ارتفعت أسعار النفط العالمي لتواصل التحليق مقتربة من أعلى مستوياتها على الإطلاق لتسجل قرابة 140 دولارًا للبرميل. وذلك بعد قفزاتها خلال الفترة الأخيرة تزامنًا مع الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الغربية على موسكو. فيما قد يلقي بتأثير محتمل على الموازنة العامة في مصر.
فكيف ستتأثر دول أوروبا المستوردة للنفط بتلك الأزمة؟ وهل هناك زيادات مرتقبة للبنزين محليًا؟ وهل ستعوض الدول المصدرة للنفط الخسائر التي لحقت بها أثناء جائحة كورونا؟
جاءت تلك التكهنات عقب القفزة القياسية في أسعار النفط العالمي -الأكبر منذ عام 2008- حيث وصل سعر برميل خام برنت إلى فوق 139 دولارا. قبل أن يفقد بعض مكاسبه ليصل إلى 124.82 دولار بنسبة ارتفاع 5.7% مقارنة بنهاية جلسة الجمعة الماضية.
النفط والتخوفات العالمية
مع استمرار صعود أسعار النفط العالمي خلال الأيام الماضية زادت حدة التخوفات من حدوث أزمة في المعروض من النفط بالسوق العالمية. وذلك نتيجة استحواذ روسيا على 13% من النفط المعروض بالسوق. في الوقت الذي يمثل فيه إنتاج الغاز الروسي نحو 17% من الإنتاج العالمي.
تلك التخوفات زادت حالة التخبط وعدم الاتزان بالسوق. خاصة في أوروبا بسبب العقوبات التي حاولت تلك الدول فرضها على روسيا. لإجبارها على التراجع عن دخول أوكرانيا. في الوقت الذي تعتمد فيه تلك الدول على النفط والغاز الروسي بشكل رئيسي في إتمام العمليات التشغيلية للقطاعات الصناعية وكذلك الاستهلاك اليومي للمواطنين.
الوضع دفع عددا من الخبراء إلى تأكيد طول فترة الحرب الروسية الأوكرانية -التي ستتحكم في حركة أسواق السلع الأساسية بما فيها النفط. فيما قد تشعل المزيد من الأسعار. وهو ما يلقي بظلاله على تعافي نمو الاقتصاد العالمي.
ويزداد القلق بشأن خطر حدوث انقطاع كامل للإمدادات عن دول الاتحاد الأوروبي. التي تعد الخاسر الأكبر حتى الآن من هذه الأزمة. حيث إنها تستورد من روسيا أكثر من ثلث الغاز الطبيعي وأكثر من ربع النفط الخام الذي تستهلكه -بحسب بيانات يوروستات. فيما انفجرت أسعار النفط لمجرد التفكير في فرض حظر على النفط الروسي. حيث تصدر روسيا في حدود 5 ملايين برميل نفط خام يوميا وقرابة 3 ملايين برميل من النفط المكرر يوميًا من أصل مجمل إنتاج 11 مليون برميل تقريبا.
من المستفيد من أزمة الطاقة؟
هناك دول عربية وأخرى أجنبية باتت مستفيدة من تلك الأزمة. بحيث قد تتجه دول العالم وعلى رأسها الأوروبية للاعتماد على الدول الأخرى المنتجة للنفط والغاز وعلى رأسها دول الخليج لضخ المزيد للمساعدة في الحفاظ على انخفاض الأسعار. أو في أسوأ السيناريوهات لسد النقص الفوري.
ووفقًا لتقديرات HSBC فإن كل زيادة قدرها 10 دولارات/برميل في سعر النفط ستضيف 65 مليار دولار إلى عائدات تصدير النفط لدول مجلس التعاون الخليجي. وقد تكون قطر أحد أكبر الرابحين لأن التوسع المستمر في قدرتها من الغاز الطبيعي المسال قد يُترجم إلى صادرات تحل محل بعض مبيعات الغاز الروسي في أوروبا بحلول منتصف عشرينيات القرن الحالي.
