سيظل المدون السعودي رائف بدوي منقوص الحرية لعشر سنوات جديدة، تضاف إلى سنوات الحبس العشر الأولى التي قضاها معاقبًا داخل السعودية، مُدانًا بـ”الإساءة للإسلام”. هكذا نقلت وكالة الأنباء الفرنسية قبل يومين عن مسؤول سعودي، وأكدت منظمة العفو الدولية. وقد أشارت الأخيرة إلى توسع في استعمال المنع من السفر كعقوبة وأداة للتضييق على النشطاء والعاملين بمجال حقوق الإنسان في عدد من الدول العربية.
ويعد “المنع من السفر” -بشكله العام- انتهاك صريح للمادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إذ تنص على أن “لكلِّ فرد حقٌّ في مغادرة أيِّ بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده”. وهو أيضًا يخالف العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وينص على أن لكل “فرد مقيم بصفة قانونية في الدولة الحق في الانتقال وفي اختيار مكان إقامته ضمن ذلك الإقليم، وحق كل فرد في مغادرة أي قطر بما في ذلك بلاده”.
الحالة السعودية.. منع من السفر مشروط وتطبيق يخالف القانون
لا يسمح القانون السعودي للحكومة بفرض منع السفر إلا في حالات معينة وفي ظل ظروف استثنائية محددة. وهي تتعلق بالمدانين في جرائم تهريب المخدرات، وفي الحالات التي توجبها الإجراءات القضائية. لذا، فإن منع النشطاء من السفر دون إبلاغهم ولفترات مفتوحة، يأتي مخالفًا للمادة 6 من نظام وثائق السفر الصادر في 29 أغسطس/آب 2000.
وهو قانون يقضي بأن تحدد وزارة الداخلية الأسباب الأمنية الموجبة للمنع وأن تُخطِر الشخص الممنوع من السفر خلال فترة لا تتجاوز أسبوعًا واحدًا. ذلك بنصه “لا يجوز المنع من السفر إلا بحكم قضائي أو بقرار يصدره وزير الداخلية لأسباب محددة تتعلق بالأمن ولمدة معلومة، وفي كلتا الحالتين يبلغ الممنوع من السفر في فترة لا تتجاوز أسبوعاً من تاريخ صدور الحكم أو القرار بمنعه من السفر”.[1]
إلا أن التطبيق على الأرض يظهر ما هو عكس ذلك. ففي العام 2014، منعت المدافعة عن حقوق الإنسان سمر بدوي، من السفر. وذلك حين كانت في طريقها للمشاركة في مؤتمر حقوقي في بلجيكا. وقد منع النظام قبلها في 2011 السعودي سلمان العودة، حينما كان متوجهًا إلى مصر. وقد أُبلغ بهذا القرار داخل مطار الملك خالد الدولي، دون إطلاعه على سبب المنع. بينما تعرض للاحتجاز في 2017، ومنع أطفاله القصر من السفر إلى الآن.
وفي 10 فبراير 2021، أفرج عن المدافعة عن حقوق الإنسان لجين الهذلول بعد 1001 يوم من الاحتجاز. وكان الإفراج عنها مشروطًا. إذ مُنعت من السفر لمدة خمس سنوات. كما تم الحكم على عضوي جمعية الحقوق المدنية والسياسية “حسم” عبد الرحمن الحامد بالسجن 9 سنوات، وعبد العزيز الشبيلي بالسجن لمدة ثماني سنوات. مع قرار حظر السفر ووسائط التواصل الاجتماعي لمدة مماثلة لفترة السجن.
الحالة المصرية.. منع من السفر بدأ بالقضية 173
عرفت الحالة المصرية إجراءات المنع من السفر مع التحقيقات التي بدأت في العام 2011 بشأن تلقي منظمات المجتمع المدني تمويلًا أجنبيًا، قالت جهات التحقيق -حينها- إنه كان “غير قانوني”، فيما عُرف بالقضية 173. وهو ما بموجبه تم إخضاع عديد من المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين المصريين المؤسسين والعاملين بهذه المنظمات للمنع من السفر. في حين، انتقدت المؤسسات الدولية ذاهت الشأن هذه الإجراءات. كما وصفتها بـ”محاولة إسكات المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر”، مع توسعها في ضم ممنوعين جدد، ووصولها إلى مصادرة جوازات السفر وحالات استيقاف داخل المطارات، دون إبداء أسباب واضحة للمنع.
