قبل يومين، أعلنت البورصة المصرية استحواذ صندوق الثروة السيادي في إمارة أبوظبي “أديا” على نحو 18% من البنك التجاري الدولي، أكبر بنك خاص في مصر. ذلك إلى جانب حصة غير محددة بشركة التكنولوجيا العملاقة فوري. إضافة لحصص في ثلاث شركات أخرى. لكن لم يتم الإعلان عن حجم تلك الاستحواذات.
تأتي هذه الصفقات، على إثر زيارة أجراها محمد بن زايد ولي عهد دولة الإمارات، إلى مصر. حيث التقى بالرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي في قمة ثلاثية بشرم الشيخ.
وبحسب وكالة بلومبرج المتخصصة في الاقتصاد، فإن مصر ستسرع في عملية بيع أصول إلى المستثمرين الخليجيين. بما في ذلك الصناديق السيادية الخليجية. ذلك بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها البلاد؛ والتي اضطرت البلاد إلى رفع يدها عن الجنيه. ما تسبب في هبوط مفاجئ في سعره أمام الدولار، حتى وصل إلى قرابة الـ18.54 جنيه أمام الدولار.
ونقلت الوكالة عمن وصفتهم بمصادر مطلعة، أن قيمة استحواذات صندوق الثروة في أبوظبي، سيصل إلى نحو ملياري دولار.
ووفقًا لصحيفة إيكونوميست الأمريكية، صندوق ثروة أبوظبي تأسس في سبعينيات القرن الماضي. وهو مملوك بالكامل للحكومة الإماراتية، وتتراوح تقديرات الأصول التي يمتلكها الصندوق بين 875 مليار إلى تريليون دولار، لكن لايتم الإعلان عن حجم تلك الأصول.
الإمارات وصفقات هيرميس
هذه ليست الصفقة الأولى ولا الأخيرة، ففي 9 فبراير الماضي، أعلنت البورصة المصرية في إفصاح صادر عنها، أن بنك أبو ظبي الأول، أكبر بنك في الدولة الخليجية، قدم عرضًا للاستحواذ على حصة حاكمة في المجموعة المالية هيرميس القابضة. وقد تصل قيمة الصفقة إلى نحو 1.2 مليار دولار.
الصفقة التي حظيت باهتمام الصحافة المالية العالمية ونقلت تفاصيلها وكالتا “رويترز” و”بلومبرج”، تمنح “أبوظبي الأول” سيطرة كبيرة بالسوق المصري، وفرصة للاستحواذ على حصة حاكمة ببنك “الاستثمار العربي”، ليصبح البنك الإماراتي حينها مالكًا لثلاثة بنوك مصرية.
وإذا تمت صفقة “هيرميس”، فإنها ستزيد من قبضة “أبوظبي الأول” على حصة معتبرة بالقطاع المصرفي المصري. وخاصة أن الصفقة ستكون ثاني معاملة كبيرة للبنك في مصر بعد شرائه أصول بنك “عودة” اللبناني بمصر في 2021.
ومع إتمام عملية الاندماج بين “أبوظبي الأول” وبنك “عودة” مصر، المتوقع الانتهاء منها في وقت لاحق عام 2022، يصبح الكيان الجديد أحد أكبر البنوك الأجنبية العاملة بمصر على أساس الأصول، بقيمة تتجاوز 120 مليار جنيه.
وكان صندوق الثروة أبو ظبي، استحوذ في مارس الماضي على شركة “آمون للصناعات الدوائية” من شركة “باوش للصحة” الكندية، في صفقة بلغت قيمتها حوالي 740 مليون دولار أمريكي. وتملك شركة القابضة محفظة واسعة من الشركات الكبرى العاملة في قطاعات رئيسية ضمن اقتصاد إمارة أبوظبي المتنوع، بحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي لحكومة أبوظبي.
وتعمل حاليًا 5 بنوك إماراتية في مصر، هي “أبوظبي الأول”، و”أبوظبي التجاري”، و”الإمارات دبي الوطني”، و”أبوظبي الإسلامي”، و”بنك المشرق”، لتصبح الجنسية الإماراتية صاحبة العدد الأكبر للبنوك الأجنبية بالقطاع المصرفي المصري.
إلى ذلك، يعترض المصرفي وائل جمال على صفقات البيع للإماراتيين، قائلًا: “البنك التجاري الدولي أو هيرميس حققا نجاحًا كبيرًا ولهم أصول كبيرة في مصر. بمعنى أن الاستحواذ لن يكون له تأثير اقتصادي”، مضيفًا “لكنه سيحدث دفقة مالية كبيرة، بالتالي سوف يتسبب في حدوث تحويلات متكررة للأرباح للخارج”.
ويُضيف في تغريدة له عبر موقع تويتر، أنه في حالات الاستحواذ الكبيرة تلك لابد من متابعة حجم ما تمتلكه هيرميس والبنك التجاري الدولي من أصول، لأن الاستحواذ الإماراتي لن يكون فقط في القطاع المالي، لكنه سيمتد إلى قطاعات أخرى عملاقة بسبب حجم ونفوذ وعلاقات هيرميس والبنك التجاري الدولي.
