قبل الحرب الروسية الأوكرانية، كانت معركة الاقتصاد الدولي متركزة على التضخم قبل أن تضاف إليها تحديات أكثر صعوبة. امتدت لتشمل اشتعال أسعار الطاقة وعودة أزمات الشحن للمربع صفر. واشتعال مستوى الأسعار بنسب تتراوح بين 25 و50% في أعلى مستوى منذ عدة عقود.
ارتفعت التوقعات لخسائر الاقتصاد العالمي من الحرب الروسية والعقوبات الغربية معا إلى تريليون دولار. بينما تحبس المؤسسات العالمية أنفاسها من إمكانية اتخاذ موسكو قرارًا في النهاية بوقف الغاز عن أوروبا ما يرفع التضخم العالمي إلى 7%.
بحسب المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية بالمملكة المتحدة، فإن الحرب في أوكرانيا سترفع التضخم العالمي بنسبة 3%. فمشاكل العرض ستبطئ النمو وترفع الأسعار مما يقلل مستوى الناتج المحلي الإجمالي. علاوة على أن الحكومات الأوروبية ستتكون مضطرة لاقتراض المزيد لدفع تكاليف تدفق المهاجرين وتقوية جيوشها.
المستشار الألماني أولاف شولتس، أعلن أخيرًا، عن تخصيص صندوق خاص للجيش الألماني بقيمة 100 مليار يورو لاستخدامه في مشاريع الاستثمارات والتسلح. وقال إن ألمانيا ستستثمر عامًا بعد عام في تخصيص أكثر من 2% من إجمالي الناتج المحلي في دفاعها العسكري.
تتزايد الأصوات داخل الحكومات الأوروبية حاليًا للمطالبة بزيادة الإنفاق على التسلح، وتعزيز القدرات العسكرية. ليس فقط لمواجهة التهديد الروسي ولكن لتحسين ترتيب الجيوش. وبدأ بالفعل ارتفاع الإنفاق العسكري بمنطقة اليورو إلى 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي.
البنوك المركزية تواجه تحديات ضخمة مع ارتفاع التضخم
البنوك المركزية أصبحت مطالبة في الوقت ذاته برفع أسعار الفائدة ببطء مع تقييم تأثير الحرب على الثقة في الاقتصاد والتوسع في ظل ارتفاع تكاليف الطاقة وتأثيرها على الدخل الحقيقي. فسلاسل التوريد ستتعرض لمزيد من التصدع وستخضع السياسات النقدية والمالية لمراجعة صارمة.
بحسب وكالة “بلومبرج” فإن روسيا قد تتجنب الركود لأن الضربة الاقتصادية من العقوبات يقابلها جزئياً ارتفاع أسعار صادرات الغاز والنفط. لكن سينخفض ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 2.6٪ عن التوقعات السابقة بحلول نهاية عام 2023، بجانب ارتفاع التضخم لديها إلى 20% بوقع انهيار الروبل.
بحسب المحللين، فإن الضرر الذي لحق بالناتج المحلي الإجمالي الروسي أسوأ بشكل هامشي من منطقة اليورو والمملكة المتحدة. وكلاهما سينتهي عام 2023 بمستويات من الناتج المحلي الإجمالي أقل من التوقعات السابقة بنحو 1.5٪.
حسب التوقعات الاقتصادية فإن أزمة تكاليف المعيشة ستشتد، وسيبلغ متوسط معدل التضخم في المملكة المتحدة 7٪ وربما ينخفض إلى 4.4٪ في عام 2023.
إذا تم تصعيد العقوبات وردت روسيا بقطع شحنات الغاز الطبيعي والنفط فإن الضربة التي ستلحقها موسكو بجيرانها الأوروبيين ستكون “شديدة”. وتزيد أيضًا من فرص الركود المصاحب لتضخم أقوى بشكل ملحوظ في الاتحاد الأوروبي.