هل تعوض الدول المصدرة للنفط خسائر كورونا؟
يقول الدكتور جمال القليوبي -أستاذ هندسة البترول والطاقة- إن الدول المصدرة للنفط باتت قادرة على تعويض الخسائر التي لحقت بها خلال جائحة كورونا. التي عصفت بالأسعار حينها وهبوطها إلى دون الـ20 دولارًا للبرميل في 2020.
أضاف “القليوبي” لـ”مصر 360″ أن الشركات المنتجة للنفط -العاملة في دول غير روسيا وأوكرانيا- سترتفع إجمالي إيراداتها ومعدلات نموها خلال النصف الأول من 2022. بمعدل أعلى من المخطط الوصول إليه في موازنات تلك الشركات. وذلك استفادة من المعدل السعري الحالي للنفط. وبالتالي إمكانية تطوير حقول النفط القائمة ما سيساهم في تشكل فائض في سوق النفط العالمي.
ورجح الخبير ارتفاع أسعار النفط على المدى القصير إلى مستوى 150 دولارا للبرميل. على أن يحاول المشاركون في سوق النفط خلق ظروف لاحقة لإعادة توازن العرض والطلب لإعادة السوق إلى 95-100 دولارًا. موضحًا أن مصر قد تشهد طفرة في حجم الاستثمارات التي تضخها شركات التنقيب الفترة القادمة عقب استفادة تلك الشركات من فارق السعر في برميل النفط خلال الربع الأول من 2022.
روسيا تهدد بعواقب كارثية: الأسعار ستصل لـ300 دولار
أمام على صعيد التهديدات الروسية للأسواق الأوروبية أكد نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك أمس أن أسعار النفط قد تقفز فوق 300 دولار للبرميل إذا حظرت الولايات المتحدة وأوروبا واردات الخام من روسيا.
وأضاف أنه من الواضح تماما أن رفض النفط الروسي سيؤدي إلى عواقب كارثية للسوق العالمية. مشيرًا إلى أن القفزة في الأسعار ستكون من المتعذر التنبؤ بها. وسيصل السعر إلى 300 دولار للبرميل إن لم يكن أكثر.
وأوضح نوفاك: “روسيا تعرف أين ستعيد توجيه النفط إذا رفضته أوروبا والولايات المتحدة. استبدال إمدادات النفط الروسي إلى أوروبا سيستغرق أكثر من عام. وأوروبا تدفعنا نحو حظر على تسليم الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 لكننا لم نتخذ هذا القرار حتى الآن”.
مصر تتأثر بشكل مضاعف
وفي ظل التقلبات العالمية فإن مصر ستتأثر بشكل مباشر بارتفاع أسعار البترول من عدة جوانب أهمها أسعار البنزين والمنتجات البترولية الأخرى. والتي تتم مراجعتها كل 3 أشهر بناءً على تطورات أسعار البترول. إلى جانب تأثيرها على بند الإنفاق على دعم المواد البترولية في الموازنة العامة للدولة وبالتالي احتمالية التأثير على عجز الموازنة.
وقال المهندس طارق الملا –وزير البترول– في تصريحات لقناة سكاي نيوز عربية إن اقتصاد مصر “سيتأثر سلبا” بالصعود الكبير لأسعار البترول الناتج عن الحرب الدائرة في أوكرانيا. متابعًا: “تغير الأسعار (البترول) لحظي وكل يوم يحدث تغيير. هذا ليس في صالح مصر”.
وأضاف: “مصر دولة مستوردة للزيت الخام والمشتقات البترولية. وبالتالي هناك تطلع وترقب بصفة مستمرة كي لا تكون هناك زيادة في الأسعار تؤثر على المنظومة”.
وصرحت مصادر مسؤولة بالهيئة العامة للبترول أن الدولة ستتأثر سلبيًا بالارتفاعات المتتالية لأسعار النفط العالمي. ومن ثم احتمالية تحريك الأسعار المحلية للمنتجات البترولية “البنزين وغيره” بداية من أبريل المقبل. وذلك عقب اجتماع لجنة تسعير الوقود الربع سنوي.
