أصدر “ويجز” أغنية بعنوان “البخت”. التي حصلت على أكثر من 30 مليون مشاهدة في أيام قليلة. ولم يكن هذا النجاح الأول لويجز. بل هذه كانت جزءا من سلسلة نجاحات باهرة. لكن يبقى السؤال: “كيف استطاع ذلك الشاب الذي ما زال في أوائل العشرينيات تحقيق كل هذا النجاح؟”.

ويجز وأحلامه

ويجز لم يكن مختلفا عن باقي الشباب من الطبقة الوسطى التي ينتمي إليها. فهو من منطقة الورديان في الإسكندرية. كان يعمل في أحد مراكز الكول سنتر المشهورة حتى ترك الشركة. حتى الآن قصة ويجز لا تختلف عن أغلب شباب الطبقة الوسطى في مصر. وتلك الخلفية انعكست بشكل واضح على أحلامه.

لا يخفي ويجز أنه يسعى للمال والنجومية. فيقول في أغنية “واحد وعشرين” التي يحكي فيها قصة حياته وأحلامه. “أي حاجة ببلاش صاحبي ناخذ منها كثير.. الأحلام مجاناً وأنا حلمت أكون أمير.. بقينا ملوك وبننفذ على كبير”.

كما يقول ويجز في “يمكن”: “عايزين فلوس تجيب فلوس. فلوسي طموحي. أخاف من الفقر ومخافكوش الفقر كابوسي”. ولكنه يدرك أيضا حدود الأموال: “الفلوس بتعمل ضهر. الفلوس تجيب الفقر. الفلوس تجيب القهرة ومتخليش الغلط صح”. وفي أغنية “إيه تي إم” يقول: “مش عايز دكتور عايز ATM . ويجز يسوق الهبل ف البي إم”.

تظهر أيضا ذكر مظاهر الثراء في أغانيه: “إمتى يا فرنسا إمتى أروح باريس. إمتى أبيع كثير إمتى أبيع بالغالي”. و”جوانا شياكة قد حكام الإمارات”. وفي “بالسلامة” يقول: “محفظتي كلبوظة تليفوني بيرن”. أما في “ساليني” يقول: “آسف ياما ماسلكتش في التعليم. بس راجل عمري ما جليت زميلي. أعمل بكرة نجم أجيب منها فلوس كتير. آخر السنة دي هجيبلي كوتشي من جوتشي”. ليقول رغم عدم نجاحه في التعليم ولكنه ما زال “راجل” ويسعى لجني الأموال للشراء من “جوتشي”. ثم يؤكد لاحقا في أغنية أخرى “إحنا نجوم كده كده. عملنا فلوس كده كده. جوتشي شوز كده كده”.

ظاهرة ويجز وروبي
ظاهرة ويجز وروبي

لغة ويجز

ليست جميع أغاني ويجز سهلة الفهم. فهو يستخدم مصطلحات شعبية -بعضها لها صبغة إسكندرانية- يعيد بناءها بشكل غير مرتب أو منظم نسبيا. كما تظهر أيضا في أغاني ويجز لغة الشجارات النابعة من الشوارع.

ظهر الجانب العدائي لويجز في “تي إن تي”. كما كانت أكثر وضوحا في عفاريت الأسفلت. حيث هاجم أعداءه مستخدما أداء يتسم بقدر كبير من العنف. ولم يخش من استخدام لغة صريحة ولا تلتزم بالمعايير المقبولة في الأغاني السائدة. ولا ينسى بالطبع ذكر منطقته “ورديان العاصمة” والاحتفاء والفخر بها على عادة المهرجانات.

كما ظهرت أيضا في عدة أغان أخرى له فيقول: “ان طلع من جنبي بزفروا. بفتح سنكي واجي مزفره”. وفي إحدى أشهر أغانيه “دورك جاي” يقول “اطلع الشقية تطلع الغبية. ألعب بالغزالة ألعب بالـ٧٠٠. منغير متمرن أول جمهورية. خمسة ورديانجية وخمسة متراسجية”.

