“أزمة انسانية هي الأصعب والأشد قسوة من 40 سنة”. هكذا وصفت المنظمات الإغاثية والأمم المتحدة الوضع في الصومال مع موجه جفاف هي الأصعب على القرن الأفريقي. بخاصة مدن ومراكز الصومال وأجزاء واسعة من إثيوبيا وشمال كينيا. التي صاحبها تدمير أعداد كبيرة من الماشية وجفاف الأراضي. ما شكّل تهديدا بالغا لأكثر من 13 مليون شخص من سكان هذه المناطق.

رغم خطورة الأزمة غير المسبوقة فإنها لم تجذب الاهتمام العالمي حتى الآن. مع استمرار تركيز الاهتمام بالحرب الروسية الأوكرانية. حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف مليون شخص في الصومال تركوا منازلهم خلال الأسبوعين الماضيين. وذلك بسبب انعدام الغذاء والماء. فيما أصدرت الحكومة الصومالية استغاثات للمجتمع الدولي لتقديم مساعدات إنسانية لـ6.9 مليون شخص تضرروا من الجفاف الشديد الذي يجتاح البلاد.

ووفقاً لبيان أصدره رئيس الوزراء الصومالي محمد روبل الاثنين الماضي لحث المانحين على التقديم السريع للمساعدات. لفت إلى أن موجه الجفاف الحالية أسوأ مما كانت عليه في 2011. حيث قلت نسب الأمطار في ثلاثة مواسم مطيرة متتالية مما أدى إلى تدمير الماشية والمحاصيل.

الأوضاع في الصومال
الأوضاع في الصومال

حالة طوارئ

كان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أعلن بداية مارس عن حالة طوارئ بسبب الجفاف. متوقعاً أن تزداد سوءًا مع ارتفاع حالات الإصابة بأمراض الحصبة والإسهال المائي الحاد والكوليرا. ما يتطلب تمويلا عاجلا لإنقاذ الأرواح وسبل العيش.

ومع تعرض القرن الأفريقي لموجات متكررة من الجفاف فإن الصومال هي البلد الأكثر تضرراً في المنطقة. فيما تعتبر المناطق المعزولة في الصومال من القرى والمستوطنات في المناطق الوسطى والجنوبية هي الأكثر تضررا.

ولعل قدرة الحكومة الصومالية في 2017 على حشد الأموال وحث المانحين على تقديم الدعم كان السبب الأقوى في مواجهة الآثار الكارثية للجفاف وقتها. لكن الموقف الحالي أشبه كثيراً بموجه الجفاف التي خلفت الآلاف من الضحايا في 2011 بعد وقوع مجاعة أودت بحياة ما يقرب من 260 ألف صومالي. وذلك بسبب قلة الدعم الدولي وانخفاض مستوى المعونات المادية والغذائية مع تصاعد التوتر السياسي والانقسامات بين النخب والعشائر الصومالية. وهو ما يشبه الوضع الحالي ولكن مع خطورة موجه الجفاف الحالية التي تتجه أغلب التقديرات باعتبارها الأصعب منذ 40 سنة.

حسب تقديرات الأمم المتحدة فإن الصومال بحاجة إلى مساعدات عاجلة تصل إلى 1.46 مليار دولار. وذلك لإنقاذ أرواح 7.7 مليون من السكان. لكن حتى الآن لم تبلغ نسبة المساعدات الدولية المقدمة لدعم برامج الأمم المتحدة في الصومال أكثر من 2.3% من المبلغ المطلوب.

“قبل فوات الأوان”. كان هذا عنوان رسالة مفتوحة وقعتها 50 منطمة من منظمات العمل الأهلي غير الحكومية. لدعوة المجتمع الدولي لسرعة التحرك لإنقاذ أرواح الصوماليين من موجة الجفاف الحالية. مؤكدين أنه وفق تقارير قادة العمل الإنساني المحلي في الولايات الصومالية فإنه لم يكن هناك مثل هذا الموجة من قبل. حيث تتجه كافة التقديرات إلى احتمال وقوع مجاعة وشيكة إذا لم تتلق البلاد الدعم اللازم سريعا. خاصة مع تقارير تؤكد موت عدد من الأطفال جوعى خلال فبراير الماضي.

لماذا يفقد الصومال اهتمام المانحين؟

قبل أسابيع قليلة من تفجر مشكلة الجفاف عادت المشكلات السياسية في الصومال إلى الواجهة بعد تعقد العلاقة بين الرئيس فرماجو ورئيس وزرائه. حيث سعى الرئيس لتمديد فترة ولايته لعامين آخرين وتأجيل الانتخابات. فيما اندلعت معارك بالأسلحة النارية في العاصمة مقديشو.

وبدت توقعات بنشوب حرب أهلية عقب تهديد قوات الأمن بالانفصال وفق أسس عشائرية. وهو ما كان سبباً في تراجع فرماجو عن قراره ودعوته لعقد الانتخابات. والتي لا تزال تشهد تأجيلاً بسبب الانقسامات السياسية العميقة القائمة على الأسس العشائرية والقبلية التي تسيطر على المجتمع الصومالي.

ولعل الأزمة السياسية والانقسام الشديد حول السلطة بين أتباع الرئيس فرماجو وخصومه هي السبب وراء انصراف السياسيين والمجتمع الدولي عن تقديم الدعم الكافي أو إظهار الاهتمام بالأزمة الإنسانية الناجمة عن الجفاف. فيما فشلت الإدارة السياسية في تبني أي سياسات أو برامج قوية دون الوقوع في مشكلات المجاعة مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

مخاطر الجفاف في الصومال
مخاطر الجفاف في الصومال

وتحدثت صحف صومالية عن انصراف اهتمام السياسيين في الصومال أيضاً عن التركيز على وضع حلول عاجلة لمشكلات الجفاف. خاصة أن مؤشرات حدوثه كانت قوية بعد انخفاض نسب الأمطار منذ ثلاثة مواسم. بل يظل إجراء الانتخابات والتنافس السياسي هو الهم الأكبر لهم. حيث يبقى الوضع الآن بين انتخابات لم تعقد ولم يتم الاستقرار على موعدها بعد أن كان مقررا لها 15 مارس الجاري. وبين انعدام الأمن الغذائي وتدهور الوضع الإنساني لأغلب السكان.

