شهدت الفترة الأخيرة مجموعة مختلفة من الأزمات والتي كان أبرزها وأهمها في خريطة التفاعلات الإقليمية والدولية الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعياتها المختلفة خاصة وأن هذه التأثيرات تجاوزت حدود الأزمة بأبعادها الداخلية إلى التأثير على مجريات أوضاع الاستقرار وعدم الاستقرار في الأنظمة الإقليمية الفرعية داخل النظام الدولي، بالإضافة إلى تأثيراتها على هيكل النظام الدولي نفسه.
ومن هذا المنطلق، نظم (مركز التنمية والدعم والإعلام – دام) يوم السبت الموافق 5 مارس 2022 حلقة نقاش بعنوان تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الشرق الأوسط، بهدف الوقوف على الفرص والتحديات التي ستفرزها الأزمة. وأدار الحلقة النقاشية الأستاذ/ عبد العظيم حماد، وشارك فيها السفير/ علاء الحديدي سفير مصر السابق في تركيا وروسيا والأستاذ/ فريد زهران رئيس الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي والأستاذ/ أشرف راضي الصحفي والكاتب السياسي والأستاذ/ مصطفى صلاح الباحث في المركز.
تساؤلات الحلقة:
- أين تنتهي حدود الأمن القومي الروسي؟
- مستقبل حلف الناتو بعد الأزمة؟
- هل هناك معارضة روسية داخلية للتحركات الروسية في أوكرانيا؟
- هل كان هناك بدائل استراتيجية أمام روسيا قبل تدخلها العسكري في الأزمة؟
نص الحوار
بدأ السيد علاء الحديدي سفير مصر السابق في كل من تركيا وروسيا حديثه بتوضيح المنطلقات الفكرية التي تستند عليها السياسة الخارجية الروسية في رؤيتها للأزمة مع أوكرانيا؛ حيث أشار إلى أن هناك اتجاهين أولهما يتمثل في المدرسة الأوراسية أو السلافية وثانيهما يتمثل في المدرسة الأوروبية، وأن التوجهات الروسية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي تمثل انعكاسًا لأفكار يفكيني بريماكوف والتي تصاعدت للسيطرة على التوجهات الخارجية الروسية وفق مفهوم الوطن التاريخي وتراجع سيطرة التوجهات الأوروبية على صانع القرار الروسي.
وبالتالي انعكست مبادئ وتصورات هذه المدرسة على رؤية روسيا لحدود أمنها القومي وكيفية الحفاظ عليه متجاوزة بذلك حدودها الجغرافية التقليدية، وهو ما ظهر خلال الأزمة مع أوكرانيا؛ حيث أصبح الأمن القومي الروسي لا يقف عند هذه الحدود بل يمتد للحدود الجغرافية لحلف وارسو المنهار.
وفيما يتعلق بأسباب صعود هذا التوجه في السياسة الخارجية الروسية، أشار الحديدي إلى أن التهميش الغربي لروسيا وعدم الاعتبار لمكانتها الدولية كانت المحفز والدافع الأول وراء هذه الممارسات، بالإضافة إلى ذلك، فإن الدول الغربية لم تتخذ خطوات عملية في تعاملها مع المخاوف الروسية التي طالبت بالتفاوض حولها خاصة وأن روسيا عرضت توقيع اتفاقيتين قانونيتين حول الانتشار الغربي في دول الجوار الروسي، وهو ما ساهم في غياب الإطار القانوني والتفاهمات السياسية حول طبيعة الترتيبات الأمنية بينهما.
وبخصوص طبيعة الأهداف الروسية من التدخل العسكري في أوكرانيا، أشار الحديدي إلى أن هناك أهداف طويلة المدى وأخرى قصيرة المدى، وأن الأهداف الروسية طويلة الأمد تتمثل في تغيير المعادلة الأمنية في العلاقات الروسية الأوروبية، في حين تتمثل الأهداف قصيرة المدى في نزع السلاح وضمان حياد أوكرانيا وتخطي الاعتراف بالقرم وتغيير نظام الحكم في أوكرانيا.
وبالنسبة لأوضاع الاستقرار وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، طرح الحديدي اتجاهين فيما يتعلق بانعكاسات الأزمة على المنطقة أولهما سياسي ويتمثل في إعادة إنتاج سياسة التحالفات والمعسكرات في المنطقة، وثانيهما اقتصادي ويتعلق بالتغير في أسعار النفط، والمواد الأولية في الصناعات النفطية، بجانب ارتفاع أسعار المعادن النفيسة مثل الحديد والبلاديوم، بالإضافة إلى الخلل في توريد السلاسل الغذائية العالمية.
