رغم أنه عام المجتمع المدني، كما أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسي، لا تزال مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مصر مثل وجهي عملة، يربطهما الأصل بينما يختلف وضع كليهما رضًا واستخدامًا وتطويعًا أو تضييقًا. والواقع لا يزال يقسم مؤسسات المجتمع المدني في مصر ما بين ما له علاقة بمجال حقوق الإنسان ولا يزال بحاجة لبناء جسور تواصل تُمهد طريقًا سويًا بينه وبين الدولة، وآخر يرتبط بالأعمال الخيرية والأهلية، يتلقى المنح والامتيازات، في مقابل التنازل عن دور الشريك المجتمعي للدولة والقبول بدور الأداة التي تتحمل وتتكفل بأعباء مواجهة الأزمات المجتمعية فيما يتعلق بمواجهة الفقر والأزمات الصحية كجائحة كورونا على سبيل المثال.

خريطة منظمات المجتمع المدني في مصر

تنقسم خريطة منظمات المجتمع المدني في مصر إلى أحزاب سياسية، منظمات حقوقية، نقابات، مؤسسات وجمعيات خيرية ورعائية. والأخيرة هذه يبلغ عددها ما يقرب من 52 ألفًا و500 مؤسسة وجمعية أهلية. وهي تضم حوالي 3 ملايين عضوًا، يعملون في مختلف المجالات الاجتماعية[1].

بينما تكون الشراكة المجتمعية هي الضامن الأساسي لتحقيق أهداف التنمية، يبرز الواقع المصري إشكاليات تعوق تنفيذ مثل هذه الشراكة. ذلك بالنظر إلى هيمنة الدولة على كافة صور النشاط المجتمعي. كما أنها تتولى وضع الرؤية التنموية وتحديد الأولويات وتوزيع الأدوار على كافة الأطراف المجتمعية.

والشاهد (كما سيأتي لاحقًا)، أن أغلب المؤسسات والجمعيات التي تندرج تحت تصنيف جمعيات (خيرية ورعائية)، هي التي حصلت على موافقات على المنح الخاصة بمشاريعها من وزارة التضامن الاجتماعي، للدخول في مبادرات وأنشطة تستهدف الشباب والنساء وغيرهم من الفئات المعرضة للمعاناة والتهميش. ذلك في محاولة للنهوض بالمجتمعات المحلية وتمكينها.

في المقابل، حرمت منظمات أخرى مندرجة تحت مظلة المجتمع المدني في مصر من ممارسة أنشطتها الحقوقية. وقد اضطر بعضها إلى إعلان تعليق النشاط، مشتكيًا من تضييقات مختلفة. كما حدث مع “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان”.[2]

اقرأ أيضًا: من أين نبدأ عام المجتمع المدني 2022.. ورقة سياسات جديدة من “دام”

2.5 مليار جنيه.. لمن تذهب منح المجتمع المدني؟

مؤخرًا، أعلنت وزيرة التضامن نيفين القباج الموافقة على منح قدرها 2.5 مليار جنيه واردة من 507 جهات مانحة لـ 340 من الجمعيات والمؤسسات الأهلية خلال عام 2021. وقد أوضحت أن ذلك يأتي في إطار تنفيذ أحكام قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي رقم 149 لسنة 2019 ولائحته التنفيذية التي تم إصدارها في يناير 2021، وأن 50% من هذه المنح وجهت للصحة والمجتمع المدني.

سابقا في يناير 2021، تم توقيع اتفاق بين وزارة التضامن الاجتماعي والاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم الإنمائي على “مشروع دعم كوفيد”. كان ذلك بقيمة 6 ملايين يورو، ولمدة ثلاثة سنوات. وذلك لأغراض العمل على الحد من الآثار السلبية على الفئات الأولى بالرعاية من خلال مؤسسات الرعاية التابعة للوزارة. بالإضافة إلى تنفيذ مشروعات إنتاجية تلبي مطالب السوق المحلية وإتاحة فرص العمل للفئات الأكثر تضررًاا بالتعاون مع الجمعيات الأهلية الشريكة لوزارة التضامن الاجتماعي.[3]

أعلنت وزيرة التضامن نيفين القباج الموافقة على منح قدرها 2.5 مليار جنيه واردة من 507 جهات مانحة لـ 340 من الجمعيات والمؤسسات الأهلية خلال عام 2021.
أعلنت وزيرة التضامن نيفين القباج الموافقة على منح قدرها 2.5 مليار جنيه واردة من 507 جهات مانحة لـ 340 من الجمعيات والمؤسسات الأهلية خلال عام 2021.

