واجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العقوبات الغربية على الاقتصاد المحلي بحركة غير متوقعة، بعد تأكيده قبول الروبل فقط في صفقات الغاز مع الدول الأوروبية وغير الصديقة ليخلق طلبا إجباريا على عملة موسكو، ويدفع بها إلى الصعود الإجباري أمام الدولار تحت وطأة الطلب المُلح.

بوتين يقول إن روسيا سترفض قبول مدفوعات إمدادات الغاز الطبيعي بعملات أسماها بأنها معرضة للمخاطر بما في ذلك الدولار واليورو  وستتحول فقط إلى المدفوعات بالروبل،  لترتفع أسعار الغاز في أوروبا بعد بدقائق بنسبة 19٪، كما ارتفعت أسعار خام برنت أيضًا بنحو 5٪ لتتجاوز 120 دولارًا للبرميل.

 

اقرأ أيضا: أول الأوراق الروسية.. زيارة “الأسد” إلى الإمارات: أبوظبي تبحث عن بديل لأمريكا

 

تزود روسيا حوالي 40٪ من الغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي، وهو اعتماد ألقى بظلاله على قدرات أوروبا في اتخاذ قرارات في الحرب الروسية، ويحاول القادة الأوروبي منذ اندلاع الحرب تقليل اعتماد المنطقة على الطاقة الروسية، وأعلنوا عن تشريع يتعلق بملء مرافق تخزين الغاز إلى الحد الأدنى واقترحوا إنشاء فريق عمل لتنسيق مشتريات الغاز.

لكن بوتين، في خضم تصريحاته التي جاءت في اجتماع حكومي، أكد أن موسكو ستواصل توريد الغاز وفقًا للعقود الحالية. تشمل قائمة الدول غير الصديقة لروسيا أعضاء الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ودول أخرى.

أثارت التصريحات قدرًا من القلق، فوزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، الذي تستورد بلاده 55٪ من غازها الطبيعي من روسيا اعتبر طلب بوتين انتهاكًا للعقد وأن برلين ستناقش مع الشركاء الأوروبيين “كيف سيردون على ذلك؟”، بينما قالت شركة الطاقة النمساوية إنها ستواصل دفع ثمن الغاز الروسي باليورو، مضيفًة على لسان رئيسها: “لدينا أساس للعقد.. لن تتمكن من القيام بخلاف ذلك.”

روسيا تحاول الضغط على الغرب بفرض عقوبات مضادة

وقال أيبك أوزكارديسكايا، كبير المحللين في بنك “سويسكوت” السويسري إن “روسيا تحاول الان الضغط على الغرب بفرض عقوبات مضادة وتقليص اعتمادها على العملات الاجنبية”.

بالفعل يقول المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف، إن طلب بوتين ليس سوى بداية لنقل الصادرات الروسية إلى الروبل، وكخطوة تالية، فسيتم على الأرجح تحويل تصدير جميع السلع الروسية، التي لا غنى عنها في السوق العالمية، مثل القمح والنيكل واليورانيوم والأسمدة، ثم بقية الصادرات، إلى التسوية بالروبل.

تتم معظم صفقات السلع العالمية بالدولار يليه اليورو، وليس من الواضح كيف يمكن لروسيا إجبار أكبر عملائها على التغيير. قد يكون توفير الروبل للمرافق الغربية أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلًا، فالعملة الروسية تم عرقلة تداولها بشدة بسبب العقوبات الغربية وكذلك ضوابط رأس المال الروسية، التي تسعى إلى منع هروب رؤوس الأموال من البلاد.

فينيسيوس رومانو، كبير المحللين في شركة ريستاد إنرجي الاستشارية، يقول إن الإصرار على مدفوعات الروبل قد يمنح المشترين سببًا لإعادة فتح جوانب أخرى من عقودهم – مثل المدة – وببساطة تسريع خروجهم من الغاز الروسي تمامًا، ما قد يكون مشكلة لروسيا أكثر من الغرب.

وحتى لو قام مشترو الطاقة الروسية بتحويل مدفوعاتهم إلى الروبل، فقد يكون هناك تأثير محدود. لقد طلبت روسيا بالفعل من شركاتها التي تأخذ مدفوعات بالدولار واليورو مبادلة 80٪ من إيراداتها بالروبل ، وهي طريقة لخلق الطلب على العملة. لكن له تأثير عملي يتمثل في إلقاء عبء دعم الروبل على عملاء روسيا، بدلاً من البنك المركزي أو الشركات .

تعزيز العملة الروسية

ارتفع الروبل الروسي بنسبة 7 ٪ ليتم تداوله عند حوالي 98 روبل للدولار بعد تصريحات بوتين، بينما يقول جيسون توفي، كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس ، إن هذه الخطوة تهدف على الأرجح إلى تعزيز الروبل وتقليل اعتماد روسيا على البنية التحتية المالية الغربية.

قال توفي عن تلك القرارات تعزز ببساطة فكرة أن روسيا ستواصل انجرافها نحو الاكتفاء الذاتي، في إشارة إلى نظام اقتصادي يتطلع إلى الداخل ويسعى إلى تقليص العلاقات مع العالم الخارجي.

