يشهد العالم حاليًا تغييرات سياسية جديدة، وأوضاع جيوسياسية، أدت إلى تغيير جزئي في المعادلة الدولية والإقليمية. وذلك في عدة قضايا، تبرز منها العلاقة الخليجية العربية الإيرانية وإمكانية التقارب. خاصة مع ظهور بوادر التهدئة الغربية بقيادة أمريكا مع نظام طهران. وكذا إعادة العمل بالاتفاق النووي، الذي جمدته إدارة ترامب السابقة.

د. محمد الزغول
د. محمد الزغول

ويفتح التحول في الموقف الغربي بقيادة أمريكا تجاه النظام الإيراني، ملف التقارب نظام طهران. وأيضًا إمكانية التوافق وفتح حوار استراتيجي عربي إيراني، يعاد فيه النظر في شكل العلاقة الحالية. وهي علاقة تسببت في أزمات إقليمية في المنطقة العربية، في ظل تمدد النفوذ الإيراني، ووصوله حد السيطرة في 4 عواصم عربية: دمشق وصنعاء وبيروت وبغداد. بالإضافة إلى المخاطر السياسية والتهديدات الأمنية على الدول الخليجية. ما كان نتيجة للبرنامج الصاروخي الإيراني. وقد وصل بصواريخه عبر الوكلاء إلى استهداف منشآت في كلا البلدين السعودية والإمارات.

وفي ظل ذلك، يرجح البعض أن الترتيبات الإقليمية الجديدة ستفتح حوارًا بين العرب وإيران. ذلك في سبيل محاولة الوصول إلى تهدئة، وتغليب لغة المصالح وحسن الجوار، على حالة المواجهة المفتوحة بين العرب (دول الخليج) وإيران. وهي جزء من الأزمات التي تعيشها المنطقة. الأمر الذي تحوّلت طهران بموجبه إلى “عقدة إقليمية” لدول الخليج، كما يشير الدكتور محمد الزغول الباحث والمحلل السياسي في الشأن الإيراني مدير وحدة الدراسات الإيرانية بمركز الإمارات للسياسيات. وقد تحدث في حوار مطول مع “مصر  360″، عن توقعات لمستقبل التقارب العربي الخليجي مع إيران.

وهو يرى أن نجاح هذا التقارب لابد أن يعتمد على  “حوار  إقليمي” برعاية دولية، بين أطراف الأزمة. على أن يحاول إيجاد صيغ مناسبة لكبح الجموع الإيراني في الهيمنة على المنطقة. بينما يستبعد فرص نجاح “الحوار الثنائي”. ذلك لأن إيران ستكون لها اليد العليا. كما يستبعد أيضًا “الحوار الدولي مع طهران”، الذي لا يراعي المصالح العربية.

لماذا تبدو المسألة الإيرانية وكأنها عقدة مستعصية، وكيف يمكن تفكيكها؟

بعيدًا عن إكراهات الجغرافيا، ومُقتضيات، وقيم الجوار العربية والإسلامية، والمصالح الجوهرية المشتركة، فإن العُقدة الإيرانية هي “عُقدة مركزيّة” في المنطقة. وهي “عُقدة وَلّادة” للأزمات، ولها امتداداتها في معظم أزمات المنطقة الأخرى. لذا دون حلّ هذه العُقدة المركزيّة والمُمتدّة، لا يُمكن تَصوُّر حَلٍّ مُستدامٍ للأزمات الأخرى.

تأتي العقدة الإيرانية في إقليم الشرق الأوسط الذي يعاني عدم الاستقرار نتيجة محاولات تمرير مشاريع هيمنة إقليمية من لاعبين إقليميين -أهمها المشروع الإيراني- في ظل وجود قوّة مُعطِّلة ومُتفوِّقة في آنٍ معًا (إسرائيل).

وفي حين أن القوى الكبرى، وعلى رأسها أمريكا، تتفق على أن الاستقرار في المنطقة يتطلب وجود نظام إقليمي متوازن القوى، يحتفظ في الوقت نفسه لإسرائيل بالتفوق؛ فإن ثمّة عقبات تحول دون تطبيق هذا النظام الإقليمي. ومن ضمنها اختلاف رؤى هذه القوى المؤثرة في تعريف معالم التوازن المنشود.