ومن ناحية التصورات الخاصة بمستقبل النظام الدولي، أشار الأستاذ أشرف راضي الصحفي والكاتب السياسي إلى أن تكوين روسيا الواقع بين آسيا وأوروبا سمح لها بهامش حركة كبير في التأثير على مجريات الأوضاع في النظام الدولي، وأن مستوى الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه روسيا جاء بصورة كبيرة في مجملة نتيجة الكراهية التي يواجهها الغرب خاصة وأن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا امتدت تداعياتها على مختلف دول العالم، وضمن هذا السياق أشار راضي إلى أن تأثير العقوبات الغربية على روسيا ليست سلبية في تأثيرها على موسكو أكثر من كونها مؤثرة على الدول الغربية نفسها. وفي حديثه عن إمكانية وجود نظام عالمي جديد، أشار راضي إلى أن التفاعلات الإقليمية والدولية تشهد إعادة تشكيل لأوضاع هيكل هذا النظام، وأن الاستراتيجية الروسية تستند على استراتيجية يمكن تسميتها بسياسة غير المتوقع في نتائج تحركاتها الخارجية.
وفيما يتعلق بالتوجهات الروسية تجاه أوكرانيا فإن روسيا اتخذت بعض السياسات السلبية والتي تمثلت في دعوة موسكو للجيش الأوكراني للانقلاب على النظام السياسي وقيادته، وهو ما قد يكون بمثابة فرصة للرئيس الأوكراني زيلنسكي للصمود والمواجهة وتعزيز شعبيته.
وبخصوص مدى وجود خيارات بديلة أمام الرئيس الروسي بوتين قبل الشروع في تنفيذ عملية التدخل العسكري، أكد راضي على أن روسيا اتبعت سياسة حافة الهاوية لدفع المعسكر الغربي للتفاوض، وأن هذا الأمر انعكس على مسار قوة وتنسيق حلف الناتو في مواجهة التحركات الروسية من خلال زيادة النفقات العسكرية للحلف وعودة الولايات المتحدة الأمريكية لقيادة المعسكر الغربي بعد أن كان هناك تمايز بين السياسات الأمريكية والسياسات الأوروبية، وأن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا يمثل عملية إعادة إحياء لقوة الناتو من جديد، بعد أن كان هناك خلافات كبيرة بينهما حول دور الحلف.
في حين عرض الأستاذ فريد زهران رؤيته للأزمة من خلال الحديث عن طبيعة الأزمة استنادًا على تأثير الشق النفسي والذي يتمثل في أن روسيا وأوكرانيا بينهما خلافات حول المشاعر المتبادلة بينهما، وأرجع ذلك إلى أنه خلال حكم الاتحاد السوفيتي السابق لم تكن هذه الفترة مثالية للحكم وأن هناك سيادة لقومية واحدة على باقي القوميات الموجودة داخل الاتحاد، ومن ثم تكونت مشاعر عدائية تجاه الروس، وأن الأهداف الروسية تتمثل في العودة إلى ما كان عليه الاتحاد السوفيتي السابق في حين لا ترغب أوكرانيا في ذلك.
وفيما يتعلق بتأثيرات السياسة الروسية على شعبية الرئيس بوتين الداخلية، أكد زهران على أن هذه التحركات ستساهم في تعزيز شعبية الرئيس بوتين الداخلية وأشار في هذا السياق إلى عملية ضم شبه جزيرة القرم التي عملت على تثبيت أركان الحكم الداخلي في إطار ما يعرف باستعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية؛ حيث أن الروس يمتلكون تاريخ ممتد لتأثيراتهم في محيطهم الإقليمي والنظام الدولي.
وطرح الأستاذ زهران دوافع روسيا في التعامل مع الغرب وفق تصور قائم على أن روسيا الحالية تدفع ثمن ممارسات الاتحاد السوفيتي السابق، وأنه كان من الممكن أن يتم بناء علاقات ثنائية بين روسيا وأوكرانيا على أسس سياسية واقتصادية واجتماعية وفق المصالح المتبادلة.
