أرى أن ما تفعله الدكتورة/ ليلى سويف بين الحين والآخر حينما تقف أو تصمم أو تخاطب الجهات الرسمية بكافة الأشكال المتاحة حتى تتمكن من التراسل مع ابنها المحبوس/ علاء أحمد سيف، الشهير بعلاء عبد الفتاح، وعلى الرغم من كثرة المشاكل والصعاب التي تواجهها الدكتورة ليلى سويف، إلا أنها لم تقف عاجزة في الدفاع عن حقها في التواصل مع ابنها، ويعد ذلك المسلك نموذج في الدفاع عن الحقوق من الزاوية الفردية.

إن فكرة التواصل والتراسل والحق في الزيارة في جو إنساني ملائم والحق في عيشه كريمة داخل السجون والحفاظ على كرامة السجين أو المعتقل باعتباره إنسانا من الحقوق التي عملت الدساتير والقوانين الداخلية على إقرارها بل وسعت المواثيق والمعاهدات الدولية على تأكيدها وابرازها في أكثر من اتفاقية وأكثر من نص، ومن حيث الأصل العام في معاملة السجناء فإنه يجب أن يكون ذلك من خلال إطار دستوري وقانوني، يتمتع بضمان التنفيذ من الدولة، ويقوم على عدم إخلال التشريعات السارية بالحقوق والضمانات المقررة للمواطن واحترامها بحسبانه من المفترضات الأولية لقيام الدولة القانونية، وأن الدستور باعتباره القانون الأساسي الأعلى الذي أرسى قواعد وأصول نظام الحكم على أسس تتحدد معها وظائف السلطات العامة وحدود نشاطها مع كفالة وصيانة الحقوق والحريات العامة وسبل حمايتها ، وأن ثمة التزام دستوري مؤداه معاملة المواطن المحبوس أو المقيدة حريته المعاملة التي يحفظ عليه كرامة الإنسان، وأن الجزاء الجنائي وما يتبعه من إجراءات تنفيذه يجب أن تكون حائلاً دون الولوج في الإجرام ومداركه ولضرورة تهيئة المذنب لحياة أفضل وهو أمر لا يتأتى إلا بمراعاة حقوقه التي حددتها القوانين واللوائح المنفذة لها بما تحقق إشباع بعض احتياجاته وحقوقه المشروعة.

وهناك من الناحية القانونية المحلية العديد من النصوص التي تلزم السلطة بأن تسمح للسجين بالتواصل مع ذويه ما بين الحين والآخر، وهذا ما أكده نص المادة 38 من قانون السجون المصري رقم 396 لسنة 1956 حيث جاء كالتالي: “يكون لكل محكوم عليه الحق في التراسل ولذويه أن يزوروه وذلك طبقا لما تبينه اللائحة الداخلية، وللمحبوسين احتياطيا هذا الحق دون إخلال بما يقضى به قانون الإجراءات الجنائية بشأنهم في هذا الصدد”. هذا بخلاف العديد من النصوص التي تبيح للمسجون الحق في التواصل مع محاميه، أو إن كان المسجون أجنبي التواصل مع سفارته، كذلك تبيان الحق في حالات الحبس الاحتياطي أو المحكوم عليه.

ومن الناحية القانونية أو الحقوقية الدولية فقد جاء النص على الزيارة والمراسلة بالقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء “قواعد نيلسون مانديلا” تحت عنوان الاتصال بالعالم الخارجي بالقاعدة رقم 58 وحتى القاعدة رقم 63 من القواعد وجاء بها أن يوزَّع السجناء، قدر المستطاع، على سجون قريبة من منازلهم أو أماكن إعادة تأهيلهم اجتماعيًّا ويُسمَح للسجناء، في ظل الرقابة الضرورية، بالاتصال بأسرهم وأصدقائهم على فترات منتظمة بالمراسلة كتابةً، وحيثما يكون متاحًا، باستخدام وسائل الاتصال والوسائل الإلكترونية والرقمية وغيرها وباستقبال الزيارات، كما جاء النص في مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، وتلك المبادئ قد اعتمدت وتم نشرها بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 43 / 173المؤرخ في 9 ديسمبر سنة 1988، والتي أقرت حق السجناء في التواصل أو التراسل مع العالم الخارجي ضمن مجموعة من الحقوق الأخرى التي أقرتها تلك الاتفاقية للمحرومين من الحرية.

