لا يختلف أحد على أن توقيت الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية، يحمل دلالات متعددة. بشأن طبيعة العلاقة بين القوتين العربيتين الأكبر في الوقت الراهن، في ظل متغيرات إقليمية وملفات محل اهتمام مشترك. تستوجب توافق الروئ بشأنها بالشكل الذي يحقق استفادة قصوى للطرفين وسط تداعيات عنيفة للحرب الروسية الأوكرانية على مستويات مختلفة.

أقرب من الإمارات

العلاقات بين مصر والسعودية في الوقت الراهن، تشهد توافقا كبيرا إزاء ملفات المنطقة. بدرجة أكبر كثيرا من تلك التي تشهدها  العلاقات المصرية بشركاء خليجيين آخرين في مقدمتهم الإمارات. على عكس فترات سابقة، وهذا عند النظر لموقف البلدين الخليجيين تجاه الملفات المتقاطعة مع المصالح المصرية مؤخرا.

السعودية أبدت موقفا أكثر وضوحا إزاء إثيوبيا في ظل أزمة سد النهضة وتهديدها للأمن المائي المصري والسوداني. رغم حجم الاستثمارات السعودية هناك حيث تأتي ضمن أكبر 5 مستثمرين. على عكس أبوظبي التي اتخذت موقفا داعما لحكومة آبي أحمد في صراعاتها الداخلية. خاصة في مواجهة متمردي تيجراي، بشكل أفقد القاهرة أوراق ضغط كان من شأنها أن تدفع أديس أبابا لتقديم تنازلات نظرا للضعف الذي كانت عليه الحكومة الإثيوبية. قبل أن تلعب الإمارات دورا حاسما في دعمها عسكريا وماليا.

في المقابل لذلك كان الموقف السعودي الذي تبنى خطابا صريحا تجاه الأمن المائي للقاهرة والخرطوم، عبر مصطلحات واضحة لا تحمتل تأويلا. وهو ما جرى التأكيد عليه في البيان المشترك الصادر في أعقاب الزيارة الأخيرة للرئيس المصري، حيث أكدت الرياض على وصف النهج الإثيوبي بـ”الممارسات الأحادية”.

وجاء في البيان تأكيد الجانب السعودي دعمه “الكامل” للأمن المائي المصري باعتباره جزءا لا يتجزأ من الأمن المائي العربي. داعيا إثيوبيا إلى التخلي عن سياساتها الأحادية اتصالا بالأنهار الدولية والالتزام بتعهداتها بمقتضى القانون الدولي بما في ذلك اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 2015. بما من شأنه عدم اتخاذ أية إجراءات أحادية فيما يخص ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي. وضرورة التعاون بحسن نية مع مصر والسودان للتوصل بلا إبطاء لاتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل. اتساقا مع البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في سبتمبر 2021.

العلاقات مع تركيا مؤشرا إضافيا

في الوقت الذي تسارعت فيه وتيرة العلاقات الإماراتية التركية عقب محادثات لم تستغرق فترة طويلة، رغم الاتهامات المتبادلة بين البلدين في أوقات مضت. وصلت حد اتهام أنقرة لأبوظبي بتمويل محاولة الانقلاب الفاشلة في 2015. واصلت مصر والسعودية نهجهما الهادئ في التعاطي مع هذا الملف فيما يبدو أنه بتوافق بينهما، رغم المحاولات من جانب أنقرة لتسريع وتيرته. حيث لم تسفر المباحثات بين القاهرة وأنقرة والتي جرت عبر جولتين استكشافيتين العام الماضي. عن اختراق يذكر نحو تطبيع العلاقات، أو تبادل الزيارات على مستويات عليا. في الوقت نفسه لم يعلن بشكل نهائي عن زيارة مقررة لأردوغان إلى الرياض رغم تكرار الحديث عنها في أعقاب زيارة قام بها إلى أبوظبي مطلع العام الجاري.

دعم متبادل

بالعودة للبيان الختامي الصادر عقب زيارة السيسي للمملكة، فسنجد أن رسائل الدعم المصري للمملكة إزاء تهديدات جماعة الحوثي اليمنية المدعومة إيرانيا للأراضي السعودية. جاءت مماثلة للرسائل السعودية الداعمة لمصر في أزمة سد النهضة.

