وافق مجلس الشيوخ مبدئيا على مشروع قانون التأمين الموحد مؤخرا. والذي قدمته الحكومة لـ”معالجة القصور التشريعي والتنظيمي بشأن الرقابة على هذا القطاع في مصر”.
يدمج مشروع القانون المشروعات متناهية الصغر ويوسع دائرة الحماية الاجتماعية بضم التأمين الصحي الخاص وبعض الحالات الاجتماعية كالطلاق والانتحار.
وقطاع التأمين ظهير استراتيجي للبنوك. يسلّحها ضد التعثر ويمنحها المساحة للتوسع في تمويل المشروعات الكبرى والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر. فضلا عن أنه أبرز القطاعات الداعمة للاقتصاد بشكل غير مباشر عبر حفاظه على الأرواح والممتلكات. بالإضافة إلى طرحه منتجات قادرة على امتصاص آثار الحوادث.
التأمين الموحد والإصلاح التشريعي
الحكومة قالت عن مشروعها للتأمين الموحد إنه جاء لمواكبة ما طرأ على السوق من متغيرات وتطور تكنولوجي في هذا القطاع. وأيضا للقضاء على التعددية التشريعية المضطربة بشأن تنظيم القطاع. وإصلاح النظم التشريعية والرقابية المتعلقة بصناديق التأمين الخاصة. فضلا عن وضع آليات السوق وما تفرضه من منافسة تتطلب قواعد جديدة بشأن الإفصاح والحوكمة.
من بين غايات مشروع القانون -وفق اقتراح الحكومة- التوافق مع المعايير الدولية ذات الصلة. فضلا عن تعزيز أدوات حماية المتعاملين حمَلة الوثائق والمستفيدين منها والغير. وتسريع التحول الرقمي وتشجيع استخدام التكنولوجيا المالية وخلق شبكة أمان للمجتمع بتوسيع نطاق التأمين الإجباري. وتحقيق الشمول وخلق مناخ جاذب للاستثمار المحلي والأجنبي.
أحد خبراء الرقابة المالية -رفض نشر اسمه- قال إن استعجال خروج القانون حاليا جاء لوضع غطاء للمشروعات القومية والإنشائية التي تتم. والتي يتم الإسناد لها تحت عباءة مقاول رئيسي من الباطن. وقال لـ”مصر 360″ إن حجم إسهام القطاع التأميني في الناتج المحلي 1% من الناتج القومي. فيما تستهدف الحكومة رفعه عبر إصلاح القطاع بضم بعض قطاعات الاقتصاد غير الرسمية وتوسعة الشرائح الاجتماعية. وذلك كإدراج حالات “الطلاق” ضمن الفئات المستهدفة لحماية المرأة. وبسط المظلة الرقابية على نشاط الرعاية الصحية سعيا لدعم التأمين الصحي الشامل.
وأشار إلى أن مشروع القانون سيقوم بدورين أساسيين في حماية الاقتصاد وتنمية قطاع التأمينات. بالإضافة لدوره في حماية المؤسسات والأفراد والكيانات عبر إدخال أقساط المشتركين في أوعية اقتصادية. فضلا عن تنشيط حركة الاستثمار سواء ذات الدخل الثابت كالبنوك أو غير المنتظم كالبورصة.
حجم الكيانات في قطاع التأمين
ويتكون قطاع التأمين المصري من 41 كيانا تمثله 29 شركة تزاول التأمين التجاري. و10 شركات في مجال التأمين التكافلي والجمعية المصرية للتأمين التعاوني والشركة المصرية لضمان الصادرات. بالإضافة إلى الشركة الأفريقية لإعادة التأمين التكافلي والتي تعمل بنظام المناطق الحرة.
وقد بلغ إجمالي الأقساط المحصلة لشركات التأمين 47.535 مليار جنيه. كما بلغ إجمالي التعويضات المدفوعة لعملاء الشركات 23.429 مليار جنيه وفقا لتقرير اللجنة المشتركة من الشؤون المالية والاقتصادية والاستثمار والشؤون الدستورية والتشريعية والصناعة والتجارة والمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بمجلس الشيوخ.
