قبل أيام أصدر المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والبيئة، تقريرا عن أكثر المواقع تلوثا على وجه الأرض، والتي يطلق عليها “مناطق التضحية”. يقول التقرير إن التلوث يقتل من الناس أكثر مما قتل كوفيد حتى الآن، وأكثر مما قتلت الحروب وأشكال العنف الأخرى مجتمعة، وإن واحدة من كل ست وفيات في العالم تتعلق بأمراض سببها التلوث، وثلاث مرات أكثر من الوفيات الناجمة عن أمراض الإيدز والملاريا والسل مجتمعين. ويحذر من أن “تسمم كوكب الأرض آخذ في التزايد”، مشيرًا إلى أنه حتى مع حظر بعض المواد الكيميائية الضارة أو التخلي عنها، تضاعف الإنتاج الإجمالي للمواد الكيميائية بين عامي 2000 و 2017 ، وسيتضاعف مرة أخرى بحلول عام 2030.
يصف ديفيد بويد، في تقريره السنوي إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وعنوانه “مناطق التضحية 50 من أكثر المواقع تلوثا على الأرض”، هذه المواقع بأنها مناطق للتضحية، هذا المصطلح الذي أطلق في الأصل على المناطق التي أصبحت غير صالحة للسكن بسبب التجارب النووية، وأصبح يستخدم -حاليا- لوصف الأماكن التي ترتفع فيها مستويات التلوث بشدة.
ويؤكد أن نتائج تغير المناخ، الاحتباس الحراري والظواهر الجوية المتطرفة والكوارث المناخية وارتفاع مستوى سطح البحر، أدت إلى أن عديد من المناطق أصبحت غير صالحة للسكن، وبالتالي تفاقمت ظاهرة مناطق التضحية، وظهرت فئة جديدة من هذه المناطق، بسبب تغير المناخ.
يقدر التقرير عدد مناطق التضحية في العالم بالآلاف، ويؤكد على أنها موجودة في كل قارات العالم، وأنها تتواجد في الدول الغنية والفقيرة، الشمالية والجنوبية، على السواء. لكنها تؤثر أكثر على الفقراء والمهمشين والسكان الأصليين في مختلف المناطق، يقول بويد: “إذا نظرت إلى هذه المواقع التي أبرزتها في التقرير، تجد أن التلوث منتشر، ويؤثر على الجميع، لكنه يؤثر على بعض الناس بطريقة غير عادلة”.
ويقدم التقرير قائمة مختصرة تضم 50 من هذه المناطق الأكثر تلوثا على وجه الأرض حاليا. تتوزع المناطق الواردة بالتقرير على 45 دولة، منها 5 فقط في غرب أوربا وأمريكا الشمالية، بينما تتوزع ال 40 دولة الأخرى، ومعظمها في الجنوب، على قارات العالم، 12 في أمريكا اللاتينية، 10 في آسيا، 9 في أفريقيا، و9 في شرق أوربا.
أفريقيا:
يعرض التقرير لتسع مناطق للتضحية في أفريقيا: كابوي في زامبيا، دلتا النيجر في نيجيريا، أبيدجان في كوت دوفوار، أجبوجبلوشي في غانا، مبومالانجا في جنوب أفريقيا، ليجاديمبي في إثيوبيا، ثار-جات في جنوب السودان، كولويزي في جمهورية الكونجو الديموقراطية، وأنوسي في مدغشقر. فيذكر، أنه في منطقة كابوي، زامبيا، يعاني 95% من الأطفال من ارتفاع مستويات الرصاص في الدم، بسبب تعدين الرصاص وصهره في المنطقة. يؤدي التعرض للرصاص أثناء الطفولة، إلى إعاقة النمو العصبي، ويتسبب في عجز معرفي مدى الحياة، والمستويات المرتفعة للغاية، مثل تلك الموجودة في كابوي، يمكن أن تسبب العمى والشلل والوفاة. لذلك، وصف الخبراء الوضع في كابوي بأنه أزمة صحية بيئية حادة، وتم تسمية “كابوي” كواحدة من أكثر الأماكن تلوثًا على وجه الأرض.