تشير الرؤية الاستراتيجية إلى أن طموحات الأطراف المتصارعة في الشرق الأوسط للهيمنة الإمبراطورية، هي طموحات غير واقعية، ومنقوصة. إذ لا تتوافر فيها الشروط الموضوعية التي يُفترض وجودها نظريًا من أجل استقرار الهيمنة.

وقد أظهرت التجربة التاريخية في العقد الماضي، أن الاستقرار الإقليمي هش في ظل وجود طموحات الهيمنة الإمبراطورية المنقوصة تلك. لأن أيّ استقرارٍ  يُمكن تصوُّره في المنطقة، لابدّ أن يتّبع صيغةً توافقيةً ما. أو على الأقل أن يتّبع نموذجًا مرنًا للغاية من الهيمنة التعاونية. وهذا لن يتحقق  إلا على طاولات التفاوض، لا في ساحات المعارك والتنافس.

كذلك، تشير محاولات الهيمنة الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن إلى أن إيران لا تتبع في سلوكها الإقليمي -كما هو واضح- استراتيجياتٍ خيريةً (Benevolent)، أو اندماجيةً (Integrative). وإنما نموذجًا توسيعًا إمبراطوريًا. دون أن تمتلك نموذجًا جاذبًا، يقدم الكفاءة الاقتصادية ذات الإمكانات المتفوقة، أو التفوق العلمي أو حتى والأيديولوجية المقنعة. هي تكتفي بنظرية الهيمنة ذات الصبغة المذهبية. ويمكن اعتبار ظواهر الهلال الشيعي، وحروب الميليشيات بدعاوى الدفاع عن مقدسات أهل البيت، تجليّات لهذا المشروع.

وفي ضوء هذه الرؤية الاستراتيجية، فإن حلّ العقدة الإيرانية يتطلب مُقاربةً تأخذ كُلًّا من واقع الظاهرة الإيرانية، وواقع التنافس الإقليمي، وطبيعته، وتداعياته، وأثر القوى العالمية. إضافة إلى العوامل الأيديولوجية والسيكولوجية المؤثرة. لتتمثَّل تلك العوامل مجتمعةً في مبادرةٍ، للخروج بصيغةٍ تعاونيةٍ، تُراعي مصالحَ جميع الأطراف. ذلك وفق موازنة القوّة الفعلية. وخاصة الجانب الخليجي العربي، بوصفه المخاطب الأول لمشروع الهيمنة الإيرانية.

هل تتوقع أن يتم إقرار الاتفاق النووي، وهل سيكون بنفس الصيغة السابقة لاتفاق 2015، أم هناك بنود جديدة؟

تفتح الظروف القائمة، الملفَّ النووي الإيراني على احتمالين: إعادة واشنطن إلى الاتفاق النووي لعام 2015 دون أية إضافات أو شروط جديدة. ويكون ذلك مقابل تراجع طهران عن خطواتها التصعيدية النووية الخمس التي أعقبت خروج أمريكا من الاتفاق النووي. أو الاحتمال الثاني. وهو الذهاب باتجاه “تهدئة نووية خارج إطار الاتفاق النووي”، ربما بالتوازي مع تفعيل حوار إقليمي (عربي-إيراني)، بوصفه مخرجًا من حالة التصعيد الإقليمية.

وقد تحدثت واشنطن بصراحة حول خيار “التهدئة النووية خارج الاتفاق النووي”. ذلك بعد المحاولات الروسية الأخيرة لعرقلة تقدم مفاوضات فيينا.

أظهرت إيران أيضًا -في ظل حكومة المحافظين الحالية- انفتاحًا على الحوار الإقليمي مع دول الجوار. ربما على سبيل البحث عن بدائل الخضوع للشروط الأمريكية بشأن تغيير السلوك الإيراني. ومع ذلك، يبدو هذا المسار الإقليمي مطلوبًا في ظل ابتعاد إدارة بايدن عن استراتيجية الحضور المباشر في الملفات الإقليمية، واللجوء إلى سياسة التعهيد.