850 مليون جنيه في أبريل

بلغت قيمة المنح للجمعيات والمؤسسات الأهلية التي تمت الموافقة عليها خلال الفترة من 1 أبريل حتى 30 أبريل 2021 حوالي 850 مليونا و525 ألف جنيه. وبلغ عدد المنح 231 تم تخصيصها لـ 96 جمعية أهلية، وقد تم الحصول عليها من 142 جهة مانحة.

وبحسب المسؤولين بوزارة التضامن، حصلت الجمعيات المركزية على النسبة الأكبر من هذه المنح. ذلك بنسبة بلغت 56.48 % تليها جمعيات القاهرة، بنسبة تقدر بنحو 18.21 %. ثم الجمعيات الأخرى بباقي المحافظات.[4]

411 مليون جنيه في أكتوبر

كذلك، وافقت الوزيرة نيفين القباج على إجمالي 126 منحة، واردة من 68 جهة مانحة خلال شهر أكتوبر 2021. وقد استفادت منها 57 جمعية ومؤسسة أهلية. ذلك بإجمالي 411 مليون جنيه مصري تقريبًا.

وقد حصلت الجمعيات المركزية على حوالي 78 منحة منها بقيمة تقدر بـ 305 ملايين جنيه مصري. وتلتها محافظة القاهرة. ثم محافظة سوهاج في المركز الثالث. وذلك على الرغم أن 41% من المؤسسات مسجلة بالصعيد.[5]

اقرأ أيضًا: الخروج من النفق المظلم.. “دام” يقدم 15 توصية لإنهاء الأزمة بين الدولة والمجتمع المدني

مليون يورو في ديسمبر

وفي ديسمبر 2021، حصلت 18 من منظمات المجتمع المدني على منح صندوق المبادرات المحلية. ذلك بميزانية إجمالية قدرها مليون يورو، وبتمويل مشترك من الحكومة الألمانية والاتحاد الأوروبي. وكانت لغرض تنفيذ مبادرات صغيرة تعمل على تحسين البنية التحتية والخدمات الحضرية الأساسية، وكذلك الظروف المعيشية من خلال التنمية الاجتماعية والاقتصادية في 9 مناطق مستهدفة داخل إقليم القاهرة الكبرى. وقد بدأت في يناير من العام الجاري.[6]

وكان أكثر الجمعيات المستفيدة من تلك المنح هي الجمعيات المركزية. حيث بلغ عدد المنح الموافق عليها لها 972 منحة. ذلك بإجمالي حوالي 1.5 مليار جنيه مصري. وتأتي محافظة القاهرة في المركز الأول على مستوى المحافظات من باقي إجمالي المنح (بقيمة 1 مليار جنيه مصري) و199 منحة. ثم جاءت بعدها محافظة الجيزة بـ 68 منحة. بينما احتلت محافظة أسيوط المركز الثالث في حصولها على 44 منحة. وذلك بقيمة 58 مليون جنيه. ولم تحصل باقي محافظات الجمهورية إلا على نسبة أقل من 5% من هذه المنح.[7]

المؤسسات المركزية صاحبة الحظ الأكبر من منح المجتمع المدني

تضم القاهرة وحدها حوالي (288) جمعية مركزية، و(265) مؤسسة مركزية، تأتي على رأسها مؤسستا (مصر الخير، والأورمان، هيئة كير). وهي مؤسسات تندرج تحت التصنيف الخيري والرعائي.

في مايو تم 2021، تم توقيع بروتوكول تعاون بين وزارة التضامن ومؤسسة “حياة كريمة” -أحد المؤسسات المركزية- بهدف إطلاق مبادرتي (موهبتك حياة) و(التعليم حياة). بالإضافة إلى إعداد برامج للتوعية بشأن الاستفادة من جهود الرائدات الريفيات وخبراتهم في هذا المجال والتعاون في تنظيم ورش العمل والندوات والمؤتمرات وإعداد الكتيبات الإرشادية والمطبوعات.[8]

كما وقعت مؤسسة صناع الخير للتنمية -مؤسسة خيرية- برتوكول تعاون تحت إشراف وزارة التضامن بتمويل من أوركيديا والبنك الأهلي وبنك مصر والمصرف المتحد والمصرية للاتصالات في 2021. فضلًا عن بروتوكول تعاون مشترك لدعم مبادرة “عنيك في عنينا ” لمحاربة العمى، تحت رعاية رئاسة مجلس الوزراء وإشراف وزارة التضامن الاجتماعي.

