أحد التداعيات الرئيسية للغزو الروسي على أوكرانيا هو تعرض أمن الطاقة الأوروبي والعالمي لضربة قاصمة. حيث استخدم كل فريق أدواته -تحديدا النفط والغاز- للضغط على الآخر بهدف حسم الحرب لصالحه.

وبرزت الطاقة كأهم سلاح روسي في مواجهة الغرب. فيما يرجع ذلك إلى عدة أسباب. منها أن وضع الطاقة في أوروبا شديد الحساسية لأي تقلبات. فضلا عن قدرة روسيا على وقف حركة الحياة في أوروبا. بالإضافة إلى ظروف الطاقة عالميا منذ جائحة كورونا. وأيضا تقلب مستويات الإنتاج. مما تسبب في صعود أسعار الطاقة إلى مستوى غير مشهود مع احتمالية أن يصل برميل نفط خام برنت إلى 200 دولار.

الغاز وحرب أوكرانيا
الغاز وحرب أوكرانيا

وتعتبر ألمانيا أكثر الدول تخوفا من وقف إمدادات الغاز الروسي في خضم الحرب الدائرة. ما دفع مسؤولي الطاقة إلى البحث عن بدائل يمكن لألمانيا بها استبدال الغاز الروسي.

وبرزت الدول الأفريقية بما تمتلكه من حجم احتياطي غاز هائل كأهم الوجهات التي يجب التعاون معها. ومن هنا جاء مقال الفورين بولسي بعنوان “من أجل الغاز. يجب على ألمانيا التوجه نحو أفريقيا وليس روسيا”. ليوضح حجم الفرص المتاحة بالدول الأفريقية كبديل للغاز الروسي.

أزمة الطاقة في أوروبا

كشفت الحرب الدائرة بين روسيا والغرب مدى اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. حيث يستورد الاتحاد الأوروبي 90٪ من احتياجاته من الغاز. فيما توفر روسيا وحدها نحو 45٪ من تلك الواردات بمستويات متفاوتة عبر الدول الأعضاء. حيث استورد الاتحاد الأوروبي 155 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا في عام 2021.

وتقع روسيا في المركز الثاني عالميا من حيث إنتاج الغاز الطبيعي بإجمالي يقدر بـ669 مليار متر مكعب سنويا. ومع وصول التصعيد إلى ذروته هدد نائب رئيس الوزراء الروسي “ألكسندر نوفاك” بوقف نقل الغاز المسال من روسيا إلى أوروبا. فضلا عن وقف إمدادات خط أنابيب الغاز “نورد ستريم1”. ما أدى إلى تفاقم الوضع الأمني ​​للإمدادات ودفع أسعار الطاقة إلى مستويات غير مسبوقة.

الطاقة المتجددة لن تحل محل التقليدية

قطعت أوروبا شوطا طويلا لأجل إدراج مصادر الطاقة المتجددة كأولوية رئيسية يجب الانتقال نحوها للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول 2050. وفقا للصفقة الخضراء ومخرجات قمة غلاسكو في عام 2021. ونتيجة إهمال مصادر الطاقة النظيفة لسنوات طويلة اعتمدت الدول الأوروبية على الوقود الأحفوري. وهو ما آل إلى انكشاف أمن الطاقة الأوروبية أمام أي مؤثرات خارجية.

ومع حظر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة صادرات الطاقة الروسية وإعلان الاتحاد الأوروبي أنه سيخفض واردات الغاز الروسي بمقدار الثلثين بحلول نهاية العام. يناقش الغرب بشكل عاجل كيفية استبدال شحنات الطاقة الروسية. فيما أعلن المسؤولون الأوروبيون عزمهم رفع جهودهم في طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وفي حين أن إنتاج الطاقة المتجددة سيكون جزءًا من حل طويل الأمد فإن فكرة أن يحل محل النفط والغاز الروسي بسرعة وعلى نطاق واسع خادعة في أحسن الأحوال. وكارثية بالنسبة للاقتصادات الغربية والمستهلكين في أسوأ الأحوال. حيث يمكن أن تحل طاقة الرياح والطاقة الشمسية محل بعض الغاز الروسي المستخدم لتوليد الكهرباء.

وكشفت الظروف المناخية المتدهورة خلال السنوات الأخيرة عدم التعويل على الطاقة المتجددة كبديل للوقود الأحفوري على الأقل حاليا. إذ إن موجات الجفاف والفيضانات قلصت حجم إنتاج الطاقة المتجددة. ما أدى إلى اللجوء إلى النفط والغاز الروسي في محطات توليد الطاقة وتدفئة المنازل وتشغيل المصانع ووقود السيارات والشاحنات والطائرات والسفن.

الاستجابة الأوروبية

الطاقة المتجددة
الطاقة المتجددة

وفي محاولة للاستجابة لمخاطر أمن الطاقة في أوروبا أكد المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية “فاتح بيرول” أن روسيا تستخدم موارد الغاز الطبيعي كسلاح اقتصادي وسياسي. ما يظهر أن أوروبا بحاجة إلى التحرك بسرعة لتكون جاهزة لمواجهة حالة عدم اليقين الكبيرة بشأن إمدادات الغاز الروسي خاصة في الشتاء المقبل. وبالتالي تم اقتراح خطة من جانب وكالة الطاقة الدولية تستهدف خفض اعتماد أوروبا على واردات الغاز الروسي بأكثر من الثلث في غضون عام. مع دعم التحول إلى الطاقة النظيفة بطريقة آمنة وبأسعار معقولة من خلال عدم توقيع أي عقود غاز جديدة مع روسيا. بالإضافة إلى تعظيم إمدادات الغاز من مصادر أخرى وتسريع نشر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. فضلا عن الاستفادة القصوى من مصادر الطاقة الحالية منخفضة الانبعاثات مثل الطاقة النووية والمتجددة وتكثيف تدابير كفاءة الطاقة في المنازل والشركات.

