مثلما اعتمدت روسيا على الترويج الإعلامي في عمليتها الأولى لضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 كرست الوسائل الإعلامية كافة لخدمة جملة من الأهداف في إطار حملتها العسكرية على أوكرانيا. حيث حشدت روسيا الأداة الإعلامية بهدف استقطاب المواطنين وتجنيد أكبر عدد من المؤيدين. حتى بدأ الغزو الروسي في 24 فبراير.

واتبعت روسيا سلسلة من الآليات الإعلامية على مستوى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة بهدف فرض السيطرة الكاملة على الأخبار التي تصل إلى المواطنين الروس. وكذلك بعث العديد من الرسائل إلى الغرب والمواطنين الأوكرانيين.

تاريخيا وضع وزير الدعاية النازية “بول جولز” خلال الحرب العالمية الثانية الإطار المؤسس لأهمية وسائل الإعلام والدعاية خلال الحروب. من خلال تصدير المعلومات التي تهدف إلى إقناع الجمهور بقبول فكرة أو سبب معين. وبالتالي التمكن من كسب تأييد الجماهير. وتنفيذ برامج متشددة وتبرير الحرب والقتل الجماعي. وعلى مدار سنوات طويلة اكتسبت وسائل الإعلام جماهيرية واسعة. مع انفجار ثورة الاتصالات والمعلومات. وبالتالي أصبحت وسائل التواصل أداة قوية للتأثير على الجماهير كما تبين من قدرتها على تحريك الثوار والمتظاهرين في عدد من البلاد.

حرب روسيا ضد أوكرانيا
حرب روسيا ضد أوكرانيا

روسيا وأدوات التضليل:

نظرا لقدرة الأداة الإعلامية على قلب ميزان الحرب وتحويل النصر إلى هزيمة وتشتيت قدرات الخصم. تعتمد منهجية الحروب بشكل رئيسي على وسائل الإعلام لخدمة أجندتها. وخلال الغزو الروسي على أوكرانيا استبقت روسيا تشكيل أفكار محددة لدى المواطنين من خلال مجموعة من الآليات:

حسابات مزيفة:

مع ظهور ملامح التصعيد العسكري بين روسيا والغرب عملت روسيا على تجنيد وسائل الإعلام لصالح أجندتها. حيث جرى غزو منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر بعدد كبير من الحسابات المزيفة تقوم عليها مجموعات مرتبطة بالحكومة الروسية. والتي اتخذت من هذه الحسابات وسيلة لتثبيط عزيمة المواطنين والجنود الأوكرانيين. ونشر معلومات خاطئة حول قدرات الجيش الأوكراني وفقا لتقرير نشرته شركة Cyabra. وهي شركة تعمل على الكشف عن المعلومات المضللة. كما عملت هذه الحسابات على تشكيل جبهة موحدة إزاء المعارضين للغزو الروسي.

حملات التضليل:

ترتكز الاستراتيجية الإعلامية للإدارة الروسية خلال فترة الحرب على إغراق وسائل الإعلام بمعلومات مغلوطة. بحيث يصعب التبين من واقعية الأحداث. حيث أقرت الولايات المتحدة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية “نيد برايس” أن روسيا تنشر تقارير كاذبة تفيد استسلام القوات الأوكرانية على نطاق واسع. على سبيل المثال ورد في أحد العناوين الرئيسية في صحيفة RT الأسبوع الماضي “توقف الغزو” قبل أيام قليلة من تحرك القوات الروسية إلى شرق أوكرانيا. كذلك عبر فيسبوك وتويتر شاركت الحكومة الروسية تقارير مزيفة تزعم أن الجيش الأوكراني ارتكب هجمات غير مبررة على القوات الروسية. وذلك بهدف تأليب المواطنين ضد أوكرانيا والغرب.

 

كذلك أصدرت Roskomnadzor -المنظمة الفيدرالية المسؤولة عن مراقبة وسائل الإعلام- بيانا أبلغت فيه وسائل الإعلام الروسية استخدام المصادر الحكومية الرسمية فقط. وعدم استخدام كلمات “هجوم وغزو وحرب” لوصف العملية. كما هددت بفرض الغرامات والحظر في حالة مخالفة هذه الإجراءات. فيما طالبت شركة جوجل بإزالة بعض المعلومات التي تفيد تراجع الجيش الروسي من بعض النقاط.

عقوبات صارمة:

بالتوازي مع إحكام السيطرة على وسائل الإعلام الروسية اتجهت روسيا إلى استصدار تشريعات تجرم نشر تقارير تخالف المنصات الرسمية بمزاعم نشر الخوف والتطرف. حيث أقر مجلس الدوما (البرلمان) الروسي مشروع قانون ينص على تجريم نشر تقارير كاذبة أو تزوير وتشويه الأخبار بشأن الجيش الروسي بالسجن وغرامة تصل إلى 1.5 مليون روبل. بينما هددت السلطات بإغلاق وسائل الإعلام المستقلة مثل TV Rain وصحيفة Novaya Gazeta لنشرها مواد تخالف التقارير الرسمية.

تضييق الخناق على وسائل التواصل الاجتماعي

ونظرا لأن منصات التواصل الاجتماعي تمتلك قاعدة شعبية كبيرة اتجهت السلطات الرسمية إلى تقييد المادة الإخبارية التي تنشر على فيسبوك وتويتر. وبعد أن رفضت شركة فيسبوك الامتثال لأمر من السلطات الروسية برفع القيود المفروضة على 4 منافذ إعلامية روسية على منصتها وكالة أنباء RIA وZvezda TV ومواقع gazeta.ru وlenta.ru. قيدت وصول المستخدمين إلى فيسبوك وكذلك تويتر. بالإضافة إلى حظر موقع “ميدوزا” و”دويتشه فيله” و”آر إف إل-آر إل” وموقع “بي بي سي”.

