أحد ميزات الأزمة الأوكرانية أنها تطرح على العقل العربي أسئلة جديدة بما يعد فرصة لإعادة النظر في المفاهيم والمنظورات التي نتعامل بها مع هذه الاسئلة، لذا فقد اعتبرتها في مقالي السابق سبيلًا لتجديد تفكيرنا في العالم من حولنا، الذي يشهد تحولا يتسم بعدم اليقين في ملامحه الأساسية، فالتغير هو الثابت الوحيد في عالمنا الآن: فما إن بدأ العالم يتعافى من جائحة كورونا بالتعامل مع بعض آثارها، حتى داهمه غزو روسيا لأوكرانيا بما يحمله من تداعيات لم تتضح تضاريسها بعد.
أما هذا المقال فيهدف إلى مناقشة صعود الصين وتنافسها مع الولايات المتحدة، ومحاولة استعادة روسيا لموقعها في النظام الدولي باعتبارهما من أهم الاتجاهات الاستراتيجية في الشؤون الدولية والتي سترسم مسألة أوكرانيا أبرز ملامحهما في الفترة القادمة.
الأهم -من وجهة نظري- هو تأثير الصعود الصيني ومحاولة استعادة الدور الروسي على الطلب المتصاعد -منذ عقد- من قوى اجتماعية متعدّدة في المنطقة العربية على التغيير، ويدرك الكاتب أن جوهر الطلب على التغيير الذي اتخذ موجات متعاقبة ستستمر، تطلع من الشعوب العربية -وخصوصا الفئات الشابة منها- إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد، واحتجاج علي الفساد وسوء توزيع الدخل.
انتفاضات الربيع العربي تعبير عن تحوّل تاريخي في المنطقة، يعلن نهاية الصيغ القديمة في السياسة والثقافة والاجتماع، وبحث عن جديد لم يتبلور بعد. هو إعلان عن نهاية حقبة وبداية لأخرى جديدة، فالمنطقة تعيش في طور انتقالي بين قديم مرتحل وجديد لم يتمأسس بعد، ومن ثم فنحن نعيش مرحلة خلو العرش -بتعبير زيغموند باومان في كتابه “الحداثة والهولوكوست”.
ويصير المشكل التاريخي هو: إعادة بناء الدولة الوطنية -دولة ما بعد الاستقلال- بتجديد أصولها وإصلاح هياكلها من خلال عقد اجتماعي جديد، جوهره بناء نظام ديمقراطي تشاركي تعدّدي، قادر على أن يلبي الحاجات الأساسية للمواطنين، ويعالج التفاوتات في الدخل والثروة والفرص.
وفق هذا المنظور يجب أن نفكر في اتجاهات التغير في العالم، فبصراحة شديدة نحن لا نكتب لحكومات لا تسمعنا مستغنية بأجهزتها والتي تدفع ببعض نخبتها الآن لتبشر بالنموذج الصيني أو البروتيني، ناهيك عن أنها تتعامل مع هذه التطورات بما يضمن بقاءها واستمرارها.
مسارات علاقة الصين بالتغيير
يمكن الحديث عن مسارات أربعة ربما تأخذها هذه العلاقة:
أولا، إعادة صياغة معايير الاحتكام: الصراع حول أي المعايير يجب أن تحكم البشر في قلب الصراع الصيني الأميركي؟ صحيح أن كلا من الولايات المتحدة والصين يميل إلى العمل وفقًا للمعايير المعمول بها عندما تناسب مصالحهما، ويتجاهلان بسرعة المبادئ الأساسية للنظام عندما يكون ذلك مناسبًا.
بالتأكيد سيزداد تأثير الصين على صنع المعايير الدولية، فعلى طول طريق الحرير (مثالا)، ومع تطور مزيد من سلاسل التجارة والإمداد حول الصين، سيسمح لها بتشكيل المعايير العالمية، مثلا في السكك الحديدية عالية السرعة أو الاتصالات، من خلال زيادة حصص الصين ومستوى نفوذها في الدول الأوراسية، وستصبح وسائل التفاعل الأخرى قابلة للتطبيق بشكل متزايد، كما أن للحزام آثارًا جيوسياسية كبيرة، ليس أقلها معارضة قوية للنظام الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة، فمن خلال أصوات دول طريق الحرير، ستحاول الصين -بشكل متزايد- تشكيل المعايير والمفاهيم على المستوى العالمي.