وقال متحدث باسم شركة إنيكو الهولندية للغاز ، التي تشتري 15 في المائة من الغاز من شركة الغاز الروسية العملاقة التابعة لجازبروم ، وينجاس جي إم بي إتش ، إن لديها عقدًا طويل الأجل باليورو، وأضاف:  “لا أستطيع أن أتخيل أننا سنوافق على تغيير شروط ذلك”، لكن الهند ليست مصنفة ضمن الدول الأعداء لروسيا.

اقرأ أيضا: تقارير دولية تدق ناقوس الخطر.. أزمة الديون العالمية تنبئ بـ”احتجاجات شعبية”

أسبوع واحد فقط لنقل عمليات التصدير  إلى العملة الروسية

قال بوتين إن أمام الحكومة والبنك المركزي أسبوع واحد للتوصل إلى حل بشأن نقل العمليات إلى العملة الروسية. وإنه سيصدر أمر لشركة جازبروم -عملاق الطاقة المحلي- بإجراء التغييرات المقابلة على العقود.

أظهرت بيانات من مشغل خط أنابيب جاسكيد أنه في أسواق الغاز الأربعاء الماضي. تراجع تدفقات الغاز المتجهة شرقا عبر خط أنابيب “يامال – أوروبا” من ألمانيا إلى بولندا بشكل حاد.

اليابان أيضاً مصنفة كدولة غير صديقة “غير صديقة” وتستورد أيضًا الغاز الطبيعي المسال من موسكو. فما يقرب من 9٪ من واردات اليابان من الغاز الطبيعي المسال عام 2021 جاءت من روسيا. ومعظمها من مشروع سخالين -2 بالشرق الأقصى الروسي.

استبعدت اليابان فرض حظر على استيراد الغاز الروسي. قال وزير المالية الياباني شونيتشي سوزوكي إنه لم “يفهم تمامًا” ما هي نية روسيا من أمر الدفع بالروبل. أو كيف ستنفذه روسيا؟

إن المطالبة بمدفوعات الغاز بالروبل ليست المرة الوحيدة. التي يغازل فيها بوتين إجبار الشركات الأجنبية على مواجهة القيود التي فرضتها العقوبات الغربية. ففي الأسبوع الماضي، سددت روسيا دفعة سندات مهمة بالدولار الأمريكي. رغم التكهنات، بأنها قد تتخلف عن السداد أو تختار الدفع بالروبل.

واقترحت روسيا أنها قد تعوض شركات تأجير الطائرات عن الطائرات المملوكة للأجانب. التي تستحوذ عليها شركات الطيران المحلية – لكن المؤجرين كانوا مترددين في التفاوض مع موسكو. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن أي تسوية مالية قد تنتهك العقوبات الغربية.

بحسب محلل روسي فإن بوتين يتبع طريقة تعليم الروس للقطط عدم التبول بالمنزل في عقود الغاز مع الدول غير الصديقة

 

الروبل وحده لا يكفي

بالنسبة لأوروبا والغرب ككل، وما يسمى بالدول غير الصديقة، فإنهم أمام مشكلة تقنية أولى عملاقة، ثم مشكلة سياسية،  فلا يمكن لأوروبا أن ترفض الغاز الروسي، وإلا فسيعني ذلك انهيار اقتصادها. في الوقت نفسه، تتمتع روسيا بميزان تجاري إيجابي بشكل عام مع العالم كله، وخاصة مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. أي أنها تبيع أكثر مما تشتري، بمعنى أن أوروبا لا تمتلك احتياطيا من الروبلات.

على الأرجح لن يكون الروبل الموجود كافيا لدفع ثمن موارد الطاقة الروسية. خاصة إذا ما تم تحويل جميل الصادرات الروسية إلى الروبل. ليبقى هناك طريقتان فحسب أمام أوروبا لمواصلة شراء الغاز الروسي بالكميات المطلوبة. الطريقة الأولى: طلب قرض من بوتين بالروبل والاستمرار في طلب قروض جديدة لسنوات عدة وربما لعقود. والطريقة الثانية: تحويل كل تجارتها مع روسيا إلى الروبل، بالإضافة إلى جزء من تجارتها مع الدول الثالثة أيضا على الروبل.

يقول المحلل الروسي نارازوف إن مصير الاحتياطيات الروسية المجمدة. سيكون أحد القضايا المطروحة في المفاوضات على مثل هذا القرض. بل إن بإمكان بوتين أن يذهب أبعد من ذلك لإذلال أوروبا. إذا ما اشترط أن تكون البنوك الوسيطة للتجارة هي البنوك الروسية التي تخضع للعقوبات.

يضيف نارازوف: لا أعرف كيف تتصرف الدول العربية في مثل تلك الظروف. إلا أنها الطريقة المعتادة لدينا نحن الروس لتعليم القطة عدم التبول في أرجاء المنزل،. أن تأتي بها وتدس أنفها فيما أقدمت عليه. وأخشى أن ما سيفعله بوتين بأوروبا يشبه هذا الإجراء بالتحديد، وهو ما سيستمر لفترة طويلة.