الامتلاك والملكية هذا الهوس الذي يُسيطر على الإنسان، يدفعه لأي شيء. ربما الحرب والخديعة والاستغلال. كل شيء مباح من أجل إشباع شهوة الامتلاك، المال، الأرض، والبشر. البعض يرون أنهم يمكنهم امتلاك أي شيء وكل شيء، ومن هنا تبدأ المشكلة.
مكانتك عند الآخر
تشيع عبارة “إذا أردت شيئاَ بقوة فأطلق سراحه، واترك باب القفص مفتوحا فإن عاد إليك فقد كان دائماً لك وإن لم يعد.. فإنه لم يكن لك من البداية”. عبارة مفعمة بالرومانسية، تمنح البعض حالة من الطمأنينة وإخلاء المسؤولية تجاه الآخر. فعدم عودة الآخر هو لأنه ليس ملكك. إنه منطق الامتلاك بلا جهد، السيطرة فقط. تظل هذه الأفكار تراود الكثير فتأكل القيمة والمعنى وتتجوف العلاقات فتصبح فارغة، وفي العلاقات سينظر كل طرف لنفسه من موقع المظلومية، والمتسامح سيتذكر العبارة المشار إليها، وينفى امتلاكه، دون أن يقف أحد الطرفين ويطرح على نفسه سؤال هل نحن نمتلك الآخر؟
تأخذ هذه الفكرة بُعديْن في العلاقات
البُعد الأول في العلاقات بين النساء
والبعد الثاني في العلاقات بين النساء والرجال سواء الصداقة أو العلاقات العاطفية بتنويعاتها.
ففي العلاقات يتعامل البعض بأن الآخر يخصه وملكه. هو يرى ملكيته للشريك(ة). ولكنه لا يضع نفسه موضع الملكية لشريكه. ومن هنا تبدأ الخلافات. لأن المرء يُفكر في حقوقه ولا يتطرق إلى التزاماته. وهذه ذهنية المالك، الذي له حقوق وليس عليه التزامات.
هل النساء أكثر ملكية؟
البعض يتعامل مع الطرف الآخر في العلاقة بصكوك امتلاك. هذه الفكرة التي تُعاني منها النساء في مجالات وعلاقات كثيرة. وربما كانت تلك المعاناة هي الدافع الخفي لأن تمارس كثير من النساء تفاصيل الامتلاك أو حالة وضع اليد، نجدها في علاقات النساء ببعضهن. فبرغم أن الصداقة علاقة اختيارية في كل تفاصيلها. إلا أن سلوكيات الصداقة لدى النساء تحفل بالاستحواذ.
التقارير التفصيلية عن الحياة اليومية والمشاعر الغضب والحب والرضا والسخط، مشاريع النميمة، والعديد من الممارسات لعل منها الغيرة من محيط الصديقة. فبعض النساء تغرن عندما تكون لصديقاتها أصدقاء وصديقات آخرين. وقد تكون موضع شجار. وكأن كل منا يملك في قلبه مقاعد محدودة، فإن ظهر أحد كان ذلك إشارة لطرد آخر.
ثمة خلط آخر أشد خطورة في العلاقات هو التعامل مع الاهتمام بأنه معالمه تتضح في الامتلاك، فتمارس كثير من النساء اهتمامها بصديقتها أو صديقها أوحبيبها بملكية. وكأن هذا الاستحواذ هو معادل ما يتم ممارسته على غالبية النساء بسيطرة وتسلط، وحالة خلقها وعي جمعي يعاني المشاكل في رؤيته للمرأة.
وسواء كانت ممارسات الاستحواذ التي تمارسها بعض النساء صادرة عن وعي أو كمعادل للاهتمام فهي في مجملها أمور لا تمت لمفاهيم الصداقة أو الارتباط بشيء.