وفي نيجيريا، يعاني سكان دلتا النيجر منذ عقود من تلوث الهواء والمياه والغذاء، بسبب النفط واحتراق الغاز، ما أدى إلى مشكلات صحية جسدية ونفسية وعقلية واسعة النطاق. تشمل الآثار الضارة للتلوث آلام البطن والظهر والإسهال، اضطرابات في وظائف الدم والكبد والكلى، الربو وأمراض الجهاز التنفسي، الصداع والدوار وأمراض الدماغ. يموت سكان دلتا النيجر مبكرين، مقارنة بشركائهم في الوطن، نيجيريا، التي استمدت اسمها من اسم النهر، فمتوسط العمر المتوقع لسكان دلتا النيجر هو 40 عامًا فقط، مقارنة بـ 55 عامًا متوسط العمر المتوقع في نيجيريا.
وفي أبيدجان، كوت ديفورا، في عام 2006 تعرض آلاف الأشخاص للتسمم، وقتل 15، بسبب تفريغ حاويات كبيرة لنفايات سامة من أحدى السفن التجارية. سجلات المستشفيات أكدت أن أكثر من 10 آلاف شخص ظهرت عليهم آثار التسمم، القيء والإسهال وآلام البطن واضطرابات في الجهاز الهضمي، وكذلك مشكلات في الجهاز التنفسي، مثل السعال وآلام الصدر.
آسيا والمحيط الهادي:
المستويات الفلكية لتلوث الهواء في آسيا والمحيط الهادي تهدد صحة وحياة مليارات من البشر، تقع غالبية المدن الأكثر تلوثا في العالم في آسيا، خصوصا في الصين والهند. يعرض التقرير ل 12 من مناطق الخراب أو التضحية في آسيا والمحيط الهادي، ثلاثة منها في الهند، في نيودلهي وجهاريا ووادي سوكنديا، وفي “باوتو” في الصين، جزر مارشال، بحر آرال في كازاخستان وأوزبكستان، الأهواز في إيران، لاهور في باكستان، جاكارتا في إندونيسيا، نهر كيم كيم في ماليزيا، و”كليتي كريك” في تايلاند.
في الصين، تستخرج معظم العناصر الأرضية النادرة، والعناصر الأخرى، المستخدمة في صناعة الهواتف والشاشات والسيارات الكهربية والهجينة وتوربينات طاقة الرياح والطائرات والاجهزة الطبية. في مدينة “بيان أوبو” يتم استخراج معظم هذه العناصر، في حين تتم عمليات المعالجة النهائية في مدينة “باوتو” القريبة. يقول التقرير أن جودة الهواء في المنطقة رديئة للغاية، وأن الانبعاثات السامة تهدد صحة السكان، وتؤدي إلى زيادة الإصابة بسرطان الرئة، خاصة بين الأطفال. وتهدد التركيزات المرتفعة للعناصر الثقيلة في الغبار والتربة صحة وحياة الملايين. ويعاني السكان من تركيزات مرتفعة للعناصر الأرضية النادرة، مثل اللانثانيوم والسيريوم والنيوديمويم، في الدم والبول والشعر.
وفي نيودلهي، الهند، تسبب الضباب الدخاني الكثيف في نيودلهي، الهند، في إغلاق جميع المدارس لمدة أسابيع، بسبب ارتفاع مستويات تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة العالقة دون 2.5 ميكرومتر، (PM2.5)، حيث وصلت النسبة إلى 20 ضعف الحد الأقصى اليومي الذي توصي به منظمة الصحة العالمية.
في جزر مارشال، وكازاخستان، وفي تشيرنوبل بأوكرانيا، وفي فوكوشيما باليابان، لا يزال الناس في هذه المناطق يعانون من الآثار الضارة والممتدة للإشعاع بسبب التجارب النووية والكوارث في المفاعلات النووية. بين عامي 1946 و 1958، أجرت الولايات المتحدة أكثر من 60 تجربة لأسلحة نووية في جزر “بيكيني” و”إنيويتاك” المرجانية أو بالقرب منها في جزر مارشال، مما أدى إلى ارتفاع مستويات السرطان والعيوب الخلقية والصدمات النفسية التي استمرت حتى يومنا هذا.
وتعاني نساء وفتيات جزر مارشال بشكل غير متناسب من سرطانات الغدة الدرقية وغيرها من السرطانات ومشاكلات في الصحة الإنجابية. وأجرى الاتحاد السوفيتي السابق 456 تفجيرًا للتجارب النووية في منطقة “سيميبالاتينسك” السابقة (الآن سيمي ، كازاخستان). تعرض الناس في المنطقة، الذين يعيشون في فقر مدقع، ولا يعرفون الاختبارات النووية، لمستويات عالية من الإشعاع، مما أدى إلى إصابة أعداد كبيرة بالعيوب الخلقية، وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان، وصدمات نفسية واسعة النطاق.