وعلى الرغم من أن مشاريع الوساطات الإقليمية، تتجاوز كونها وساطات بين إيران والسعودية، وتنظر إلى الأزمة من منطلق أشمل. لكنّها لا تأخذ بالحسبان الضرورات الاستراتيجية اللازمة لحلّ العقدة الإيرانية. ما يجعل منها حلولًا مبتورة. ومن المرجح أن تكون نتيجتها منح إيران اليد العليا في أي حوارات محتملة. فهي لا تأخذ تصور إيران الاستراتيجي لنفسها، ولمنافسيها، ولا طبيعة مشروعها الجيوسياسي بالحسبان.

اقرأ أيضًا: الحدود الجديدة.. لماذا تظل عيوب الاتفاق النووي الإيراني دون حلول؟

كيف تستقبل العواصم الخليجية التقارب الغربي الإيراني في حال عودة الاتفاق النووي؟

كان البرنامج النووي الإيراني في السنوات التي سبقت 2015 والاتفاق النووي المحور في المسائل الإيرانية بشكل عام. بينما كان البرنامج الصاروخي الإيراني يعيش حالة جنينية آنذاك. وكذلك كان مشروع التوسع الإقليمي الأيديولوجي للحرس الثوري الإيراني، الذي لم يكن أكمل مشروعه للتحوُّل إلى دولة عميقة في الداخل الإيراني.

أما اليوم، فإن ملفّي الصواريخ والتوسع الإقليمي الأيديولوجي في البلدان العربية، لا يقلّان أهميةً للعالم عن البرنامج النووي. بل يمكن عدُّهما الملفين الأهم من منظور المصالح الخليجية. خصوصًا، وأن التوجه الإيراني على صعيد هذين البرنامجين، يظهر أن المعني الأساسي بهما، هو الجار الخليجي. ويجعل ذلك من الضروري، إعادة ترتيب الأولويات، ووضع كل تلك الملفات ضمن المستوى نفسه من الأهمية.

وذلك في ظل التصعيد الصاروخي المتواصل من جانب الحرس الثوري الإيراني، ووكلائه في المنطقة سواء الحوثيين أو حزب الله أو الميليشيات في العراق. لذا من الطبيعي أن تتواصل الدعوات الإقليمية والدولية، لوضع قيود على البرنامج الصاروخي الإيراني. بما يجعله لا يمثل تهديدًا لدول المنطقة.

هل تمانع الدول الخليجية الانفتاح تجاه إيران، ولماذا تخشي العودة للاتفاق النووي؟

يبدو أن دول الخليج العربية لا تمانع انفتاح أمريكي وأوروبي مدروس على طهران. على أن يدعم الاقتصاد الإيراني، وفق استراتيجية واضحة المعالم لتغيير سلوك النظام. لكن أيًّا من القوى الإقليمية لن ترغب في مشاهدة انفتاح اقتصادي فضفاض أو غير مخطط له. فأي انفتاح اقتصادي أو نقدي لا يكون جزءًا من استراتيجية شاملة، لن يؤدي إلى النتائج المرجوة في تغيير سلوك إيران.

لقد أظهرت السابقة التاريخية للاتفاق النووي لعام 2015، أن النظام الإيراني استغل فتح المجال الاقتصادي أمامه، لدعم مشاريعه للتوسع الإقليمي. وأيضًا دعم برامج التسلُّح. فيما أثبتت تجربة العقوبات تأثيرًا قويًا في ردع برامج إيران التوسُّعية. كما أظهرت قدرتها على دعم استجابة إيران لمطالب الحوار مع المجتمع الدولي. وفي ظل هذه الحقائق القاسية لا يمكن تصور أي نتائج إيجابية يمكن أن تتمخض عن حوار مع إيران دون أوراق اقتصادية وسياسية وعسكرية ضاغطة. وفي حال رفع العقوبات أو الجزء الأكبر منها عن إيران، فلا أدري ما الذي يمكن الضغط به على إيران مقابل ضبط برنامجها الصاروخي، أو وقف مشروعها للهيمنة الإقليمية.

 

وفي حال توصل الأطراف في فيينا إلى صيغة للعودة إلى الإطار النووي، أو صيغة للتهدئة النووية، ستبقى الملفات الخلافية الأخرى معلقة. وربما يكون البديل الأكثر عملانيةً، وقابليةً للتطبيق هو فكرة “الحوار الإقليمي بإشراف دولي” حول هذه الملفات الخلافية التي تشمل ملفين أساسيين: الأنشطة الإقليمية الإيرانية، والبرنامج الصاروخي الإيراني. ويمكن تصور إضافة محورين آخرين يعبران عن مصالح مشتركة من حيث المبدأ، هما: أمن منطقة الخليج والملاحة البحرية، والتعاون الاقتصادي الإقليمي.

