لا تزال التصعيدات الروسية في أوكرانيا مستمرة بينما تجد صدى معارضا عالميا ينتفض غضبًا مع أذى الرجل الأبيض لم نشاهد إنسانيته مع استمرار قتل وإرهاب مماثل في الدول العربية.

على كل حال في هذا المقال نستكمل حديثنا السابق حول نماذج من الأعمال الفنية التي حكت مأسآة الحرب العالمية الثالثة ما بين أوكرانيا وروسيا. هذه المرة نعتمد على اختيار عدد من الأفلام الروائية والتسجيلية التي تحدثت عن الأزمة. ليس لنا أي دور سوى في جمعها من ركام الحرب والأحاديث التي تتمحور على الحرب من سياقاتها السياسية والإجتماعية والفنية دون شك.

فيلم هوموارد (ناريمان علييف)

فيلم يحكي حول أزمة ربما بالحرف ما يعيشه المواطن الأوكراني والروسي. يبدأ الفيلم بالأب مصطفى الرجل الخمسيني وابنه ذي العشرين عامًا في زيارة لمشرحة بكييف. وذلك لتسلم جثة الابن الأكبر ناظم. الذي قُتل في إحدى المعارك بعد تطوعه للقتال في الحرب على الحدود مع روسيا.

فيلم “شتاء على نار: معركة أوكرانيا من أجل الحرية” (إيفغيني أفينيفسكي)

في فيلمه الوثائقي “الشتاء على النار: الكفاح الأوكراني من أجل الحرية. يقدم المخرج إيفجيني ميخائيلوفيتش أفينيفسكي صورًا مؤثرة من الميدان لاحتجاجات الشارع الأوكراني عام 2014. بعد تعليق توقيع اتفاقية تجارية مع الاتحاد الأوروبي لصالح توثيق العلاقات مع روسيا.

يُذكر الفيلم بقوة الروح البشرية والوقت الذي وقف فيه الأوكرانيون ضد الاستبداد وقاتلوا ضد ما اعتقدوا أنه خطأ. تتبع أفينيفسكي وطاقمه المتظاهرين في الخطوط الأمامية. والذين وصلت أعدادهم إلى مئات الآلاف في ساحة الاستقلال بالعاصمة. وهتافاتهم ضد نظام رئيس الوزراء السابق فيكتور يانوكوفيتش الحليف لبوتين. ما أدى إلى حملة قمع شرسة من قبل السلطات أدى لسقوط نحو 100 قتيل.

فيلم قصر بوتين

فيلم وثائقي مقسّم إلى سبعة أجزاء مع مقدمة وخاتمة. هدفه الرئيس هو إظهار القصر الذي يمتلكه بوتين على مساحة 17600 متر مربع. ولا يمكن لأحد دخوله حاملاً هاتفه المحمول. ولا حتى الموظفين العاملين هناك. يحتوي “كنيسة- بيت شاي -مدرّج- مهبطين للطائرات العمودية- منطقة تذوق النبيذ مع إطلالات على المحيط- ونفقا للوصول إلى الشاطئ. حصد هذا الفيلم أكثر من 100 مليون مشاهدة ودخل في قائمة أكثر 10 مقاطع فيديو مشاهدة على “يوتيوب” في 23 دولة.

تمامًا مثل فيلم “روسيا، ثورة محافظة” للمخرج ريكاردو ماركوينا يمكن اعتباره  تقرير وثائقي طويل يقرّبنا من الأيديولوجية الروسية الجديدة التي يعتنقها بوتين. يمكن رؤية مدن مختلفة في روسيا حيث يعطي سكانها انطباعهم عن بوتين وتأثير الكنيسة الأرثوذكسية الروسية على الحياة اليومية.

تظهر تلك الأفلام بشكل واع وغير واع المساحة التي أمكن لبوتين اختراقها داخل المجتمع الروسي ذاته. قبل أن يخترقها على المستوى الخارجي. سيطرة لا يمكن التهوين منها وحرية حركة في اتخاذ القرار ملفتة للنظر بالفعل.

