يعد تطبيق العقوبة وسيلة لحماية المجتمع بواسطة إعادة التربية والإدماج الاجتماعي للمحبوسين، والإفراج المشروط يعتبر وسيلة لتشجيع المحكوم عليه على الالتزام بحسن السلوك داخل المؤسسة العقابية وخارجها، ويعد تطبيق العقوبة وسيلة لحماية المجتمع بواسطة إعادة التربية والإدماج الاجتماعي للمحبوسين.، وهذا ما يعني أن الأصل في العقوبة ليس في احتجاز المحكوم عليهم وسلب حرياتهم داخل أماكن الاحتجاز والسجون فقط، بل يجب أن يمتد الأمر إلى إصلاحهم وتقويم السلوك الإجرامي بداخلهم بما يضمن إعادة دمجهم بالمجتمع مرة جديدة دون إخلال بالنسق العام للمجتمع.

وعلى الرغم من أن المحكمة الدستورية العليا في حكمها رقم 28 لسنة 17 قضائية قد عمدت إلى تعريف العقوبة في قولها “إن الجزاء على أفعالهم، لا يكون مبررا، إلا إذا كان مفيدا من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزا تلك الحدود التي لا يكون معها ضروريا، غدا مخالفا للدستور. متى كان ذلك، وكان الجزاء الجنائي عقابا واقعا بالضرورة في إطار اجتماعي، ومنطويا غالبا – من خلال قوة الردع – على تقييد الحرية الشخصية”، إلا أن ذلك لا يخل بما يجب أن تشتمل عليه فترة العقوبة المقضي بها من السعي لإصلاح المتهم وإعادة تقويمه بما يبعده عن السلوك الإجرامي، وهذا ما يتماشى مع مبدأ تفريد العقوبة ، وذلك التفريد يجعل العقوبة من حيث نوعها ومقدارها وكيفية تنفيذها ملائمة لظروف من تفرض عليه، فتفريد العقاب هو تنويعه ليلائم حال كل فرد يراد عقابه، وأساس هذه النظرية أن العقوبة وسيلة لإصلاح المحكوم عليه.

وقد جاءت أفكار الدفاع الاجتماعي وأصبحت السياسة الجزائية ترمي إلى إعادة البناء الاجتماعي للمحكوم عليه، متوسلة في ذلك بمعاملة تفريد علمية، مما ترتب عليه أنه لم يعد ممكناً تحديد بعض عناصر الجزاء بصورة نهائية إلا أثناء التنفيذ وعلى ضوء نتائجه، وهو ما لا يتحقق إلا إذا الجهة التي أوقعت العقوبة تقرر كيفية تنفيذها وهي السلطة القضائية. ولكن لم تزل المشكلة كامنة في فترة قضاء العقوبة، وكيفية التعامل مع المسجون ما بين الزجر العقابي والحرمان من الحرية، وبين الإصلاح والسعي لتقويم السلوك، إذ أن الظروف القاسية بالسجون تسفر عن معاناة المزيد من السجناء من حالات انهيار أو انتحارهم. والقصور في تشخيص الأمراض العقلية وعلاجها خلف القضبان يؤديان إلى حالات مزمنة وأكثر حدة من المرض والخطر الذي يتعرض له السجناء هو أن الصدمات المتكررة التي يضطرون لتحملها أثناء السجن تزيد من سوء حالاتهم النفسية وتوقعات سيرها. وللأمر أيضًا عواقب اجتماعية وخيمة. ففي النهاية، معظم هؤلاء المدانين يُطلَق سراحهم بعد انتهاء مدة العقوبة.

ومن هنا تأتي الحاجة المجتمعية الملحة لإصلاح نظام السجون لأن ظروف السجن القاسية والحبس الانفرادي يفرضان صدمات حادة للغاية على معظم السجناء، فإن هذا المزيج المُهلِك بين الصدمات السابقة ما قبل العقوب، والتي كانت هي الدافعة للجريمة في أغلب الأحوال، والحالية والمتمثلة فيما يعانيه السجناء داخل محبسهم هو أحد أهم أسباب معاناة الكثير من السجناء من اضطرابات عقلية خطيرة حاليًّا.