كيف يمكن السيطرة على برامج الصواريخ الإيراني؟

يمكن تحقيق ذلك ضمن برنامج عمل يشرف عليه مجلس الأمن، ويقع تحت البند السابع. وقد يكون من المفيد أيضًا طرح مقترح لإقامة “منطقة منزوعة الصواريخ” على ضفتي الخليج في إطار برنامج إقليمي موسع. خاصة أن الأطراف الأوروبية والدولية تبدي قلقًا من الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى. فيما أثبتت إيران قدرتها على إيصال صواريخها قصيرة، ومتوسطة المدى، إلى مختلف وكلائها الإقليميين في مختلف الظروف. ما جعل دول المنطقة كلها تقريبًا عرضة للتهديد. وبالتالي، فإن حصر النقاش حول الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى باتَ قاصرًا عن معالجة المخاوف الأمنية الأساسية.

اقرأ أيضًا: إسرائيل والخليج.. هل نشهد نظامًا أمنيًا جديدًا وما مآلاته على مستقبل التوترات مع إيران؟

كيف يمكن اعتبار التقارب الخليجي مع إسرائيل وتركيا هو لمواجهة إيران؟

هناك ضرورة لإيجاد حلول واقعية، وقابلة للتطبيق، لمعالجة الملف الصاروخي الإيراني لدى الطرف العربي. حيثُ يبدو أن مختلف الأطراف لا تزال في طورِ صياغة تصوُّراتها للحلول الممكنة في هذا الملف. وكإجراء استباقيّ، تستطيع المزيد من الخطوات العمليّة، مثل مزيد من المعاهدات الدفاعية المشتركة مع بلدان أخرى، أن تُسهم في تقليص أهميّة الأوراق الإيرانية الرابحة في الملف الصاروخي، ودفع طهران لتقديم تنازلات أكبر. وفي هذا الإطار  يمكن أن تُقرأ محاولات التعاون الدفاعي بين بعض دول الخليج العربية وكل من إسرائيل وتركيا. حيث تتميز الأولى بالدفاعات الجوية المتقدمة. بينما تتميز الثانية بصناعة الطائرات المسيرة.

هل سيوفر الحوار الإقليمي ضمانات للعواصم الخليجية لوقف إيران؟

يتوقع أن يجد الحوار الإقليمي للعرب المتضررين من محاولات الهيمنة الإيرانية مخرجًا من التصعيد، وبديلًا عن خيار “الحوار الثنائي” الذي تمتلك فيها طهران اليد العليا، ويفتقر إلى أي ضمانة لالتزامها بنتائجه. وهو بديل أيضًا عن خيار “الحوار الدولي مع إيران” الذي لم يراع المصالح العربية. وعلى الرغم من المواقف المتناقضة التي تصدر عن الجانبين؛ العربي والإيراني، أحيانًا. إلا أن متابعة التطورات تُظهر ارتفاع الأصوات المطالبة بالحوار الإقليمي على الجانبين. خاصة في ظل الشعور بحالة “تراجع القوة” على طرفي المعادلة، نتيجة جائحة كورونا، وتذبذب أسعار النفط، واستنفاذ فوائض القوة المالية في الصراعات الإقليمية، وعجز جميع الأطراف عن تحقيق أي حسم عسكري في مناطق الصراع.

ما هو الدور المتوقع لجامعة الدول العربية في ضبط هذه العلاقة؟

أعتقد أن نجاح المبادرة الإقليمية للحوار يتطلب موقفا عربيًا موحدًا. أو على الأقل موقفًا مشتركًا يتضمن الحدّ الأدنى اللازم من التوافق، بشأن المطلوب من إيران، مقابل الانفتاح الاقتصادي والسياسي العربي والخليجي.