مكانتك أنت من تصنعها
الحديث عن مكانة مميزة للفرد في حياة شركائه مبعثه رغبة كل منا في حالة من التميز عن غيره، حتى وإن كانت مكانة نظرية أو معنوية. وفى الحقيقة أنه بالفعل لكل إنسان مكانة في حياة المحيطين به. لكن ما يجب مناقشته هو طبيعة هذه المكانة. ولماذا يتم التعامل معها أنها معطى سلفًا وثابتة لا تتغير، إنه نفس منطق الملكية.
فمن اشترى شقة تظل شقة، لا تنقص مترًا ولا تزيد. وننسى أن العلاقات الإنسانية ليست محدودة ولا أُطر تحكمها غير المشاعر وتصرفات الفرد تجاه شريكه. البعض يتعامل مع فكرة المكانة أنها أمر ثابت لا يخضع لعوامل التغير والتغيير، ولا يحتاج للعمل عليها لتطويرها ونجاحها. أمر أشبه بشراء عقار.
وعلى الرغم أننا مع امتلاك شقة أو سيارة أو أرض، فإن كل منا يقوم بعدد من الالتزامات تجاه ما يملكه. فالسيارة تحتاج إلى صيانة، وتراخيص ووقود وعناية، وكذلك الشقة والأرض. إذ أن ملكيتنا لشيء لا تعني أنه ليس علينا أداء التزامات تجاهه. بينما منطق غريب يسود العلاقات. فإذا حدث والتقى طرفان وكانت بينهما راحة وثقة ومحبة سواء كانت تلك المشاعر مؤسسة لارتباط أو صداقة، والعلاقة تسير مدفوعة بتلك المشاعر الأولية، وأحيانا بالاهتمام الذي قد يخرج أحيانا في تصرفات امتلاك واستحواذ، ثم تأخذ العلاقة منحى الثبات.
هذا الذي يدمر العلاقة ويؤدي بها إلى النهاية، فلا شيء يستمر بمفرده، المشاعر تبهت، وتتراجع. ثم يأتي أحدهم ويتحدث عن مكانته لدى الآخر. وكأنها أمر ثابت ولا يتغير، نحن البشر نتغير كل يوم ربما لا نلحظ التغيير الذي يتراكم بداخلنا قبل أن ينعكس في سلوكنا وأفكارنا وأراءنا، ثبات المكانة معناه جهد مبذول التزام بالمسئوليات، فهم حقيقي للطرف الآخر، الثبات والحفاظ على المكانة بحالتها الجيدة من وجهة نظرنا تعني أن الطرفين يبذلان الجهد تجاه بعضهما.
لكن الواقع أن غالبيتنا عندما يحصل على مكانة في حياة الآخر محبة أو صداقة مقربة، فإنه يتعامل مع تلك المكانة بوصفها ملكية بكافة تفاصيلها. وعندما تتغير تلك المكانة، فإن أسرع اتهام يتم توجيهه للطرف الآخر أنه تغير، والبعض يقوم بمواساة نفسه أن هذه المكانة لم تكن له.
المكانة مثل الكرة الأرضية
الأرض تدور لكننا لا نشعر بدورانها، حتى تعاقب الليل والنهار نتعامل معه بمعزل عن دوران الأرض. كذلك هي مكانتنا في حياة من حولنا تدور وتتغير لكننا لا نشعر بالتغيير الطفيف. فقط ننتبه عندما نخسر الآخر، نتحدث عن الفقد والانكسار بوصف الطرف الآخر هو الجاني ونحن من موقع الحكي مجني علينا. لكننا دومًا نُشارك الآخر فيما نصل إليه، عندما نتجاهل أن مكانتنا تحتاج دومًا لبذل جهد حتى نحافظ عليها. فهل يمكن ان نعامل مشاعرنا مثل المنتجات التي نشتريها ونحرص علي صيانتها وإصلاح العطب بها؟ عندما نصل لذلك ربما سيختفي كثير من الألم والوجع، والحديث عن الانكسار والخذلان.