يبدأ رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون زيارة شاقة إلى السعودية وعدة دول خليجية. ذلك سعيًا إلى زيادة المعروض من النفط. ومن ثم تخفيف اعتماد الغرب على الطاقة الروسية، وإبطاء الزيادات الهائلة في الأسعار الناجمة عن العقوبات بسبب الحرب في أوكرانيا.
تبدأ المحطة الأولى لجونسون بالسعودية، وهي تأتي في ظل علاقات واهنة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ما يجعل بريطانيا واحدة من القوى الغربية الأكثر قبولًا لإقناع السعودية والإمارات بزيادة الإنتاج.
لكن جونسون يواجه معارضة داخلية ورفضًا لذهابه إلى المملكة، بعد أيام من تنفيذها حكمًا بإعدام 81 شخصًا -دفعة واحدة وبتهم تتعلق بالإرهاب- نهاية الأسبوع. وهو أكبر إعدام جماعي في تاريخ السعودية. وكان سبعة ممن أعدموا من اليمن.
كانت الحكومة السعودية تدرك أن عمليات القتل ستجعل زيارة جونسون أكثر صعوبة. كما كانت تعي أنها عملية سينظر إليها باعتبارها علامة على استقلال السعودية عن الغرب. وأيضًا هي علامة على التحدي السعودي لإيران التي كانت تبني معها علاقات محسنة ببطء. خاصة أن الجانبين طرفي نقيض في الحرب الأهلية اليمنية.
وقد قالت وزيرة الخارجية أماندا ميلينج إن الحكومة “صُدمت” من عمليات الإعدام في السعودية. وأكدت أنها “لن تتردد” في إثارة مسألة حقوق الإنسان مع السعوديين. بينما طالب نواب المعارضة رئيس الوزراء بإلغاء رحلته المقررة. وقال المتحدث باسم الشؤون الخارجية في الحزب الوطني الاسكتلندي ألين سميث إنه يتعين على حكومة لندن أيضًا تعليق جميع أشكال التعاون القضائي مع السعودية.
السعودية والإمارات لن يضحوا باتفاق “أوبك +”
لا يبدو أن السعودية أو الإمارات حريصتان على زيادة إنتاج النفط. لأن ذلك سيفكك اتفاقهما النفطي مع روسيا المعروف باسم “أوبك +”. والسعوديون قالوا إنهم لن يضخوا أكثر مما وافقوا عليه العام الماضي في إطار صفقة مع روسيا.
ويسمح الاتفاق بزيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميًا كل شهر. لكنه لم يفعل شيئًا يذكر لوقف ارتفاع أسعار النفط. وقد ضخ السعوديون أقل من حصتهم، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
حينما تعرضت الإمارات لضربات صاروخية أطلقها الحوثيون في يناير وأصابت أبو ظبي وأسفرت عن مقتل ثلاثة وإلحاق أضرار بالمطار الدولي، لم تكن المملكة المتحدة من بين أول من بعث برسالة تعاطف عامة. وعلى النقيض من ذلك، عرض الفرنسيون استكمال أنظمة الدفاع الجوي الإماراتية في لفتة نالت تقدير كبار الدبلوماسيين الإماراتيين. قال أحد المسؤولين الإماراتيين: “قد تبدو مثل هذه الخطوات تافهة لكنها ملحوظة. أحيانًا ما تكون الرسائل السهلة البسيطة هي المهمة.. هذا يعني أنك لا تجري اتصالات إلا عندما تريد شيئًا”.
ذكريات سيئة للمملكة المتحدة مع السعودية
كانت المملكة المتحدة أيضًا بطيئة -بنظر بعض المراقبين- في دعم الدعوات إلى وصم الحوثيين في اليمن كمنظمة إرهابية. الأمر الذي كانت المملكة المتحدة مترددة في فعله خوفًا من أن يجعل من الصعب على الجماعات الإنسانية العمل في اليمن.
وقد خفضت الحكومة البريطانية مكانة الخليج في قائمة أولويات وزارة الخارجية. ذلك بإلغاء منصب وزير الخارجية للشرق الأوسط في وزارة الخارجية ودمج الدور مع حقيبة أوسع.