أضافت أن الأسعار التي وصل إليها الخام العالمي لم تكن في الحسبان نهائيًا. وأن التوقعات والسيناريوهات التي وضعتها وزارة البترول للعام المالي الجاري لم تتوقع تلك الأسعار. وبالتالي فإن خام برنت يحلق بعيدًا عن السعر المقدر له في الموازنة العامة 2021/2022 بنحو 62 دولارًا للبرميل.
هل ترتفع الأسعار في أبريل؟
وتوقع محللون أن تتجه الحكومة لرفع أسعار البنزين للمرة الخامسة خلال اجتماع لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية المنتظر عقده الشهر المقبل. وذلك بعد القفزة الكبيرة في أسعار البترول. في الوقت الذي قامت فيه الحكومة برفع أسعار البنزين 4 مرات خلال العام الأخير بقيمة 25 قرشا للتر في كل مرة في أشهر أبريل ويوليو وأكتوبر 2021 ثم فبراير 2022. بينما أبقت على سعر لتر السولار دون تغيير.
وأكد رمضان أبو العلا -الخبير البترولي- لـ “مصر 360” أن الزيادة العالمية في أسعار النفط عالميًا ستنعكس مباشرة على المنتجات البترولية التي توفرها الحكومة من الخارج. موضحًا أن الدولة لم تُعلن حتى الآن عن أي زيادات في أسعار المواد البترولية. ومن المتوقع أن يتم حسم هذه القرارات خلال اجتماع لجنة تسعير الوقود خلال الشهر الجاري.
وذكر أن الذي يحدد سعر المواد البترولية ليس ارتفاع أسعار النفط العالمي فقط. بل العديد من العوامل الأخرى منها سعر الصرف وتكاليف الإنتاج والتشغيل لعملية استخراجه. وإن كان خام برنت هو المحرك الأقوى بين تلك العناصر. ومع وصول النفط العالمي إلى قرابة 140 دولارًا للبرميل فإن لجنة تسعير الوقود ستكون مضطرة لتحريك الأسعار بالسوق خلال الربع الثاني من 2022.
وتجتمع اللجنة الخاصة بمتابعة آلية التسعير التلقائي للمواد البترولية كل 3 أشهر لدراسة أسعار المواد البترولية. وحددت نسبة التغير في سعر البيع للمستهلك بألا تتجاوز 10% ارتفاعا وانخفاضا عن سعر البيع الساري.
وذكر تقرير صادر عن شركة برايم لتداول الأوراق المالية أن بيئة أسعار النفط الحالية والتوقعات على المدى القريب ستدفع لجنة تسعير سلع الوقود إلى زيادة الأسعار. (بما في ذلك السولار ومن المحتمل المازوت) خلال اجتماعها في أبريل. ما يزيد من الضغوط التضخمية.
دعم الوقود وعجز الموازنة
وبالتزامن مع القفزات الحالية فلا تزال زيادات أسعار النفط تُشكل مخاطر على تحقيق مستهدفات دعم الوقود وبالتالي عجز الموازنة خلال العام المالي الحالي. خاصة إذا استمرت لنهاية يونيو المقبل على المستويات المرتفعة التي وصلت إليها. حيث تقدر مصر برميل خام برنت في موازنة العام الجاري عند 62 دولارًا. ما يعني أن الأسعار الحالية لخام برنت أصبحت أعلى من ضعف السعر المقدر في الموازنة العامة للدولة.
وتستهدف الحكومة في مصر بموازنة العام الحالي أن يسجل دعم المواد البترولية نحو 18.4 مليار جنيه. وذلك مقابل نحو 28.2 مليار جنيه في موازنة العام المالي 2020-2021 بحسب بيانات وزارة المالية.
وقال البنك الدولي في تقرير له إن كل زيادة بمقدار 10 دولارات في سعر النفط العالمي عن السعر المقدر له في الموازنة العامة لمصر خلال العام المالي الجاري سيترتب عليها ارتفاع نسبة العجز في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.2% إلى 0.3%.