“قل لي ما هو موقفك من إسرائيل، أقل لك من أنت”، على ميزان تلك القاعدة التي وضعها الكاتب الصحفي الراحل الأستاذ عبد العال الباقوري (1942-2018)، يستحق بطل الاسكواش المصري علي فرج المصنف الثاني عالميا في تلك الرياضة أن يكون سفيرا ليس للشعب المصري فحسب بل للأمة العربية التي وللأسف ضحكت من هوانها على نفسها وتسليمها أمورها لأعدائها.

بعد تتويجه ببطولة أوبتاسيا للاسكواش بنادي ويمبلدون بالعاصمة البريطانية لندن قبل أيام، طلب المذيع من البطل المصري علي فرج أن يدلي بكلمة عن معاناة الشعب الأوكراني الذي يتعرض للعدوان والقصف الروسي منذ أكثر من ثلاث أسابيع، فرد فرج وهو يقف بجوار كأس البطولة داخل قفص اللعبة الزجاجي: “أعلم جيدًا أن ما سأقوله من المحتمل أن يوقعني في المشاكل.. لم يكن مسموحا لنا خلط السياسية بالرياضة، ولكن فجأة أصبح مسموحا الآن وطالما صار مسموحا، فما يحدث الآن في أوكرانيا من قتل وطغيان لا أحد سعيد به، لكن يجب على الناس أن تنظر للطغيان الذي يحدث في كل مكان في العالم”.

وفسر فرج رسالته بقوله: “ما يمر به الأوكران يمر به الفسلطنيون من 74 عاما، لكني أخمن أن هذا لا يتماشى مع رواية وسائل الإعلام الغربية، فلم نستطع الحديث عنها، ولكن طالما نستطيع الحديث الآن عن معاناة الشعب الأوكراني فبالتالي يمكننا الحديث عن معاناة الشعب الفلسطيني أيضًا.. وعلى العالم أن يضع هذا في الاعتبار وهو يتابع الحرب بين روسيا وأوكرانيا”.

نكأ البطل المصري بحديثه عدد من الجراح وأوجع أطرافا عدة، الطرف الأول الذي عرته كلمة فرج هي وسائل الإعلام الغربية التي تدعي الموضوعية والحياد في تغطياتها وتناولها للأحداث، لكن عندما يتعلق الأمر بالصراع العربي الإسرائيلي تخلع تلك المنصات عباءة المهنية وترتدي عباءة الإعلام الحربي الإسرائيلي في روايتها، فتتحول اعتداءات قوات الاحتلال على المدنيين العزل إلى “اشتباكات”، وغارات الطيران الصهيوني على قطاع غزة إلى “رد مبرر”، و”ممارسة لحق الدفاع عن النفس ضد الفصائل الإرهابية الفلسطينية”.

هذه المنصات التي تشكل الرأي العام ليس في بلادها فقط بل في العالم باعتباره “الأكثر مهنية وحياد”، غلُب على خطابها خلال مراحل الصراع المتعاقبة سردية منحازة للمعتدي المحتل، وفي أكثر تغطيتها مهنية تُساوي بين الجاني والضحية، وتلقي باللوم على “المتطرفين الذين يقوضون المعتدلين الساعين للسلام وحل الدولتين”.

لا تطرق تلك المنصات -باستثناء النطاقة بالعربية منها- إلى سياسة الفصل العنصري التي تمارسها دولة الاحتلال، وتتعمد إخفاء المعلومات اللازمة لفهم الرواية الفسلطينية بحسب المحلل السياسي جريج شوباك في كتابه “القصة الخاطئة: فلسطين وإسرائيل والإعلام”.

ويوضح شوباك في كتابه: “ما يتم هو انتقاء لبعض الجوانب مما يحدث بالواقع، انتقاء يغلب عليه الانحياز لمصلحة إسرائيل والمصالح الغربية، ويتم تضخيمه عبر المواقع الإخبارية ووسائل الإعلام لتعزيز القوالب النمطية والافتراضات الثقافية ولا يتم إتاحة أى فرصة لأى سردية أخرى فى مواجهة تلك السردية المهيمنة، ومن ثم فإن نقل جانب واحد فقط من القصة من شأنه تقديم قصة خاطئة تماما حول حقيقة ما يحدث».

ويضيف شوباك: “فى الغرب، تعمل السرديات حول فلسطين وإسرائيل على تنشيط الهياكل المعرفية الراسخة الموجودة فى سياق ثقافى أوسع يتسم بكونه استعماريا أو إمبرياليا أو استشراقيا أو مزيج من هذه، حيث يُنظر إلى إسرائيل كبؤرة وموقع وحيد متقدم للحضارة الغربية فى صراع مع العرب المتوحشين المتخلفين”.