وعبر الجانب المصري عن تضامنه “الكامل” مع المملكة العربية السعودية في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها القومي. كما أكد الجانب المصري وفقا لنص البيان رفضه أي اعتداءات على أراضي السعودية، مشددا. على أن أمن المملكة ومنطقة الخليج العربي يعد جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.

وفي إشارة للجوانب العسكرية، أشاد الجانبان بمستوى التعاون والتنسيق الأمني القائم بين البلدين، ورغبتهما في تعزيز ذلك بما يحقق الأمن والاستقرار للبلدين الشقيقين. وأكد الطرفان على خطورة السلوك الإيراني العدائي تجاه دول المنطقة وخطر امتلاك النظام لأسلحة الدمار الشامل على المنطقة والعالم.

كما أكدت مصر في رسالة تضامن واضحة على أن أي اتفاق دولي  بشأن “النووي” الإيراني لا بد أن يتم بمشاركة دول المنطقة. كما أعرب الطرفان عن رفضهما لاستمرار المليشيات الحوثية الإرهابية في تهديد الملاحة البحرية. وأنه لا يمكن التغاضي عن امتلاك هذه المليشيات لقدرات عسكرية نوعية كونه تهديدا مباشراً لأمن المملكة العربية السعودية ودول المنطقة. وأكد الجانبان على حرصهما على تعزيز التعاون بين البلدين خصوصاً في المجال العسكري وتعزيز العلاقات والشراكات الاستراتيجية.

منحنى العلاقات السعودية الأمريكية

زيارة السيسي للسعودية جاءت أيضا في ظل توقيت تمر فيه العلاقات السعودية الأمريكية بمنحنى خطير في وقت بات من الواضح أن الرياض لم تعد مستعدة للاعتماد على الولايات المتحدة. كضامن أوحد و نهائي للأمن، وإن كانت أمريكا ستظل، شريكا استراتيجيا أساسيًا للمملكة. وهو ما يعني أن الرياض وبعض القوى الخليجية الأخرى ستعمل على تنويع خياراتها الدبلوماسية وأدواتها الاستراتيجية. في ظل تعدد الأقطاب حاليا وعدم وقوف الولايات المتحدة كقطب أوحد. ما يعني أن الرياض ستكون مضطرة لتعزيز علاقاتها الإقليمية مع القوى ذات الثقل، في وقت يتحضر فيه الجميع لشرق أوسط مختلف، تتغير فيه موازين القوى.

الأزمة التي تمر بها العلاقات السعودية الأمريكية في الوقت الراهن كشفت بعض أبعادها تقارير صادرة من واشنطن. بعدما أشارت إلى رفض بن سلمان تلقي اتصال من الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن أزمة الحرب الروسية الأوكرانية. بعدما تمسكت السعودية برفض مطالبات أمريكية بضخ مزيد من النفط للسيطرة على أسعار الطاقة.

التقارير الأمريكية جاءت بعد حديث صحفي لولي العهد السعودي أكد خلاله أنه “ببساطة لا يهتم” بما إذا كان الرئيس الأمريكي، جو بايدن. قد أساء فهم شيء ما عنه، موضحا: “هذا الأمر يعود إليه، ومتروك له للتفكير في مصالح أمريكا، فليفعل ذلك إذن”.

وردا على سؤال خلال الحوار حول ما إذا كان بايدن “يسيء فهم” أي شيء عنه، بما في ذلك سياق قضية اغتيال الصحفي السعودي. جمال خاشقجي: “ببساطة، لا أهتم”، وذلك في الوقت الذي لم يلتق بايدن بالرجل السعودي الأقوى منذ وصوله للبيت الأبيض.

ضغوط غربية على مصر

وكما تمر العلاقات بين واشنطن والرياض بمرحلة دقيقة، جاءت الزيارة في وقت تتعرض فيه القاهرة لضغوط أوروبية وأمريكية شديدة لاتخاذ موقف واضح وداعم لأوكرانيا على حساب روسيا. فقبيل الزيارة بأيام قليلة دعت مجموعة الدول السبع الصناعية والاتحاد الأوروبي. مصر إلى تقديم إدانة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ملمحة إلى تداعياتها السلبية على الاقتصاد المصري. وذلك في خطوة لدفع القاهرة إلى الخروج عن الحياد وإعلان موقف محدد من الحرب الدائرة بين الجارتين.

