يقول: أعتقد أن الإعلام السعودي يجب أن ينتقد عمل الحكومة، خطط الحكومة، أيًّا كان؛ لأن ذلك أمرٌ جيد. إنهم يفعلون ذلك بطريقة جيدة، ويناقشون عددًا من القضايا، وينشرون الأفكار، ويتحدثون عن كل خطة، وعن كل استراتيجية. وعن كل سياسة تقوم بها كل وزارة، وهذا أمر جيد، ونحن بحاجة إلى ذلك.

يضيف: حتى وسائل الإعلام العالمية، متى ما كتبت عن المملكة العربية السعودية، فإن كانت حقًّا كتابة موضوعية. بدون أي أجندات أو أيديولوجيات، فهذا مفيد للغاية بالنسبة لنا. لقد تعلمنا من بعض الأخطاء من مثل هذا النوع من المقالات والتقارير، لذلك فإن هذا أمر جيد، نحن بحاجة لذلك.

حاول الأمير الشاب أيضًا إظهار صورته كحاكم ديمقراطي، يستمد ديمقراطيته من الأسس الملكية حلوه. يقول: لإن كان هنالك إمعة في مَن حولي، فيجب أن يرحل في أقرب وقت ممكن. أنا بالتأكيد أحب النقاش، وأحب أيضًا أن أذهب إلى العمل، أعتقد أن كل وزير في مجلس الوزراء، وكل مستشار في الديوان الملكي، هم أشخاص يتمتعون بقدرات فائقة، أنا محظوظ جدًّا لتواجدهم.

أضاف: لقد كنت محظوظًا جدًّا في جلبهم في السنوات القليلة الماضية، لديهم عقول مذهلة، وأفكار مدهشة، ولديهم شغف كبير بما يؤمنون به. أيًّا كان القطاع الذي يعلمون فيه، إنهم يعملون بقوة لتحقيق الأشياء، ويُناقشون بشدة. ثم في نهاية المطاف، كما تعلمون، نتخذ القرارات بناءً على قوانين المملكة التي ستحقق مصلحة البلاد.

أوضح: على سبيل المثال، يتم اتخاذ القرارات في المملكة في السلطة التنفيذية بالتصويت في مجلس الوزراء. وليس الملك أو ولي العهد هم من يقولون: “علينا أن نفعل ذلك”. وفقًا للإجراءات، فالملك وأنا لا يمكننا التصويت أولًا، يجب أن نكون آخر شخصين يصوتان. حتى لا نؤثر على أفكار أو أصوات الوزراء، العديد من الوزراء يصوتون ضد ما أُصوت له، وهم لا يزالون يعملون في الحكومة.

العفو والبيعة

في السياق نفسه، يلفت بن سلمان إلى أنه لا يملك السلطة لمنح العفو أو تخفيف العقوبة ” هذا الأمر لا يقع ضمن حدود سلطاتي، بل ضمن سلطات الملك. الأمر كذلك ينطبق على رئيس الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، الذي لديه السلطة لكي يمنح العفو”.

يضيف: بالنسبة لنا، لدينا التطرف اليساري والتطرف اليميني على سبيل المثال. وإذا منحت العفو في مجال ما، فإنك ستعفو حينها عن أشخاص سيئين، وهذا الأمر من شأنه أن يعيد الأمور إلى الوراء في السعودية. الملك يريد أن يجعل الأمر عائد للسلطة القضائية، وإذا كانت لدينا مشاكل، سيتم حلها من خلال تحسين جودة النظام القضائي.

تطرق الحديث إلى التغييرات في أحكام هيئة البيعة، والتي تفيد بأنه بعد انتهاء حكم أبناء الملك عبدالعزيز -في تلك المرحلة- لا يمكن أن يأتي ولي العهد من نفس فرع الملك. يؤكد ولي العهد هذا القول: هذا صحيح، على سبيل المثال، لا يسعني أن أعيَّن الأمير خالد بن سلمان وليًّا للعهد. يجب عليَّ أن أختار من فرع مختلف وفقًا لنظام هيئة البيعة.

يؤكد الأمير -في الوقت نفسه- أن هذه من المواضيع المحظورة التي لا يعلمها إلا أبناء العائلة المالكة “الملك وأنا والأعضاء الـ 34 في هيئة البيعة سيضحون بحياتهم قبل أن يتحدثوا عن أيٍّ من هذه المواضيع”.

الضرورات تبيح المحظورات

في ختام الحديث، يتطرق المحاور الأمريكي إلى نقاط شخصية لدى ولي العهد السعودي. هنا، قال الأمير الشاب إنه غير معجب بالموسيقى العربية الجديدة. يقول: “رغم أن البعض منها جيد، ولكن غالبًا ما أرى أن الموسيقى القديمة أفضل. وأيضًا أحب الاستماع إلى الموسيقى الوطنية من مناطق مختلفة”.

الاهتمام بالفنون لدى الأمير جعله يتطرق إلى فوائده الاقتصادية. يقول: نحاول إقناع المواهب بالمجيء إلى هنا، ونحاول إبقاء الموهبة السعودية في السعودية نفسها، وإبقاء المستثمرين السعوديين في السعودية، وإقناع المستثمرين الأجانب، ونحاول الوصول إلى هدف مائة مليون سائح بحلول 2030. حيث ارتفع العدد من حوالي ستة ملايين في عام 2016 إلى 17.5 مليون سائح في2030.

يضيف: يجب علينا أن نوفر لهم جميع البنى التحتية كالمشاريع والفنادق والمنتزهات وغير ذلك. والبرامج والفعاليات المتنوعة، بغض النظر عن كونها في الرياضة، أو الثقافة، أو الموسيقى، أو أيًّا كانت. على المرء أن يجلب أفضل ما هو موجود ليتأكد من أن يصل إلى هذا الهدف السياحي، والهدف الرياضي، والهدف الثقافي. إذ يجب أن نعمل على هذه الأهداف جميعًا، لتحقيق ما يعادل 10% إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية في 2030.

بينما يعترض المشايخ في المملكة على الموسيقى وحفلات الترفيه ويجادلون فـ “نحن نجادلهم بدورنا”، كما يقول ولي العهد.  يشير إلى الرجوع هنا إلى التعاليم الإسلامية “تعد الموسيقى أمرًا ذا خِلاف في الإسلام. وليست أمرًا متفّقًا عليه مع عِلمهم بذلك. وإذا كان متفّق عليها عند المسلمين، فلدينا أمور في تعاليم الرسول تقول: إن الضرورات تبيح المحظورات.

يوضح: إذا كنت سأخفِّض معدَّل البطالة، وكانت السياحة ستوفر مليون وظيفة في السعودية. وإذا كنت قادرًا على جعل ثلاثين مليار دولار لا تُصرف خارج السعودية، ويبقى معظمها في السعودية. كي لا يسافر السعوديون بنفس قدر سفرهم الآن، فيجب عليَّ فعل ذلك. حيث إنهم سيقومون بالسياحة خارج السعودية على أية حال، ولذلك لدينا أمرٌ ثالث نقوله: اختر الضرر الأصغر بدلًا من الضرر الأكبر.