علاوة على ذلك، من المتوقع أن يزداد استخدام عملتها وتكنولوجياها، بما في ذلك نظم المراقبة في جميع أنحاء العالم.
المعايير الصينية الروسية مناهضة للقيم والممارسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتقوم على فرض رقابات صارمة على المواطنين، مع منع تواصلهم مع العالم من حولهم، بالإضافة إلى منع التدفق الحر للمعلومات، كما جرى في جائحة كورونا ويجري في الحرب الأوكرانية. يضاف إليها القضاء على التعدد العرقي والديني للأقليات، عبر معسكرات إعادة التأهيل، كما في إقليم تركستان الشرقية. وفي المقابل، تحتل الديمقراطية وحقوق الإنسان وزنا مهما في سياسة الولايات المتحدة التنافسية مع الصين وروسيا، فهي أحد محاور الصراع الأيديولوجي معهما، وأحد مداخل بناء الشراكة التجارية والتحالف الأمني/ العسكري مع البلدان المختلفة، بل هو الأساس لبناء نظام دولي يعبر عن القيم الأميركية يقوم علي الديمقراطيات في مقابل النظم الاستبدادية. صحيح أن الولايات المتحدة لا تقدّم دعما واضحا لبناء نظم ديمقراطية مستقرة، ولكن هل يمكن أن تستفيد قوى التغيير من التنافس الأيديولوجي الصيني الأميركي لبناء الحكم الرشيد؟
ثانيا: الاستقرار: حكم علاقة القوى الكبرى بالمنطقة العربية، بعد انتهاء الحرب الباردة، منطق الحفاظ على الوضع القائم. وقد مثّل تدخل الرئيسين الأميركيين، بوش الابن، بعد هجمات “11 سبتمبر” في العام 2001، وباراك أوباما في أثناء انتفاضات الربيع العربي، استثناء من ذلك.
بعبارة أخرى، هناك طلب من الفاعلين الدوليين جميعا على الاستقرار في المنطقة، ولكن لم يكن في وسعهم التركيز على ترويج بنية أمنية جديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل على الاحتواء الجغرافي لانعدام الأمن الإقليمي. بعبارة أخرى، بات عليهم أن يقبلوا “زمن الاضطرابات” العربي المستمر، باعتباره ظاهرة تاريخية محدّدة سلفًا، والتي يكون للجهات الخارجية تأثير محدود للغاية عليها، إن وجد، لقد صار هدفهم أنه لا يجب محاولة “إصلاح” المنطقة، وإنما الحد من الآثار السلبية لمشكلات الشرق الأوسط على مناطق أخرى.
لا توجد عوامل خارجية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الاساسية في منطقتنا منذ بداية الربيع العربي، فقد أظهرت خبرته أن الديناميات الإقليمية والداخلية أكثر حسما بكثير من التأثيرات الخارجية.
وعلى الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط لا تعتبر مجال التأثير الجيوسياسي الأساسي للصين (وهو تمييز مخصص لشرق بحر الصين الجنوبي)، إلا أنها مهمة أكثر لبكين من أي وقت مضى. تنظر الصين الآن إليها على أنها امتداد لأطرافها، وتسعى إلى تطوير العلاقات مع دول المنطقة، لتأمين واردات الطاقة، وتأمين الصادرات عبر الطرق التي تمر عبر المنطقة، وزيادة نفوذها الإقليمي على حساب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ولكن يجب تقييم آفاق نجاح مشروع طريق الحرير في الشرق الأوسط في سياق السمات والقضايا والتحديات الدينية والثقافية الخاصة بالمنطقة. وتشمل هذه الدين الإسلامي ونظام القيم الثقافية، والفجوات الطبقية الاجتماعية، والمشكلات العرقية والدينية، وتمتد إلى عدم معرفة الصينيين باللوائح المحلية، وكذلك النزاعات العمالية والتجارية.