هل إيران لديها رغبة في تحسين علاقتها بالجوار الخليجي؟

تتمثل إحدى أهم العقبات في تجارب الحوار العربي-الإيراني، في أن الجانب العربي عادةً يتحاور مع الطرف غير المخول، المتمثل في الخارجية الإيرانية. بينما الكلمة العليا هي للمحافظين والحرس الثوري. ولذلك يتوقع أن تعزز هيمنة المحافظين على الحكومة فرص تطبيق استراتيجية التوجه نحو الشرق. وهو ما سينعكس على صعيد العلاقات الإقليمية. إذ ستتجه إيران إلى إبداء مرونة أكبر تجاه الكتلة الخليجية. ذلك على أمل الحصول على استثمارات تعوض جزءًا من الاستثمارات الغربية التي ستبتعد في ضوء سياسة التوجه الشرقي. والتقرب مع الجيران.

لكن حكومة المحافظين الحالية لا تمتلك خطة واضحة لتطبيق هذا التوجه. خاصة في ظل اتخاذ هذا الفريق خطوات تشير  إلى منح الأولوية للجوانب الأيديولوجية في السياسة الإقليمية. وهي متناغمة بشكل أكبر مع أولويات الحرس الثوري، وسياساته الإقليمية. ما يعني ضمنًا مزيد من التوترات مع العلاقة مع الأطراف العربية. خاصة في الملف اليمني.

وقد ألمحت حكومة إبراهيم رئيسي إلى “مبادرة هرمز للسلام”. غير أن هذه المبادرة لا تحظى بأي فرصة للقبول أو النجاح. لذلك يمكن توقُّع قيام طهران بالدفع باتجاه عمليات انفراج على أسس ثنائية مع الدول العربية المجاورة، مثل التعاون في مجال الأمن البحري.

اقرأ أيضًا: هل تستطيع إيران والخليج العيش في سلام؟

هل ستساهم الأوضاع الدولية الحالية في تغيير قواعد اللعبة الإقليمية؟

هناك تداعيات للأزمة الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهي تتمثل بشكل أساسي في أسواق النفط، والطاقة، وحركة التجارة، والأمن الغذائي الإقليمي. لكن آثار هذه الأزمة ستمتد تدريجيًا إلى السياسة، والأمن، وشبكة التحالفات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط.

وتعكس الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني إلى قطر، وزيارة الرئيس الإسرائيلي إلى تركيا تطورًا ملموسًا في منظومة التحالفات، واتجاهات التنافس، والصراع الإقليمي. وذلك كله نتيجة أولية للصراع في أوكرانيا. وقد بدأت بوادر هذا التأثير في الظهور. إذ كان للأزمة انعكاسات وتداعيات مباشرة على الملف النووي الإيراني، والتنازع بين اتجاهات الشرق والغرب في السياسة الخارجية الإيرانية، ومنظومة علاقات إيران الإقليمية، وشراكاتها الدولية.

ويُشَكِّلُ صعود تركيا وطموحاتها الواضحة لتهميش إيران كفاعل في مجالي الطاقة والنقل في مناطق جنوب القوقاز وغرب آسيا مصدر قلق بالغ لطهران. وفي ظل الرغبة الإيرانية باستثمار الحاجة الأوروبية لمصادر الطاقة البديلة. وربما ينعكس ذلك على التنافس الإيراني-التركي. وعلى النقيض من ذلك يبدو أن الصراع في أوكرانيا بدأ يقرب المسافات بين إيران وقطر بعد أن وفرت  الحرب في أوكرانيا مجالات جديدة من التعاون بين البلدين في مجال الطاقة.

يمثل الملف اليمني أبرز تحديات العلاقة بين إيران والسعودية. وإلى الآن يبدو أن الأمور تتجه إلى مزيد من التصعيد. ولا يزال من المبكر التكهن بأي نتائج إيجابية للحوار السعودي – الإيراني.

اقرأ أيضًا: ما هو مصير الصراع الطائفي بالشرق الأوسط إذا غابت أمريكا؟

ما هي الرؤية للعلاقة المستقبلية والتقارب بين إيران وجيرانها الخليجيين في ظل التغييرات الحالية؟

لا تزال محاولات التقارُب مع إيران، وفضّ الخلافات معها، مشدودة بين اتجاهي الاستعصاء والضرورة. فمن جهة يُدرك الجميع مدى صُعوبة فضّ النزاع مع “إيران الدولة/العُقدة”. لكن في المقابل، باتَ حلّ هذه العُقدة “ضرورة ملحة” لاستقرار المنطقة، أو على الأقل استعادة الحالة الطبيعية فيها.

