منتصف الأسبوع الجاري، صرّخ مذيع التوك شو عمرو أديب في المصريين مطالبًا إياهم بالتخلي عن تناول البيض الأورجانيك.. “ياعم ده مش وقت بيض”. قبل هذه الصرخة بثلاثة أعوام كان رئيس الجمهورية يعد بإتاحة المُنتجات الأورجانيك لعموم المصريين؛ لكن شيء من هذا لم يحدث.

بل على العكس، ارتفع عدد المصريين القابعين تحت خط الفقر من 26.1 مليون مواطن عام 2018، إلى 30 مليون بنهاية العام المالي 2019/ 2020، وفقًا لبحث الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. كما ارتفع متوسط سعر البيضة من 116 قرشًا عام 2018، إلى جنيهين خلال مارس الجاري، بنسبة زيادة 58%.

وخلال الأيام الماضية، ارتفعت أسعار السلع بمعدلات تتراوح بين 20 إلى 50%. إذ زاد سعر اللحوم بنحو 50 جنيهًا منذ نهاية فبراير الماضي، وفقًا لشعبة القصابين بالغرفة التجارية بالقاهرة. كما ارتفع سعر الخبز “العيش السياحي” بمعدل 50%. وقد وصل سعر الرغيف إلى 75 قرشًا بدلاً من 50 قرشًا في نهاية فبراير الماضي. كما ارتفع سعر طن الدقيق من 9 إلى 12 ألف جنيه وفقًا لعطية حماد رئيس شعبة المخابز بالغرفة التجارية بالقاهرة.

زيادات غير مبررة

وفقًا لعضو شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية، أحمد شيحة، فإن “جشع التجار” وراء كل تلك الزيادات في أسعار المُنتجات. ولا يوجد أي مبرر لارتفاع الأسعار بتلك الطريقة. وقد أوضح أن كل البضائع والمُنتجات الموجودة في السوق حاليًا جاءت طبقًا للأسعار المعمول بها سابقًا قبل بداية الأزمة الروسية الأوكرانية.

ويُضيف لـمصر 360، أن أي شحنات أو بضائع سيتم استيرادها بعد أزمة الحرب هي التي تنطبق عليها معدلات ارتفاع أسعار عالميًا. بينما يشير إلى أن أسعار الشحن ارتفعت منذ بداية جائحة كوفيد 19. لكن حتى الآن لاتوجد مؤشرات على زيادة أسعار الشحن بسبب أزمة الحرب الروسية الأوكرانية.

وكانت ارتفعت أسعار الشحن “النولون” بنحو 7 أضعاف خلال العامين الأخيرين، عما كانت عليه قبل بداية وباء كورونا، وفقًا لتحليل صادر عن منظمة الأونكتاد في شهر نوفمبر الماضي.

ويقول شيحة، إنه حتى اللحظة كل الشحنات القادمة جاءت وفقًا للتعاقدات السعرية المعمول بها قبل بداية الأزمة الروسية الأوكرانية، ولم تنطبق عليها الزيادة. مدللاً على ذلك بإحدى شحنات القمح التي وصلت مصر خلال اليومين الماضيين.

وصل سعر الرغيف إلى 75 قرشًا بدلاً من 50 قرشًا في نهاية فبراير الماضي
وصل سعر الرغيف إلى 75 قرشًا بدلاً من 50 قرشًا في نهاية فبراير الماضي

ويرى عضو شعبة المستوردين، أن الحكومة لاتملك حلًا لمشكلة ارتفاع الأسعار، كونها أزمة عالمية. لكن بمقدورها أن تتخذ إجراءات إدارية ضد التجار بواسطة أجهزتها الرقابية. وهو يشير إلى أن الحكومة لاتملك حق “تسعير” المُنتجات.

ويعتقد شيحة، أنه بإمكان الحكومة استخدام قانون الطوارئ لمواجهة ما أسماه “جشع التجار” الذي تسبب في ارتفاع الأسعار.

إلى ذلك، يتفق رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء محمود العسقلاني، في أن رغبة التجار في جني مزيد من الأرباح السبب وراء زيادة الأسعار الحالية. وهو يلفت إلى أن غالبية التعاقدات الجديدة للاستيراد لا تنطبق على المُنتجات الحالية. كونها مستوردة وفقًا للأسعار المعمول بها قبل بداية أزمة الحرب الروسية الأوكرانية.

ويُدلل على كلامه لمصر 360، بأن أسعار طن الدقيق ارتفعت خلال 3 أيام ثلاثة آلاف جنيه، بمعدل ألف جنيه يوميًا دون مبرر حقيقي. واصفًا ما يحدث بـ”حرب التجار”.

ويعتقد العسقلاني، أن هذه الزيادات قد تُهدد استقرار البلد. لأنها ستسبب في غضب قطاعات واسعة من المواطنين، خاصة الفقراء. كما يشير إلى أن التهرب الحكومي من الأزمة بدعوى أنه لا تستطيع تحديد حسبما ينص الدستور، ليس حلًا.

ووفقًا للمادة 27 من الدستور المصري الصادر عام 2014، فإن النظام الاقتصادي المعمول به هو السوق الحر، الذي يمنع على الدولة التدخل لفرض التسعير الجبري. لكن المادة تتيح للحكومة التدخل لمنع الممارسات الاحتكارية وضبط آليات السوق بما يحفظ حقوق العاملين ويحمي المستهلك.

