دخلت مصر مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي من أجل برنامج جديد. تقول الحكومة إنه يساند خطط الإصلاح الاقتصادي الوطني الشامل، بينما يتحدث الصندوق عن أنه تخفيف لتأثير الصدمة على الاقتصاد المصري.
العلاقة بين الحكومة الحالية والصندوق بدأت عام 2016، عبر برنامجين. أولهما أساسي استهدف الإصلاح الاقتصادي وانتهى في عام 2019.
في خضم جائحة كورونا (يونيو/حزيران 2020 حتى يونيو/حزيران 2021) تم تدشين برنامج جديد. للحفاظ على استقرار النمو الاقتصادي، وأكدت المجموعة الاقتصادية أن البرنامج حينها بمثابة شهادة ثقة في الاقتصاد المحلي.
وبعد انتهاء البرنامج الثاني، بدأت الحكومة مشاورات مع الصندوق لبرنامج ثالث للدعم الفني فقط. ولم يكن هناك احتياج لأي موارد تمويلية، قبل أن تطلب برنامج جديدا في خضم الأزمة الأوكرانية.
بحسب الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الحكومة، فإن البرنامج الجديد استباقي. بمعنى آخر الحصول عليه في حالة الاحتياج لتمويل إضافي في المستقبل، تحسبا لطول أمد الأزمة “الروسية – الأوكرانية”.
تعويض الأموال الساخنة
لكن توجد آراء أخرى تؤكد أن البرنامج الجديد يأتي لتعويض التدفقات الخارجة من “الأموال الساخنة” أو استثمارات المستثمرين الباحثين عن عوائد قصيرة الأجل. ويتنقلون بين الدول بحثا عن الربح بمعدلات الفائدة المتغيرة.
رغم أن التدفقات الخارجة للأموال الساخنة لا ينبغي أن تكون مفاجئة. لأن مديري الصناديق يختارون الملاذ الآمن في أوقات الأزمات، إلا أن هناك مخاوف بشأن خروج جماعي من الأسواق الناشئة. التي تواجه عددًا من التحديات المالية والاقتصادية على المدى القصير والمتوسط.
تقول حنان رمسيس، المحللة في شركة الحرية للسمسرة، إن المستثمرين ينسحبون من الأسواق الناشئة ويحولون أموالهم لمكان آخر. ما يشكل ضغطا على الاحتياطيات الأجنبية، وكذلك العملة المحلية.
وزير المالية الدكتور محمد معيط، قال في تصريحات صحفية خلال مارس/آذار الحالي. إن نزوح الأجانب الجماعي من أدوات الدين السيادية كان متوقعًا.
وكالة “رويترز” أوردت على لسان مصادر مجهلة، أن تدفقات رأس المال الأجنبي الخارجة بلغت 3 مليارات دولار منذ 24 فبراير/شباط وحتى 3 مارس/آذار. كما باع المستثمرون الأجانب 196 مليون دولار من الأسهم بالبورصة منذ بداية عام 2022.
وبلغت حيازات الأجانب غير المقيمين بمصر من سندات وسندات الحكومة بالعملة المحلية 33 مليار دولار (13٪ من إجمالي الأوراق المالية) في أغسطس/آب 2021 . مقابل 10 مليارات دولار في يونيو 2020.
خروج الاستثمارات غير المباشرة أزمة للدول النامية
تقول رمسيس إن خروج بعض الأموال الساخنة حدث من قبل في أعقاب تفشي وباء كورونا مارس/آذار 2020. لكنها قالت إن تخفيض قيمة العملة أحد الإجراءات التي كانت ضرورية لمنع ظهر سوق موازية.
الدكتور مصطفى مدبولي قال، خلال افتتاح معرض “أهلا رمضان” الخميس، إن الحكومة تخطط دائما للسيناريو الأسوأ. فثمن برميل البترول وصل إلى 120 دولارا، ما يعني أن مصر مطالبة باستيراد ما قيمته 12 مليار دولار سنويا. أي مليار دولار شهريا بدلا من 500 مليون دولار، ما يمثل ضغطا كبيرا جدا على العملة وعلى الدولة”.
مدبولي قال نصا: “منذ بضعة أشهر كان ثمن برميل البترول 60 دولارا. ومع الأخذ في الاعتبار أن مصر تستورد 100 مليون برميل بترول سنويا. قيمتها في هذا التوقيت بلغت 6 مليارات دولار أي 500 مليون دولار شهريا”.
في 9 مارس/آذار، مددت السعودية وديعة بقيمة 2.3 مليار دولار في البنك المركزي حتى أكتوبر/تشرين الأول 2026. وتشمل الودائع الدولارية الأخرى في البنك المركزي من الخليج العربي 5.7 مليار دولار من الإمارات و4 مليارات دولار من الكويت.
أولويات الحكومة
نادر سعد، المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء، يقول إن أولويات الحكومة هي سرعة اتخاذ مختلف السياسات والإجراءات. التي تضمن استقرار الأوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد، والعمل على توافر السلع الأساسية للمواطنين. وتقديم المساندة الكافية للقطاعات الاقتصادية، والفئات الأكثر تأثرا بالصدمات الخارجية المتزامنة.
سعد يقول أيضا إن الحكومة تستهدف استمرار جهود تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية الضرورية. لضمان الحفاظ على مسار النمو الاقتصادي القوى والمتوازن والمستدام. وزيادة دور ومساهمة القطاع الخاص في كافة أوجه الأنشطة الاقتصادية”.
سيلين إلارد: توجد حاجة إلى سياسات مالية ونقدية حكيمة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي
سيلين إلارد، رئيسة بعثة مصر لدى صندوق النقد الدولي، رحبت، في بيان، بتخفيض قيمة العملة وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية. واعتبرت مرونة سعر الصرف المستمرة ستكون ضرورية لامتصاص الصدمات الخارجية وحماية الهوامش المالية خلال هذا الوقت المضطرب. كما ستكون هناك حاجة إلى سياسات مالية ونقدية حكيمة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي.
واستفادت مصر من قروض وبرامج صندوق النقد الدولي السابقة على مدار ست سنوات. ففي عام 2016 حصلت على قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات بعد أزمة العملة الأجنبية .التي خرجت بعد الاضطرابات السياسية التي أعقبت ثورة 2011.
كما تلقت 8 مليارات دولار في عام 2020 للتعامل مع تأثير الوباء. مما يجعلها واحدة من أكبر المقترضين من الصندوق بعد الأرجنتين، وفي وقت اتفاقية 2016. خفضت قيمة العملة، وفقدت نصف قيمتها مقابل الدولار حينها، بحسب فاينانشيال تايمز.
لكن يطالب الخبراء بوسائل لجذب تدفقات العملة الصعبة بالإضافة إلى الموارد الأربعة التقليدية: إيرادات قناة السويس، والسياحة. وتحويلات المغتربين المصريين، والصادرات.
ويخشي المواطنون من تأثيرات البرنامج الجديد لصندوق النقد على حياتهم، لكن رئيس الوزراء قال، في مؤتمر صحفي، إن أي برنامج تعاون مع الصندوق لن يحمل الناس أعباء إضافية.
وعاد مدبولي ليؤكد خلال افتتاح معرض أهلا رمضان بالقاهرة، أن المواطن يجب أن يعي جيدا شدة الأزمة العالمية. التي يمكن أن تستمر، وينظر لما يحدث بالعالم كله من وجود “طوابير” على منافذ البيع ومحطات تموين البنزين. من أجل الحصول على السلع الأساسية.