وضع الطاقة في ألمانيا

تعتبر ألمانيا أكثر الدول تضررا من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على ملف الطاقة. فعلى مدى العقود العديدة الماضية اتبعت الحكومات المتعاقبة في برلين سياسة تعظيم اعتماد البلاد على النفط والغاز الروسي. فمنذ عام 2012 ارتفعت حصة إمدادات الغاز الطبيعي الروسي وحدها من 40 إلى 55%. كذلك الحال بالنسبة لواردات النفط.

وعلى وقع الغزو الروسي انخفضت مناسيب منشآت تخزين الغاز في ألمانيا بنسبة 58%. فيما أعلن المستشار الألماني “أولاف شولتز” في 22 فبراير إلى أن القوة الأوروبية العظمى أوقفت الموافقة على مشروع نورد ستريم 2. والذي كان من المقرر أن يضمن توزيعا مستداما للطاقة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.

وعلى مدار عام 2020 تم استخدام 44% من الغاز الروسي لتدفئة المباني. بينما استهلكت العمليات الصناعية 28%. وهو الذي يجعل من الصعب استبدال هذا القدر من الطاقة التقليدية بالطاقة الخضراء. بل على العكس أعلنت ألمانيا بالفعل أنها ستزيد من استخدامها للفحم.

فرص الغاز في أفريقيا

تملتك دول شمال أفريقيا سوقا واسعة لتصدير غاز راسخ إلى أوروبا تستطيع ألمانيا توظيفها لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي.

على سبيل المثال الجزائر

تعتبر الجزائر منتجا رئيسيا للغاز ولديها احتياطيات كبيرة غير مستغلة. كما ترتبط بالعديد من خطوط الأنابيب تحت البحر مع إسبانيا.

ويقدر الخبراء أن الجزائر صدرت 9 مليارات قدم مكعب من الغاز لإسبانيا في 2020. واتجهت كل من ألمانيا والاتحاد الأوروبي بالفعل لتوسيع سعة خط الأنابيب الذي يربط إسبانيا بفرنسا. حيث يمكن أن يتدفق المزيد من الغاز الجزائري إلى ألمانيا. ومع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا أعربت الجزائر عن استعدادها لزيادة صادرات الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال. مستفيدة من خط أنابيب “ميدغاز” في زيادة الصادرات إلى أوروبا.

مصر ونيجيريا

سجلت مصر أكبر نمو للصادرات على أساس سنوي في 2021 وفقًا لتقرير صادر عن منظمة البلدان العربية المصدرة للبترول (أوبك). وذلك بإجمالي يصل إلى 1.4 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال.

وتمتلك مصر قدرات تسييل الغاز ونقله إلى أوروبا باعتبارها عضوا فاعلا في منتدى غاز المتوسط. كما بادرت بنقل شحن غاز مسال إلى هولندا بسعة 174 ألف متر مكعب خلال بداية العام.

 

تتمركز نيجيريا كأكبر دولة منتجة للنفط في أفريقيا. حيث تمتلك نحو ثلث احتياطيات القارة من الغاز بإجمالي يصل إلى 200 تريليون قدم مكعب من الغاز. كما تبذل جهودا ملموسة لأجل توسيع قدراتها على الإنتاج والتوريد. حيث تشارك في خط غاز “NIGAL” بالتعاون مع الجزائر والنيجر لبناء خط أنابيب الغاز عبر الصحراء بطول 4000 كيلومتر. وذلك لنقل 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا إلى الجزائر. ليربط الشبكة الحالية بأوروبا. أي ما يعادل نحو ثلثي واردات ألمانيا لعام 2021 من روسيا. كما تلعب نيجيريا دورًا هامًا في سوق الغاز الأوروبية. حيث استوردت أوروبا في عام 2019 أكثر من 12 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من نيجيريا.

تنزانيا

تمتلك تنزانيا سادس أكبر احتياطي للغاز في أفريقيا بما يقدر بنحو 1.6 مليار متر مكعب. وفي الآونة الأخيرة صرحت الرئيسة التنزانية “سامية سولو حسن” بأن الغزو الروسي لأوكرانيا يمكن أن يكون فرصة لزيادة مبيعات الغاز التنزاني إلى أوروبا. حيث تبذل تنزانيا جهودًا لتأمين سوق طاقة جديدة خارج أفريقيا.

كذلك اكتشفت السنغال مؤخرًا حقولاً بحرية كبيرة. وتمتلك موزمبيق ما يقرب من 2.8 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز. وفي ليبيا بلغ احتياطي الغاز الطبيعي الليبي في عام 2020 نحو 1.4 مليار متر مكعب.

الطاقة سلاح الدب الروسي
الطاقة سلاح الدب الروسي

تحديات الطاقة

تمتلك أفريقيا فرصا حقيقية لأجل إمداد أوروبا بالغاز وتعويضها عن الغاز الروسي. ولكن يعرقل هذه القدرات عدد من التحديات. حيث إن هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة لبناء خطوط أنابيب عبر القارات. إلى جانب الحاجة إلى فتح قطاع الطاقة أمام رأس المال الخاص. بالإضافة إلى بذل جهود لتحقيق الأمن والاستقرار في الأقاليم التي تعاني تمردا وصراعات.

ولمحاولة التخلص من مخاطر أمن الطاقة توجد أمام ألمانيا فرص حقيقية في الدول الأفريقية. إذ يمكن أن تشارك ألمانيا في المشاريع التنموية واستثمارات البنية التحتية في أفريقيا للحصول على امتيازات الغاز الأفريقي.