مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قفزت أسعار الإسمنت في مصر لأعلى مستوى. رغم أنها صناعة شبه محلية في الأساس لا تعتمد على الاستيراد، إلا في نطاق ضيق يتعلق أساسا بالتعبئة والتغليف.

رفعت الشركات العاملة بالسوق المحلية سعر البيع، الإثنين، بنحو 250 جنيها دفعة واحدة ليبلغ سعر البيع النهائي 1550 جنيهًا للطن مقابل 1220 جنيهًا للطن في منتصف فبراير الماضي ونحو 1050 جنيهًا في يناير السابق عليه.

أحمد شرين، رئيس شعبة مصنعي الإسمنت بالغرفة التجارية، يلقي بارتفاع الأسعار لأعلى مستوياتها للزيادة العالمية للطاقة. والأزمة الروسية وأسعار الشحن البحري، مافيا أن يكون لها علاقة بحجم الإنتاج بالسوق المحلية.

متابعة منحنى الأسعار في السوق تكشف أنها ترتفع، منذ توجه 23 شركة منتجة للإسمنت. لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، بمذكرة بتخفيض الإنتاج، وهو ما وافق عليه الجهاز بالفعل في 7 يوليو 2021.

تحججت الشركات حينها بزيادة المعروض عن الطلب الحقيقي بنسبة كبيرة. ما دفع حماية المنافسة لاتخاذ إجراء وقائي لحماية استثمارات صناعة الإسمنت المحلية. فالطاقة الإنتاجية لشركات الإسمنت بالسوق المحلية تصل إلى نحو 83 مليون طن. فيما يصل الاستهلاك إلى قرابة 53 مليون طن سنويا فقط.

قبل صدور القرار بيوم واحد وتحديدا في 6 يوليو 2021. كانت أسعار الإسمنت مستقرة لمدة شهور عند مستويات تتراوح بين 695 جنيهاً و750 جنيها. قبل أن تأخذ منحنى تصاعدي مستمر حتى قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية في نهاية فبراير الماضي.

لكن أحمد شرين يقول إن صناعة الاسمنت كثيفة الاستخدام للطاقة. حيث تقوم أساسا على حرق المواد الخام داخل افران لإنتاج الاسمنت وبالتالي صناعة وثيقة الصلة بالطاقة وأسعار الطاقة عالمياً. حيث تمثل تكلفة الطاقة ما بين 50% و60% من تكلفة المنتج النهائي.

هل المشكلة في أسعار الطاقة أم رغبة في تعطيش السوق؟

تؤكد شعبة الإسمنت أن جميع المصانع تعتمد على ثلاثة أنواع من الطاقة، المازوت، والغاز الطبيعي. وجميعها ترتبط بالأسعار العالمية ولها بورصات عالمية خاصة في السنوات الأخيرة. بجانب الفحم الذي يتم استيراده أيضا واستخدامه تحت إشراف دقيق من وزارة البيئة المصرية.

صحيح أن أسعار الطاقة العالمية سجلت منحنى غير مسبوق لكن لم يصدر عن وزارة البترول. ما يشير إلى رفع أسعار الغاز للأغراض الصناعية أخيرا، وبالتالي لا مبرر الزيادات الأخيرة خاصة مع وجود إنتاج مخزن بالسوق.

أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء بغرفة القاهرة التجارية، لا يؤيد تلك المبررات. معتبرا أن قرار حماية المنافسة جعل المعروض من الإسمنت أقل من الطلب، ما أدى لارتفاع أسعاره، فبعد أن كانت قيمته تتراوح ما بين 800 و850 جنيها، تجاوز سعره 1450 جنيهًا.

يقول الزيني إن قرار تخيض الإنتاج منح المنتجين فرصة كبيرة لتعطيش السوق المحلي. رغم كثافة الطلب في ظل المشروعات قومية عملاقة ومدن سكنية جديدة والطرق والكباري، وتبطين الترع. وإنشاء محطات المياه وغيرها من المشروعات التي تحتاج لكميات كبيرة من الإسمنت، الأمر الذي يستدعي زيادة الإنتاج وليس تخفيضه.

تعد مشروعات الإسكان الصغيرة والمتوسطة القوى الرئيسية للطلب على الإسمنت في مصر. وتتراوح مساهمة هذه المشروعات بين 70 و90% من إجمالي الطلب. مقابل ما بين 10 و25% للمشروعات القومية ومشروعات الإسكان الدرجة الأولى، ما يعني أن المتضرر الأول من ارتفاع الإسمنت هو المواطن.