ويُدلل جمال على ذلك، بأن شركة فالكون للأمن التي يمتلك البنك التجاري الدولي حصة حاكمة فيها، فضلاً عن حصص كبيرة للمجموعة المالية هيرميس مثل صناديق التعليم والصحة، إضافة للمدارس والمستشفيات الخاصة، إضافة لامتلاكها حصة حاكمة في شركة ماريدايف العملاقة للخدمات البحرية.
وفقًا للمعلومات المتاحة حتى الآن، فإنه سيجري طرح الحصص في الشركات الخمس، من خلال البورصة المصرية، وذلك لأنها لا تحتاج إلى تدخل من الإدارة، أو إلى الكثير من الموافقات التنظيمية الخاصة. ذلك رغم أن الاستحواذ على حصة تزيد عن 10% في أي بنك مصري يحتاج إلى موافقة البنك المركزي بموجب قانون البنك المركزي والجهاز المركزي. كما يتعين الحصول على موافقة البنك المركزي قبل شغل مقعد في مجلس الإدارة أو تعيين ممثل لشغل المقعد.
اقرأ أيضًا: خريطة توسع الاستثمارات الإماراتية في مصر
صفقات أخرى في طريق الإمارات
من المتوقع أن يكون لدى المستثمرين الخليجيين شهية كبيرة للطروحات العامة، إذا سمحت بذلك ظروف السوق خلال هذا العام. وتتضمن حزمة التحفيز التي أعلنتها الحكومة المصرية بقيمة 130 مليار جنيه، على حوافز من شأنها أن تزيد من جاذبية الطروحات العامة للمستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء إذا سمحت ظروف الأسواق العالمية بتلك الطروحات.
وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أعلن مطلع فبراير أن الحكومة تستهدف طرح “أكبر عدد ممكن من الشركات المملوكة للدولة للاكتتاب بالبورصة المصرية خلال 2022”. وهناك أيضا خطة لطرح أسهم شركة مصر لتأمينات الحياة وحصة إضافية في مصر الجديدة للإسكان خلال هذا العام.
إلى جانب ذلك، أبدى مستثمرون خليجيون بالفعل رغبتهم في شراء حصص في الشركة الوطنية لتعبئة المياه الطبيعية “صافي”، والشركة الوطنية لإنتاج وتوزيع المواد البترولية “وطنية” المملوكتين للقوات المسلحة.
وكانت تداول بعض العاملين في التليفزيون الحكومي “ماسبيرو” عن تقدم أحد المستثمرين الإماراتيين بعرض لشراء حصة من المبنى الضخم المطل على النيل؛ لكن ولأسباب تم تأجيل الإعلان عن الصفقة بسبب التظاهرات التي قام بها العاملين في المؤسسة خلال الأشهر الماضية.
كما تعتزم شركة جلف كابيتال الإماراتية استثمار نحو 250 مليون دولار في مصر على مدى السنوات الخمس المقبلة، وتطلع شركة ألفا ظبي القابضة إلى السوق المصرية باعتبارها ذات أولوية لها، وفقًا لمواقع صحفية.
وداعًا للدعم المجاني
كانت أبو ظبي مصدرا للدعم المالي لمصر خلال الفترة الماضية، بما في ذلك قبل تعويم الجنيه في عام 2016. ذلك عندما أودعت مليار دولار لدى البنك المركزي المصري. وفي عام 2019، أنشأت صندوق ثروة أبوظبي، صندوق استثمار مشترك بقيمة 20 مليار دولار مع صندوق مصر السيادي لتوجيه الأموال إلى مجموعة متنوعة من الصناعات والأصول.
لكن وبدءا من عام 2019، غيرت الإمارات استراتيجيتها، إذ تم العمل من جانب الإماراتيين للاستحواذ على أصول مصرية مستغلين الأزمة المالية العالمية. فضلًا عن فشل السياسة النقدية المصرية التي اتبعها البنك المركزي في دعم قيمة الجنيه أمام الدولار خوفًا من تراجعه بشكل كبير.
ويرى الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، أن سبب الإسراع في الإعلان صفقة البنك التجاري الدولي تعود إلى معاناة مصر من الأزمة المالية الضخمة. خاصة بسبب نقص السيولة الدولارية، لكنه يعتقد أنه الصفقة تمت دراستها قبل ذلك.
ويُضيف، أن هذه الصفقات لم تتم فجأة أو بين يوم وليلة، ولكن تمت دراستها، وتم الإسراع في إعلانها. مشيرًا إلى ضرورة مراقبة البنك المركزي أوضاع البنك التجاري الدولي قبل وبعد الاستحواذ.
حجم استثمارات الإمارات في مصر:
1165 شركة إماراتية تعمل في السوق المصري
6.2 مليار دولار حجم استثمارات الإماراتيين بمصر
2 مليار دولار حجم استثمار الإمارات في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
1.7 مليار دولار في قطاع التمويل المالي والمصرفي
814 مليون دولار في قطاع الإنشاءات والبناء
544 مليون دولار في القطاع الصناعي