كما أن كلمات ويجز تتميز باستخدام لغة قريبة من لغة الشباب في حياتهم اليومية. فهو يخاطب الشخص ويقول له “زميلي” أو “برو” أو “صاحبي”. ويقول “زميلي بكرة هنلعب فورة إي الكلام. آسف صاحبي مباصيش غير جوبات”.

ستايل ويجز
ستايل ويجز

ويستعير ويجز أحيانا صورا من الثقافة الشعبية أو ثقافة الإنترنت والميمز المصرية مثل “الدنيا فيلم الناظر خالص. وانت عاطف” في “باظت”. في إشارة إلى فيلم الناظر.

ويجز كيفه كده

وفي “كيفي كده” يقول: “وأعامل الدنيا كما تقول سوكا”. في إشارة إلى الطفلة في فيلم “أبو علي”. كما يستخدم اسم الكاتب “كافكا” الذي يكثر ذكر اسمه بين الشباب على الإنترنت مثل “وارث كافكا. قائد مافيا”.

لم ينس ويجز أيضا الأغاني العاطفية ولكنه يستخدم لغة الشباب العادية. فيما خلت من الابتذال نسبيا مقارنة بأغاني البوب التقليدية. فهو يخاطب حبيبته ويقول: “إنتي خدعة كبيرة جمالك مزيف. بتسيبي المميز للمغيب”. ويقول أيضا “على انستاجرام أنا الحقيقي. بتوتريني كل ما تسأليني”. وفي أغنيته الأخيرة والأشهر “البخت” يستخدم عبارات شديدة البساطة وقريبة من الشاب العادي مثل “عيني منها بشكل جدي. وتقيلة مش تقلانة اتبخر سحري. ومش باجي على بالها ومفكرتشي. أنا بالي فيها بابا بالي مش ملكي” “براحة على قلبي المكسور. اللي مشكلته إنه فيك مسحول”.

ولا يلتزم ويجز أيضا بموضوع واحد في أغانيه. بل هو لا يلتزم بموضوع واحد منظم في الأغنية الواحدة.

شكل موسيقي مرن

لا تستطيع وصف ويجز بأنه رابر فقط. فهو لم يحصر نفسه داخل ذلك الشكل من الموسيقى. بل اختار التغيير بشكل دائم. فهو يتنقل بين الراب والآر آند بي والبوب والمهرجانات. ولكنه حافظ على اختلافه. بدأ ويجز بمخاطبة جمهور الراب وبشكل خاص جمهور التراب. ولكنه استمر بالتجريب مع أشكال الموسيقى الموجودة الأخرى.

فهو يلمس مع أغاني البوب التقليدية في “البخت”. ويجرب مع المهرجانات ذات الطابع غير التجاري ذات الإيقاعات الراقصة والقوية والسريعة وشبه المنتظمة في “لقطة” بالتعاون مع “وزة منتصر”. ومع “سادات العالمي” في “خربان”.

ويجز العادي
ويجز العادي

كما أنه تعاون مع شاكوش نجم المهرجانات ذات الطابع التجاري في إعلان لإحدى الشركات. ولكن النتيجة كانت غير متجانسة وبدا كأنهما في أغنيتين منفصلتين.

ولكن ويجز ليس فنانا تجريبيا أو طليعيا، فهو يجرب ولكن في حدود الموجود ولا يخرج عنه.

نهاية السرديات الكبرى

ويجز ليس وليد اللحظة فهو مر بظروف مر بها جيله بأكمله. فهو ينتمي للجيل الذي يطلق عليه الجيل “زد”. ذلك الجيل شهد في مصر انهزام الأحلام الكبيرة وانتشار أجواء اليأس والإحباط التي عقبت هزيمة ثورة يناير. فبدت الأحلام والسرديات الكبرى غير مجدية ولا تفضي إلا إلى خيبات أمل. فلجأ هذا الجيل إلى أحلام فردية لا تسعى لتحدي النمط السائد. هذا ما فعله ويجز. فأحلامه هي أحلام نمطية وبرجوازية. فهو يسعى للمال -ولكنه يدرك شروره- كما اختار ألا يخرج بشكل كامل عن النمط السائد في شكل موسيقاه.