ويقول رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء، إن القانون والدستور حظرا على الحكومة التدخل لفرض تسعيرة جبرية لأي مُنتج. مشيرًا إلى أنه لحل تلك المعضلة يجب إصدار تشريع قانوني يُتيح للحكومة التدخل حيال الأمر.

ماذا فعلت الحكومة؟

في أول رد فعل حول الأزمة، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إن أجهزة الحكومة تُراقب التطورات العالمية. وإنها تتابع أيضًا ما تشهده من اضطرابات بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، وتداعياتها التي تسببت في نقص عدد من السلع وارتفاع الأسعار عالميًا.

وأضاف في بيان صادر عن مجلس الوزراء، صباح أمس الثلاثاء، إن الدولة لن تسمح بقيام بعض التجار الجشعين بتخزين وإخفاء السلع. بينما أكد أنه سيتم التعامل حيال ذلك وفق الإجراءات القانونية المتبعة.

لكن في مساء نفس اليوم، شرح المتحدث باسم مجلس الوزراء، السفير نادر سعد، تعامل الحكومة مع الأزمة. قال: “السلع المتاحة في الأسواق خاضعة لقانون العرض والطلب وسعرها يتحدد وفقًا لذلك”.

وأضاف في تصريح لأحد برامج التوك شو، أن الحكومة سوف تستخدم الأداة الأكثر تأثيرًا – حسب وصفه – وهي زيادة المعروض من السلع عبر استخدام مخزون الدولة الاستراتيجي من السلع المختلفة. متابعًا أن القانون يُعاقب التجار حال امتنعوا عن تقديم السلعة أو أخفوها، وأن أن جهازي حماية المنافسة والمستهلك يتدخلان في حال وجود مثل هذه المخالفات.

قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إن أجهزة الحكومة تُراقب التطورات العالمية. وإنها تتابع أيضًا ما تشهده من اضطرابات بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، وتداعياتها التي تسببت في نقص عدد من السلع وارتفاع الأسعار عالميًا.
قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إن أجهزة الحكومة تُراقب التطورات العالمية. وإنها تتابع أيضًا ما تشهده من اضطرابات بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، وتداعياتها التي تسببت في نقص عدد من السلع وارتفاع الأسعار عالميًا.

هل يأكل المصريين أورجانيك؟

على جانب آخر، يقول مستشار مركز الدراسات الاقتصادية الزراعية، الدكتور جمال صيام، إن معظم إنتاج مصر من المُنتجات “الأورجانيك” يتم تصديرها للخارج. وذلك نظرًا لعدم قدرة السوق المحلي على استيعابها بسبب ارتفاع أسعارها. إضافة إلى أنها تتطلب دخول مرتفعة للمواطنين.

ويُضيف لمصر 360، أنه حتى عام 2018، كان عدد المزارع العضوية أو “الأورجانيك” وفقًا للمصطلح الإنجليزي، حوالي 970 مزرعة بمتوسط مساحة يبلغ 285 فدانًا. ذلك بإجمالي يصل إلى 276 ألف فدانًا من إجمالي المساحة المنزرعة في مصر والبالغة نحو 9.2 مليون فدان.

ويُعرف صيام، “الزراعة العضوية” بأنها التي يُحظر فيها استخدام أي مبيدات أو أسمدة كيماوية. إذ يتم الاعتماد على نظام شامل لإدارة الأرض الزراعية لإنتاج الغذاء، يعمل على الحفاظ على التنوع البيئي والبيولوجي.

ويُوضح، أن نسبة مساحة الزراعة العضوية تطورت من 0.7% عام 2005 إلى 3% من إجمالي المساحة المزروعة في مصر عام 2018. وهو يشير إلى أن ذلك التطور أعلى من المعدلات العالمية التي شهدت زيادة في المساحة بنسبة 1.5% خلال نفس الفترة.

وتستحوذ محافظتا البحيرة والفيوم على أكثر من نصف رقعة الزراعة العضوية. وتليهما الإسماعيلية والوادي الجديد، وفقًا لمستشار مركز الدراسات الاقتصادية الزراعية. بينما أكبر سوق للمُنتجات الزراعية الأورجانيك المصرية هو الاتحاد الأوروبي. ثم الولايات المتحدة الأمريكية.

ويكشف، أن المحاصيل الرئيسية المُصدرة تكون غالبًا من الأعشاب والخضروات وبعض الفواكه. ذلك بإجمالي يصل إلى نحو 12 ألف و406 طنًا. وهو يقدر حجم الخضروات الأورجانيك المُصدرة بـ10 آلاف و182 طنًا. وتليها الفواكه بـ984 طنًا، والنباتات الطبية بحوالي 571 طنًا. ثم المحاصيل الحقلية بنحو 485 طنًا، والمحاصيل الزيتية بـ104 طنًا، والقطن بنحو 80 طنًا.

ويقول صيام، أن الأراضي القديمة بالدلتا ووادي النيل لا يمكن استخدامها للزراعة العضوية. ذلك بسبب تلوث تربتها بالمبيدات والأسمدة الكيماوية. لكن الأراضي الجديدة المستصلحة ذات التربة البكر هي التي يمكن زراعتها بتلك الطريقة.

في النهاية، لا يزيد سعر البيضة الأورجانيك (335 قرشًا) عن سعر البيضة العادية بأكثر من 135 قرشًا فقط، علمًا بأن استهلاك المصريين للبيض (130 بيضة سنويًا) أقل من المتوسط العالمي (161 بيضة) بنحو 31 بيضة.