تقول النكتة القديمة إن ولدا غبيا قتل والده ليستطيع الالتحاق برحلة تنظمها جمعية الأيتام، ثم قتل عمّه ليستطيع اصطحاب ابن عمه معه، ثم قتل خاله فقط لأن “القتل جرى في دمه”.

لم أجد بدا من تذكر تلك النكتة الدموية حين قرأت خبر حادثة القتل الأخيرة التي نظرتها محكمة جنايات الزقازيق، وأحالت فيها متهما إلى فضيلة المفتي بعد أن أدين بقتل شقيقة زوجته، وخبأ جثمان الضحية في الثلاجة وهرب إلى منطقة أخرى قبل أن يتم ضبطه، أما سبب كل ذلك فكان، حسبما ذكرت الأنباء، مشادة كلامية بين الجاني والمجني عليها.

لقد اعتدنا، للأسف، على قراءة مختلف أنواع حوادث العنف المنزلي، والتي تنقسم عادة إلى قسمين رئيسيين، قسم يوصف -زورا وبهتانا- بمسمى جرائم الشرف، وقسم آخر ينتمي إلى المسائل المالية والاقتصادية، سواء بسبب ضيق الحال، أو بسبب الطمع فيما يملكه ضحايا العنف.

أما تلك الواقعة الأخيرة في الزقازيق، فتبدو أقرب إلى تلك النكتة الحزينة منها إلى العالم المعتاد لجرائم العنف المنزلي، فالمشادة لم تكن بين رجل وزوجته، ولا بين أب وابنته أو ولد وزوج أمه، وإنما قد امتدت ذراع العنف هذه المرة لتطال ضحية من خارج الأسرة الصغيرة، عنف اعتيدت ممارسته في مجتمعنا ضد النساء، عنف صار “يجري في الدم” كما تقول النكتة، فإذا بشقيقة الزوجة تقع قتيلته، لمجرد “مشادة كلامية” لم تهتم حتى الصحف التي نقلت الخبر بفحواها.

في الأسبوع نفسه، رأينا أختين تشكوان عبر الإنترنت، وقد امتلأ وجهاهما بالرضوض والدم والكدمات، من عنف عمّهما -وهو زوج أمهما في الآن نفسه- الذي طمع في المعاش الذي تقاضياه من أبيهما الراحل، وحتى بعد أن توظفت الفتاتان، وهما طالبتان جامعيتان، أراد منهما العمّ إلغاء تأمينهما الوظيفي حتى يستمر  في تقاضي المعاش كاملا! وما أن فرحنا بتدخل السلطات والقبض على العمّ ومن عاونه، حتى فوجئنا بإطلاق سراح الجناة بعد “التصالح” مع الضحيتين.

إنه التصالح نفسه الذي شهدناه قبل شهر في واقعة تعدي عريس على عروسه في الشارع وهي بفستان الزفاف، تصالح جعل من الزوج المعتدي نجما في التلفزيونات بدلا من أن يكون نزيلا في السجن، إنه التصالح الذي يجعلنا نتسائل عن “حق المجتمع” فيما جرى ويجري، وأصغر ما في ذلك الحق هو المحاسبة العامة – باسم الشعب – للمعتدي، أما أهم ما فيه، فهو منع “تطبيع” العنف على النحو الذي نراه كل يوم، وجود مثل ذلك التصالح هو باب من أبواب عديدة تسمح بمد ذراع العنف إلى أقصاه، وكأننا لم نكتف بالمادة 60 من قانون العقوبات، والتي تقضي بأن “لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملًا بحق مقرر بمقتضى الشريعة”، وهي المادة التي تستغل دائمًا في الإفلات من العقوبات القصوى فيما يسمى قضايا الشرف فضلًا عن العنف ضد الزوجات بصفة عامة.

لقد أقيمت جهود كثيرة محمودة في السنوات الأخيرة في مجال تعريف وإدانة جرائم التحرش وهي نوع من العنف، وكذلك في تمكين المرأة في كافة المجالات وآخرها جلوس القاضيات على منصة مجلس الدولة، لكن من دون إغلاق الأبواب التي تتيح إفلات جناة العنف من العقاب، سيبقى نصف المجتمع ضحية محتملة، وقتيلة تمشي على قدمين إلى أن يحين الأجل.