وفق تقارير منظمات حقوقية عدة، فإن الفترة ما بين 2014-2015 كانت الأكثر اكتظاظًا بحالات المنع من السفر في مصر. وضمت أسماء معروفة في مجال العمل الحقوقي داخل البلاد. منهم نجاد البرعي وخالد علي وعزة سليمان وإسراء عبدالفتاح ومزن حسن.
عزة وبهجت ونجاد وإسراء.. سنوات المنع من السفر
ففي يناير 2015، واجهت الناشطة السياسية إسراء عبد الفتاح، أثناء عملها بالمعهد المصري الديمقراطي، منعًا من السفر وكانت في طريقها إلى ألمانيا. كما تم فرض حظر سفر استمر سنوات علي حسام الدين علي وأحمد غنيم وباسم سمير العاملين بالمعهد ذاته. وفي يونيو 2015 تم منع محمد لطفي المؤسس والمدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات. وكان في طريقه لإلقاء كلمة أمام البرلمان الألماني عن حالة حقوق الإنسان في مصر.
كما أوقف الأمن المصري في يناير 2016، الناشط والشاعر السيد عمر حازق في المطار. ولم يتمكن من ركوب رحلته إلى أمستردام للحصول على جائزة حرية التعبير من القلم الدولي. وقد صادرت السلطات -وقتها- جواز سفره وهاتفه المحمول. ثم تم استجوابه أمنيًا عن أنشطته في مصر وعلاقاته بالمنظمات الدولية. وأُخبر أن حظر السفر المفروض عليه قد صدر لأسباب أمنية.
وفي إحياء للقضية 173، تم إيقاف الناشط الحقوقي جمال عيد المؤسس والمدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، في فبراير 2016، للتحقيق أمام أجهزة سيادية. إذ لم يتم تقديم أي تفسير حول أسباب منعه من السفر، ولم يتم إخطاره مسبقًا باستدعائه للتحقيق.
كما تم منع حسام بهجت، مؤسس والمدير التنفيذي السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في فبراير 2016. وأيضًا لم يتم التحقيق معه وقتها. وفي نوفمبر 2016، تم منع الناشطة النسوية والحقوقية عزة سليمان، المؤسسة والمديرة التنفيذية “لمركز قضايا المرأة”، وقد خضعت أموالها للتجميد ومُنعت من التصرف فيها.
وفي ديسمبر 2016، تم منع الناشطة النسوية مزن حسن، المؤسسة والمديرة التنفيذية لمؤسسة “نظرة للدراسات النسوية” من السفر. مع تجميد أموالها الشخصية والمؤسسية بالبنوك. بينما في أكتوبر 2018، تم إدراج اسم المحامي المصري والمرشح للرئاسة السابق خالد علي ضمن قوائم الممنوعين من السفر خارج البلاد. وكان ذلك بناءً على قرار قاضي التحقيق في القضية ذاتها (173 لسنة 2011). وذلك بعد يومين من إعلانه مشاركته في المرافعة في قضية الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهيمي، أمام القضاء التونسي.[3]
كذلك، منعت جوازات مطار القاهرة الدولي، في يناير 2017، المحامي الحقوقي والباحث القانوني نجاد البرعي من السفر إلى الأردن. إذ قالت مصادر أمنية بالمطار -حينها- إن المنع جاء بناءً على قرارين. وإن الأول صادر من قاضي التحقيقات. بينما الثاني قرار من النائب العام، لاتهام البرعي في إحدى القضايا الجاري التحقيق فيها (القضية 173).
انفراجات القضية 173.. رفع الحظر
بين التظلم ورفضه، استمرت القضية 173 في التداول أمام المحاكم المصرية. وكذلك استمرت معها إجراءات المنع من السفر بحق عدد من مسؤولي منظمات المجتمع المدني، إلى أن بدأت الانفراجات بصدور قرار قضائي بانتفاء الجريمة وعدم كفاية الأدلة لـ 20 منظمة في ديسمبر 2020.
