وسط ركام الحرب في أوكرانيا تجد إسرائيل “فرصة ذهبية” للوصول إلى مآربها. وليس أهم لديها من استقدام المزيد من اليهود المهاجرين إلى الأراضي المحتلة، عبر بوابة كبيرة، لطالما كانت ذات أهمية تاريخية كبرى هناك في شرق أوروبا، حيث الكثافة العددية العالية لأتباع الديانة اليهودية، في دولة يقودها فولودومير زيلينسكي، اليهودي المتدين والحريص على حضور مراسم النصب التذكاري لضحايا “النازية” من اليهود، في بابين يار بالعاصمة الأوكرانية كييف.
تعد أوكرانيا موطنًا لواحدة من أكبر الجاليات اليهودية في العالم وجذورها التاريخية عميقة. حيث أنها مسقط رأس بعض الأيديولوجيات والتقاليد اليهودية الأكثر تميزًا. وقد ظهرت الحركة الحسيدية من أوكرانيا، ولديها إرث غني من الثقافة اليديشية.
وقد قدرت دراسة ديموغرافية عام 2020 أن أتباع اليهودية يبلغون 43 ألف نسمة في أوكرانيا. بينهم حوالي 200 ألف أوكراني مؤهل للحصول على الجنسية الإسرائيلية. ما يعني أن لديهم أصول يهودية محددة. بينما يقدر الكونجرس اليهودي الأوروبي عددهم في أوكرانيا بحوالي 400 ألف فقط.
وتشير الدراسات إلى أن أكثر من 1.5 مليون يهودي عاشوا في المنطقة الجغرافية التي تتبع أوكرانيا حاليًا خلال الحرب العالمية الثانية (الاتحاد السوفيتي). لكن 80% منهم غادروا إلى إسرائيل وأماكن أخرى، وكثير من الذين بقوا كانوا من كبار السن والفقراء، فيما البعض الآخر منفصل عن تراثه اليهودي.
اليهود بالنسبة لأوكرانيا
يعيش معظم يهود أوكرانيا بأكبر مدن البلاد مثل كييف وأوديسا وخاركيف. ومع ذلك، توجد مجتمعات يهودية أصغر أخرى في جميع أنحاء البلاد. وهي تتألف في أغلبها من كبار السن الذين يعيشون في مدن أصغر وقرى متفرقة.
ولعل أبرز ما يشير إلى الاهتمام بالمنتمين إلى الديانة اليهودية في أوكرانيا هو عدد المعابد فيها. إذ تضم العاصمة كييف 6 معابد يهودية نشطة. فيما تنشط في دنيبرو 10 معابد، بالإضافة إلى 5 أخرى في خاركيف، و4 في أوديسا. ذلك فضلًا عن متحف ومركزين للجالية اليهودية. إلى جانب عشرات المدارس ورياض الأطفال وأربعة دور أيتام للأطفال اليهود.
كما تضم أوكرانيا مدينة أومان، حيث قبر الحاخام الحسيدى نحمان من بريسلوف من القرن الثامن عشر. وهو مكان يجتذب عشرات الآلاف من الإسرائيليين الحجاج إليه سنويًا. بينما يشهد طقوسًا للتكفير، على ضفة بحيرة شكلها نهر أومانكا.
وكان نحمان هذا الذي يحج الإسرائيليون إلى قبره مؤيدًا لإسرائيل. حتى أن له حكمة يرددها اليهود، تقول: “أينما ذهبت سأذهب إلى إسرائيل”. وقد أسس الحسيدية أو الحسيديم. وهي مذهب يهودي مشتق من كلمة حسيد. وتعني “التقي”. ويقوم هذا المذهب على اعتقاد أن دراسة العلوم الدينية يجب أن تقتصر على الخامات وليس عامة اليهود.
حينما سُئل الرئيس زيلينسكي عن هويته الدينية قال إنه من عائلة يهودية عادية، وإنه لا أحد يهتم ولا أحد يسأله عن ديانته. لكنه معروف حاليًا في أوساط اليهود بأنه “البطل اليهودي” الذي يقف ضد روسيا.
أوكرانيا بالنسبة لليهود
وقد أعلن الحاخام لابيش بيكر ، المدير التنفيذي لمنظمة “أجودات إسرائيل الأمريكية”، عن جمع أكثر من مليوني دولار لأوكرانيا منذ الغزو الروسي. قال إن ظهور الرئيس زيلينسكي، وهو يهودي وبطل قومي أوكراني، كان “مصدر فخر” لهم وسط أنباء الحرب الكئيبة.
“أجودات إسرائيل الأمريكية” هي منظمة جامعة للجماعات اليهودية الأرثوذكسية المتطرفة.
يستوطن مدينة نيويورك الأمريكية حاليًا ما يقدر بنحو 300 ألف يهودي من الاتحاد السوفيتي السابق. وهؤلاء لديهم روابط أسلاف مع أوكرانيا أو صلة روحية بالبلاد باعتبارها مسقط رأس اليهودية الحسيدية. ذلك إلى جانب قيادة زيلينسكي، التي أنتجت لدى بعض اليهود الأمريكيين شعورًا بالتضامن مع أوكرانيا.
يقول “بيكر” إن المواقع الدينية الحسيدية في أوكرانيا تجتذب عشرات الآلاف من الحجاج كل عام. ما يجعلها مكانًا مألوفًا ومقدسًا على حد سواء بين يهود أمريكا. إذ أن 40% من الجالية اليهودية في مدينة نيويورك هم في الأصل من أوكرانيا، مقابل 35% من روسيا، والباقي من بلدان أصغر مثل بيلاروسيا أو مولدوفا.
