مع اندلاع وتطور العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. تسعى حكومات الشرق الأوسط، ممن لهم نسبة كبيرة الطلاب الأجانب الدارسين في جامعات أوكرانيا. لإعادة الآلاف من مواطنيها المحاصرين إلى أوطانهم. شعرت هذه الحكومات بمأزق كبير، فبينما كان المسؤولون يدرسون ردودهم الدبلوماسية في الأيام التي أعقبت الغزو الروسي. كانت هناك مشكلة ملحة هي الكيفية التي يمكن بموجبها إجلاء طلابهم بصورة آمنة.

مع مغادرة عدد قليل منهم في وقت مبكر قبل تقدم القوات الروسية. تقطعت السبل بما يقرب من عشرة آلاف طالب في جميع أنحاء أوكرانيا، أُجبروا على الاختيار ما بين الاحتماء في أماكنهم. أو إيجاد طريق آمنة للعودة إلى بلدانهم.

قبل الغزو، كانت أوكرانيا وجهة جذابة لطلاب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ الحقبة السوفيتية. عندما استثمر الكرملين في التعليم العالي، وقام بتسويقه لبناء علاقات مع البلدان المستقلة حديثاً. يتميز نظام التعليم في أوكرانيا برسوم دراسة أقل، ودورات دراسية عالية مستوى من المتبعة في العديد من دول المنطقة. كما أنها -على سبيل المثال- لا تتقيد بفكرة “التشعيب” الموجودة في نظام التعليم قبل الجامعي في دولة مثل مصر.

إضافة إلى ذلك تكلفة المعيشة في أوكرانيا أقل من معظم دول أوروبا. وفي عام 2020، كان أكثر من 76000 طالب أجنبي يدرسون في أوكرانيا، من بينهم ما يقرب من 8000 من المغرب، و4000 من تركيا، و3000 من مصر. وغيرهم كثيرون من العراق وإسرائيل ولبنان ودول أخرى في المنطقة.

العالقون في خاركيف

وفقاً للحكومة الأوكرانية، تقع الجامعتان اللتان تضمّان العدد الأكبر من الطلاب الأجانب في خاركيف. التي تعرضت لقصف روسي مكثف. حتى 7 مارس/آذار، أفادت الشرطة الأوكرانية عن مقتل 133 مدنياً في المدينة وإصابة 319 آخرين بجروح. وعلى غرار معظم المدن الكبرى الأخرى التي يدرس فيها الطلاب الأجانب، تقع خاركيف على بُعد مئات الأميال من الحدود الغربية للبلاد، مما يُعقّد جهود المغادرة.

في 12 شباط/فبراير، مع تصاعد التكهنات بشأن الغزو. أصدر المغرب بياناً يوصي بمغادرة رعاياه أوكرانيا. فعل لبنان الشيء نفسه في اليوم التالي. لكن -في ذلك الوقت- أفادت بعض التقارير أن الجامعات الأوكرانية هددت الطلاب بفصلهم مؤقتاً إذا لم يحضروا الدروس بأنفسهم. رداً على ذلك، نشر الطلاب المصريون مقاطع فيديو يطلبون فيها المساعدة من سفارة بلادهم، وانتشر هاشتاج “طلاب_مصر_في_أوكرانيا” بشكل كبير على موقع التواصل الاجتماعي تويتر. في 14 فبراير/شباط، احتج آباء الطلاب اللبنانيين في بيروت، مطالبين وزارة الخارجية بوضع خطة لعودتهم إلى البلاد.

بعد الغزو

في تحليل نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أوضح الباحثان كارول سيلبر وكالفن وايلدر. أن حكومات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استخدمت مجموعة متنوعة من الإجراءات للحفاظ على سلامة مواطنيها منذ بدء القتال. فالجزائر لم تأمر طلابها بالمغادرة لكنها أوصتهم بتوخي الحذر والامتثال للتوجيهات الأمنية.

كذلك، نصحت مصر مواطنيها بالتوجه إلى مناطق أقرب إلى المجر، وبولندا، ورومانيا، وسلوفاكيا إن أمكن. أو الاحتماء في أماكنهم إذا كانوا في مناطق تتعرض للقصف. وعقدت وزيرة الهجرة، السفيرة نبيلة مكرم لقاء عبر برنامج “زووم” مع الطلاب في أوكرانيا. في حين التقى مسؤولون في وزارة الخارجية المغربية مع أولياء أمور طلاب البلاد لاطلاعهم على الوضع. إضافة إلى ذلك، أشارت معظم السفارات علناً إلى أنها تتواصل مع مواطني بلدانها بشأن سلامتهم وإجلائهم.