وبالنسبة لنشاط صناديق التأمين السارية. فقد ذكرت اللجنة أمام المجلس أنه حتى 31/12/2021 بلغ عدد صناديق التأمين 692. كما بلغ حجم الاشتراكات السنوية 10.5 مليار جنيه. وحجم التعويضات 9.9 مليار جنيه حتى 13 ديسمبر 2021. وحجم الأموال المستثمرة 85.61 مليار جنيه حتى 31/12/2020.
وبالنسبة لمؤشرات نشاط الرعاية الصحية فقد بلغ متوسط حجم الأقساط نحو 6 مليارات جنيه. كما بلغ إجمالي التعويضات نحو 5 مليارات جنيه.
كثرة التشريعات التأمينية
ويعاني قطاع التأمين كثرة القوانين المنظمة له والتي تبلغ 5 قوانين. بالإضافة إلى 23 مادة أخرى تخص القطاع بالقانون المدني المصري. منها تشريع خاص بالإشراف والرقابة على نشاط التأمين في القانون رقم 92 لسنة 1939. والذي صدر بعد إلغاء الامتيازات الأجنبية في مصر. ثم تلاه القانون رقم 156 لسنة 1950 للإشراف والرقابة على هيئات التأمين لتكوين الأموال. ثم القانون رقم 195 لسنة 1959 بإصدار قانون هيئات التأمين. وفي عام 1975 صدر القانون رقم 119 لسنة 1975 بشأن الشركات العاملة بالقطاع. وأخيرا القانون رقم 10 لسنة 1981 المنوط بالإشراف والرقابة على الوحدات العاملة فيه. سواء عند التأسيس أو أثناء مزاولة النشاط أو عند التصفية وانتهاء الأعمال. وقد مثل هذا القانون طفرة تشريعية عند صدوره وكان له أثر فاعل لتنظيم وتطوير سوق التأمين في مصر.
المهندس أحمد شعبان -عضو مجلس الشيوخ- وصف الوضع الحالي بأنه “يعاني فوضي تشريعية”. فكل نوع يختص به قانون. فالتأمين على الحياة ينظمه قانون. وعلى السيارات ينظمه قانون آخر. كذلك ضد الحوادث والحرائق هناك قانون. الصناديق الخاصة لها قانون. إضافة إلى 23 مادة في القانون المدني المصري خاصة بعقود التأمين.
وقال “شعبان” لـ”مصر 360″ إن فكرة عقود التأمين صناعة عالمية وصل حجم استثماراتها عالميا إلى 6 تريليون دولار. وهي من الصناعات المهمة جدا في دفع الاقتصاد. حيث تقوم بإعادة تدوير المصانع والقطاعات الحيوية حال تعرضها لمخاطر. وذلك لضمان استمرارها مقابل اشتراكات سنوية.
جانب تكافلي
وذكر أن فكرة التأمين لها جانب تكافلي. بمعنى أن المُؤمِّن يدفع مبالغ مالية ثابتة لكن في الغالب لا يستفيد بها. لأن دورها حمائي ضد المخاطر. لذلك يستفيد منها الجزء وليس المجموع. مبينا أن كثرة التشريعات تدفع المستثمرين للهروب من العمل في مصر.
واعتبر “شعبان” مشروع القانون الموحد “تقنيا وفنيا”. ويضم جميع التشريعات الخمسة السابقة ومواد القانون المدني في قانون واحد. ويدخل عليه فرع أو أنواع جديدة مثل الحماية الطبية. وهي من الأنشطة الموجودة في السوق وغير مقننة مثل مشاريع العلاج الخاصة بالمؤسسات والنقابات المهنية طويلة وقصيرة الأجل والتي تم إدراجها في مشروع القانون الجديد.
يعالج نقص أنواع تأمينية
وأشار إلى وجود نقص في شركات إعادة التأمين. فهذا النظام غير معمول به في مصر. وتم إدراجه بالمشروع الجديد. وهو عبارة عن شركات تأمين أكبر تحمي شركات صغيرة. وذلك للمساهمة في مصروفات حال حدوث كوارث كبرى أكبر من قدرة شركة معينة على تغطية التزاماتها التعاقدية. وهي مبالغ التعويضات في هذه الحالة. إذ تدخل شركات إعادة التأمين لتغطية هذه المبالغ مقابل جزء من الاشتراكات التي تحصلها الشركات الأخرى وتسهم بجانب كبير في هذه الأعباء المالية.
