نشرت كافة المواقع الإخبارية عن موافقة مجلس النواب على تعديلات جديدة على القانون رقم 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون، وذلك بناء على مشروع القانون المقدم من الحكومة، والذي بات هو السبيل الأول للتشريع في مصر، والملفت للنظر أن هذا التشريع قد جاء بشكل مفاجئ، لم يتم تناوله على المواقع الإخبارية أو عرض مواده قبل أن يتم التصويت والموافقة عليه، وقد نشرت معظم المواقع عن هذا التعديل أنه يهدف إلى تغيير اسم «السجون»، إلى اسم «مراكز إصلاح وتأهيل»، وتغيير «اسم السجناء»، إلى اسم «نزلاء»، كما يتم تغيير اسم «مأمور السجن» إلى اسم «مدير مركز تأهيل»، كما تضمن عددا من الحقوق للنزلاء، و تأتي تعديلات أحكام القانون بحسب ما تم ترويجه إعلاميا في إطار خطة الدولة لتطوير المؤسسات العقابية في مسمياتها، وأبنيتها، وإدارتها على نحو يهدف إلى ترسيخ قيم ومبادئ حقوق السجناء، ويسعي إلى توفير الحماية المجتمعية لهم، وإصلاحهم وإدماجهم ضمن مكونات المجتمع الإنساني، والاستفادة من تأهيلهم في برامج وخطط التنمية للدولة.
والمؤكد أن هذه التعديلات قد تضمنت المادة الأولى استبدال نصوص المواد أرقام (۱، ۲، ۳۱، ۸۱)، من القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون، على النحو الآتي: المادة (1) تضمنت إعادة صياغة الفقرة الأولى ليتم تنفيذ العقوبات المقيدة للحرية في مراكز الإصلاح – بأنواعها – بدلًا من السجون. كما تم إلغاء البند “(أ) ليمانات” من ذات الفقرة الخاصة بأنواع السجون، واستبدال الثلاثة أنواع الأخرى (بمراكز إصلاح وتأهيل عمومية، مراكز إصلاح جغرافية، مراكز إصلاح وتأهيل خاصة تنشأ بقرار من رئيس الجمهورية، ويحدد فيه فئات النزلاء)، كما تضمنت التعديلات إثبات المكاتبات والإعلانات التي ترد للسجناء، وذلك نفاذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا رقم 149 لسنة 30 دستورية.
والأجدر ألا تقف التعديلات التشريعية عند حد تغيير أو استبدال المترادفات والمعاني أو المفردات اللغوية بغيرها، كما هو وارد بتلك التعديلات فقط، بل الأمر يجب أن يصاحبه تعديلات أو تغيرات جذرية في النظام العقابي كاملاً، بحيث لا يقف أمر السجون عند قضاء الفترة المقضي بها كعقوبة بالشكل التقليدي، وكما قامت الدولة ببناء مجمع السجون الحديث كنموذج تغييري في البنايات أو النسق المعماري للسجون، أن يصاحب ويلازم ذلك تغيير في مفهوم النظرة العقابية ذاتها، بحيث لا يكون القصد منها هو مجرد الإيلام بسلب حرية المحكوم عليه فقط، بل يجب أن يتعدى ذلك إلى تطوير أسلوب التعامل الاجتماعي والنفسي مع المسجون لينتقل إلى مرحلة تعديل السلوك وتغيير النمط التفكيري أو الإجرامي عند المسجون.
وقد اتجهت معظم التشريعات العالمية إلى التقليل وعدم الإفراط بقدر المستطاع في استخدام العقوبات السالبة للحرية لعدم جدواها في بعض الأحيان، ولتخفيف التكدس بالسجون، لدرجة أن بعض الدول، مثل هولندا وألمانيا تستخدم نظام قوائم الانتظار، والذي يسمح للإدارة العقابية بعدم التنفيذ الفوري لعقوبة السجن، ويبدأ هذا التنفيذ عند انتهاء محبوسين آخرين من تنفيذ عقوبتهم، كما منحت معظم التشريعات الجنائية الحديثة للقاضي الجنائي سلطة الأمر بإيقاف تنفيذ عقوبة السجن، تجنبًا لآثارها الضارة في الحالات التي يقدر فيها القاضي ذلك، وقد سعت تلك التشريعات إلى إتاحة بدائل لسلب الحرية، وهو ما يدل على أن السياسة العقابية الحديثة، تسعى بقدر المستطاع إلى تقليص دور العقوبات السالبة للحرية، ولا يتم اللجوء إليها إلا في حالات خاصة وباشتراطات معينة تقتضيها الضرورة.
