وسط تراجع الهجمات الجهادية في تونس، وتحولها إلى مشكلة يمكن السيطرة عليها في السنوات الأخيرة. بدأت الإصلاحات المتعلقة بالشفافية وسيادة القانون. والأساسية لدفع مكافحة الإرهاب في البلاد إلى الأمام، في التقدم. مع ذلك، أثارت حزمة القرارات الإصلاحية. التي وصفتها وسائل الإعلام الغربية ومراكز بحثية بـ “الانقلاب” الذي قام به الرئيس قيس سعيد العام الماضي أسئلة جديدة حول هذا التقدم.

حيث تساءل المراقبون عما إذا كانت “غرائز سعيد الاستبدادية”، كما وصفها بعضهم. ستؤدي إلى “تسييس مكافحة الإرهاب”؟ كما كان الأمر قبل ثورة 2011. التي أطاحت بالديكتاتور الراحل زين العابدين بن علي.

في مقارنات بيانية قام بها آرون واي زيلين، زميل ريتشارد بورو في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. والذي تركز أبحاثه على الجماعات الجهادية العربية السنية في شمال إفريقيا وسوريا. بالإضافة إلى الأنشطة الجهادية عبر الإنترنت. لفت زيلين -استنادًا إلى البيانات المقارنة على مدار العقد الماضي- إلى عدم وجود دلائل على هذا التسييس. على الأقل حتى الآن.

تشير الأرقام الخاصة بإحصاءات الاعتقال إلى انخفاضها من عام 2021 فعليًا عن العام السابق. ويبدو أنها تدعم فكرة أن الجهادية لا تزال مشكلة أقل خطورة مما كانت عليه في الفترة بين عامي 2015-2018. في غضون ذلك، شهد العام الماضي أكبر عدد من محاكمات الإرهاب منذ عام 2011. مما يشير إلى أنه على الرغم من أن الإجراءات القضائية لا تزال بحاجة إلى التحسين. لم يحدث أي تراجع عن ذلك الاتجاه في عهد سعيد.

مع ذلك، حتى لو لم يتم تسييس الاعتقالات الإرهابية بشكل واضح كما كانت في عهد الديكتاتور السابق بن علي. فإن انجراف سعيد نحو المزيد من الإجراءات الاستبدادية -آخرها حله لمجلس القضاء الأعلى- يستحق اهتمامًا وثيقًا في الأشهر المقبلة. نظرًا لوجود آثار محتملة على التعبئة المحلية، والاتجاهات ذات الصلة.

تحطيم الحركة الجهادية في 2021

على الرغم من الزيادة الطفيفة في الهجمات مقارنة بعام 2020. لا يزال إجمالي هجمات العام الماضي أقل بكثير مما كان عليه في العقد السابق. علاوة على ذلك، فإن جميع هجمات عام 2021 -باستثناء واحدة- شملت عناصر استخدموا عبوات ناسفة ضد قوات الأمن في المناطق الجبلية الريفية. الاستثناء الوحيد هو هجوم طعن فاشل في تونس.

بعبارة أخرى، لم تكن هناك هجمات واسعة النطاق ومتطورة تركز على مناطق مدنية مزدحمة. على عكس سلسلة حوادث الإصابات الجماعية التي شوهدت في الماضي.

يمكن تفسير الارتفاع المفاجئ في الملاحقات القضائية جزئيًا من خلال تعافي النظام بعد تراجع آثار فيروس كوفيد 19 لمدة عام. كما يشير إلى أن التغييرات القضائية التي أجراها سعيد لم تحفز -حتى الآن- على التراجع إلى إجراءات قضائية أقل شفافية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب. رغم أن النظام لا يزال بحاجة إلى التعزيز، من خلال إصلاحات مستهدفة إضافية.

بالنسبة لأعداد المعتقلين، يشير عدم وجود تغيير جذري إلى أن السلطات تعمل وفق نفس المعايير التي استخدمتها قبل انقلاب سعيد. ومن أبرز حالات عام 2021:

-يناير/كانون الثاني: اعتقال زعيم لم يذكر اسمه لفرع القاعدة كتيبة عقبة بن نافع.

-أبريل/ نيسان: إحباط هجوم لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مقر أمني في صفاقس.

-أكتوبر/ تشرين الأول: السلطات تعيد اعتقال سيف الدين الريس. المتحدث السابق باسم جماعة أنصار الشريعة الجهادية في تونس. كما اعتقلوا أعضاء خلية إعلامية تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في بنزرت. وخلايا تجنيد النساء في الكاف وتوزر.

-ديسمبر/كانون الأول: في أريانا، تم القبض على عضو نيجيري مزعوم في بوكو حرام أثناء محاولته عبور تونس إلى أوروبا. في توزر، اعتقال شخص متورط في هجوم يوم الباستيل 2016 في نيس، فرنسا.

تصفية القادة وضعف التنظيمات

على غرار السنوات السابقة، أعلن الجيش أيضًا مقتل العديد من الشخصيات الجهادية البارزة. بما في ذلك مسؤول تنظيم الدولة الإسلامية حمدي ذويب وخمسة من قادة كتيبة عقبة ابن نافع. ثلاثة منهم من أصل جزائري. هم عبد الباقي بوزيان، وبدر الدين ونيسي، وطالب يحياوي، وطارق سليمي، وساسي سلوبة.

وفي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني أضافت وزارة الداخلية شخصًا يُدعى صبر بن خميس خلف الله إلى قائمة المطلوبين للإرهاب. لكن دون الإشارة إلى انتماءاته.

