بعيدًا عن العوامل السياسية والتحركات العسكرية للقوات المتحاربة. نشرت مجلة Time الأمريكية مقابلة عبر الهاتف، مع المصور الأوكراني مكسيم دونديوك. الذي رفض مغادرة بلاده التي تتعرض للقصف الروسي. لتوثيق القصف والآثار الناجمة عنه في صفوف المدنيين، بخلاف تدمير البنية التحتية للمدن التي يقصفها الروس.

في حديثه الهاتفي للصحفي سيمون شستر. يلفت دونديوك إلى المأساة الإنسانية المروعة التي لم تشهد أوروبا مثلها منذ انقضاء الحرب العالمية الثانية عام 1945. حيث الشظايا المتناثرة التي تخترق الأجساد في أعقاب الانفجار. وأصوات الثكالى ممن فقدوا ذويهم وأحبائهم بعد انقشاع الغبار.

اقرأ أيضا: وهم “حظر الطيران في أوكرانيا” .. لا يمكن للنوايا الحسنة تعويض الأفكار السيئة

 

كتب شيستر يقول: في الثواني التي تسبق الاصطدام، تُطلق صافرة الهاون عند سقوطها. مما يُصدر صوتًا مرتفعًا وشبهًا حزينًا. لن ينسى مكسيم دونديوك أبدًا لدغة شظاياها التي شعر وكأنها سكين ساخن في ذراعه. أو مشهد النساء والأطفال الذين صورهم أثناء القصف بالقرب من كييف في 6 مارس/آذار.

يقول دونديوك عبر الهاتف من وسط كييف: أنا لا أبقى هنا وأفعل هذا لأنني ماسوشي -أي يتلذذ بالشعور بالألم- بل أفعل ذلك لأنه في بعض الأحيان يمكن للصورة أن تغير الناس وتغير المجتمعات. يُضيف: مع الحظ، قد يساعد ذلك في وقف الحرب.

عندما بدأت هذه الحرب في أواخر فبراير/شباط. كان دونديوك في كييف. حيث سارعت القوات الروسية لتطويق المدينة، وألقت القنابل، وأطلقت نيران المدفعية. بينما تقدمت الدبابات من الشمال. حاول المدنيون الفرار أو الاحتماء في مترو الأنفاق. في مستشفى الأطفال الرئيسي بالمدينة، وجد دونديوك المرضى محتشدين في الطابق السفلي، بينما ينتظر الأطباء وصول الجرحى.

اقرأ أيضا: ممرات إنسانية في أوكرانيا.. بوتين يستغل خبراته في التلاعب بوقف إطلاق النار

غير معروف رقم 1

الأول كان صبيًا صغيرًا لا يزيد عمره عن 7 سنوات، قُتل للتو والديه وشقيقته. نقله عمال الطوارئ إلى الجناح، وأخبروا الأطباء أن الرصاص في اخترق سيارة العائلة بالقرب من قلب العاصمة الأوكرانية. كان الصبي هو الناجي الوحيد. قيل إن عمال الطوارئ لم يعرفوا اسمه لأن وثائقه ربما كانت في الحطام. سجله الأطباء على أنه “غير معروف رقم 1″، وأجروا جراحة عاجلة.

عندما وقف دونديوك أمام الجناح خارج غرفة الطفل، وجد الطبيب الرئيسي، وطلب الإذن بتصوير الصبي. يتذكر دونديوك: أخبرته أن الشعب الروسي بحاجة إلى رؤية هذا. عندما نعرض عليهم الأطفال الذين قتلوا بالقنابل الروسية، فسوف يتخيلون أطفالهم. أطفالنا هم نفس الشيء. مدننا تبدو متشابهة. سوف يرون أنفسهم فينا. سوف يشعرون بذلك.

رضخ الأطباء، وفي تلك الليلة التقط دونديوك صورة للصبي. الذي علم الصحفيون فيما بعد أن اسمه سيميون. كان لا يزال في حالة حرجة في ذلك الوقت. ومات بعد فترة وجيزة.

كانت تلك إحدى اللحظات التي انهار فيها دونديوك. رغم أنه -على مدى السنوات الثماني الماضية- قام بتصوير العديد من جوانب الحرب بين روسيا وأوكرانيا. رآها ووثقها من جهتي الجبهة. بالنسبة إلى دونديوك -38 عامًا- كانت القصة دائمًا شخصية، حسبما يروي شيستر. ولكنها لم تكن أكثر من الأسابيع القليلة الماضية.

يُتابع: أُجبرت والدته على الفرار من الوطن كلاجئة. يعيش والده في بلدة تحت الاحتلال العسكري الروسي. يقول دونديوك عن كييف: “مدينتي، حيث عشت لسنوات، تتعرض للدمار. أنا لا أتناول هذا من بعيد. هذا هو ألمي. هذه بلدي.

اقرأ أيضا: الغزو الروسي والتحول في مفاهيم الأمن الأوروبي

قصف المدنيين

بحلول الأسبوع الثاني من الحرب، هدأت المرحلة الأولى من الذعر في العاصمة. ظهرت الخنادق ونقاط التفتيش في الأحياء السكنية، بجوار المدارس والملاعب. فيما يستعد الأوكرانيون لمحاربة القوات الروسية من شارع إلى شارع. فر الكثير من الناس، لكن بقي الكثيرون للمساعدة. وحولوا المدينة إلى عاصمة في زمن الحرب. كانت أكثر فراغًا بكثير، وأكثر كآبة، لكنها مليئة بالهدف والتصميم.

حتى أولئك الذين لم يتمكنوا من التطوع للقتال، أمضوا وقتهم في مساعدة من فعلوا ذلك. وطهي الوجبات، وملء أكياس الرمل، ورعاية الإمدادات. كما حكى المصور الأوكراني.

اقتصرت أسوأ الخسائر حتى الآن على الضواحي الشمالية للمدينة. حيث أصيب دونديوك في 6 مارس/آذار. في ذلك الصباح، انطلق بالسيارة إلى ضاحية إيربين، مع اثنين من المصورين الآخرين. وقتها -لإيقاف التقدم الروسي- نسفت القوات الأوكرانية جسرًا يؤدي جنوبًا إلى كييف. ولم يتبق سوى ممر صغير فوق نهر واسع، بما يكفي لشخص أو شخصين لعبوره في كل مرة.

عندما وصل المصورون، رأوا شاحنتين بالقرب من الجسر في انتظار نقل المدنيين إلى بر الأمان أثناء مرورهم. كان العديد من الذين عبروا من كبار السن. وكان هناك آخرين لديهم أطفال في عربات صغيرة، والبعض معهم حيوانات أليفة. وقفت مجموعة من الجنود الأوكرانيين في مكان قريب. توقف دوندبوك عن التقاط صورهم عندما سمعوا سقوط أول قذيفة هاون. كانت بداية هجوم استمر قرابة ساعتين، مستهدفًا الطريق الوحيد أمام المدنيين للفرار من إيربين.

سقط الجنود على الجسر مرة أخرى مع استمرار القصف. لكن دونديوك وزملاؤه بقوا لتوثيق المشهد. ولم يتراجعوا إلا بعد أن أصابته شظية في كتفه، ومزقت قطعة من اللحم. وأصيب أو قُتل عشرات المدنيين في الهجوم.

مع ذلك، استمروا في التدفق عبر الجسر حتى أثناء سقوط القنابل. يقول دوندبوك: كان بإمكانهم رؤية قذائف الهاون أمامهم. كان بإمكانهم رؤية الجثث. لكن مهما كانوا يهربون، لا بد أن هذا كان أسوأ.