لكن -وفقاً للتقارير الإخبارية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي- واجه الكثير من طلاب هذه الدول صعوبةً في الحصول على المعلومات، أو التواصل مع المسؤولين الحكوميين. ونقلت عدة وسائل إعلامية أن الطلاب العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين اتصلوا بسفارات بلدانهم مراراً وتكراراً. ولكن دون جدوى. وأشار تقرير صدر في 28 فبراير/شباط إلى أن ألفي فلسطيني من مواطني عرب 1948 ما زالوا عالقين في أوكرانيا.

انتقادات محلية

أثارت مثل هذه القضايا موجة من الانتقادات. ففي تركيا، قال أحد الطلاب في لقاء ببرنامج إخباري محلي أن 800 من زملائه الأتراك بحاجة إلى الإجلاء من خاركيف. قُطع عنه البث بعد ذلك بوقت قصير. في غضون ذلك، انتقد عضو في حزب الشعب الجمهوري أنقرة لكونها واحدة من آخر الحكومات التي أصدرت تحذيراً بإخلاء الرعايا الأتراك من أوكرانيا.

في مصر، دعا الدكتور إيهاب رمزي، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب. الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء. إلى تشكيل لجنة وزارية لمساعدة الطلاب المصريين العالقين في أوكرانيا. وكان موضوع الطلاب العالقين أحد الأمور التي تحدث فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل أيام. في المكالمة الهاتفية التي جرت بينه ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

وفي المغرب، احتج أهالي الطلاب أمام وزارة الخارجية في 28 فبراير/ شباط، مطالبين الحكومة ببذل المزيد من الجهد للإسراع بعمليات الإجلاء. وتعاظم السخط في المنطقة بعد أن أكدت وزارة الخارجية الجزائرية خبر مقتل طالب متخرج حديثاً أثناء محاولته الفرار من أوكرانيا.

الفارون من جحيم الروس

وسط الفوضى، فرّ العديد من هؤلاء الطلاب إلى المعابر الحدودية الشمالية والغربية لأوكرانيا. لكن بمجرد وصولهم إلى هناك، أشار البعض إلى أنهم اضطروا إلى الانتظار ساعات لعبور الحدود. وواجهوا التمييز والمضايقات من حرس الحدود الأوكرانيين. وذكرت بعض التقارير أن هناك طلابا تعرضوا للضرب، أو مُنعوا من ركوب القطارات أو العبور. أو تم إخبارهم بضرورة عبور الأوكرانيين أولاً.

أيضًا، أفادت قناة “الجزيرة” أن مجموعة من الطلاب العرب تم إنزالهم من حافلة على بعد ثمانية عشر ميلاً من الحدود البولندية. وطُلب من الطلاب الاستمرار بعد ذلك سيراً على الأقدام. ومن ثم أعطى الجنود مقاعدهم للأوكرانيين.

ردّت كييف على هذه التقارير بتأكيدها على أهمية المساواة في التعامل مع الرعايا الأجانب المحاصرين، حيث صرّح وزير الخارجية دميترو كوليبا. في تغريده على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بتاريخ 5 مارس/آذار أن “الأفارقة الذين يلتمسون الإجلاء. يجب أن يحظوا بفرص متساوية للعودة إلى بلدانهم بأمان”.

وفي بيان صدر في 7 مارس/ آذار. أشارت وزارة الخارجية الأوكرانية إلى أن الحكومة ساعدت 146 ألف أجنبي على مغادرة البلاد. ثم دعت موسكو إلى التعاون في إقامة ممرات إنسانية للقيام بالمزيد من عمليات الإجلاء. مع ذلك، استمرت روسيا حتى الآن في قصف طرق هروب المدنيين. وفق وسائل إعلام غربية.

رحلات إنقاذ

بعد تدمير المطارات الأوكرانية، نظّمت بعض حكومات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رحلات إجلاء من البلدان المجاورة لأوكرانيا. ففي 1 مارس/آذار، قامت “الخطوط الملكية المغربية” بنقل أبناء المملكة المغربية في ثلاث طائرات من بوخارست وبودابست ووارسو إلى الدار البيضاء.

