يُغني عبد الحليم حافظ “بلاش عتاب”. بينما المثل الشعبي يؤكد أن العتاب على قدر المحبة. بين الأغاني ووعي الجماعة الشعبية يأتي السؤال الدائم: نعاتب أم نصمت؟

يظن البعض أن العتاب واللوم يُبهت العلاقة ويجعلها هشة. وآخرون يرون فيه دفعًا نحو الملل والرغبة في الخلاص والتخلص من الشريك. بينما تأتي أراء الواعون وخبراء التحليل النفسي مع فكرة المراجعة والمكاشفة والتي تنطوي بداخلها على ما نُسميه اللوم أو العتاب. فتلك مسافة آمنة لتصحيح مسار العلاقات. خاصة علاقات الارتباط والزواج. تلك النوعية من العلاقات التي تحوي في باطنها التزامًا ومسؤوليات مضافة مع الإقامة المشتركة التي تخلق مشكلاتها. وبحاجة دومًا لمسافة حتى نرى ولا نسقط في بئر سوء الظن والخلاف.

هل يختلف اللوم عن العتاب؟

في معاجم اللغة العربية يخرج العتاب من رحم اللوم. لكن العِتاب يأتي من شيم المحبة وفي سياق الود. بينما اللوم يختفي خلف التربص والسعي نحو إلصاق اتهامات النقص والخطأ بالطرف الآخر. أي إن كلا من العتاب واللوم لهما نفس المضمون. بينما تختلف طرق الأداء والدوافع. ففي العتاب تكون هناك حالة من الود. بينما ينطوي اللوم على توبيخ والتضييق على الآخر لسجنه في منطقة المخطئ وربما الفاشل.

عادة يسعى الشخص الذي يلوم إلى إثبات خطأ الآخر ومهاجمته ودفعه إلى موضع التبرير والدفاع عن سلوك أو طريقة تصرف. وبعض الأشخاص يجيدون لعب دور المحقق. مما يدفع الشريك لحالة من الذعر الداخلي. تجعله راغبا في إخفاء ما يخصه. وأحيانًا الكذب. وربما زادت حِدة اللوم فسعى الشريك إلى وأد محاولات اللقاء رافعة رايات البعد كحل مؤقت للتخلص من هجوم شريكه.

فعلاقات الحب والصداقة والزواج من المفترض أن تكون مراجعاتها عِتابًا وليس لوما. لكن البعض يخلط بينهما. فتتحول تلك المراجعات لمواطن لقنابل موقوتة تهدم ولا تبني.

لماذا تُعاتب

أصبح الجميع يستخدم الكاميرا ويلتقط عشرات ومئات الصور. لكن تفوت الغالبية أن الصورة بالرغم من كونها تُجمد لحظة حقيقية فإنها لا تكشف عن كل الحقيقة. فكل موقف حوله العديد من الزوايا التي لا نراها وهذا طبيعي جدًا ببساطة. فالإنسان عندما يكون غاضبًا لن يلتفت لكل شيء. وليس الغضب وحده. فحتى السعادة تُخفي كثيرا من جوانب الرؤية. ولأننا لا نرى كل الزوايا فقد جاء سوء الظن والفهم الخاطئ. وولدت مئات المواقف التي تدفع أصحابها للقطيعة والبعد والتراشق بالاتهامات ونتج عن كل ذلك فقد وخذلان وانكسار.

نبدأ العلاقات ونحن نحلم بأبديتها ونموها وازدهارها. وفي كل علاقة نحتاج إلى مساحة آمنة نلجأ إليها في كثير من الأوقات عند الغضب والضعف والحزن. ومن أهم المساحات الآمنة المراجعة والمكاشفة. تلك التي تكون أداتها الأساسية العتاب. حتى يكشف الطرف الآخر عن وجهة نظره أو أسبابه في فعل ما حدث وتسبب في غضب أو حزن أو تبعات لموقف ما.

إننا نُعاتب لأننا حريصون على استمرار العلاقة لأطول فترة ممكنة. نُعاتب لأننا نحب ولأننا نرى في الآخر شريكًا في العمل أو الصداقة أو الحياة. شريكًا نستكمل معه ما نقص منا. ونتشارك المحبة والسعادة. فالعتاب والمراجعة أدوات لنضارة زهرة العلاقة. نسعى باجتهاد لتظل جميلة وعطرة. فقط علينا أن نفعل ذلك بالشكل الصحيح وفى التوقيت الملائم.

الوقت المناسب للعتاب

التوقيت المناسب هو كلمة سر نجاح أي شيء. بشكل عام فقرار الشراء في الوقت المناسب قد يضمن ثروة. وقرار البعد في الوقت المناسب يحمي الإنسان من تبعات علاقات تضر روحه وحياته. وقياسًا على هذه الأمثلة يمكن أن نُعدد عشرات الأمثلة على أهمية اختيار التوقيت. وربما أهم حد فاصل بين اللوم والعتاب هو اختيار التوقيت المناسب.

الصمت عن أسباب الغضب والحزن وأفكار البعض عن تقصير الشريك تصنع فجوات تتسع مع الوقت. وبالتالي فإن كل علاقة حتى تضمن بقاءها لأطول فترة ممكنة فإنه ينبغي أن تكون المراجعات والعتاب مكونا أساسيا من مكونات العلاقة. العِتاب وليس اللوم. فالعتاب يتطلب توضيح الأسباب وإزالة اللبس عن المواقف التي تتحمل تعدد وجهات النظر. ومن هنا يمكن فك الاشتباكات وإنهاء حالة غضب أو حزن حتى لو كان خفيا.

العتاب يتطلب ألا يكون الطرفان في حالة صراع أو شجار. ففي وقت الشجار لا يكون هناك عتاب لكنه يُصبح لوما. فالطرف الذي يبدأ في فعل ذلك هو يرغب في توصيف شريكه بالمخطئ ودفعه للاعتذار. وهذا من الأمور التي تقوي أسلحة العناد. فنجد الطرفين يتبادلان الاتهامات أو أن طرفًا يوجه طعناته لشريكه. فتزداد حدة الخلاف وتؤول إلى غضب أكبر وكسر قد لا يُجبر بسهولة.

لذلك فإن أردت أن تعاتب اختر وقتًا جيدًا. اختر كلمات مناسبة تحمل من الود والمحبة أكثر ما تحمل من الاتهام والصفات غير المرغوب فيها. لا تهاجم ولا تتهم ولا تبدأ بإطلاق الأحكام. لأن العتاب يتطلب التوضيح وليس الدفاع. إطلاق الأحكام إشارة إلى موقف ونحن نعاتب حتى لا نقع في أزمة الأحكام والمواقف الخاطئة. العتاب مساحة لتأكيد المحبة وليس الاتهام.