أوروبا الشرقية والوسطى:
يعرض التقرير لعدد من مناطق التضحية في صربيا، روسيا، رومانيا، مقدونيا الشمالية، بولندا، إستونيا، كرواتيا، بلغاريا، وجمهورية التشيك. يذكر التقرير أن مدينة “بور”، في صربيا، هي واحدة من اكثر المدن الأوربية تلوثا، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى مجمع تعدين وصهر النحاس الضخم، الذي ينبعث منه كميات هائلة من ثاني أكسيد الكبريت والزرنيخ والرصاص والزئبق والجسيمات الدقيقة. وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تتجاوز تركيزات ثاني أكسيد الكبريت في المنطقة أحيانًا نطاق القياس لمعدات الرصد والقياس. ووصف خبراء نهر “بورسكا ريكا” بأنه ليس فيه أي أثر للحياة، بسبب تركيزات العناصر الثقيلة المرتفعة للغاية. ويعاني عمال التعدين في المنطقة من ارتفاع مستويات الزرنيخ في الشعر وفي البول، وما يقرب من 80 % منهم يعانون من مرضين- مزمنين في المتوسط.
مدينة “نوريلسك” من أكثر المدن تلوثا في الإتحاد الروسي، وتعاني من مستويات مرتفعة جدا من تلوث الهواء والمياه والتربة والامطار الحمضية. والمصدر الرئيسي للتلوث هو شركة التعدين والصهر “نوريلسك نيكل”، والتي كانت سببا في تسريب ديزل كارثي في عام 2020 أثر على نهر “بياسينا”. تم اكتشاف مستويات مرتفعة جدًا من العناصر الثقيلة في الأسماك والطحالب والتربة والثلج في المنطقة. المجتمعات الأكثر تضررا هم السكان الأصليون، الذين يواجهون معدلات مرتفعة للإصابة أمراض الجهاز التنفسي والسرطان وضعف جهاز المناعة، والولادات المبكرة، والفشل الإنجابي. ومتوسط العمر المتوقع في المنطقة، أقل بعشر سنوات من المتوسط الوطني في روسيا.
وفي “باتا- رات” بمنطقة “كلوج نابوكو” برومانيا، لا يزال الآلاف من الغجر والمهمشين يعيشون في المنطقة، بعد إغلاق مكب النفايات الذي يعد واحدا من أسوأ مكبات النفايات في أوربا- منذ عام 2015. يفتقر هؤلاء السكان إلى مياه الشرب المأمونة والصرف الصحي والسكن المناسب والرعاية الصحية، ما دفع باحثين إلى وصف ما يحدث في باتا رات” بأنه “سيناريو كئيب لانتزاع الصفة الإنسانية”. يتعرض هؤلاء للزرنيخ والكادميوم والكروم والديوكسين والهكسان والرصاص والزئبق وغيرها من الملوثات الخطرة. وأبلغ السكان عن معاناتهم من أمراض المعدة والكبد وإلتهابات في الأذنين والعينين والجلد، الربو والتهابات الشعب الهوائية، ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسرطان.
أمريكا اللاتينية ودول الكاريبي:
يستعرض التقرير عددا من مناطق التضحية في كل من: شيلي، بيرو، الأرجنتين، البرازيل، كولومبيا، فنزويلا، جوادالوب ومارتينيك، هاييتي، جامايكا، سورينام، نهر أتوياك في المكسيك، خليج باريا في ترينيداد وتوباجو، ومدينة جواتيمالا في جواتيمالا.
يقول “تعتبر مدينة “كوينتيرو-بوشنكافي” (Quintero-Puchuncaví) هي منطقة التضحية الأكثر شهرة في شيلي، وهي موطن لمجمع صناعي يضم أكثر من 15 شركة صناعية، مصافي النفط ومنشآت البتروكيماويات ومحطات الطاقة التي تعمل بالفحم ومحطات الغاز ومصهر للنحاس. في عام 2018 تسبب حادث كبير لتلوث الهواء في المنطقة في إصابة المئات من أطفال المدارس بالأمراض ودخولهم المستشفي. قالت السلطات الصحية أن التلوث ناتج عن تسرب غاز سام، وألقت السلطات البيئية باللوم على شركة التعدين الوطنية.