هذا ما دفع المجتمع الدولي لعقد المزيد من الاجتماعات والاتفاقيات التي تدفع إلى تطوير معاملة السجناء، والتي أهمها القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، وتنص في القواعد من القاعدة الأولى وحتى القاعدة الخامسة على أن تطبق قواعد مانديلا بصورة حيادية ودون أي تمييز لأي سبب كان مع الأخذ في الاعتبار الاحتياجات الفردية للسجناء وخاصة الفئات الأضعف داخل السجن وأن العقوبة هي حرمان الشخص من حريته بهدف إعادة تأهيله لذا يجب الحرص على ألا تزيد المعاملة بالسجن من معاناة الشخص المحروم من حريته ولا سبيل إلى حماية المجتمع من الجريمة والتقليل من فرص عودة السجين إليها إلا باستخدام فترة الحبس للوصول إلى ضمان إعادة إدماج الأشخاص في المجتمع بعد خروجهم من السجن بحيث يتمكنون من العيش معتمدين على أنفسهم في ظل احترام القانون ولن يتحقق هذا الهدف إلا بمعاملتهم بالاحترام الواجب لكرامتهم وقيمتهم المتأصلة كبشر و حظر وتجريم إخضاع أي سجين للتعذيب أو سوء المعاملة أو العقوبات القاسية واللا إنسانية وتوفير التعليم والتدريب العلمي والمهني للسجناء والعمل على تقليص الفوارق بين حياة السجن والحياة في العالم الخارجي قدر المستطاع.

 

ومن خلال ذلك ينبغي على الدولة متمثلة في وزارة الداخلية والعدل، بحسبهما المسئولان عن السجون، أن يدفعا إلى تطوير المعاملة داخل السجون، إلى أن ترقى إلى مصاف الدول التي تسعى لمعالجة الجريمة من خلال البحث عن دوافعها، ومعالجة النمط السلوكي الإجرامي لدى السجناء، ولا يقف أمر السجن عند حد سلب الحرية كنموذج للردع أو الزجر، كما يجب الأخذ بالنظم الحديثة فعليا في نماذج السجون المفتوحة أو شبه المفتوحة، والتي تسعى إلى تطوير النموذج الحياتي للسجناء ليكون أقرب من النمط الطبيعي للحياة، كما يجب أيضا اعتماد نظام الإفراج الشرطي أو المشروط ، وهو أسلوب من أساليب المعاملة العقابية التي تتيح لسلطات التنفيذ إنهاء مدة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، وإطلاق سراح المحبوس قبل إكمال المدة المحكوم بها حين تتوفر الشروط التي حددها القانون، ويُمنح الإفراج المشروط على وجه الخصوص للمحبوس الذي يدعو سلوكه لثقة، والذي يظهر ضمانات جدية على الاستقامة في أثناء وجوده داخل المؤسسة العقابية.

هذا بالإضافة على نماذج بعض الدول في تخفيض المدة المحكوم بها في حال تغير سلوك المحكوم عليه وتحسنه بما يضمن تحوله عن النسق الإجرامي، ونحن جميعا نعلم مدى التكلفة الاقتصادية والاجتماعية التي تتحملها خزانة الدولة، والتي باتت في حالة تدني اقتصادي بما يزيد من العبء الملقى على عاتق الدولة في حال تكدس السجون وعدم وجود نموذج اجتماعي ونفسي للسجناء يضمن رعايتهم داخل فترات السجن، كما أنه يجب لفت الانتباه إلى وجوب الرعاية اللاحقة للسجناء بعد الإفراج عنهم بما يضمن لهم سبل العيش والحياة والبعد عن الأسباب التي كانت دافعة لهم للدخول في عالم الجريمة، ويضمن تحسن مستواهم الاجتماعي والنفسي والمالي، بما يعني إعادة الدمج الكامل داخل المجتمع بما يحول بينهم وبين الجريمة.