الصور المضللة

اعتمدت روسيا على بعض الصور المضللة والترويج لها باعتبارها منقولة من ساحة المواجهات. وذلك بهدف التأثير على المواطنين وخلق صورة ذهنية عن مدى ترهل قدرات الجيش الأوكراني. على سبيل المثال منذ الساعات الأولى من الغزو نشرت مقاطع فيديو تدعي أنها مظليون روس يهبطون قرب مدينة خاركيف الأوكرانية. لكنها صور غير حقيقية منتشرة على مواقع التواصل منذ 2016.

https://www.bbc.com/news/60513452 الصور هنا

الأهداف

لا يمكن الدخول في حرب دون التهيئة لها سياسيا واقتصاديا وعسكريا وكذلك إعلاميا. وفي ظل السيولة الهائلة في المنصات الإعلامية أصبح الإعلام وسيلة حتمية لدى أي فصيل لنشر أفكاره والترويج لها وخلق مؤيدين له. وكذلك الضغط على معارضيه. وفي خضم الغزو الروسي لم تفت روسيا فرصة السيطرة على كافة المنصات الإعلامية لأجل تحقيق جملة أهداف:

الضغط على الغرب

تلعب وسائل الإعلام دورا رئيسيا في استراتيجية الحرب. حيث يقع على عاتقها الدور النفسي والمعنوي بالنسبة للأطراف المتحاربة.

وتحاول روسيا الاستفادة من إمكانيات الأدوات الإعلامية في زرع الانقسام وتقليل فرص الرد الدولي الموحد بالنسبة للغرب. وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى إدراج رئيس تحرير RT “مارغريتا سيمونيان” في قائمة العقوبات المفروضة على المسؤولين الروس. باعتبارها شخصية مركزية في الدعاية الحكومية. فيما أعلنت شركة فيسبوك أنها ستمنع RT من عرض الإعلانات على موقعها. فضلا عن نشر عدد لا نهائي من التعليقات المهينة بشأن القوات المسلحة الأوكرانية بهدف ثنيهم عن الصمود والحث على الاستسلام.

تشكيل الرأي العام في روسيا

وصفت وسائل الإعلام الروسية الهجوم على أوكرانيا بأنه “عملية عسكرية” لنزع السلاح الأوكراني وتحييدها وليست “حرب” أو “غزو”. وهو ما تسبب في إغفال المواطنين الروسي لحقيقة الأوضاع. حيث يعتقد البعض أن بلادهم شاركت فقط في عملية صغيرة لمواجهة النوايا الهجومية لدى أوكرانيا. فضلا عن أن روسيا تقوم بإغراق المنصات الإعلامية بالمعلومات المغلوطة عن نوايا الغرب وعدائهم لروسيا كذريعة رئيسية لتبرير الموقف الروسي. وساعدت كافة الآليات الإعلامية التي انتهجتها السلطات الروسية في تغييب المواطنين. وبالتالي عدم إشراكهم في قرار الحرب والدفع بالجيش إلى الحرب دون رد فعلي شعبي. رغم أن العقوبات والعزلة الاقتصادية والسياسية والثقافية والدبلوماسية ستلقي بظلالها على كافة المواطنين الروس.

سيطرة روسيا على أوكرانيا
سيطرة روسيا على أوكرانيا

إلقاء اللوم على أوكرانيا

بهدف تبرير الغزو الروسي على أوكرانيا أعلنت السلطات الروسية من خلال منصاتها الإعلامية الرسمية أن روسا تقوم بنزع النازية عن أوكرانيا. على سبيل المثال على قناة Rossiya 1 يستخدم مقدمو البرامج والمراسلون اللغة والصور الانفعالية لرسم أوجه تشابه تاريخية بين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وحرب الاتحاد السوفييتي ضد ألمانيا النازية.

وفي تقرير مصور بعنوان “الفاشية الأوكرانية” ربطت قناة روسيا 1 تصرفات الأوكرانيين بتكتيكيات النازيين مقررة: “تكتيكات القوميين الذين يستخدمون الأطفال كدروع بشرية لم تتغير منذ الحرب العالمية الثانية”. فيما اتهمت القوات الأوكرانية بارتكاب جرائم حرب في منطقة دونباس. وبالتالي على روسيا الدفاع عن أمنها القومي.

تقوية عزيمة الجنود الروس

يصور التليفزيون الروسي العمليات بأنها “حققت نجاحا بالغا”. فعلى سبيل المثال ذكرت تقارير إخبارية أن أكثر من 1100 منشأة للبنية التحتية العسكرية الأوكرانية تم تعطيلها. واستطاع الجيش الروسي تدمير مئات القطع من المعدات دون وقوع خسائر في الأرواح في صفوف الروس. فيما ذكر مقال منشور في RIA News بعدم الوثوق في أي تصريحات من شأنها تقليل الجهود العسكرية الروسية أو خسائر في الطائرات والعربات المصفحة. بينما أكد استسلام الجنود الأوكرانيين بشكل جماعي. وعدم إظهارهم أي مقاومة.

وتساعد هذ البيانات في إعطاء دفعة إيجابية للعسكريين بالاستمرار في مهامهم وتحقيق المزيد من المكاسب الميدانية.