ومن جانب آخر، أكد زهران على أن روسيا تهدف من وراء عملياتها العسكرية إلى إعادة النظر في طبيعة النظام الدولي، وأن النظام الحالي هو نظام أحادي القطبية وأن روسيا ترغب في نظام إيجاد نظام دولي جديد يعيد الاعتبار لمكانتها كما هو الحال بالنسبة لمحاولات الصين في ذلك، وأن الظروف الحالية تختلف عن الظروف المحيطة بالتنافس بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وانتقل زهران من هذا التصور للحديث عن المصالح المصرية في ظل هذا الصراع وأن هناك صعوبات كثيرة حول بناء موقف ثالث في السياسة الخارجية كما هو الحال في حركة عدم الانحياز أثناء فترة الخمسينات؛ حيث توجهات الولايات المتحدة ترتكز على معاداة كل من لا يقف معها، في حين كان الاتحاد السوفيتي لا يتبنى هذه السياسة، وهو ما سمح لمصر بأن تتبنى هذا النهج في سياساتها الخارجية، وأن هناك فرص أمام مصر للخروج من مآزق الاستقطاب الدولي خاصة وأن هناك اتجاه يرى أن عدم اتخاذ مصر لموقف سيؤدي إلى توترات في علاقاتها مع روسيا أو الولايات المتحدة.
وضمن هذا السياق، أكد زهران على أن البيان الذي أصدرته الخارجية المصرية متوازن ولكنه في حاجة إلى دعم قوى دولية غير الولايات المتحدة لدعم هذا التوجه في بناء طريق ثالث، من خلال الاتجاه إلى البحث عن دول أخرى تتبنى نفس الخيارات المصرية مثل الصين الذي كان موقفها أقرب موقف لمصر في توازناتها مع القوى الأخرى، ومن جانب آخر، عرض زهران فكرة عودة المناداة بتحقيق السلام العالمي مشيرًا إلى أنه آن الأوان لتشكيل حركة أنصار السلام في العالم بعيدًا عن الخيارات التقليدية السائدة، ونزع أسلحة الدمار الشامل من العالم، وأنها فرصة أمام مصر لقيادة هذا التوجه وإحياء الموقف الثالث.
وطالب زهران صانع القرار المصري بضرورة الحفاظ على الحياد الإيجابي من طرفي الأزمة نظرًا لارتباط مصر ومصالحها بهما، وأن رؤيته حول المصالح المصرية تمثلت في أن يكون عالم متعدد الأقطاب بعيدًا عن الانقسام الأيديولوجي
ومن ناحية أخرى، أكد زهران في استكمال رؤيته حول طبيعة الأزمة الروسية الأوكرانية أكد زهران أن هناك محدودية في الخيارات الاستراتيجية الروسية للتعامل مع الأزمة، وأن الغرب هو من يحاول أن يعرقل جهود التقارب الروسي الألماني باعتبار أن ألمانيا تمثل القوى الكبيرة في الاتحاد الأوروبي لما لها من أهمية في تأمين العمق الاستراتيجي الأوروبي وأنه في حال حدوث تقارب روسي ألماني سيؤثر ذلك على الاستراتيجية الأوروبية في مواجهة روسيا، ومن ثم فإن الخيارات الروسية تمثلت في اتجاهين إما الدخول في مواجهة عسكرية أو القبول بنشر أنظمة الناتو العسكرية بالقرب من حدودها. واستكمل زهران بأنه على الرغم من النتائج الإيجابية التي يمكن أن يحققها الروس لن تكون ذات أهمية في حال فقدان علاقاتها مع ألمانيا. وأنه على الرغم من هذه المكاسب إلا أن خسارة روسيا لألمانيا ستكون أكبر تراجع في المصالح الروسية. وهو ما يعني تحقيق مكاسب روسية تكتيكية وليست استراتيجية.
وبالنسبة للصين، أشار زهران إلى أن الحرب في مجملها ستمثل انتصار للمعسكر الغربي ما لم يحدث تطورات بخصوص تدخل الصين على خط الأزمة وإمكانية قدرتها على فتح جبهة اقتصادية بديلة للغرب وتكون مساندة لروسيا، خاصة وأن الصين تتشارك مع روسيا في ضرورة إنشاء نظام دولي متعدد الأقطاب، وهو ما يمكن أن يكون بمثابة اتجاه جديد في العلاقات الدولية لإيجاد تحالف في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وهيمنتها.
وفي الملاحظات الختامية، أشار الأستاذ عبد العظيم حماد إلى أن روسيا تواجه مشكلة كبيرة تتمثل في عدم قدرتها على التخلي عن طموحاتها القيصرية، وهذا ما دفع الدول المجاورة لها إلى البحث عن بدائل أخرى مع المعسكر الغربي، لأنهم يعتقدوا بأن الروس يريدون دول تابعة وليسوا حلفاء.