انطلقت المبادرة الرئاسية لتنمية الأسرة المصرية للحد من الزيادة السكانية باعتبارها خطرا يهدد عملية التنمية ويلتهم النمو الاقتصادي. فالهدف الاستراتيجي العام لخطة تنمية الأسرة المصرية، هو الارتقاء بجودة حياة المواطن والأسرة بشكل عام من خلال ضبط معدلات النمو المتسارعة.
وتستهدف المبادرة طبقا لما أعلنته وزارة التخطيط السيدات من 18 حتى 40 سنة، طلبة الجامعات، تلاميذ المدارس، أطفال القرى والنجوع، تجمعات الريف، رجال الدين، الداعيات والراهبات.
ووضعت المبادرة مجموعة من المحفزات للحد من ظاهرة الإنجاب عن طريق منح شهادات ادخارية للسيدات بقيمة 60 ألف جنيه بشرط الالتزام بالضوابط للانتفاع بها في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وهو برنامج حوافز مادية مؤجلة للسيدات شرط الالتزام بالضوابط التي تحقق أهداف المشروع من السيدات المتزوجات “زيجات حديثة أو قائمة” واللاتي لديهن طفلين على الأكثر.
وتشترط ألا يقل سن السيدات عند الانضمام للبرنامج عن 21 عاما ولا يزيد عن 40 عامًا.
أخطار الزيادة
في عام 1985 صدر القرار الجمهوري رقم 19 بإنشاء المجلس القومي للسكان لمواجهة الزيادة السكانية. وبلغ تعداد مصر في عام 2014 إلى 86.7 مليون نسمة. وفي 22 فبراير 2022 أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن عدد السكان بالداخل تجاوز 103 مليوناً أي أن عدد سكان مصر زاد في أخر 8 سنوات أكثر من 16 مليون نسمة.
طبقا لمكتب المرجع السكان السكاني في الفترة من 2018 الي 2050، فان عدد السكان مصر سيزيد بـ 69.5 مليون نسمة. لتكون سابع أعلى دولة في العالم تحقق زيادة وسيقفز ترتيب مصر على مستوى العالم من حيث عدد السكان من المركز ال 14 إلى المركز 11.
قوة مشروطة
الدكتور عمرو حسن مقرر المجلس القومي للسكان سابقا اعتبر الزيادة السكانية أحد عناصر القوة الشاملة للدولة. موضحا أن هذا المبدأ ليس مطلقاً ولكنه مشروط بألا تتعدى معدلات الزيادة السكانية قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية بالجودة المناسبة. وألا تؤثر معدلات الزيادة السكانية على متوسط نصيب الفرد من الموارد الطبيعية. لاسيما المياه والطاقة والأرض الزراعية وعلى أن تتناسب معدلات الزيادة السكانية مع قدرة الاقتصاد الوطني في تحقيق مستوى مرتفع من التنمية البشرية، وتحقيق خفض في معدلات البطالة.
وقال إن عملية الارتقاء بنوعية حياة المواطن تتطلب خفض معدلات الزيادة السكانية لإحداث التوازن المفقود بين معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات النمو السكاني.
وأضاف حسن لـ مصر 360 أن استمرار مستويات النمو السكاني على مستوياتها الحالية سيؤدى إلى تراجع العائد من جهود التنمية وبشكل أكثر تحديداً. فإن نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة والتعليم والإسكان والنقل والمواصلات ونصيبه من الأرض الزراعية والمياه والطاقة بأنواعها سيتراجع. مشيرا إلى أن هذه الزيادة الكبيرة في عدد السكان ستصعب عملية الحد من البطالة والأمية والاكتفاء الغذائي.
وأوضح حسن أن هذا العدد الضخم من السكان ما زال يتركز في 7.8% فقط من مساحة مصر التي تزيد على مليون كيلومتر مربع. وقد ترتب على ضآلة المساحة المأهولة بالسكان بمقارنتها بجملة المساحة أن أصبحت مصر تعاني من الكثافة السكانية العالية إذا ما قورنت بالكثافة السكانية في الدول الأوروبية.
المياه والسكان
ومن المتوقع أن يصل عدد سكان مصر في عام 2050 إلى حوالي 150 مليون نسمة، مما يعني أن نصيب الفرد من المياه سيقل. وإذا استمرت الزيادة السكانية بهذا المعدل فإننا سنصل بنصيب الفرد من المياه إلى حد الندرة المائية.