وبموجب ذلك تم تنظيم 33 قافلة طبية متخصصة تجوب القرى الأشد احتياجًا في 11 محافظة، وتقدم خدمات طبية عالية الجودة في مجالات توقيع الكشف على العيون وصرف القطرات العلاجية اللازمة وعمل النظارات الطبية. وقد أجرت هذه القوافل عدد 2000 عملية مياه بيضاء بالمجان للمستحقين.[9]

كانت أكثر المؤسسات المركزية حظًا من منح المجتمع المدني هي "مصر الخير".
كانت أكثر المؤسسات المركزية حظًا من منح المجتمع المدني هي “مصر الخير”.

كانت أكثر المؤسسات المركزية حظًا من منح المجتمع المدني هي “مصر الخير”. ففي مارس 2021 تم توقيع برتوكول بين المؤسسة ووزارة التضامن بخصوص مشروع دعم مدارس التعليم المجتمعي والمنح الدراسية. وقد بلغت قيمة المنحة 90 مليون جنيه.

كما تم توقيع برتوكولات تعاون في أكتوبر 2021، لتنفيذ المرحلة السادسة من مشروع “سترة”، بتمويل من “مؤسسة الوليد للإنسانية”. وهي مبادرة إقليمية تعمل داخل (مصر، لبنان، السعودية). وذلك بقيمة تمويل موجه لهذا المشروع تبلغ حوالي 700 مليار جنيه مصري (على مدار ثلاثة سنوات). وهي تشمل أعمال إعادة ترميم وتسقيف عدد 1000 منزل للأسر الأولى بالرعاية بالتعاون مع وزارات التضامن الاجتماعي والاسكان والمرافق والتنمية المحلية،[10]

وفي سبتمبر 2021 تم توقيع اتفاقيات التعاون بين مؤسسة “كير مصر للتنمية” و11 من جمعيات المجتمع المدني. ذلك لتنفيذ أنشطة مشروع زراعة ذكية مناخيًا من أجل الحياة بمحافظتي بني سويف وأسيوط، وبالشراكة مع الاتحاد الأوروبي. وقد بلغ تمويل هذه الأنشطة مليون يورو. ذلك ضمن مشروع يهدف إلى إشراك منظمات المجتمع المدني والجمعيات التعاونية الزراعية والشباب. ذلك مع التركيز على مشاركة المرأة في هذه التدخلات. حيث يستهدف المشروع ما يقرب من 5000 مزارع، 25% منهم علي الأقل سيدات.[11]

توصيات للنهوض بدور مؤسسات المجتمع المدني

من الأمثلة السابقة، نستطيع أن نرصد أن غالبية -إن لم تكن جل- قيمة هذه المنح كلها تغطي البرامج التي تشرف عليها وزارة التضامن. ومنها المبادرة الرئاسية “حياة كريمة”، التي تعمل على مساعدة الأسر الأولى بالرعاية في المناطق الفقيرة، في شكل برامج صحية، أو تحسين شروط السكن الخاص بهم، والتمكين الاقتصادي للمرأة. بالإضافة إلى برامج “مواطنة”، و”وعي”، التي تركز على تنشيط التثقيف والحوار المجتمعي حول حقوق الإنسان، وكذا تعظيم الوعي الإيجابي في كثير من القضايا الاجتماعية.

أيضًا، يمكننا ملاحظة أنه مازالت هناك تحديات متعلقة بالتنمية الاجتماعية المتعلقة بالشمول (شباب ونساء وفئات مهمشة) والتماسك (الحضر والريف). كما لا تزال الدولة هي الفاعل الأساسي الذي يهيمن على غالب الخيوط المجتمعية، ويقع عليها العبء الأكبر في تهيئة المجتمع للمشاركة في جهود التنمية.

وهو أمر يحتاج إلى تغيير في منهجية التعامل مع مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني. فالدولة تتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني بصفتها أداة وليس شريك. فتسيرها وفق ما تريد وتوظفها في أداء بعض خدمات تعجز هي عن إيفاءها. ومن ثم التخفيف من حدة المشكلات الاجتماعية الناشئة عن انسحابها منها.