القصر الذي يمتلكه بوتين على مساحة 17600 متر مربع.
القصر الذي يمتلكه بوتين على مساحة 17600 متر مربع.

فيلم جيل بوتين

ثمة وثائقي من إنتاج شبكة الإذاعة والتلفزيون الألمانية يركّز على الشباب المولودين بعد عام 1998. ممن لم يروا في حياتهم رئيساً وقائداً إلا بوتين. من سانت بطرسبرغ إلى شرق سيبيريا. يجمع الفيلم شهادات من الشبان والشابات. البعض من المؤيدين المتحمسين للرئيس والبعض الآخر خصوم شرسة. كل واحد منهم يروي كيف يعيش وكيف طبعت البروباغندا الرسمية تعليمه ومناهجه الدراسية.
مصدر إلهام السلسلة الوثائقية “بوتين: قصة جاسوس روسي” المكونة من ثلاث حلقات. مدة كل منها 45 دقيقة تحكي كيف طبّق بوتين معرفته من عالم الجاسوسية ليصبح زعيم بلاده. تظهر كيف كانت طفولته وكيف كانت علاقته القوية بالرياضة وكيف اتصل به جهاز الاستخبارات الروسية للانضمام إلى صفوفهم. تستكشف السلسلة كيف أثرت تجارب بوتين الشخصية على سياساته وكيف أنشئت روسيا الحديثة على هيكل إحساس حاد بالخيانة والفخر والغضب. وكيف صُدّرت هذه القيم إلى العالم من خلال التدخلات العسكرية والهجوم السيبراني والاغتيالات. كما تتضمن شهادات قيّمة من معارضين (أغلبهم بهويات مُجهَّلة) تحدثوا عن حالات تسميم بحقهم وآخرين.

فيلم “ميدان” (سيرغي لوزنيتسا)

صمت يحدث من خلاله كل شيء إذا أردت معرفة من أين بدأ كل شيء. فهذا الوثائقي حول ثورة ميدان في أوائل عام 2014. سيمنحك لمحة أكثر حميمية وكثافة للاهتمام من سواه من أعمال تناولت الحدث الكبير. استقصاء مباشر لمذبحة/ثورة تعايشها وتعاينها مثل أهلها. بدأب وصبر. يلتقط الفيلم بوليفونية وتعقيد الثورة الفوضوية.

للمخرج ذاته فيلم أحدث “دونباس” (2019) الفيلم قصة التوغل الروسي في شرق أوكرانيا (غزو شبه جزيرة القرم) بين عامي 2014 و2015. وتتألف من 13 فيلماً ساخرا كئيبا في الوقت ذاته. هناك أخبار مزيّفة وموثوقية وسائل الإعلام والعنف الذي تغذيه الدولة. وعبثية بروباغندا الانفصاليين الأوكرانيين المدعومين من روسيا التي تحاول كسب القلوب والعقول فيما تمثّل بأجساد “المخربين” على أعمدة الإنارة.

فيلم “إجراءات نشطة” (جاك بريان)

يستكشف المخرج جاك بريان في احتمال تدخُّل بوتين في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. وزراعة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وعائلته وشركائه كأصول روسية. وذلك عبر غسل أموال عصابات الجريمة المنظمة الروسية عبر الاستثمارات العقارية التي بنى ترامب ثروته من خلالها. لكن ماذا عن أوكرانيا؟

يقدّم النصف الأول من الفيلم الوثائقي تمهيد استقصائي يفسر تكتيكات بوتين في التدخل في الانتخابات في أوكرانيا وجورجيا. ثم حركات الاحتجاج اللاحقة الرافضة لنفوذ بوتين. خاصة في أوكرانيا. يشرح الفيلم أيضاً أهمية أوكرانيا على وجه التحديد بالنسبة لبوتين. والدمار الذي تركه داخله تفكك الاتحاد السوفييتي. والذي -بحسب الفيلم- أدّى إلى أفعاله العدوانية تجاه جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.