لكن القوانين البيئية في شيلي تتجاهل الملوثات مثل الزرنيخ والمركبات العضوية المتطايرة، وهما المادتان اللتان وجدهما المحققون بمستويات مرتفعة في كوينتيرو، ما يعني أن التلوث غير موجود رسميا. وخلصت المحكمة العليا في شيلي إلى أن تلوث الهواء الفادح في كوينتيرو – بوشنكافي هو مسئولية الحكومة، وأنه ينتهك الحق في بيئة صحية خالية من التلوث، وأمرت الحكومة باتخاذ خطوات لمعالجة المشكلة، وأوصى فريق الأمم المتحدة بأن تقوم الحكومة بالتحقيق في الآثار السلبية للتلوث، والتعجيل بتنفيذ برامج العلاج ووضع معايير الجودة البيئية وفقا للمعايير الدولية لمنظمة الصحة العالمية.
وفي “لا أورويا”، بيرو، تسمم أجيال من الأطفال بسبب مصهر ضخم للرصاص. نسبة صادمة تصل إلى 99 % من الأطفال تتجاوز تركيزات الرصاص في دمائهم الحدود المقبولة، وعلى الرغم من تصدي المحكمة الدستورية في بيرو، ولجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، لا تزال مستويات التلوث في “لا أورويا” خطرة.
في بيرو أيضا، يقع منجم ضخم مفتوح بجوار مجتمع فقير في منطقة “سييرو دي باسكو” حيث يتعرض السكان لمستويات مرتفعة من العناصر الثقيلة. في عام 2018 أعلنت الحكومة حالة الطواريء في المنطقة بسبب التلوث، لكن الأطفال في المنطقة لا يزالوا يعانون من الآثار الصحية الضارة والخطيرة للتلوث.
وفي أقاليم ما وراء البحار الفرنسية، “جوادالوب ومارتينيك”، تلوثت المياه والتربة بتركيزات غير آمنة من مبيد “كلورديكون” المسرطن، وعلى الرغم من حظر تصنيعه واستخدامه في الولايات المتحدة الأمريكية منذ السبعينات في القرن الماضي، إلا أن استخدامه استمر حتى التسعينات في جزر الهند الغربية. ولا يزال السكان في جوادالوب ومارتينيك يتعرضون للتلوث بالمبيد المسرطن، ويقول التقرير أن 90% من الناس الذين يعيشون هناك، لديهم تركيزات من المبيد في دمائهم، ما يزيد من خطر الإصابة بالسرطان.
الحرق المكشوف للقمامة ممارسة معتادة في العديد من دول الكاريبي، على الرغم من احتواء النفايات على البلاستيك والإطارات المستعملة وغيرها من المواد، التي تولد عند حرقها مواد كيميائية شديدة الخطورة. تنتج عمليات الحرق سحبا ضخمة من الدخان والأبخرة السامة التي تعرض صحة السكان للخطر. وتشمل الأمثلة مدافن النفايات في ريفرتون (Reverton) بجامايكا وتروتيير (Truitier) في هايتي. في عام 2015 أدى حريق هائل في مكب نفايات ريفيرتون في جامايكا إلى إغلاق 50 مدرسة ودخول مئات الطلاب والسكان إلى المستشفيات.
أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية:
يعرض التقرير لعدد من مناطق التضحية في “سارنيا” و”جراسي نارووس” في كندا، و”ممر السرطان” (Cancer Alley) في لويزيانا بالولايات المتحدة الأمريكية، تارانتو في إيطاليا، خليج جوبوس في بورتوريكو، و”بورت آرثر”في تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية، جنوب لندن في المملكة المتحدة، شمال الراين في ويستفاليا بألمانيا.
في الولايات المتحدة الأمريكية، تقع المنشآت الصناعية الملوثة بشكل غير متناسب في المجتمعات التي بها أعلى نسب من السود والملونين والمنحدرين من أصل أفريقي، وأدنى دخل للأسرة، وأعلى نسبة من السكان الذين لم يتخرجوا من المدرسة الثانوية. معدلات الإصابة بالسرطان في هذه المجتمعات والمناطق أعلى بكثير من المعدل الوطني. أحد أشهر مناطق التضحية في الولايات المتحدة هي ما بات يعرف ب”ممر السرطان” في لويزيانا، الذي يضم أكثر من 150 مصفاة للنفط ومصنعا للتكرير والبتروكيماويات.