إسرائيل تصطاد الفرصة بين ركام حرب أوكرانيا
حاليًا، تركز الصحافة الغربية كثيرًا على البنية التحتية اليهودية التي تتضرر في الحرب الأوكرانية. خاصة في مدينة خاركيف، التي تضم مدرسة Ohr Avner اليهودية، وفرع شركة هيلليل الدولية. وقد تعرضت للقصف وهرب اليهود فيها إلى دنيبرو -مركز يهودي رئيسي آخر- ونقاط أخرى خارجها.
وقد دفع الوجود اليهودي الكبير في أوكرانيا الإسرائيليون إلى الترويج والاستعداد لاستقدام اليهود الأوكرانيين وعائلاتهم إلى إسرائيل. في وقت اعتبر عضو الكنيست تسفي هاوزر أن الأوضاع الحالية فرصة تاريخية أمام إسرائيل يجب إدارتها بحكمة. وفي الوقت نفسه العمل على تشجيع الهجرة من أوكرانيا وتحقيق أهداف إسرائيل كدولة للشعب اليهودي.
وتشير التقارير داخل إسرائيل إلى أن ذلك يتم بشكل أساسي من خلال الوكالة اليهودية. وهي هيئة شبه حكومية للترويج لهذه الهجرة، تسمى عالية. وتساعدها ناتيف، وهي وكالة أخرى لديها مهمة مماثلة تركز حصريًا على اليهود في الاتحاد السوفيتي السابق.
ناتيف منظمة اتصال حكومية إسرائيلية حافظت على اتصال مع اليهود الذين كانوا يعيشون في الكتلة الشرقية خلال الحرب الباردة وشجعتهم على الهجرة إلى إسرائيل.
وقد تم إغراق الوكالة بطلبات من قبل يهود أوكرانيا في أول يوم للحرب. وساعدت الزمالة الدولية اليهود، وهي مجموعة خيرية مؤيدة لإسرائيل، على تسفير ما يقرب من 100 يهودي من أوكرانيا في نهاية الأسبوع الماضي. كما دعت وزارة الهجرة الإسرائيلية يهود أوكرانيا إلى الهجرة إلى إسرائيل. قالت إنها “وطنهم”.
ويتوقع مسؤولون إسرائيليون أن يصل حوالي 10 آلاف يهودي أوكراني إلى إسرائيل في الأسابيع المقبلة منهم.
إسرائيل تجهز لهجرة يهود أوكرانيا
وفي إطار عملها لاستقدام المهاجرين الأوكرانيين وتوطينهم بالأراضي المحتلة، أعلنت المنظمة الصهيونية العالمية -التي تمولها الحكومة الإسرائيلية وتخضع لسيطرتها- عن بناء 1000 مبنى سكني للعائلات اليهودية الأوكرانية في كل من إسرائيل والمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما تم إنشاء 6 إدارات لنظر طلبات الهجرة للاجئين اليهود على طول الحدود الأوكرانية في 4 دول هي بولندا ومولدوفا ورومانيا والمجر. ويتم توفير وجبات طعام وإسكان مؤقت للمهاجرين بتلك البلدان قبل نقلهم جوًا إلى إسرائيل، لمنحهم سكنًا مؤقتًا، بما في ذلك الإقامة بالفنادق.
ربما تكون إسرائيل بالنسبة لليهود الأوكران وطنًا ثانيًا كما تروج حكومة الاحتلال. لكن بعضهم أيضًا يفضل البقاء في بولندا الملاصقة لدولتهم. وهؤلاء يرغبون في العودة إلى ديارهم بعد استقرار الأوضاع. خاصة وأن أوكرانيا دولة يتمتع فيها اليهود بكامل حقوقهم، وقد وصل نفوذهم فيها إلى منصب رئاسة البلاد.
ماذا فعلت إسرائيل سياسيًا لأجل أوكرانيا؟
وعلى صعيد السياسة، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، السبت لمدة ثلاث ساعات تقريبًا، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، وبمباركة أمريكية كما ذكر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ونقلت شبكة “سي إن إن“.
وقال مسؤول إسرائيلي إن مسعى بينيت الدبلوماسي تم بالتنسيق مع ألمانيا وفرنسا. وأضاف أن الزعيم الإسرائيلي “في حوار مستمر مع أوكرانيا”.
كما تحدث بينيت مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، بعد اجتماعه مع بوتين. وقال سفير أوكرانيا في إسرائيل، لشبكة CNN، إن القيادة الأوكرانية أُبلغت مسبقًا باجتماع بينيت مع بوتين وكانت تدعمه.
وبعد انتهاء اجتماع موسكو، قال المسؤول الإسرائيلي إن بينيت في طريقه الآن إلى برلين للاجتماع مع المستشار الألماني أولاف شولتز. وقبل ثلاثة أيام، أجرى بينيت محادثات هاتفية منفصلة مع كل من بوتين وزيلينسكي.
وناشد زيلينسكي إسرائيل التوسط في الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. وبينما أدانت إسرائيل الغزو الروسي في تصريحات لوزير الخارجية يائير لابيد، تجنب بينيت نفسه الانتقاد المباشر لروسيا أو بوتين.
وقد سعت إسرائيل إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا في السنوات الأخيرة حتى تتمكن من مواصلة الضربات الجوية ضد الأهداف الإيرانية في سوريا. وهو ما تعتبره إسرائيل أمرًا بالغ الأهمية لمنع نقل تكنولوجيا الصواريخ الموجهة بدقة إلى حزب الله.