فيما يتعلق بوضعهم داخل تونس، فإن كلاً من داعش وكتائب بن سلمان في حالة ضعف حاليًا. لم تعلن كتيبة عقبة بن نافع عن هجوم هناك منذ ما يقرب من ثلاث سنوات. مما يشير إلى أنه قد تكون انتهت، أو أن أعضائها قد انتقلوا إلى مسارح أخرى. ربما في الساحل، حيث توجد فرص أكبر لإجراء عمليات مع فرع القاعدة جماعة نصرة الإسلام.

أما تنظيم الدولة الإسلامية، فقد أعلن مسؤوليته عن هجوم واحد فقط في تونس العام الماضي. وهو أدنى معدل سنوي له هناك. نشرت نشرة “النبأ” الأسبوعية للتنظيم افتتاحية عن الانقلاب في يوليو/ تموز الماضي. واصفة الوضع في تونس كـ “دليل إضافي على أن النهوض بالإسلام من خلال الديمقراطية والوسائل السلمية لا يجدي نفعاً”.

خدمت هذه الحجة المتوقعة غرضين: اتهام حزب النهضة الإسلامي التونسي، وتعزيز “المسار الصحيح” للجهاد والشريعة والتوحيد. أي “التوحيد الخالص”. في ضوء هذه الآراء وعدم اليقين العام المستمر بشأن المستقبل السياسي لتونس، قد يعتقد المرء أن الجهاديين سيستغلون الانقلاب بسرعة.

حتى الآن -على الرغم من ذلك- لم يتمكن أي من التنظيمات المحلية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، أو القاعدة. من حشد ما هو أبعد من النقاط الخطابية على الإنترنت. بشكل مشابه -من بعض النواحي- لوضع المتطرفين المحليين المعزولين في الدول الغربية.

قضايا عالقة

أحرزت الحكومة التونسية تقدمًا طفيفًا في عام 2021. فيما يتعلق بالتحدي المتمثل في إعادة المقاتلين الأجانب التونسيين وعائلاتهم. من السجون والمخيمات في العراق وليبيا وسوريا. يرى المراقبون أن هذا ليس مفاجئًا، نظرًا لـ “غياب الرغبة السياسية لمثل هذه الإجراءات بين المجتمعات المحلية”، وفق زيلين.

في مارس / آذار 2021، أعيدت ثلاث نساء وخمسة أطفال من سرت في ليبيا. العاصمة السابقة لـ “ولاية” تنظيم الدولة الإسلامية هناك. مع ذلك، لا يزال العديد من المعتقلين التونسيين في شمال شرق سوريا.، حيث أكد هجوم داعش الأخير على السجون عدم استدامة ترك هؤلاء الأفراد في السجون والمعسكرات في الخارج.

يلفت خبير الأنشطة الجهادية في شمال أفريقيا إلى أنه مع منح داعش فرصة دائمة لتحرير العناصر الخطرة. قد يؤدي الاعتقال طويل الأمد -أيضًا- إلى زرع بذور التلقين بين جيل جديد من الجهاديين التونسيين المستقبليين. وهي فكرة واقعية، بالنظر إلى التعبئة الكبيرة غير المتناسبة للمقاتلين الأجانب في سوريا في العقد الماضي.

كان نهج تونس في التعامل مع تحديد الإقامة إشكاليًا أيضًا. علاوة على المخاوف المستمرة بشأن تقارير التعذيب داخل السجون، أشار رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب منير الكسيكسي في مارس/آذار 2021 إلى أن ما يصل إلى 70% من المدانين في قضايا تتعلق بالإرهاب لم يتلقوا أي خدمات إعادة تأهيل أو إعادة دمج حتى انتهت أحكام سجنهم.

في غضون ذلك، أظهرت بعض شخصيات المعارضة بوادر تسعى إلى تسييس قضايا مكافحة الإرهاب. على سبيل المثال، دعت عبير موسى -الزعيمة الشعبوية للحزب الدستوري الحر- باستمرار السلطات إلى تصنيف النهضة على أنها جماعة إرهابية. واعتقال أعضائها، بسبب أعمال إرهابية مزعومة.

عندما كان حزب النهضة في السلطة من 2011 إلى 2013. سهّل سوء إدارته نمو بعض الجماعات. مع ذلك، لم يدعم حزب النهضة هذه الجماعات ولم يخطط لأي شكل من أشكال الإرهاب. بدلاً من ذلك، كان نهجها غير الفعال “اللمسة الخفيفة”. يرجع بشكل أكبر إلى عدم الكفاءة. وسذاجة الاعتقاد بأنها يمكن أن تجذب فرع القاعدة في البلاد للانضمام إلى التجربة الديمقراطية.

دعم أمريكي وأوروبي

يرى زيلين -في ختام تحليله- إلى أنه للمضي قدمًا يجب على حكومة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الضغط بشكل عاجل على الرئيس التونسي قيس سعيد للقيام بعدة أمور. أولها أن يبتعد عن انجرافه للاستبداد. وأن يعود البرلمان التونسي، لاستئناف الانتقال الديمقراطي في تونس. وإصلاح الاقتصاد بجدية، حتى لا يفيد الأقلية وحدها.

يلفت زميل معهد واشنطن إلى أنه إذا تأخر الغرب في هذه القضايا. فإنه يخاطر بتقويض التقدم الذي تم إحرازه حتى الآن. في إنشاء بنية تحتية مستدامة ومهنية لمكافحة الإرهاب في تونس. وهذا بدوره سيجعل القتال المحلي ضد الجهاديين أكثر صعوبة، خاصة إذا استعادوا بعض مظاهر التنظيم والدعم. من خلال المظالم المشروعة للشعب من سوء الإدارة الاقتصادية.

يختتم بالقول: طالما لم يتم حل تداعيات الانقلاب، فمن المرجح أن تتوقف أو تتراجع جهود الإصلاح المتعلقة بالبنية التحتية الحكومية لمكافحة الإرهاب.