ويرى شوباك أن السردية التي يقدمها الإعلام الغربي تقدم مساواة خاطئة بين حقوق المُستعمَر كضحية مظلومة، وبين مسئوليات المُستعمِر كطرف ظالم وجانى “فى ظل سياسة الانتقاء المتعمد يغلب على تلك السردية دائما تضخيم الأضرار التى تلحق بإسرائيل فى مقابل تقليل أو تجاهل المظلومية والأضرار التى لحقت بالفلسطينيين. وهى نظرة مغلوطة تساوى بين الجانى والضحية بينما يجب لوم الجانى وحده”.

الآن ومنذ أن بدأ الصراع الروسي الأوكراني، تمارس وسائل الإعلام الغربية كما الروسية ذات التضليل، فلكل منهما رواية يتبناها وسردية يقدمها إلى الرأي العام، ويسعى كل طرف إلى تقديم محتوى إعلامي يُخدم به على سياسات وتوجهات الفريق الذي يدعمه، حتى لو اضطر إلى الفبركة والكذب والتلفيق.

لم تكتف منصات الإعلام الغربي بما تقدمه من تغطية منحازة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين، بل مارس بعض مراسليها أبشع أنواع العنصرية ضد العرب واللاجئيين خلال تغطيتهم لأزمة اللاجئيين الأوكران الذين وصفتهم مراسلة “إن بي سي” بأنهم “ليسوا لاجئين من سوريا، بل من أوكرانيا المجاورة.. بصراحة هؤلاء مسيحيون؛ إنهم بيض”.

فرج ورغم أنه رياضي ليس له في السياسة كما يعرف عن الرياضيين، لكنه فطن إلى أن ما سيطرحه عن معاناة الفلسطينين في سياق ما يدور في أوكرانيا “لن يتماشى مع رواية وسائل الإعلام الغربية”، وهي رؤية لها ما يدعمها كما أسلفنا.

الجرح الثاني الذي ضغط عليه بطل الاسكواش المصري فرج هو، كشف زيف قاعدة “عدم الخلط بين السياسة والرياضة”، ذاك الشعار الذي ما لبثت أن ترفعه الاتحادات الرياضية الدولية واللجنة الأولمبية الدولية، حتى داست عليه خلال الصراع الأخير بين روسيا وأوكرانيا، بعدما أصدرت عددا من القرارت العقابية ضد أندية ومنتخبات روسية، بل وشخصيات رياضية ورجال أعمال روس بدعوى انحيازهم أو موافقتهم على مواقف بلادهم.

لم تتحرك تلك الاتحادت واللجان الرياضية الدولية ضد فرق ومنتخبات دولة الاحتلال الإسرائيلي التي لم تتوقف اعتداءاتها على المدن الفلسطينية ومن قبلها اللبنانية والسورية والمصرية على مدار 7 عقود، بل العكس هو ما حدث، فكم أصدرت تلك الاتحادات عقوبات بالإيقاف والغرامة على أندية و لاعبين عرب وأفارقة فقط لأنهم أعلنوا تضامنهم مع الشعب الفلسطيني المسلوب حقه داخل الملاعب الرياضية، أو لأنهم سجلوا موقفا من التطبيع مع العدو الذين لا يعترفون بدولته فرفضوا ملاقاة نظرائهم الإسرائيليين.

أخيرا كشف فرج سوءات المُطبعين العرب الجدد، الذين ما إن وقعت حكوماتهم اتفاقات سلام مع العدو الصهيوني حتى فتحوا أبواب مؤسساتهم المالية والاجتماعية والرياضية بل والدينية لمواطني الكيان، وكأنهم بالفعل “أولاد عم”، يتبادلون الزيارات واللقاءات والقبلات ويشاركون في الفعاليات بكل أنواعها والبسمات تعلو وجوهههم.

رغم أن فرج ولد وعاش في البلد التي وقعت أول اتفاقية سلام مع العدو الإسرائيلي، إلا أنه يظل ابنا للمجتمع الذي رفض وقاوم التطبيع بكل صوره وتعامل مع المطبعين باعتبارهم خونة،  وتعاطف مع الحق الفلسطيني بكل ما يستطيع، وهذا بالطبع على عكس أبناء “التطبيع الساخن” الذي ما إن فُتح لهم الباب حتى استبدلوا إخوانهم في العروبة بأشقائهم الجدد من أبناء صهيون.

حجز بطل الاسكواش المصري لنفسه مكانا في التاريخ، ليس تاريخ اللعبة المصنف فيه الأول ثم الثاني عالميا فحسب، بل تاريخ وذاكرة العرب الذين حولوه خلال الأيام الماضية على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي إلى أيقونة من أيقونات الدفاع عن الحق الفلسطيني في مواجهة نظام النفصل العنصري الإسرائيلي وأشياعه من المطبعين الجدد.

علي فرج فخر مصر والعرب عن حق.