المفتاح الأساسي لنجاح مبادرة طريق الحرير هو الاستقرار في الشرق الأوسط، وهذا هدف يبدو أنه يتجاوز القدرة الجيوسياسية للصين، فكلما انخرطت اقتصاديًا في المنطقة، زاد تعرّض الصين لعواقب عدم الاستقرار الإقليمي والمحلي. ولضمان نجاح المبادرة، على الصين أن تساهم في تسوية النزاعات في الشرق الأوسط، فهل لديها القدرة على فعل ذلك، حتى وإن امتكلت الإرادة السياسية، وهي: “ثقيلة الوزن اقتصاديًا، مع خفة وزن دبلوماسي، ووزن ريش عسكري” في المنطقة -كما وصفتها دراسة حديثة لمؤسسة راند.
ثالثا: حوكمة المؤسسات: على عكس الاستثمارات من الغرب، غالبًا ما تنظر الدول إيجابيا إلى التعاون مع الصين وتلقي القروض منها، لأنها لا تأتي بشروط أو إملاءات. الصين لا تصر على الشفافية أو المعايير الديمقراطية أو التحرّر الاقتصادي -كما يفعل الغرب، كما أنها لا تدعو إلى تنازلات سياسية فورية كما تفعل روسيا. الصين ونهجها المتمركز حول الدولة يعزّز الأنظمة القائمة، ومع ذلك، أثبتت أنظمةٌ عديدة عبر أوراسيا أنها غير فعالة وفاسدة، وبالتالي تزرع بذور عدم الاستقرار في المستقبل.
علاوة على ذلك، غالبًا ما تكون الصين غير راغبة في الاعتراف بأن الاستدامة والنمو طويل الأجل في أوراسيا (من خلال إنشاء الحزام) يتطلبان إصلاحات مؤسسية.
وتؤكد أمثلة كثيرة من تعامل الصين مع الدول النامية أن القضايا الهيكلية، مثل ضعف سيادة القانون، ونقص القدرة المؤسسية، والمحسوبية المتفشية، أعاقت النمو والتحديث فيها، ففي آسيا الوسطى، يتوقع المسؤولون الصينيون أن يخسروا حوالي 30% من استثماراتهم بسبب الفساد. وبما أن الفساد منتشر أيضًا في القطاعين العام والخاص في الصين، فقد يكون من الطبيعي افتراض أن المشاريع العملاقة ستشمل مدفوعات جانبية أو رسومًا زائدة من أي من الجانبين.
رابعا، التفاوتات الاجتماعية/ الاقتصادية: من خلال خبرة التعامل الصيني في أوراسيا، تدور اهتمامات الخبراء والشعب حول عدد من القضايا الأساسية: يُنظر إلى الاعتماد على الصين باعتباره يدعو إلى المخاطرة، ويؤدي إلى تفاقم التفاوتات القائمة، كما قوض التعاون مع النخب المحلية الفاسدة سمعة الصينيين لدى المستثمرين والمراقبين المحليين، وأخيرًا، تكشف تعليقات كثيرة عن شكوك أساسية حول الصين، ففي حين أن الصينيين يظهرون على أساس شخصي في أوراسيا، إلا أنه، على المستوى الأوسع، غالبًا ما يكون هناك قليل من المعرفة عن الاستراتيجية الكامنة وراء مشاركة الصين. الافتقار للثقة في نخبهم السياسية يجعل سكانا أوراسيين عديدين يشتبهون في أنهم قد يخدمون الأموال الصينية أكثر من المصالح الوطنية.
روسيا بين الإصلاح والاستقرار
علاقة روسيا بالمنطقة الآن يحددها عدد من الاعتبارات، رؤية القيادة الجيواستراتيجية لوضعها على المسرح الدولي مستحضرة بالطبع الميراث التاريخي القيصري والسوفيتي، بالاضافة إلى علاقتها بالقوى العظمى في النظام الدولي وخاصة الولايات المتحدة.
