قيل تسع سنوات طبقت وزارة التموين في عهد الوزير محمد أبو شادي تجربة التسعيرة لضبط الأسعار بالأسواق لكنها لم تكتمل. كانت ترتبط بوضع قائمة أسعار استرشادية لمواجهة احتكار التجار من قبل تجار الجملة واستغلال باعة التجزئة الظروف وإرهاق المواطنين بالزيادات.

حينها وقعت الوزارة خلال شهر واحد عقوبات على 1600 تاجر تجزئة يبيع بأزيد من الأسعار المعلنة. وفتحت خطا ساخنا لتلقي شكاوى الجمهور من أي بائع يزيد السعر الذي كان تم تعميمه يوميا على وسائل الإعلام وباعة الجملة بسوق العبور.

أصبحت التجربة مثار استدعاء حاليًا في ظل موجة ارتفاع الأسعار الحالية. وشكوى الجمهور من اختلاف أسعار البيع بين التجار في الشارع بمستويات تتراوح بين 10 و30%. خاصة في ظل استغلال التجار عدم وضع أسعار استرشادية على بيع المنتج النهائي.

مصطفى مدبولي -رئيس مجلس الوزراء- قال خلال ترؤسه اجتماع مجلس المحافظين مساء أمس إنه ستكون هناك أسعار استرشادية للسلع تحقق مصلحة الجميع. مطالبًا بالتأكد بصفة مستمرة من أن الأسعار المطروحة بها السلع عادلة. وأنه لا توجد أي مبالغة أو مغالاة فيها.

وطالب رئيس الحكومة المحافظين بمتابعة حركة الأسواق وتوافر السلع المختلفة بها بصفة يومية. على أن يكون هناك تدخل فوري لمواجهة حدوث نقص في أي سلعة. مع مراعاة التنسيق مع وزيري التموين والتجارة والصناعة. إضافة إلى ضرورة التواصل المستمر مع لجنة إدارة الأزمة بمجلس الوزراء.

التسعيرة والغلاء في رمضان

تأتي تجربة الأسعار الاسترشادية قبل قدوم رمضان الذي يمثل الموسم الأول لاستهلاك المصريين. وموسم البيع للتجار ورفع الأسعار حتى في الظروف الطبيعية التي لا تتضمن أي أزمات، فقيمة استهلاك السلع الغذائية خلال الشهر الفضيل تسجل نحو 100 مليار جنيه مقابل 55 مليارا في الشهور الأخرى.

بحسب وزارة التموين فإن استهلاك المصريين خلال رمضان من اللحوم يصل إلى 30 ألف طن بنسبة زيادة 70%. والدواجن إلى 65 و70 ألف طن. والألبان إلى 100 ألف طن. والزبادي إلى 60 ألف طن بنسبة تصل إلى 300%.

لكن مشكلة الأسعار الاسترشادية في حاجتها إلى متابعة جيدة للأسواق. خاصة الخضر والفاكهة على اعتبار أن التجار يعرضون بالفعل بالأسعار التي تعلنها الحكومة ولكن للسلع الرديئة. بينما يحتفظون بالجيدة في المخازن ويخرجونها للزبون تحت الطلب أو بمعنى آخر يخلقون سوقا سوداء.

في تجربة “أبو شادي” كانت المشكلة في انعزال الوزارة عن السوق. حتى إنها أحيانا عرضت الأسعار الاسترشادية بقيمة أعلى من الأسعار التي كانوا يبيعون بها قبل نشر القائمة. ما منح التجار فرصة لرفع السعر وليس تقليله.

وتحتاج التجربة إلى اتفاق مع الغرف التجارية التي سبق أن ساوى بعض أعضائها بين التسعيرة الاسترشادية والجبرية. واعتبروا أنها تتعارض مع فكرة اقتصاديات السوق الحرة التي تعتمد على المنافسة والجودة مع ضرورة تشديد الرقابة على الأسواق.

ما الفرق بين الأسعار الاسترشادية والجبرية

أجهزة الحكومة أكدت رفضها تطبيق الأسعار الجبرية. ولكن تطبيق الاسترشاد الذي يتسم بالمرونة في التسعير وليس جهة واحدة تضع سعرا ثابتًا. حتى إن الدكتور أيمن حسام الدين -رئيس جهاز حماية المستهلك- انتقد الأسعار الجبرية وقال إن الشخص في الماضي كان يقف نحو 4 ساعات ليحصل على دجاجة من الجمعية الاستهلاكية لوجود أسعار جبرية جعلت المورد يقدم جودة أقل.