ويرى مراقبون للمشهد الصومالي أن تركيز السياسيين الصوماليين على التنافس الانتخابي دون الاكتراث بمشكلة الجفاف هو السبب الأقوى وراء افتقاد الصومال لبرامج الدعم من المؤسسات المانحة. خاصة أن عدة مؤسسات لم يعد لديها الرغبة في مواصلة الدعم والعمل داخل الصومال. وهو ما كان سبب أيضاً في انخفاض الاستجابة العالمية إلى مشكلة الجفاف.

ولا تقتصر التخوفات من تفشي المجاعة إثر موجة الجفاف فقط. بل تظل القضايا الملحة على المشهد الصومالي والمتثملة في استمرار قوة وتمرد حركة الشباب الإرهابية من أكثر الملفات الشائكة. وذلك بعد فشل إدارة الرئيس فرماجو في تبني أي برامج أو سياسات رادعة لتقليل نفوذ الحركة خلال السنوات الخمس الماضية. مع فشل الحكومة في بناء جيش وطني حقيقي قادر على مواجهة التهديدات الأمنية. واقتصار الهم الأكبر على ملاحقة منتقدي ومعارضي الحكومة بدلا من ملاحقة عناصر حركة الشباب المتطرفة.

الصومال والعقوبات الدولية

كانت الأزمة السياسية في الصومال وتأخير الانتخابات مساراً لتهديد المؤسسات الدولية. على رأسها البنك الدولي والولايات المتحدة بفرض عقوبات ومنع ضخ أي أموال للمساعدات. وهو ما يزيد الأمور تعقيداً مع تفشي مشكلة الجفاف. حيث كانت الولايات المتحدة قد هددت بفرض قيود على التأشيرات ضد شخصيات متهمة بتقويض العملية الديمقراطية في الصومال. فيما منعت بعض الحكومات برامج الدعم المادي عن الصومال خلال العام الماضي.

كما أعلن صندوق النقد الدولي عن أن المساعدة المالية للصومال والتي كان من المقرر أن تنتهي تلقائيًا في مايو المقبل عرضة للخطر إذا لم يتم تعيين حكومة جديدة بحلول ذلك الوقت.

ولعل استمرار قوة وسيطرة حركة الشباب على مناطق واسعة من الأراضي الصومالية سبب لاستمرار العزوف الدولي عن تقديم الدعم. حيث قال تقرير للأمم المتحدة إن ما يقرب من 3 ملايين شخص يعيشون في مناطق خاضعة لسيطرة حركة الشباب ولا يمكن للعاملين في المجال الإنساني الوصول إليها.

وفي محاولات تبدو بائسة لتأكيد حرصها على مواجهة الإرهاب. نشرت الحكومة الصومالية عبر وكالة الأنباء المحلية للدولة أخبارا عن عمليات للجيش الصومالي لإلقاء القبض على عناصر من مليشيات الشباب الإرهابية. وذلك في منطقة بريري ومواجهة أنشطة تنظيم “القاعدة” الإرهابي. في إشارة إلى أن الأجهزة الأمنية تقوم بجهود كبيرة لمنع أي تهديد للشعب الصومالي والقضاء على العناصر الإرهابية.

تحذير أمريكي من حركة الشباب في الصومال

وفي مقابلة إعلامية محلية مع شبكة “جوب جوغ” الصومالية أمس. حذر السفير الأمريكي الجديد لدى الصومال لاري أندريه من خطورة حركة الشباب. معتبرا أنها الآن أقوى من أي وقت مضى. حيث أصبح لدى الحركة زخم كبير يجعلها في موقف المهاجم. مع اختيار عدد كبير جدًا من القادة السياسيين في الصومال إعطاء الأولوية للسياسة للدفاع عن الصوماليين من القتل والابتزاز العنيف والجرائم الأخرى التي ترتكبها هذه الحركة. مؤكداً أن الاستثمارات الأمريكية في أحياء الصومال لن تحقق أي نجاحات مع استمرار تهديد حركة الشباب.

ويظل الصومال البلد الأكثر اضطرابا في القرن الأفريقي. إلى جانب ما يواجهه من تمرد حركة الشباب المتطرفة منذ 15 عامًا.

ويبقى البناء القبلي والعشائري للمجتمع الصومالي هو التحدي الأكبر في تحقيق الاندماج الوطني الطوعي لتحقيق الاستقرار السياسي وتعايش النسيج الاجتماعي للأمة الصومالية.

كان الصومال ينتظر منذ أكثر من عام إجراء انتخابات رئاسية بعد انتهاء ولاية الرئيس محمد عبد الله محمد “فرماجو” في فبراير 2021. لكن عدم التوصل إلى اتفاق مع القادة الإقليميين بشأن تنظيم الانتخابات كان سبباً في فشل استكمال انتخابات مجلس النواب التي كان من المخطط عقدها في 15 مارس الجاري. بينما لم تحدد الحكومة الصومالية موعداً آخر لعقد الانتخابات. لتبقى التهديدات الأمنية من وقوع الاشتباكات المسلحة في العاصمة مقديشو مستمرة مع عدم حسم التوتر السياسي بسبب استمرار تأجيل الانتخابات.