لابد من توفير وجود بنيوي لعمل منظمات المجتمع المدني، يكون قائمًا على أساس أنها شريك حقيقي للدولة وليس أداة للتنفيذ. لأن هذه الشراكة هي اللازمة للوقت الراهن، وهي الوحيدة القادرة على صنع وصياغة أهداف تنموية تساعد الدولة في تحمل الأعباء المجتمعية.

ولا يكون ذلك إلا من خلال:

  • تهيئة البيئة القانونية المشجعة لإنشاء وتنشيط لجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني.
  • ضرورة دمج جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني من خلال قانون المحليات، كأحد اللجان الثابتة في تشكيل المجالس المحلية.
  • إشراك قطاع منظمات المجتمع المدني على مختلف تصنيفها في صياغة الخطط القومية والإقليمية.

[1] جريدة الشروق مقالة بعنوان ” التضامن: عدد الجمعيات الأهلية المُسجلة بمصر 52 ألفًا و500 جمعية” بتاريخ 2 ديسمبر 2021 : https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=02122021&id=22a0f161-0d91-4edd-a656-110a9ba49639

[2] مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تقرير بتاريخ 10 يناير 2022 بعنوان “تعليق نشاط الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان دليل جديد على زيف مزاعم الإصلاح في مصر”: https://cihrs.org/the-suspension-of-the-activity-of-the-arabic-network-for-human-rights-information-is-new-evidence-of-false-allegations-of-reform-in-egypt/

[3] الموقع الصحفي “المال” مقالة بتاريخ 21 يناير 2021 بعنوان “«التضامن الاجتماعي» تشهد توقيع «الاتحاد الأوروبي» و«الأمم المتحدة الإنمائي» اتفاقية مشروع بقيمة 6 ملايين يورو”:  https://almalnews.com/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D8%AA%D8%B4%D9%87%D8%AF-%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/

[4] اكسترا نيوز مقالة بتاريخ 15 مايو 2021 ” التضامن: 580 مليون جنيه منحًا للجمعيات الأهلية خلال أبريل 2021″: https://extranews.tv/extra/category/21/4/topic/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%86_580_%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86_%D8%AC%D9%86%D9%8A%D9%87_%D9%85%D9%86%D8%AD%D9%8B%D8%A7_%D9%84%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%87%D9%84%D9%8A%D8%A9_%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84_%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%84_2021_Extra

[5] جريدة الأهرام بتاريخ 20 نوفمبر 2021 بعنوان” وزيرة التضامن توافق على منح قدرها 411 مليون جنيه خلال أكتوبر للجمعيات الأهلية”: https://gate.ahram.org.eg/News/3141744.aspx

[6] جريدة المصري اليوم مقالة بتاريخ 9 ديسمبر 2021 بعنوان “منظمات المجتمع المدني تتلقى العقود الممنوحة من صندوق المبادرات المحلية”: https://www.almasryalyoum.com/news/details/2480013

[7] مصدر سابق

[8] جريدة الأهرام مقالة بتاريخ 5 يونيو 2021 بعنوان ” تفاصيل بروتوكول تعاون بين وزارة التضامن الاجتماعي ومؤسسة “حياة كريمة”|صور” : https://gate.ahram.org.eg/News/2857004.aspx

[9]

[10] الصفحة الرسمية لوزارة التضامن الاجتماعي مقالة بتاريخ 29 أكتوبر 2021 ” القباج” توقع بروتوكول المرحلة السادسة لمشروع سُترة بالتعاون مع مؤسسة مصر الخير ومؤسسة الوليد للإنسانية”: قطاع الشئون الإجتماعية تفاصيل الخبر (moss.gov.eg)

[11] الصفحة الرسمية لهيئة كير مصر بيان صحفي بتاريخ 9 سبتمبر 2021 بعنوان ” توقيع اتفاقيات التعاون بين مؤسسة كير مصر للتنمية و11 جمعية من جمعيات المجتمع المدني لتنفيذ أنشطة مشروع زراعة ذكية مناخيا من أجل الحياة بمحافظتي بني سويف وأسيوط بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي”: https://care.org.eg/ar/2021/09/09/%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%88%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%A4%D8%B3%D8%B3%D8%A9-%D9%83%D9%8A%D8%B1-%D9%85/