كانت الرحلات، في البداية، مخصصة حصريا للمغاربة الذين فروا من أوكرانيا. حيث بيعت كل تذكرة بـ 750 درهماً -75 دولاراً- لكن بناء على طلب من الحكومة الموريتانية، وافقت الرباط على حجز بعض المقاعد للطلاب الموريتانيين. أفادت التقارير أنه تم إجلاء 1534 مغربياً اعتباراً من ذلك التاريخ.

في اليوم نفسه، نقلت طائرة تابعة لـ “شركة مصر للطيران” طلاباً مصريين فارين من الحرب من بوخارست إلى القاهرة. بينما أفادت وزارة الخارجية التركية أنها نسّقت إجلاء أكثر من 7000 مواطن تركي، من بينهم نحو 150 طالباً.

وفي العراق، صرّح متحدث باسم الحكومة أنه تم إجلاء ثلاثة من طلاب بلاده إلى مولدوفا اعتباراً من 1 مارس/آذار، بينما وصل 157 مواطناً عراقياً إلى بولندا. وفي تونس، صّرحت الحكومة بأنها سترسل طائرات إلى بولندا ورومانيا لإعادة ما يقرب من 1700 مواطن تونسي يعيشون في أوكرانيا. حوالي 80 % منهم طلاب. وفي الجزائر، أعلنت الحكومة في 3 مارس/آذار أنها أجْلت 76 مواطناً، معظمهم من الطلاب.

تداعيات سياسية

تأتي محنة هؤلاء الطلاب في أوكرانيا في الوقت الذي تقف فيه حكوماتهم أمام قرار دبلوماسي صعب. إذ يتوجب عليها التوفيق بين علاقاتها مع روسيا وأوكرانيا. والحرص في الوقت نفسه على عدم اتخاذ أي خطوات تعرّض وارداتها الزراعية الحيوية وأولوياتها الأخرى للخطر.

تثير مثل هذه الاعتبارات تساؤلات حول ما قد تسمعه هذه الدول من موسكو. في 2 مارس/آذار -على سبيل المثال- أوعزت السفارة الهندية في كييف إلى الطلاب الهنود بالذهاب إلى “مناطق آمنة” محددة بناءً على التوجيهات التي تلقتها من روسيا. بينما لم يقدم الكرملين توجيهات مماثلة لسفارات دول أخرى، من ضمنها الشرق الأوسط.

علاوة على ذلك، من شأن الطريقة التي تساعد بها الحكومات -أو لا تساعد- الطلاب المحاصرين. أن تؤثر أيضاً على العلاقات السياسية داخل بلدانها. لا سيما مع بدء التداعيات الاقتصادية المتوقعة للحرب في المنطقة. حيث تعتمد العديد من دول المنطقة بشكل كبير على واردات القمح من روسيا وأوكراني. بالتالي، من المرجح أن تؤدي عراقيل الإمدادات إلى ارتفاع حاد في الأسعار.

مسؤولية أمريكية

أوضح الباحثان بمعهد واشنطن أن لدى الولايات المتحدة فرصةٌ لمساعدة شركائها في جميع أنحاء المنطقة على إعادة مواطنيهم بأمان. إحدى الخطوات الحيوية في هذا الإطار هي التواصل معهم بهذا الشأن. والتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي الواقعة على طول حدود أوكرانيا. كذلك من المهم -بشكل خاص- تزويد المسؤولين في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعلومات محدّثة عن طرق الإجلاء الآمنة. حيث أن تواصل الحكومات مع الطلاب العالقين يفتقر في غالب الأحيان إلى الدقة ويأتي في وقت متأخر.

يرى التحليل أن من شأن العمل الأمريكي مع دول المنطقة بشأن هذه الأزمة للتخفيف من حدة هذه المشكلة أن ينقذ الأرواح. كما “سيثبت أنه حتى مع تركيز واشنطن اهتمامها المتجدد بأوروبا، لم تنسَ شركاءها في المنطقة”. هذه بالفعل رسالة جوهرية، في ظل الانطباعات المتزايدة بأن الولايات المتحدة “لم تعد مهتمة بالمنطقة”.