يقول سايمون هندرسون، مدير برنامج حول الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، إن زيارة بوريس جونسون المتوقعة تعكس مدى إلحاح الأزمة بين الرياض والبيت الأبيض. إذ يُنظر إلى زيادة إنتاج النفط السعودي على أنها ضرورية لتحل محل الصادرات الروسية التي تخضع لعقوبات واسعة النطاق. لكن الرياض لم تلتزم بذلك رغم الحاجة الملحة المتزايدة في زمن الحرب.
هندرسون تحدث أيضًا عن انهيار واضح في الاتصالات السعودية مع الرئيس بايدن. وهو يريد من السعودية التراجع عن اتفاقها الخاص بالحد من الإنتاج مع روسيا العضو في أوبك +.
سواء أحببنا أم لا.. الإجابة لدى السعودية
يقال إن بوريس جونسون لديه علاقة جيدة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ويتبادل معه رسائل على “واتساب” بانتظام. وقد قال وزير الصحة البريطاني ساجد جافيد، الناطق بلسان آراء جونسون، قال: “سواء أحببنا أم لا.. السعودية واحدة من أكبر منتجي النفط عالميًا، وفي وقت كبير أزمة الطاقة العالمية التي سببتها الحرب في أوروبا… من الصواب لرئيس الوزراء وقادة العالم الآخرين التعامل معها”.
عبارة “سواء أحببنا ذلك أم لا” هي إشارة إلى بواعث قلق تتعلق بحقوق الإنسان. لا سيما مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي في 2018. ومن المحتمل أن تتفاقم هذه المخاوف مع إعدام المملكة لهذا الرقم القياسي من الأشخاص في يوم واحد. وهؤلاء أدينوا في بيان رسمي بارتكاب “جرائم شنيعة متعددة أودت بحياة عدد كبير من المدنيين وضباط إنفاذ القانون”.
إحدى النتائج المباشرة لعمليات الإعدام هي إلغاء جولة أخرى من المحادثات الدبلوماسية الإيرانية الحذرة مع الرياض. وقد كانت متوقعة في وقت لاحق من هذا الشهر.
طهران أشارت إلى أن أكثر من نصف الذين تم إعدامهم كانوا من الشيعة. وتمثل الطائفة الشيعية نسبة ضئيلة نسبيًا من إجمالي سكان المملكة (حوالي 15%).
وبحسب هندرسون، فإن قدرة لندن على التعامل مع الرياض مدعومة بعلاقتهما الدفاعية طويلة الأمد، ويشمل ذلك بيع وتسليح وصيانة مقاتلات تايفون، والتي استخدمها السعوديون في الصراع ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
في الوقت نفسه، هناك العديد من علامات الاستفهام التي تعلو رأس جونسون ويمكن أن تؤثر على ما إذا كانت الزيارة ستتم أم لا. إذ يستمر تحقيق للشرطة حول دوره في كسر إغلاق كورونا من خلال إقامة حفلات النبيذ والجبن في مكاتبه والحديقة في داونينج ستريت.
بالإضافة إلى ذلك، نشرت صحيفة صنداي تايمز قصة استقصائية مطولة حول صلاته بابن الأوليغارشية الروسية وضابط “كي جي بي” السابق الذي عينه في مجلس اللوردات عام 2020.
كما ذكرت وسائل الإعلام البريطانية كيف سخر جونسون في اجتماعين خاصين العام الماضي أنه في ظل وزير الداخلية المتشدد المسئول عن السجون، يمكن أن تصبح بريطانيا “المملكة العربية السعودية للسياسة الجنائية”.
ولا يزال هناك احتمال أن يقوم الرئيس بايدن برحلة إلى الشرق الأوسط في الأشهر القليلة المقبلة، لتشمل المملكة العربية السعودية، في غضون ذلك تعكس زيارة جونسون المحتملة مدى إلحاح الأزمة الأوكرانية والحاجة إلى الاستفادة الدبلوماسية من أي فرصة تقريبًا لحلها.