ومن الناحية العلمية الاجتماعية الحديثة فإن السياسات الجنائية الحديثة والتي تتماشى مع فلسفة الدفاع الاجتماعي تذهب إلى البعد عن الغلظة والقسوة في العقوبة، وذلك لكون أن حماية أي مجتمع من المجتمعات تتحقق بمواجهة الظروف التي من شأنها أن تغري أو تسهل الاقدام على الجريمة، والقضاء على تأثيرها الضار، أما حماية الفرد منحرف السلوك الذي أجرم فتتحقق بتهذيبه ثم تأهيله إذ إن الأهمية من التأهيل هي الوقائية من شرور خطر الإقدام على جريمة تالية، والدفاع الاجتماعي وفقا لهذا المفهوم إنما هو رمز إلى السياسة الاجتماعية والجنائية المرتكزة على العلم والتجربة في تفهم كل من ظاهرة الإجرام وشخص المجرم أو الجانح بهدف الوقاية اجتماعيا من مسببات تلك الظاهرة ومعاملة المجرمين والجانحين معاملة إنسانية تكفل تأهيلهم للتآلف الاجتماعي ما وسع الحد إلى ذلك، كما تهدف هذه النظرة إلى البحث في شخصية المتهم ونفسيته ودوافعه لمحاولة الوصول إلى كيفية الإصلاح.
ومن هنا فإننا نهيب بأولي الأمر وذوي السلطة التشريعية أن يسعوا نحو تطوير شامل لقانون ومنظومة السجون والمنظومة العقابية المصرية بحيث أن تتجه لتبني ما سبقتنا إليه دول عديدة في النمط العقابي بحيث لا يقف عند حد الإيلام أو سلب الحرية فقط، بل يجب أن يمتد إلى النظام العقابي بشكل أكثر اتساعاً إلى تبني النظرة الإصلاحية في تشكيل المسجون بشكل مجتمعي ونفسي جديد على أقل التقديرات يتوافق مع ما جاء في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، أو ما يتناسب مع بناء مجمع السجون الحديث والذي تكلف مبالغ طائلة من الموازنة المصرية، فلا يكفي فقط الإصلاح البنائي، بل الأفضل أن يواكبه إصلاح في التعامل مع المسجونين.
كما أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل لابد أن يصاحبه تغيير في النظام القانوني العقابي ذاته والسعي نحو استحداث البدائل العقابية، فهناك عقوبات العمل لمصلحة المجتمع، وهى عقوبات متنوعة واعتمدت في العديد من الدول ومن صورها إلزام المدان بالعمل لتقديم خدمة عامة في إحدى المؤسسات الخدمية: وقد اخذت بهذه التجربة عديد من الدول ومنها إيرلندا والبرازيل وأستراليا وبعض الولايات في أمريكا ومنها إلزام المدان بتنظيف المسابح أو العمل في نظافة الشوارع أو المدارس والمستشفيات، وخشية استغلال هذه العقوبة للتنكيل بكرامة المحكوم عليه اقترح البعض العمل في دور الرعاية وهناك عقوبة العمل الإنتاجي, إذ يمكن الاستفادة من المدانين بالعمل في المعامل والمصانع والمزارع الإنتاجية أو المناجم واستثمار طاقاتهم بدل تكسرها بين جدران السجون.
وأرى أن سلك تلك السبل سوف يؤدي حتما إلى المزيد من الإصلاحات التي تعود بالنفع على السجناء، وتسعى إلى تقليل عدد الجرائم والاتجاه على الجريمة بشكل عام، وهو ما يعود بالنفع على الإنسان والوطن.