ولما كان في السنوات الأخيرة وفي ظل جائحة كورونا التي اجتاحت العالم بأسره، فقد كان هناك مبرر للتضييق على حق السجناء في التزاور منعا للاختلاط بالعالم الخارجي، وذلك يعد من الأسباب المرجئة لأمر الزيارة، ولكن لابد وأن تستدعي السلطة المنظمة للسجون البدائل الممكنة للمسجونين في التواصل مع ذويهم والاطمئنان على أهليتهم على النحو الذي تنظمه القوانين، وإن كان الأمر يستوجب التوسع في أساليب التواصل وتعددها في ظل غياب الزيارة، وفي ظل التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم، والتي يجب أن يكون ذلك في خدمة الإنسانية، ويجب كذلك أيضا أن لا تكون السجون مجرد مكان للإيلام النفسي أو لتجريد المسجونين من حقوقهم، والتي على الرأس منها يأتي حرية الرأي و التعبير، وقد أُتيحت الفرصة لمحكمة القضاء الإداري للتعليق على ذلك في الطعن رقم 27625 لسنة 60 قضائية، والتي قالت فيه المحكمة أنه “المشرع الدستوري قد أكد على أن حرية الرأي والتعبير مكفولة من الدولة لكل مواطن، باعتبارها من الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة النظام الديمقراطي السليم, وحرص على إعلاء مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات, واهتم بالحفاظ على كرامة وآدمية الإنسان المحبوس فلا يجوز إيذاؤه بدنيا أو معنويا أو الانتقاص من حقوقه وحرياته المقررة دستوريا وقانونيا، ولا شك أن من تلك الحقوق والحريات حرية المسجون في الرأي والتعبير على أن يكون تمتعه بتلك الحرية في إطار القواعد والضوابط القانونية المعمول بها بحسبان أن المحبوس وهو مواطن يتمتع أصلا بكل ما يتمتع به المواطن الحر الطليق من حقوق وحريات، إلا أنهم ليسوا سواء فيما يخضعون إليه من ضوابط وقواعد فقد نظمت القوانين المختلفة في ميادين شتى تلك الحقوق والحريات بالنسبة للمواطن غير المحبوس، وتكفل قانون السجون ولائحته التنفيذية بتنظيم حقوق المسجونين وحرياتهم فجعل للمسجون الحق في التواصل والاتصال مع أهله وذويه ممارسة حقوقه الدستورية”.

وأرى أن أمر تنظيم واستعمال هذا الحق لا يجب أن يكون محل منع أو تقييد، ولا حتى اللجوء للقضاء، إذ يجب على السلطة أن تسعى هي لتوفيره بشكل فعال، وأن تسعى كذلك لتطويره والتوسع في نطاقه بشكل يضمن حسن السلامة النفسية للمسجون ولأهليته وذويه، إذ أن امر منع تلك الحقوق يمثل عقاباً ثانياً فوق العقوبة المحكوم بها، ولكن تلك العقوبة الإضافية توقع على السجين وعلى أسرته أيضا، وهو ما يخرج عن نطاق المشروعية القانونية، وإذ إن التمسك بأصول الشرعية في مجال التجريم والعقاب وفى مجال الحفاظ على الحريات هو أمر يتصل بأصول الدولة القانونية. وضابط التمييز بين دولة القانون ودولة الاستبداد إنما يكون بالنظر إلى تصرف الدولة تجاه مواطنيها، وذلك من خلال ما تصدره من قوانين عقابية استناداً إلى سلطتها وما تنتهجه من سبل وإجراءات لتطبيق تلك القوانين، إذ لا يجوز للدولة أن تلجأ في مواجهة الخروج على القانون بخروج مماثل، لأن من شأن ذلك أن ينال من شرعيتها لما ينطوي عليه هذا المنع من غلو ومبالغة وعدم التزام الضوابط الشرعية القانونية.