وفقًا لبيانات البنك الدولي، كان الاقتصاد الروسي الذي تبلغ قيمته 1.5 تريليون دولار يحتل المرتبة 11 في العالم. قبل أسبوع من الغزو بفضل تجارة الطاقة عبر تصدير ملايين البراميل من النفط الخام يوميًا بمساعدة شركات النفط الكبرى.
تؤدي الزيادات الضخمة في الأسعار لزيادة تكلفة الوقود في جميع أنحاء العالم ، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة السفر والتنقل. كما تمثل أزمات غذائية فأوكرانيا وروسيا مسئولتان عن حوالي 14٪ من إنتاج القمح العالمي وتوردان 29٪ من إجمالي صادرات القمح.
حال قطع روسيا إمدادات الغاز الطبيعي عن أوروبا لمدة ستة أشهر ردًا على عقوبات إضافية. فإن التضخم في منطقة اليورو سيصل إلى ذروته فوق 7٪ في الربع الثالث من هذا العام وقد يتجاوز في المملكة المتحدة 10٪.
روسيا قد تتحمل معظم الآلام الاقتصادية، في السيناريو الذي حددته أكسفورد إيكونوميكس للأبحاث. خاصة أنه تم استهداف ثروات الطاقة الروسية بشكل مباشر من قبل العقوبات الغربية. لكن الجديد في ترك العديد من شركات النفط الكبرى بالعالم البلاد أو وقف ضخ استثمارات جديدة في مشاريع لاستكشاف الحقول وتطويرها.
احتياطات ضخمة وترشيد كبير في الإنفاق.. هل ينجح بوتين؟
في المقابل، أسس الرئيس فلاديمير بوتين مخزنًا لاحتياطيات النقد الأجنبي وخفض الدين الوطني إلى 4% من الناتج المحلي. وحظر السلع غير الضرورية حتى وصل الأمر إلى الجبن وغيرها من واردات المواد الغذائية من أوروبا.
أغلقت روسيا مجالها الجوي أمام 36 دولة، ما يعني أنه سيتعين على طائرات الشحن التحويل إلى طرق ملتوية. مما يؤدي إلى إنفاق المزيد على الوقود وربما تشجيعها على تقليل حجم حمولاتها.
جلين كوبكي، المدير العام للتعاون الشبكي في “فوركايتس” الاستشارية بمجال الشحن يتوقع أن نشهد ارتفاعًا هائلاً في أسعار المحيطات والجو. وحذر من أن أسعار الشحن في المحيطات يمكن أن تتضاعف أو تتضاعف ثلاث مرات لتصل إلى 30 ألف دولار للحاوية من 10 آلاف دولار للحاوية.
مؤسسة هارجريفز لانسداون تقول إن ضرب روسيا بشكل أقوى بالمقاطعة سيؤدي إلى ارتداد حاد في الآلام المالية. فالعقوبات لن تفعل الكثير لكسر عزم روسيا الفوري، الأمر الذي قد يؤدي إلى صراع اقتصادي طويل الأمد.”
الصراع قد يمتد للسلع الغذائية فالقمح بلغ 10.23 دولار للبوشل، وهو أعلى مستوى في 14 عاما. والذرة عند أعلى مستوى منذ عام 2012. كما أن موكو هي أكبر مصدر لنترات الأمونيوم التي تستخدم بالأسمدة، ما يرسم صورة قاتمة للتضخم حيث يقلب الصراع سوق السلع العالمية. ويرسل أسعار الطاقة والسلع الزراعية إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات.
بحسب وليا فريدلاندر، الخبيرة الاقتصادية، فإن العالم حاليا بيم مقامرة بين الساعة المالية والساعة العسكرية. فالغزو والعقوبات يضخان معًا جرعة هائلة من عدم اليقين والتقلب في عملية صنع القرار الاقتصادي. مما يزيد من المخاطر على التوقعات العالمية.