الفرق بين الأسعار الجبرية والاسترشادية أن الأولى إلزامية تضعها الدولة وتجبر التجار والمنتجين عليها دون استطلاع رأيهم. أما الاسترشادية فهي توافقية لجميع أطراف النشاط الاقتصادي عبر عقد اجتماع أسبوعي يضم وزارة الزراعة ونقابة الفلاحين والغرف التجارية والتعاون الزراعي وجهاز حماية المستهلك. وجمعيات مواجهة الغلاء. ويضعون سعرا توافقيا يتضمن نسبة ربح ويتم محاسبة التجار الذين يخالفونه.

لكن جمعية “مواطنون ضد الغلاء” طالبت بفرض أسعار جبرية لمواجهة ارتفاع الأسعار.

وتمتلك مصر منظومة تشريعات تتعلق بالتسعير الجبري لم يتم إلغاؤها منذ عام 1945. ولا تحتاج إلا إلى التفعيل وأن تحدد أرباح السلع الأساسية والخدمية التي تذهب لجيوب كبار التجار على حساب المواطن.

وزير التموين الحالي علي المصيلحي كان له تجربة هو الآخر في محاربة التضخم وجشع التجار بإصدار قرار يلزم الجهات والشركات المنتجة والمستوردة والمصنعة والمعبئة والموردة للسلع الغذائية بإصدار فواتير بيعية ضريبية متضمنة البيانات التي توضح سعر بيع المصنع والسعر المقترح للمستهلك وحقيقة السلعة وكميتها طبقا للقوانين الصادرة بشأن الفواتير الضريبية.

نص القرار الذي صدر في 2017 بكتابة سعر السلعة بشكل واضح غير قابل للإزالة أو المحو باللغة العربية على السلعة. ويجوز أن يكون البيان مصحوباً بترجمة بإحدى اللغات الأجنبية. كما يقضي بحظر تداول السلع والمواد مجهولة المصدر أو غير المصحوبة بمستندات تثبت مصدرها. كما يحظر عرضها للبيع أو حيازتها بقصد الاتجار.

غلاء سلع لا علاقة لها بحرب أوكرانيا

رغم مرور خمس سنوات على القرار لم يتم تطبيقه بنسبة 100% من قبل المنتجين ولا المحال التجارية. ما يفتح الباب للتفاوت الكبير بين الأسعار حاليا. فكيلو الدقيق يباع ببعض المحال التجارية بـ11 جنيها وأخرى في الشارع ذاته وربما تكون متلاصقة بـ13 جنيها. رغم تماثل المنتج والشركة المصنعة ووقت الإنتاج.

"<yoastmark

بحسب جمعيات حماية المستهلك: لا يحتاج ضبط الأسعار أو مواجهة الاحتكار لتعديلات تشريعية. فحبس المنتج يؤدي لغرامة مليوني جنيه وسنة سجنا. وهذه هي المادة الوحيدة التي يوجد فيها سجن وغرامة ومرتفعة. وحال التكرار تكون الغرامة 4 ملايين جنيه و5 سنوات. موجها رسالة لأثرياء الحروب بعدم الاصطدام بالدولة في هذه النقطة.

وأمرت النيابة العامة اليوم بحبس 12 متهما لارتكابهم جرائم تموينية واستغلال الأحداث العالمية الجارية واقتراب شهر رمضان. وذلك عن طريق احتكار السلع ورفع أسعارها في ٣٩ قضية. بينها جمع سلع تموينية وحبسها عـن التداول وحجـب بيعهـا للمواطنين، فضلًا عـن جرائم أخرى.

يقول محمود العسقلاني -رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء- إن مستوى الأسعار في السوق يؤكد وجود استغلال وافتعال للأزمات. ضاربا المثل بالأرز الذي يتم زراعته محليًا ومع ذلك ارتفعت أسعاره بشكل غير مبرر.

وأشار إلى أن الارتفاعات التي شهدتها منتجات كثيرة ليس لها علاقة بأزمة أوكرانيا. مضيفًا أن أسعار الخبز السياحي جاءت مبالغا فيها ولا تتناسب مع زيادة الدقيق. خاصة أن الدولة لديها مخزون استراتيجي لتلبية احتياجات المواطنين في شهر رمضان وسلع تكفي حتى نهاية العام.