الضغوط الأوروبية على مصر رافقها ضغوط على عديد من العواصم العربية للاصطفاف. في محورها بعد أن تبنت أغلب الدول العربية موقفا محايدا بين الغرب وروسيا.

دلالة توقيت الزيارة المصرية إلى السعودية، في تلك اللحظة المفصلية لا يمكن إغفالها، حيث تبدو القاهرة في موقف صعب ومعقد. خاصة وأنها لا تستطيع أن تدير ظهرها إلى الولايات المتحدة لأسباب عدة أهمها اقتصادي. وأخرى متعلقة بدعم واشنطن في ملف سد النهضة في ظل مواصلة إثيوبيا نهجها المتعنت وعدم الوصول إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد. فضلًا عن رغبة الحكومة المصرية في عدم تعطيل اتفاقية أولويات الشراكة المفترض توقيعها بين القاهرة والاتحاد الأوروبي صيف العام الجاري. فيما يتعلق بالتعاون بين مصر والمنظمة الأوروبية خلال سبع سنوات في مجالات اقتصادية.

الاقتصاد في المقدمة

التداعيات الاقتصادية التي  رافقت الحرب الروسية على أوكرانيا ، وأهمها هنا المعدلات القياسية لأسعار النفط  بعدما تجاوز سعر البرميل 130 دولار. وضعت الدول غير النفطية في أزمة حقيقية، بعدما أشعل ارتفاع أسعار النفط موجة تضخمية كبيرة في أسعار كل السلع والخدمات. باعتبار أن الطاقة مكون أساسي في كل السلع الصناعية والزراعية والخدمات.

لجوء مصر إلى السعودية في هذا التوقيت يأتي من منطلق كون المملكة من أكثر الرابحين اقتصاديا. جراء التداعيات الناجمة عن الحرب. خاصة وأنها أكبر مصدر للنفط عالميا.

ووفقا للخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار، فإن كل دولار واحد يرتفعه سعر برميل النفط يعني زيادة إيرادات الدول العربية المصدرة له بمقدار 20 مليون دولار يوميا. أو نحو 7.3 مليار دولار في العام، حيث تصدر الدول العربية نحو 20 مليون برميل يوميا من النفط الخام ومشتقاته. وتأتي السعودية في المرتبة الأولى بنحو 7.7 مليون برميل يوميا من الخام والمشتقات، والعراق بنحو 3.2 مليون. والإمارات بنحو 3.2 مليون، والكويت بنحو 2.3 مليون، وقطر بنحو مليون، وعمان بنحو 0.9 مليون. والجزائر بنحو 0.8 مليون، وليبيا بنحو 0.5 مليون. فإن الموازنات العامة للدول المصدرة للنفط ستعزز فوائضها أو تتجاوز العجز الذي تعرض له البعض.

تعاون عربي عربي

وهنا يجب الإشارة إلى أن أي دعم سعودي لمصر في الأزمة الراهنة هو بالأساس. يأتي من منطلق مصلحة للمملكة بوجود قوة عربية لا يستهان بها. حتى وإن كانت تمر بأزمة وقتية، تكون حليفا وشريكا في إقليم شديد الإضطراب.

في هذا الصدد يرى السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن زيارة الرئيس السيسي استهدفت ملفين أساسيين. كلاهما مكمل للآخر وعلى ارتباط وثيق، مشيرا إلى أن  الملف الأول يتمثل في خلق تعاون عربي عربي للتخفيف من التداعيات الاقتصادية والسياسية الناجمة عن الحرب الروسية الاوكرانية.

أما الملف الثاني من وجهة نظر الدبلوماسي المصري السابق فإنه يتمثل في ضرورة التوصل لتوافق عربي. بشأن موقف موحد حال نجاح اتفاق فيينا الذي يسمح لإيران بالعودة للاتفاق النووي. وحال عدم نص هذا الاتفاق صراحة على موقف إيران من التدخل في الشأن الداخلي لبعض البلدان العربية.