يقول ويجز في أحد اللقاءات: “أنت طبقة متوسطة عايز تبقى طبقة غنية. أنت طبقة غنية عايز تبقى طبقة غنية فشخ. أنت طبقة غنية فشخ عايز تبقى حسني مبارك”.

ويجز ليس تجريبيا

أسلوب ويجز الغنائي ليس تجريبيا بشكل كامل ولكنه ليس نمطيا بشكل كامل أيضا.

يكمن نجاح ويجز في كونه عاديا ولكن ليس عاديا تماما. فهو يستخدم خطاب جيله بشكل مختلف. تتسم موسيقاه بالعفوية. فهي في جوهرها هي الأفكار واللغة التي تراود الشباب العادي ولكنه يجيد صياغة تلك الأفكار بطريقة تخلصها من شكلها المبتذل. كثير من موسيقاه لا تحمل هوية واحدة فألحانها مثل كلماتها وأفكارها تعبر عن أفكار غير منظمة وعفوية تكاد تقترب من أسلوب سيل الوعي. ولكن ليس تماما. فألحانه وكلماته تعبر عن أفكار متناثرة وعفوية وغير مترابطة على عكس مطربي البوب التقليديين الذين لا يفعلون إلا إعادة إنتاج نمط واحد.

هذا سر نجاح ويجز عند قطاع كبير من الجمهور الذي أغلبه من الشباب. سر نجاحه هو كونه عاديا. فويجز هو ذلك الشخص العادي الذي مر بنفس تجاربك ويشاركك أفكاره. قد يكون أنت أو صديقك. ولكنه ليس عاديا تماما أيضا. فهو عادي بشكل استثنائي.

وهذا بكل تأكيد لا يعني أن ويجز نجح في الهروب من “الكيتش”. فهو ما زال يسبح داخل “الكيتش” ولكنه يطوعه أحيانا والعكس بالعكس أحيانا أخرى. ولكنه يظل مدركا لهذا الأمر في كثير من الأحيان. فهو يجيد استخدام النمط السائد لصالحه.

روبي وعصرها

إن كان ويجز هو النموذج المعاصر لتلك الحالة فهو لم يكن الأول، فقد ظهر منذ سنوات نموذج آخر وهي أيضا عادية بشكل استثنائي. وتلك الفتاة هي روبي.

ظهرت روبي في أوائل الألفينات. كانت أيضا فترة بلا أحلام كبيرة ولا هوية واضحة. تلك الحالة التي ورثت بعد انهزام التجربة الناصرية وصعود عصور الاستهلاك والأحلام ذات الطابع المادي والربحي في الثمانينيات. والتي استقرت وترسخت في المجتمع في التسعينيات واستمرت حتى أوائل الألفينات.

في وسط أغاني البوب النسائية التي سيطر عليها مجموعة من المغنيات النمطيات الذين كانوا يغنون بشكل يتوافق مع المعايير السائدة بلا إغراء أو شقاوة. والراقصات في الفيديو كليب في ذلك الوقت كانوا أجنبيات ذوات بشرة بيضاء وعيون زرقاء وشعر أشقر. في وسط كل هذا ظهرت روبي.

“المزة” بشكل استثنائي

ظهرت روبي في كليب “إنت عارف ليه” تتمايل بشكل جذاب بأسلوب يتميز “بالشقاوة” وتغني بعض الكلمات البسيطة على إيقاع لحن لا يختلف كثيرا عن أغاني تلك الفترة. ثم ظهرت مجددا في كليب أكثر جرأة وتتساءل “ليه بيداري كده”. ترتدي ملابس رياضية أحيانا وترتدي تنورة قصيرة أحيانا أخرى. وتتمايل بشكل بسيط على أنغام الموسيقى أحيانا وتبرز مفاتنها على العجلة في أوقات أخرى. بالرغم من نمطية اللحن والكلمات ولكن روبي بشخصها ليست نمطية. وهي بكل تأكيد ليست مجرد “كليشيه” آخر. ولكن في الحقيقة إن كانت روبي “كيتش” فلا يسع المرء إلا الاستسلام لهذا “الكيتش”. ولكنها ليست “كيتش”. فروبي هي أكثر تعقيدا مما يبدو.