عمرو حسن: الدولة تستهدف خفض معدل الزيادة السنوية إلى 400 ألف سنويا. وهو حلم كبير لو تحقق سيساهم من وجهة نظره في حل الكثير من مشاكل مصر.
تبلغ نسبة المواليد كل يوم 4310 مليون وكل ساعة 179.6 وكل دقيقة 3 مواليد. ومنذ عام 1959 وحصة مصر المائية 55.5 مليار متر مكعب أي أن نصيب الفرد تجاوز وقتها الـ 2000 متر مكعب. بينما لا يتجاوز نصيب الفرد حالياً 600 مترا مكعب سنويا في ظل التعداد الحالي 103 مليون. حيث انخفض نصيب الفرد من المياه ما يقرب من 1500 متر مكعب خلال 60 عاما بسبب الزيادة السكانية. في الوقت الذي تقدر فيه تقارير الأمم المتحدة تقدر خط الفقر المائي بـ 1000 متر مكعب من المياه سنوياً للفرد. ويقدر حد الندرة المائية بـ 500 متر مكعب للفرد سنوياً.
وذكر حسن أن الدولة تستهدف خفض معدل الزيادة السنوية إلى 400 ألف سنويا. وهو حلم كبير لو تحقق سيساهم من وجهة نظره في حل الكثير من مشاكل مصر.
ووفقا لبيانات أصدرها “المركز المصري للدراسات الاقتصادية” 2020. كل جنيه تنفقه الدولة على خدمات تنظيم الأسرة يمكن أن يوفر في المقابل. 32.9 في الإنفاق على الصحة، 74.1 في التعليم، 16.7 على دعم الغذاء، 28 جنية من دعم الإسكان والمرافق الاجتماعية.
طاقة السكان
وعلى الرغم من أهمية المبادرة كأحد آليات مواجهة أزمة زيادة السكان لكنها أحادية الرؤية. ويؤخذ عليها أنها لم تضع برنامج قومي للاستفادة من الزيادة السكانية موارد الطاقة واستغلالها. وتوجيه قدرات الفئات العمرية القادرة على العمل في إضافة قيمة حقيقية في عملية التنمية في قطاع الأعمال.
دكتور وائل الكميلي خبير التنمية البشرية والعلاقات الأسرية والنفسية قال: “قبل التفكير في الحد من الزيادة السكانية يجب التفكير كيفية الاستفادة من هذه الطاقة الهائلة”. لافتا إلى أن لدينا مجموعة من المشكلات الاجتماعية يجب معالجتها لتحويل الطاقة السكانية إلى موارد بشرية يمكن الانتفاع بها.
وقال كميلي لمصر 360 إن عملية التنمية الاقتصادية ونظام العمل والإدارة في أي دولة متقدمة تعتمد علة ثلاث محاور رئيسة. هي (العنصر البشري، رأس المال، المعلومات)، موضحا أن مصر لديها طاقة سكانية إيجابية يمكن استغلالها. فالغالبية العظمي من السكان من فئة الشباب لذا على الدولة توفير تدريب وتهيئة السكان بشكل جيد. وربط التعليم بسوق العمل لتتحول الزيادة السكانية من مرحلة العبء إلى القدرة.
مشيرا إلى أن مصر تخطت حاجز الــ 100 مليون نسمة، وليس لدينا تعليم جيد ولا احترام للمهن والحرف. مما وضع الحكومة الحالية في مأزق رغم خاصة أن الغالبية العظمي يستسهلون ويعملون سائقي (توك توك أو يوتيوبر تيك توك).
ويري كميلي أن ما يدفع كثير من الفئات للهروب للعمل بالمصانع هو الأوضاع في القطاع الخاص تحديدا الرواتب. والذي اعتبره كميلي ظالم جدا بالمقارنة بين عدد ساعات العمل والأجر الذي يتراوح ما بين 500 جنيه إلى 3000 جنيه بحد أقصي.
عزوف الشباب عن العمل المهني
وانتقد نظرة المجتمع للعمل الفني المهني بنظرة والتي تساهم في عزوف الشباب عن هذه المهن. مؤكدا على عدم ربط المهن بالشهادات.