إن الارتباطات الروسية الحالية في الخارج مدفوعة بمزيج من المصالح الجيوستراتيجية للدولة الروسية التقليدية، والطموحات السياسية العالمية، والأنماط السلوكية الموروثة من الاتحاد السوفياتي، والمنظورات والدوافع الخاصة لنظام بوتين.
يمكن تمييز نمط عام تقريبي في تدخلات موسكو في مناطق الصراع على أساس القرب من قلب روسيا، فكلما اقتربنا من روسيا، زادت أهمية العوامل الجيواستراتيجية التقليدية، وكان الكرملين أكثر رغبة في تخصيص الموارد. بينما في مناطق الصراع البعيدة، مثل تلك الموجودة في منطقتنا وأمريكا اللاتينية، تركز روسيا بشكل أكبر على المصالح المصالح الخاصة وخاصة الاقتصادية منها، وهي أكثر انتقائية في استخدام مواردها في الأماكن البعيدة عنها.
كان اهتمام روسيا -بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مباشرة- يتركز على جوارها، ولكن في ظل فلاديمير بوتين- وخاصة منذ بداية فترة رئاسته الثالثة في عام 2012 – ازدادت طموحات موسكو العالمية بشكل مطرد، بما في ذلك في المناطق غير المستقرة في المنطقة العربية.
تبقى الموارد التي يمكن لروسيا تخصيصها للالتزامات الخارجية محدودة، وفي معظم الحالات يكون الوجود العالمي لروسيا أقل من وجود الولايات المتحدة أو الصين أو الاتحاد الأوروبي، لكن ما تفتقر إليه روسيا في الموارد المادية والمالية، تعوضه بطرق مبتكرة لمتابعة طموحاتها المتزايدة، وتنوع ومدى ارتباطاتها الخارجية.
يرى الكرملين أن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مهم جدًا للمصالح الروسية وإحياء لدور روسيا كقوة رئيسية، لكنه أكثر انتقائية وحذرا في تدخلاته، وأكثر استعدادًا للقبول لإشراك القوى الأخرى، إدراكًا لضعف موارده.
إن انخراط موسكو في المنطقة تحركه أهداف جيو-استراتيجية واقتصادية وسياسية عالمية وحتى دينية، فبسبب الجغرافيا الروسية، كان قادة الكرملين ينظرون دائمًا إلى البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي على أنهما مهمان لمصالحهما الأمنية، وكان لدى الأرثوذكسية الروسية تطلع دائم للمنطقة باعتبارها مسقط المسيح. المنطقة مهمة لصناعات النفط والغاز الروسية ومبيعات الأسلحة، وحققت روسيا نجاحات اقتصادية أخرى في المنطقة حيث أوجدت لها منافذ أخري للتحايل علي العقوبات الغربية عليها.
روسيا والانتفاضات العربية أظهرت سوريا قدرة روسيا على اغتنام الفرص الناشئة تلقائيًا من سياقات مثل السياق السوري، واستغلالها من خلال وضعها في استراتيجيتها الأوسع لإظهار القوة في المحيط الدولي. في الوقت الحالي، يبدو أن هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها: لا يمكن للمرء أن يجادل ضد حقيقة أن موسكو قد أصبحت واحدة من الجهات الدولية الفاعلة الرئيسية التي لها مصلحة في المنطقة، ومن المرجح أن تظل نشطة فيها للسنوات القادمة، وهذا صحيح حتى خارج سوريا، حيث تظهر الفرص في جميع أنحاء المنطقة وتغتنمها موسكو. لكن الدعم العسكري والدبلوماسي الروسي لنظام بشار الأسد جعل منها جزءا من صيغة الحكم التي يمثلها هذا النظام، بالرغم من أن موسكو لا تزال حتى اليوم “تسعى إلى تقديم نفسها إلى دول المنطقة باعتبارها براغماتية وغير أيديولوجية وموثوقة ولاعبا لديه القدرة على التفكير في المسائل الإقليمية بالوسائل الدبلوماسية والعسكرية على حد سواء.