وهو ما أعقبه توالي أحكام وصل معها إجمالي عدد المنظمات والجمعيات والكيانات التي صدر أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بشأنها فيما تضمنه تقرير لجنة تقصي الحقائق من وقائع – سواء كان الأمر صادرًا لعدم وجود جريمة أو لعدم كفاية الأدلة- إلى 67 كيانًا. ما تلته قرارات لاحقة برفع الحظر عن الحقوقيين: إسراء عبد الفتاح، ونجاد البرعي، وعزة سليمان، وحسام الدين علي، مجدي عبد الحميد. بينما لا يزال آخرون في انتظار قرارات رفع الحظر، أبرزهم حسام بهجت.
اقرأ أيضًا:
بعد 7 سنوات.. رفع إسراء عبد الفتاح من قوائم “الممنوعين من السفر”
بعد 6 سنوات.. رفع اسم المحامية عزة سليمان من قوائم المنع من السفر
قيود السفر.. ممنوعون بواقع أعمارهم
لم تتوقف قيود السفر في مصر على أسماء وقضية محددة. فمنذ العام 2013 ومع ازدياد نشاط تنظيم “داعش” في عدد من الدول العربية وتوسعه في تجنيد الشباب من أوروبا والدول العربية، اشترطت الحكومة الحصول على موافقة أمنية للمواطنين الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عامًا قبل السماح بسفرهم إلى دول محددة، شملت: السودان واليمن وسوريا والعراق وليبيا، وقطر وتركيا.[5]
كما صدر قرار آخر في 2016 بمنع الطلاب الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و29 عامًا من السفر إلى الخارج دون إذن أمني. بينما استثنى زيارة الوالدين، وأداء فريضة الحج أو العمرة، والتماس العلاج والرعاية الصحية في الخارج. وكذا السفر بسبب وفاة قريب، أو تمثيل مصر في المؤتمرات أو الندوات أو الأحداث الفنية والرياضية في الخارج.
ولم يحمل هذا القرار الأخير تفسيرًا رسميًا محددًا، ما فتح الباب لعديد من التكهنات حول احتمالية فرضه لمنع التهرب من الخدمة العسكرية أو لمنع الطلاب من الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية في الخارج. وقد انتقد هذا القرار أساتذة جامعة وطلاب قالوا إن فيه إضرار بالمسيرة الجامعية. ذلك لأن أكثر من 32 ألف طالب جامعي في مصر يسافرون إلى الخارج سنويًا لكسب المال وإعالة أنفسهم، وفقًا لدراسة بعنوان “طلابنا – الطيور المهاجرة” أجرتها منظمة “الحق في العمل”، وهي منظمة مستقلة، في سبتمبر 2014.[4]
إشكالية تنظيم الإجراءات المصرية للمنع من السفر
بالعودة إلى الحالة المصرية، فإن أزمة المنع من السفر تكمن في أن المشرع المصري لم يصدر قانونًا ينظم هذا الإجراء شديد المساس بأحد أهم حقوق الإنسان التي ينص عليها الدستور. وهو ما تم تداركه مؤخرًا بإدراج تنظيم المنع في بعض القوانين الجنائية المهمة. مثل قانون الكسب غير المشروع المعدل، وقانون مكافحة الإرهاب، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. ذلك بما يضفي شرعية على قرار المنع من السفر حال اتخاذه في أحد تلك الجرائم.
ومع ذلك، هناك إشكالية تتعلق بالسلطة التي منحها المشرع لوزير الداخلية فيما يخص تحديد شروط منح ورفض وتجديد جواز السفر. ذلك بما يخالف ما نصت عليه المادة 62 من الدستور “لا يجوز منع المتهم أو أي شخص من السفر إلى خارج البلاد إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة”.
ولا تزال هذه السلطة ممنوحة لوزير الداخلية. ذلك رغم حكم المحكمة الدستورية العليا المصرية بعدم دستورية نص المادتين (8،11) من القانون 97 لسنة 1959 بشأن جوازات السفر، فيما تضمنه من هذا التفويض إلى وزير الداخلية.
كما قضت محكمة النقض بأن “حق المواطن في الانتقال يعكس رافدًا من روافد حريته الشخصية التي حفل بها الدستور وتأكيدًا بذلك على أن حرية الانتقال تنخرط في مصاف الحريات العامة، وأن تقييدها دون مقتضى مشروع إنما يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها، ويقوض صحيح بنيانها”. وقد عهد الدستور إلى السلطة التشريعية دون غيرها بتقدير هذا المقتضى وألزم ذلك أن يكون الأصل الحرية والاستثناء هو المنع. وأن المنع من التنقل لا يملكه إلا قاض أو عضو نيابة عامة يعهد إليه القانون بذلك، دون تدخل من السلطة التنفيذية.