ويري كميلي للخروج من أزمة الزيادة السكانية والاستفادة منها ضرورة الاحتذاء بتجارب دول أخرى. مثل الصين التي استطاعت استغلال الطاقة البشرية في أحدث ثورة صناعية. ونهضة تنموية وضعتها في مصاف الدول العظمي الآن.
وأكد أيضا ضرورة العمل على ثلاث محاور رئيسية تحسين المناهج خاصة بالمدارس الفنية. بما يتماشي مع متطلبات سوق العمل بشكل صحيح ومدروس، وزيادة حملات التوعية في المجتمع عن طريق قادة الفكر والرأي لإقناع المواطنين بخطورة الزيادة السكانية. وأيضا بناء مصانع في مواقع العمل تستوعب هؤلاء الفئات توفير فرص عمل. وقائلا كميلي: “عندما تنجح الدولة في ذلك سنجد الطلاب يتركون الثانوية العامة والذهاب إلى المدارس الفنية”.
مشيرا إلى أن بعض المدارس الفنية الخاصة التي تؤهل الشباب الدارسين للعمل بمصانعها مثل توشيبا والسويدي. تقبل الطلاب مجموع أعلى من الثانوية العامة لأنها توفر فرص عمل وتدريب.
وشدد كميلي على ضرورة أن يتبع المبادرة للحد من الإنجاب بعض الخطوات الأخرى للحد من الظاهرة. مثل توعية الناس في القرى والمناطق العشوائية بخطورة الظاهرة. حيث يري كميلي أن زيادة الإنجاب سببه الرئيسي. اعتماد بعض الأسر أن الأبناء مورد لهم للعمل في الحقول أو بالأجر للإنفاق على العائلة. لذلك يتطلب معالجة الظاهرة توفير مناخ كامل لضمان نجاح المبادرة وخلق فرصة عمل.
وأشار إلى أهمية نشر مراكز الأسرة وتوفير وسائل تنظيم الأسر بالمجان وتفعيل دور الوحدات الصحية. وتفعيل دور الجمعيات الأهلية وتطوير الخطاب الدين إضافة لتقدير حجم الموارد.
دور المجتمع المدني
المستشارة التربوية الدكتورة نيفين جميل شفيق خبير تنمية بشرية، ورئيس مجلس إدارة مجموعة نبراس السلام. أكدت على أهمية استغلال العام الحالي وكونه عام المجتمع المدني وتوجيه نشاط الجمعيات في الحد من الزيادة السكانية. وتفعيل نشاطها في العمل على برامج معالجة لمشكلات الريف. ومنها الحد من ظاهرة الأمية لرفع الوعي عند هذه الفئة لإقناعهم بالتغيير وسرعة فهم الخطاب الموجه إليهم داخل المجتمع المحلي في القرى والريف.
أيضا عمل مراكز تدريب حرفي ومهني بالقرى في الريف لتدريبهم على العمل اليدوي. ودعمهم ماديا بتوفير الخامات والإمكانيات وفتح الأسواق وتسويق منتجاتهم بعائد مجدي لتشجيعهم على الاستمرار.
وقالت نفين إن القاعدة العريضة من المواطنين من الشباب وفقا آخر إحصائية مسح سكاني فإن نسبة الشباب في المجتمع المصري تصل لــ 60% من تعداد السكان. واستغلال طاقات الشباب تساعد على تنمية المجتمعات وتطويرها وتأهيلها نحو الأفضل، من خلال تشجيعهم وإبراز قدراتهم في قيادة المواقع والمراكز المتقدمة. لأن مرحلة الشباب مهمة ويتم فيها تدريب الشباب وللتدريب شقين الأول تدريب للشباب لتولى المراكز القيادية وتوظيف أفكارهم في مشروعات التنمية الثقافية المستدامة 2030 ثم التدريب على الحرف اليدوية.
تجارب أخرى
وأشارت نفين إلى تجربتين ناجحتين هما البرازيل والهند في الاعتماد على الشباب وتوظيفه. حيث لديهما ظروف مشابهة فيما يتعلق بموضوع الكثافة السكانية. وقلة الموارد، إلا أنهما استهدفا الشباب الذين شاركوا أفكارهم، لذا نجحت هاتان الدولتان خلال سنوات قليلة أن تصبحا من أهم 5 اقتصاديات في العالم.