رغم زيادة إمدادات الطاقة لمصانع الإسمنت، هناك انخفاض حاد بمعدلات التشغيل. لتصل إلى 55% عام 2020 مقارنة بـ 91% عام 2010 بحسب بيانات وزارة التجارة والصناعة. ما يعني أن الشركات تقلص إنتاجها حتى قبل صدور قرار حماية المنافسة بشهور.

بحسب شعبة الإسمنت، فإن أسعار الفحم قفزت في الربع الأخير من 2020 من حوالي 35 دولارًا للطن الى 65 دولارًا. وواصلت الارتفاع بالربعين الأول والثالث ليصل إلى حوالي 250 دولارا للطن. ومع بداية الأزمة بين روسيا وأوكرانيا قفزت لحوالي 400 دولار للطن وهي أسعار عالمية.

يقول كريم إن صناعة الإسمنت لا تعتمد على المكون المحلى بنسبة 100% فبخلاف الطاقة يستخدم في هذه الصناعة الوطنية. شكائر الإسمنت المصنوعة من ورق الكرتون وهو مستورد بنسبة 100% ويتأثر بارتفاع أسعار النقل البحري حال الأزمات الدولية وغيرها. فضلا عن قطع غيار خطوط الإنتاج التي هي مستوردة من خارج البلاد.

السيطرة الأجنبية في التسعير.. كيف تضر الصادرات المصرية؟

في دراسة تم إجراؤها عام 2021، اتفق مديرو شركات الإسمنت بنسبة 82% تقريبا على ارتفاع تكاليف الإنتاج. لكن نسبة 18% منهم أكدوا سيطرة بعض الشركات على تحديد السعر السائد في السوق. كما كشفت ايضًا نطاق تباين في التسعير يصل لنحو 5% حتى بين منتجات الشركة الواحدة.

يحذر أحمد الزيني من تلك المشكلة منذ سنوات، إذ يؤكد أن الأجانب يسيطرون على %80 من صناعة الإسمنت. ويهدفون من استثمارهم إلى الربح، كما لديهم قدرة على التحكم في سعر السوق المحلية ويتفقون مع بعضهم البعض على رفع سعر الطن. وبعدها يتم إبلاغ الموزعين بها في رسائل عبر الهواتف المحمولة.

السماح لشركات الإسمنت بتخفيض الإنتاج يضر بحسب اقتصاديين لخطط الدولة لزيادة الصادرات المصرية. خاصة في ظل طلب أفريقي على الإسمنت المصري مثل كينيا التي صدرت خلال الفترة من يناير إلى مايو 2021. نحو 346 مليون جنيه، تلتها كوت ديفوار بقيمة 266 مليونا، ثم السودان بنحو 236 مليونا. وأوغندا بمقدار 159 مليونا، وغانا بنحو 134 مليونا، والسنغال بحوالي 39 مليون جنيه.

منذ خصخصة قطاع الإسمنت بمصر، تركزت ملكية أصول إنتاجية هامة في أيدي حفنة قليلة من الأجانب. واتجهت شركات الإسمنت الأجنبية التي آلت إليها ملکية الشرکات القومية. إلى تشكيل “کارتل” أو اتحاد منتجين للسيطرة على صناعة وتجارة الإسمنت.

استطاعت تلك الشركات أن تسيطر تماما على الأسعار، ولم تؤد إلى زيادة التنافسية لصالح المستهلك. وإنما أدت إلى الاحتكار الذي أضر بالمستهلك، وفقدت الدولة سيطرتها على القطاع الاستراتيجي. الذي يمثل مكونا  أساسي، في العديد من الصناعات الأخرى الهامة.

تسبب أداء شركات الإسمنت الأجنبية المالكة للشركات المحلية حاليا بضـآلة الأهمیـة النـسبیة. لقطـاع الإسـمنت بالنـسبة لقطـاع التجارة الخارجیة حیث یكون التوجـه الإنتـاجى فـى الأسـاس إلـى الداخل.

كمـا لا توجـد سیاســات مــستقبلیة للتوجــه الخــارجي وزیــادة الــصادرات. خاصــة في ظل وجــود طاقـات عاطلـة بهـذه الـشركات كـان مـن الممكـن اسـتغلالها في زيادة حجـم الإنتـاج. وبمـا يخدم أهـداف خفـض التكلفـة لطـن الإسـمنت.

ربمـا یعكـس الوضـع الاحتكـارى حالـة التقـاعس لهـذه الـشركات نحـو فـتح أسـواق خارجیـة. خاصـة فـي ظـل التنافـسیة الـشرسة بهـذه الأسـواق، كمـا أن وضـع الحمایـة. الـذي تـوفره الدولـة لهـذه الـشركات یـضمن لهـا هـامش ربـح معقـول وتحكـم بالسوق.