وهو ما توافق مع اتجاه محكمة جنايات قصر النيل، التي قضت في القضية المعروفة إعلاميًا بتمويل منظمات المجتمع المدني، برفع أسماء المتهمين من قوائم الممنوعين من السفر. إذ جاء في قرارها “إن حرية التنقل أمر مرهون بإصدار قانون تنظمه السلطة التشريعية. ما يجعل قرار منع المتظلمين من السفر قد افتقر إلى السند القانوني. وهو ما يتعين معه إلغاء الأمر المتظلم منه ورفع اسم المتظلمين من قوائم الممنوعين من السفر”.[6]
الحالة القطرية.. حالات منع من السفر يسهلها القانون
في فبراير الماضي، أعلنت منظمة “هيومن رايتس ووتش” و”مركز الخليج لحقوق الإنسان”، أن جهاز أمن الدولة في قطر منع أربعة مواطنين على الأقل من السفر، تعسفًا وإلى أجلٍ غير مسمى. ذلك دون إجراءات قضائية أو سند قانوني واضح.
وكانت السلطات القطرية احتجزت أحد الأربعة الممنوعين في أكتوبر 2020. ذلك بعد أن نشر تغريدات تنتقد منع السفر التعسفي ضده وضد آخرين. وما يزال محتجزًا حتى تاريخ كتابة هذه الورقة.
وتخوّل المادة 7 من قانون جهاز أمن الدولة، المعدل عام 2008، لرئيس الجهاز منع المتهمين بجرائم تدخل في اختصاص الجهاز من مغادرة البلاد لمدة أقصاها 30 يومًا. ذلك قبل مثولهم أمام النيابة العامة. كما تجيز تمديد الحظر بأمر من النيابة العامة لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد. بينما لا تنص على وجوب إبلاغ الشخص المعني بمنع السفر، أو تقديم أسبابه، أو الأدلة الأساسية. كما لا تنص على أي وسيلة للطعن قانونًا في القرار.
وقد قال فريق الأمم المتحدة العامل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي -بعد زيارة رسمية لقطر في عام 2019 ووفق ما ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش- إنه مُنع من زيارة مركز الاحتجاز التابع لجهاز أمن الدولة. وإن القانون المنشئ لهذا الجهاز “لا ينص على أي رقابة قضائية على هذا الاحتجاز”. وقد أُبلغ الفريق العامل أن هذا الاحتجاز قد يؤدي في الممارسة إلى فترات احتجاز طويلة تنتهك القواعد الدولية لحقوق الإنسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مقالة على “فضائح السعودية” بتاريخ 1 أغسطس 2021 تحت عنوان ” عقوبة منع السفر .. انتهاك سعودي للقوانين المدنية والسياسية والعالمية” : https://saudileaks.org/%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D9%86%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%B1/
[2] منصة “هيومن واتش راتيس” مقالة بتاريخ 7 فبراير 2022 بعنوان ” قطر: منع سفر تعسفي بحق مواطنين السلطات الأمنية تتحدى المحاكم على ما يبدو” : https://www.hrw.org/ar/news/2022/02/07/381109
[3] المفكرة القانونية مقالة لعادل رمضان بتاريخ 9 نوفمبر 2018 بعنوان ” المنع من السفر في مصر: قرار خارج قيود القانون والدستور؟” : https://legal-agenda.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC-%D9%82%D9%8A%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84/
[4] بحث لطارق عبد الجليل على صفحة الفنار للإعلام بعنوان “Egypt Imposes Travel Ban on Male Students”: https://www.al-fanarmedia.org/2016/01/egypt-imposes-travel-ban-on-male-students/
[5] مصدر سابق
[6] بحث بعنوان الحق في السفر للدكتور “محمد السعيد القزعه” : https://jdl.journals.ekb.eg/article_209754_06ec93eabda69e269520704a4be5b107.pdf
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا التقرير أنتجته وحدة الأبحاث الحقوقية بمركز التنمية والدعم والإعلام (دام) تحت إشراف: المحامي والباحث الحقوقي أحمد أبو المجد