يحتوي هذا الممر على 7 من أصل 10 مناطق هي الأعلى في معدلات الإصابة بالسرطان بسب تلوث الهواء. وقالت وكالة حماية البيئة أن معدلات الإصابة بالسرطان في مناطق ممر السرطان أكبر بحوالي 50 ضعف المعدل الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية. في عام 2020 ، كانت تركيزات الكلوروبرين المسبب للسرطان في الهواء في منطقة “أبرشية سانت جون المعمدانية” أعلى بمقدار 8000 مرة من المستوى المقبول الذي حددته وكالة حماية البيئة الأمريكية.
في كندا، “الوادي الكيميائي” في سارنيا، بمقاطعة أونتاريو، واحد من أكثر المواقع تلوثا في البلد، حيث يوجد أكثر من 40 منشأة كبيرة للبتروكيماويات والبوليمرات وتكرير النفط، بالإضافة إلى محطة طاقة تعمل بالفحم. تؤثر هذه الصناعات بشدة على صحة وحياة السكان الأصليين في المنطقة، مثل مجتمعات “آمجينانج” ( Aamjiwnaang ) الأصلية، ويعاني السكان في المنطقة من أسوأ جودة للهواء في كندا، والأمراض الصحية الجسدية والنفسية شائعة هناك، بما في ذلك ارتفاع معدلات الإجهاض والربو والسرطان لدى الأطفال.
وفي مدينة “تارانتو” بإيطاليا تسبب مصنع “إلفا” (Ilva) في الإضرار بصحة الناس وانتهاك حقوق الإنسان لعقود من خلال إطلاق كميات هائلة من الملوثات السامة في الهواء. ويعاني السكان المجاورون للمصنع من مستويات مرتفعة من أمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب والسرطان والأمراض العصبية والوفيات المبكرة. كان من المقرر أن تبدأ أعمال التنظيف والمعالجة في عام 2012، لكن الحكومة الإيطالية أصدرت مراسيم تشريعية خاصة سمحت للمصنع بمواصلة العمل وتأجيل عمليات التنظيف والمعالجة حتى عام 2023. وفي عام 2019 قضت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، بأن التلوث في المنطقة لا يزال مستمرا، ويعرض صحة العاملين، بشكل خاص، والسكان، بشكل عام، للخطر.
هذه بعض أمثلة على مناطق الخراب والظلم الاجتماعي في العالم، والأسباب معلومة، فمن أجل تحقيق أقصى الأرباح، تتجاهل الشركات التكاليف الاجتماعية والبيئية للاستخراج والإنتاج، الشركات هي الجاني، هكذا قال ديفيد بويد، لصحيفة “الجارديان” البريطانية. وأضاف “إن شركات النفط والغاز لن تتوقف طواعية عن إنتاج النفط والغاز؛ ولن تتحول الشركات الكبيرة للفحم طواعية إلى شركات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح”، يتعين على الحومات القيام بذلك، ودعا الحكومات إلى فرض تشريعات قوية على الشركات المسببة للتلوث، والتوقف عن دعم الصناعات الملوثة والضارة بيئيًا.
يعتقد بويد أن هناك ما يدعو للتفاؤل، فيقول إن التقرير يأتي بعد إقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأن “لكل فرد حقا إنسانيا في العيش في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة”، وأن ربط حقوق الإنسان بالاتفاقيات البيئية الدولية يمكن أن يكون حافزا قويا للقيام بالتغييرات التحويلية التي نحن في أمس الحاجة إليها، فهل توافقونه الرأي وتشاركونه التفاؤل؟
سواء كانت الإجابة بنعم، أو بلا، فالنتيجة واحدة: استمرار وجود مناطق التضحية، وإنتاج المزيد منها، هو دليل إدانة لا يمحى للشركات، وبرهان ساطع على تواطؤ الحكومات، ووصمة عار على الضمير البشري.
المصادر:
1-https://www.ohchr.org/sites/default/files/2022-03/SacrificeZones-userfriendlyversion.pdf
2-https://www.reuters.com/article/us-chile-environment-constitution-idUSKBN28W1CH