ثغرات “التأمين الموحد”
حدد “شعبان” ثغرات المشروع الجديد في الفقرة الأخيرة بالمادة 13 منه. والتي تنص على أنه حال اشتمال الوثيقة على شرط يلزم الشركة بدفع مبلغ التأمين -ولو كان انتحار الشخص عن اختيار وإدراك- فلا يكون هذا الشرط نافذًا إلا إذا وقع الانتحار بعد سنتين من تاريخ العقد. واعتبر هذا النص تبرئة لذمة الشركة من التزاماتها بدفع المبلغ إذا انتحر الشخص المؤمَّن على حياته. ومع ذلك تلتزم الشركة بأن تدفع لمن يؤول إليهم الحق مبلغا يساوي نصيبه في قيمة الاحتياطي الحسابي للتأمين. ما قام المشترك بدفعه فقط وليس قيمة الوثيقة.
كما انتقد وجود شرط عدم صرف قيمة الوثيقة إلا بعد مرور عامين على الأقل من تاريخ الوثيقة. واعتبر ذلك “تشجيعا على الانتحار”.
وأوضح أن سبب الانتحار مرض أفقد المريض إرادته. فبقي التزام الشركة قائما بأكمله. وعلى الشركة المؤمنة أن تثبت أن المؤمَّن على حياته مات منتحرا. وعلى المستفيد أن يثبت أن المؤمَّن على حياته كان وقت انتحاره فاقدا الإرادة. وإذا اشتملت الوثيقة على شرط يلزم الشركة بدفع المبلغ -ولو كان انتحار الشخص عن اختيار وإدراك- فلا يكون هذا الشرط نافذًا إلا إذا وقع الانتحار بعد سنتين من تاريخ العقد.
يرى “شعبان” أن الفقرة الأخيرة من المادة هي ضد الشرائع والدستور ومأخوذة من الدستور الفرنسي. وربما يتم استخدامها لغير صالح المؤمّن لصالحهم وهم ليسوا سبب في الانتحار.
وقد رفض ممثل الحكومة هذا الاقتراح معللا أن هذا الشرط ليس إلزاميا ولكنه توافقي بين الطرفين: “من غير المتصور أن يفكر إنسان في الانتحار وينفذه بعد عامين. لأن الإقدام على الانتحار لا يحتاج إلى تفكير. وهذه الفقرة تدل على أنه لا نية للانتحار لدى المؤمّن عليه”.
وثيقة ضد الطلاق
ورغم أن وثيقة التأمين ضد الطلاق جاءت مقابل تحصيل رسوم قليلة على عقود الزواج يدفعها الزوج مقابل حماية المرأة من مخاطر الإنفاق التي تواجهها في صرف النفقة. لاقت انتقادات واسعة. إذ اتهم البعض هذه المادة بأنها “ستساعد على ارتفاع نسبة الطلاق”.
أحمد نصار -محام- يتخوف من أن وثيقة المطلقات توسع دائرة الزواج العُرفي وتشجع الانفصال للحصول على قيمة الوثيقة التي تبدأ من 25 إلى 30 ألف جنيه.
وأوضح أن المطلقة تحصل على الوثيقة حال الطلاق البائن بمجرد حصولها على وثيقة الطلاق. وأن قيمة اشتراك الزوج في الوثيقة تبلغ 50 جنيها تحصل على عقود الزواج شرط استمرار هذا الزواج 3 سنوات.
وقال النائب حاتم المليجي -عضو لجنة الشؤون المالية والاقتصادية والاستثمار بمجلس الشيوخ- في تصريح له إن وثيقة التأمين على الطلاق التي أقرها مشروع القانون الموحد تعد ضمانا لحقوق المرأة. موضحًا أنه عند حدوث الطلاق تعيش المطلقة ظروفًا صعبة للغاية حتى يتم الحكم لها بنفقة أو غير ذلك من حقوق.
وأشار إلى أن حالات الطلاق والقضايا تأخذ فترة لا تقل عن 9 أشهر. وتصل إلى عام كامل حتى يحكم لها بالنفقة. لكن مشروع القانون الجديد بمجرد أن يتم الطلاق ويتم إبلاغها بالشروط يتم صرف قيمة الوثيقة لتغطي مصروفاتها حتى الحكم لها بالنفقة. وكشف أن الوثيقة ستكون إجبارية بعد الموافقة على مشروع القانون الموحد.