وتُؤكّد التجربة التاريخيّة أن الاقتصاد الإيراني يرى في تطوير العلاقات مع دول الخليج العربية نافذة مهمة في مواجهة الحالة الاقتصادية نتيجة العقوبات. ويحاول الإيرانيون اليوم إعادة النشاط إلى النافذة الخليجية. لكن العقل السياسي الإيراني لا يعتبر الانفتاح على الخليج خطوة في اتجاه التطبيع مع العالم. بل يعتبره ساترًا لمواجهة العقوبات الأمريكية. ومن جهة أخرى تُمثّل محاولة مدّ الجسور مع دول الخليج، خطوة في سياق استراتيجية إيرانية. وهي تستهدف احتواء المخاطر التي يُمثّلها التواجد الإسرائيلي قرب الحدود الإيرانية. ذلك عبر سياسةٍ تعتمد على الامتصاص والاحتواء، بدلًا من المقاومة والرفض.

هل تتوقع أن يسمح النظام العقائدي الإيراني بالتقارب بين طهران والخليج دون تدخل أو محاولة فرض السيطرة؟

يأتي الاهتمام الإيراني برأب الصّدْع مع دول الخليج أيضًا في سياق سياسة عَزْل اللاعبين التي تتبعها طهران، والرغبة في تفكيك التحالف الإماراتي-السعودي. فيما ذهبت جهات مُؤَدْلَجة مُقرّبة من مراكز صنع القرار إلى أن دول الخليج ربما تكون قد أدركت أخيرًا رجحان موازين القوة الإقليمية لصالح إيران، وأن الحوارات الخليجية مع إيران، تعدُّ استجابة للضغوط الإيرانية. ومثل هذا الفهم من شأنه أن يُعمّق قناعة الإيرانيين بجدوى سياسة الضغط والابتزاز، باعتبارها آليات مؤثرة.

وتُحاول إيران عبر مناورات التقارب، وفتح الأبواب على الجيران تفادي فكرة توسيع المفاوضات النووية. على أن تتضمن الملفات الإقليمية الخلافية، والإيحاء بأنها تتحرك نحو فضّ الخلافات مع جيرانها حول تلك الملفات العالقة بمعزل عن مسار المفاوضات النووية.

ومن المرجح أن تتواصل محاولات إيران للانفتاح على محيطها الإقليمي. وأن تؤدي مُحاولات التقارب هذه إلى زيادة التبادل التجاري بين بعض دول الخليج معها على المدى القريب. لكن ثمّة عقبات تحول دون إنشاء علاقات مستقرة مع دول الجوار. منها: الرؤية الأيديولوجية الإيرانية التي ترفض التعامل مع دول الخليج من منطلق الندية. وكذلك الإصرار على طرح أجندة إقليمية وأمنية جاهزة تتلخص في توفير مظلة إقليمية أمنية تقودها إيران، بديلًا عن تسوية ملفات خلافيّة رئيسة. خاصة البرنامج الصاروخي الإيراني، والنهج التوسعي الإقليمي. ما يجعل محاولات التقارب محدودة الأثر. لأنها لا تُوفِّر حُلولًا لأهم الملفات الخلافيّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. محمد الزغول

باحث أردني مهتم بالشأن الإيراني، وشؤون دول الخليج العربية. يعمل مديراً لوحدة الدراسات الإيرانية في مركز الإمارات للسياسات منذ عام 2013، حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن (عربي-فارسي) من جامعة طهران عام 2004، والماجستير في الأدب المقارن (عربي-فارسي) من جامعة طهران 2001.  والبكالوريوس في اللغة العربية والعلوم السياسية من جامعة اليرموك الأردنية. يعمل محللاً سياسياً متعاوناً مع عديد من وسائل الإعلام والقنوات الفضائية. شارك منذ عام 2001 في العديد من ورش العمل والمؤتمرات الدولية والإقليمية المتخصصة في الشأن الإيراني والشؤون الإقليمية. وله عدد من المؤلفات والترجمات والأبحاث المتخصصة المنشورة باللغتين العربية والفارسية.