روبي وبساطتها
روبي وبساطتها

سر تميز وجاذبية روبي هي أنها بكل بساطة روبي. فهي فتاة سمراء ذات ملامح مصرية خالصة. تمثل روبي “المزة” المصرية التي لا تتغير أهميتها مهما اختلفت الأجيال. فروبي ليست راقصة محترفة. وهي أيضا ليست مغنية محترفة. ربما هي لا تجيد احتراف الأمرين. ولكنها تجيد ما هو أصعب من ذلك وهو أن تكون روبي. أو بمعنى آخر أن تكون عادية بشكل استثنائي.

فروبي هي تلك الفتاة المصرية التي تراها يوميا في حياتك. هي تشبه الفتاة التي ستقع في حبها شئت أم أبيت. تلك الفتاة أيضا ليست راقصة محترفة أو مغنية محترفة. ولكنك ستتشوق لرؤيتها أو سماعها. هي بشكل خاص تلك الفتاة العادية ولكنها مختلفة في نفس الوقت. هذا هو سر جاذبية روبي ونجاحها. كونها عادية ولكنها مميزة في نفس الوقت. بالضبط كالفتاة التي تأسرك في حبها.

روبي المتمردة نسبيا

خرجت روبي لترفض الصورة النمطية النسائية في موسيقى البوب السائدة في ذلك الوقت. ولتقول أنا موجودة وأنا عادية ولكني مميزة أيضا. لتعبر عن الفتاة المصرية العادية ولكنها ظلت استثنائية أيض.  فبالرغم من الإعجاب الذي نالته ولكنها هوجمت من حماة الفضيلة فقط.. لكونها فناة مصرية لتحديها النمط الأخلاقي الذي كان مفروضا على النساء في الغناء في ذلك الوقت. اختارت أن تحافظ على نمط موسيقى البوب السائد من ناحية اللحن والكلمات ولكن واجهته بكونها روبي. فهي تلك الفتاة المصرية الجذابة العفوية التي تتمايل بخفة وجاذبية وشقاوة بلا تكلف.

روبي وعصرها
روبي وعصرها

حتى اليوم ما زالت روبي تفعل ما تجيده وهو كونها روبي. فأصدرت العام الماضي أغنية “حتة تانية” التي اتسمت بنفس أسلوبها الخفيف. كما نشرت روبي مقطع قصير تظهر فيه تتمايل بطريقتها المعتادة التي لا يمل منها المرء ويستمر في تكراره بلا ملل على أغنية “قلبي الجامد”. وبالطبع ذلك المقطع انتشر على مواقع التوصل الاجتماعي مصحوبا بتعليقات الإعجاب.

روبي رغم مرور كل تلك السنوات ظلت نفس الفتاة العادية ولكنها عادية بشكل استثنائي.

هذا أيضا لا يعني أن روبي خرجت من “الكيتش” بل هي جزء منه أيضا ولكنها تجيد استعماله لصالحها. مثلها مثل ويجز. هما الاثنان يدركان حدود ما هو متاح وإمكانيات النمط السائد ولكنهما يطوعانه لخدمتهما لتحقيق انتصارات صغيرة.

أن تكون عاديا هو أن الاستسلام للنمط السائد. وأن يكون المرء استثنائيا يتضمن الخروج عن هذا النمط. أما أن يكون المرء عاديا بشكل استثنائي هو أن يجيد استخدام هذا النمط لصالحه في ظل عدم جدوى البدائل الأخرى أحيانا أو -للاستسهال أحيانا أخرى- وهذا ما فعله ويجز وروبي. ولكن تكمن مشكلة هذا الأسلوب هو سهولة الغرق في الابتذال بدلا من الطوف على سطحه. وهذا ما تفاداه الاثنان بشكل كبير حتى الآن.