ويلاحظ أنه منذ 2013-2014 تم تنشيط السياسات الروسية في المنطقة، مدفوعة بعاملين: أولا، بعد عقدين من الانشغال عن المنطقة، رغبت موسكو في إعادة تأكيد موقفها التاريخي (لتلقي مستحقاتها)، وبالتالي إقناع الغرب بأن يكون أكثر امتثالًا لمطالب الكرملين. ثانيًا: تتطلب المخاطر المرتبطة بكثرة السكان المسلمين في روسيا تخفيف حدة التوترات من جهة، والحد من تصاعد دور الإسلاميين المناهضين للنظام في الحدود الجنوبية النائية للبلاد، حيث يوجد إدراك أن “دول ما بعد الاتحاد السوفيتي تعتبر روسيا -في أسوأ الأحوال- قوة معادية، وفي أفضل الأحوال شريكًا براغماتيًا”، ولكنها ليست حليفا موثوقا به.
يلاحظ اختلاف نهج روسيا تجاه المنطقة الذي يميزها عن الولايات المتحدة، فهي لا تحاول فرض رؤيتها للعالم على نظرائها، مما يميز موسكو عن مبدأ الانتشار الليبرالي للتحالف الغربي ويمنحها وضع الشريك المفضل للأنظمة الاستبدادية في المنطقة.
يولي نظام بوتين قيمة كبيرة للأهداف السياسية العالمية، مثل دعم القادة الاستبداديين ذوي التفكير المماثل وإثبات عدم جدوى الثورات الملونة، لكنه أبعد من ذلك يفتقر إلى إطار أيديولوجي محدد جيدًا وقابل للتطبيق عالميًا.
تفخر موسكو بنجاحها النسبي على مدى العقد الماضي في تعزيز العلاقات النشطة والمنتجة مع البلدان في جميع أنحاء المنطقة بغض النظر عن التركيبة الأيدلوجية أو الاختلافات التاريخية الماضية: “هندسة متنوعة من الشراكات” بما في ذلك إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا وإيران وغيرها.
كثيرا ما يستشهد الروس بالعنف والفوضى في البلاد منذ الانتفاضات العربية كدليل على النتائج السيئة لثورة ملونة أو ما يسمى بثورات الربيع العربي.. ففي ليبيا علي سبيل المثال، يبدو أن موسكو تريد الوصول إلى احتياطياتها الهائلة من النفط، وتشويه النفوذ الغربي، وإثبات عدم جدوى الإطاحة بديكتاتورية راسخة مثل القذافي، وربما اكتساب موطء قدم استراتيجي آخر في البحر الأبيض المتوسط على الجناح الجنوبي للناتو.
وأخيرا، أظهر نظام بوتين اهتمامًا ضئيلًا -إن وجد- بإعادة بناء البنية التحتية المدنية أو المؤسسات الاجتماعية في مناطق الصراع التي شاركت فيها روسيا، واكتفي بالتركيز فقط على مشاريع مثل إعادة بناء آبار النفط أو المطارات التي من شأنها أن تفيد المصالح الروسية بشكل مباشر. وعندما انخرطت روسيا بطريقة ما في مفاوضات السلام لم يكن سجلها في العادة دعم عملية شاملة ذات قاعدة عريضة، بل دعم طرف معين يحقق مصالحها الضيقة.
في الواقع، تشير الدلائل إلى أن نظام بوتين لا يعتبر السلام ووقف العنف أو إنهائه أو تجنبه غاية في حد ذاتها، ولكن التركيز الجوهري ينصب على الهدف الأساسي المتمثل في تحقيق ميزة استراتيجية وسياسية واقتصادية في التسوية، وترك القضايا الأساسية دون معالجة.
هل بعد هذا يمكن أن نسعد بالصعود الصيني وانتصار بوتين في أوكرانيا، أم يجب أن نقلق ليس فقط من تغير هيكل القوي في النظام الدولي، ولكن لأن العقل العربي في قطاع منه يعول علي الآخرين لتحقيق مصالح ناسيا أو متناسيا أن القوي العظمي لا تمطر ذهبا أو فضة؟!