يصعب أن تجد من لم يمر مطلقا بظاهرة “ديجا فو”. وهي لفظة فرنسية تعني “شوهد من قبل”. وتطلق على تلك الحالة التي تعتريك فجأة، فتشعر أنك عشت ذلك الموقف من قبل، أو خضت هذا الحوار مسبقا، على الرغم من أن واثق أن تلك هي المرة الأولى. لقد فُسّرت تلك الظاهرة طويلا بأسباب ما ورائية كتناسخ الأرواح. لكن العلم يرجح أنها تحدث بسبب شذوذ في الذاكرة، وتشابك في الأعصاب الخاصة بالذاكرتين قصيرة المدى وطويلة المدى، مما يرسل إشارة خاطئة للوعي بأن هذا المشهد قد حصل من قبل، وتنتهي تلك الظاهرة بعد ثوان ويعجز من يمر بها عن استعادة الإحساس نفسه بعد انتهائها.

تذكرت كل ذلك وأنا أقرأ حوارا للمخرج المصري العالمي محمد دياب، الذي انتهى لتوه من تصوير مسلسل الخيال العلمي “Moon Knight”، ليصبح دياب أول مخرج مصري وعربي على الإطلاق يصوّر مسلسلا لصالح شركة مارفل العالمية المملوكة حاليا لشركة والت ديزني الغنية عن التعريف، كان دياب يجيب عن سؤال صحفي بخصوص عدم تصوير مشاهد المسلسل في مصر، رغم أن جزءا من الأحداث يدور في مصر.

وكانت إجابة دياب هي التي بعثت في ذاكرتي إحساس الديجا فو، فقد أجاب دياب الإجابة نفسها التي نسمعها منذ عشرات السنين على لسان عشرات المخرجين وشركات الإنتاج العالمية، لقد تحدث عن صعوبة التصاريح، بل عن رغبته الشخصية لا في تصوير المشاهد المصرية في أماكنها الأصلية فحسب مما يزيد من نجاح العمل وشعبيته، بل كذلك عن الفائدة المالية التي كانت لتعود على الصناعة المصرية من تصوير العمل في المحروسة، إذ تكلف التصوير ما يساوي حوالي ثلاثة مليارات جنيه (قبل انخفاض الجنيه الأخير)، إلا أن من استفاد حقا هو الصناعة في دولة المجر حيث تم التصوير في بودابست!

لكن بالطبع، إذا كان الديجا فو -من الناحية العلمية- تعبير عن شذوذ في الذاكرة، إلا أن مشكلة تصاريح التصوير في مصر ليست للأسف مجرد وهم نعتقد أننا نمر به، بل تعبير عن شذوذ بيراقراطي يبدو أنه غير قابل للعلاج، لقد أنتجت هوليوود والسينما الأوروبية عشرات الأفلام -على أقل تقدير- مستوحاة من الحضارة المصرية القديمة أو تجري أحداثها على ضفاف النيل، لكن تلك الأفلام بقيت تصوّر في المغرب – غالبا- أو الأردن أحيانا، أو في استوديوهات هوليودية أو أوروبية أحيانا أخرى، ولا يبدو أن كل تلك التصريحات، أو حتى الصيحات، التي يطلقها أهل الصناعة، تجد أذانا صاغية، وكأننا لسنا في حاجة إلى كل دعاية ممكنة، وإلى كل دولار يمكن أن نكسبه، فإذا بنا نتنازل عنه لاستوديوهات بودابست أو الدار البيضاء.

إنها المسألة نفسها حين نتحدث عن قضية ليست بعيدة كثيرا، من الناحية الجغرافية على الأقل، كمسألة معاناة السياح – الأجانب أو المصريين- عند زيارة أهرامات الجيزة، وهي البقعة الأثرية الأشهر في العالم، إنه الديجافو الوهمي الذي يجعلك تتسائل حين تسمع شكوى سائح سنة 2022 فتظن أنك تستمع إلى سائح من سنة 2000 أو من سنة 1989، نفس الشكاوى ونفس الكلمات عن أصحاب الجمال والأحصنة وعدم وضوح أسعار الخدمات والهدايا، أو الشكاوى من التحرش و”الاستنطاع”، إذ لا يبدو أن ثمة فهم لتلك المشكلات ومدى تأثيرها فضلا عن محاولة التصدى لها، ولهذا فإننا دائما ما نواجه حقيقة أن السياحة في مصر “على كف عفريت” سواء كنا في التسعينيات أو مطلع الألفية أو اليوم، وسواء كانت المشكلة هي الإرهاب أو حرب الخليج أو الغزو الروسي لأوكرانيا،  إنه وصف لا يتغير وهو حقيقة وليس ديجا فو.