فيلم انعكاس (فالنتين فاسيانوفيتش)

يحكي الفيلم قصة مؤلمة لطبيب شاب يُدعى رومان لوتسكي. تطوع لرعاية جرحى المعارك الدائرة في منطقة دونباس بأوكرانيا. لكن سرعان ما يأسره جنود ناطقون بالروسية. تظاهروا بأنهم مواطنون أوكرانيون. واتضح فيما بعد أنهم مجرد مرتزقة روس جُندوا للمساعدة في الغزو.

يتعرض الطبيب لفظائع مؤلمة من سجن وتعذيب وتعاون قسري قبل أن يُطلق سراحه. ويبدأ مرحلة تعاف مؤلمة مع ابنته الصغيرة في العاصمة كييف.

ويقدم الفيلم رؤية بانورامية قوية للصراع ويصور مدى الرعب والدمار الذي أحدثته الحرب في الأماكن والأشخاص. لكنه لم يغفل إضافة لمسات من الجمال تُحيي الأمل في القلوب وسط الصورة القاتمة.

حرب روسيا ضد أوكرانيا
حرب روسيا ضد أوكرانيا

فيلم أتلانتس (فالنتين فاسيانوفيتش)

فاز فيلم أتلانتس بجائزة أفضل فيلم في قسم آفاق بمهرجان البندقية السينمائي 2018 في نفس اليوم الذي أفرجت فيه روسيا عن المخرج الأوكراني أوليج سينتسوف. وذلك في صفقة تبادل أسرى. لكن فيلم فاسيانوفيتش لا يدور حول النهايات السعيدة.

تدور أحداث الفيلم الخيالية في عام 2025 بعد أن نجحت القوات الوطنية شرق أوكرانيا في إنهاء الحرب الطويلة مع روسيا. ونرى بصمة الحرب المروعة في عيون جندي يعاني اضطراب ما بعد الصدمة بعدما فقد عائلته ومنزله. يناقش الفيلم المعاناة النفسية للمواطنين في وقت الحرب من انتحار إلى دمار بيئي في تأمل لاستمرار صدمة الحرب حتى مع النصر المتخيل.

فيلم محنة النساء (إرينا تسيليك)

فيلم حول الأطفال الذين يعيشون وسط الحرب الأوكرانية التي دامت لسنوات في دونباس. وهو يتتبع الفيلم قصة أم عزباء تدعى حنا مع أطفالها الأربعة الذين يحاولون إبقاء منزلهم ملاذًا مليئًا بالحياة رغم سقوط القنابل وتفشي الفوضى.

تحلم الابنة الكبرى ميرا بأن تصبح مصورة سينمائية وترى أسرتها مشروعها السينمائي يروي أفراد الأسرة ما يعيشونه من مشاهد مروعة بطريقة مختلفة. يستخدمون خلالها الجنود المحليين والدبابات وحتى جدتها لرواية قصص عن النجاة. فيما تلتقط إيرينا مشاهد مشاجرات الأشقاء ووجبات العشاء الحميمة بجوار النار. ونظرة الأم الحنونة لعائلتها. يندمج فيلم ميرا مع المخرجة إيرينا ليلخصا أهوال الحرب.

في أغلب الاختيارات ستشاهد المأسآة الأوكرانية سواء كانت من داخل المجتمع الأوكراني أو من جبروت عرض المجتمع الروسي. الذي يمكن اختصاره في شخص ديكتاتور كبوتين. قادت السينما ربما وحدها الحديث بجرأة عن الأزمة قبل حدوثها بينما سنعيش لسنوات لاحقة سينتج فيها الأدب مساحات فنية تحكي حكايات ربما بعدد اللاجئين الآن. المأسآة هي المادة الخام لإنتاج الفن والضمير الحي لفضح الفاشية في وقت واحد.