من “بلومبرج” يعرف المصريون أخبارهم!

هذه هي الملاحظة الأولى والغريبة قبل التفاصيل.

على مدار يومين نشرت الوكالة الأمريكية الشهيرة تقارير مهمة عن مصر، لم تذكر عنها السلطة في مصر كلمة واحدة، ولا فعلت ذلك وسائل الإعلام بكل تأكيد!

هجمة الصناديق تحاصر مصر، وتتداخل مع أخبارها الاقتصادية الكبرى.

من صندوق أبو ظبي لصندوق النقد الدولي نحاول أن نفهم!

البداية الصادمة جاءت من صندوق أبو ظبي السيادي، الذي أعلنت وكالة بلومبرج نيته الاستحواذ الاقتصادي على عدة شركات مصرية وأن الاتفاق قد تم بشكل نهائي!

والشركات هي: 18% وهي نسبة مصر في البنك التجاري الدولي، ثم شركة فوري  وشركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وشركة مصرلإنتاج الأسمدة، وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع.

شركات مهمة قررت السلطة في مصر التفريط فيها دون العودة للبرلمان ودون حوار من أي نوع بل من دون الإعلان للرأي العام أصلا!

قد تكون الأزمة الاقتصادية هي السبب إذا ما نظرنا على تقارير الأرباح السنوية التي تحققها تلك الشركات.

اقرأ أيضًا: لماذا تعود مصر لصندوق النقد الدولي؟

فحسب ما نشرته الصحف الاقتصادية ” المصرية” فإن أحدث نتائج الأعمال المجمعة في البنك التجاري الدولي كشفت ارتفاع صافى أرباحه إلى 13.2 مليار جنيه خلال العام المنتهى ديسمبر2021، مقارنة بصافى أرباح قدرها 10.2 مليار جنيه خلال عام 2020.

فيما أظهرت  المؤشرات المالية  لشركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية المصرية، ارتفاع الأرباح خلال النصف الأول من العام المالي الجاري بنسبة 113% على أساس سنوي.

وقالت الشركة في بيان للبورصة المصرية إنها حققت صافي ربح بلغ 3.2 مليار جنيه من يوليو حتى ديسمبر 2021، مقابل 1.5 مليارجنيه ربح خلال الفترة المقارنة من العام المالي الماضي.

أما مصر لإنتاج الأسمدة – موبكو فقد سجلت صافي ربح بلغ 4.79 مليار جنيه خلال 2021، مقابل أرباح بقيمة 2.49 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام السابق له 2020.

هذه الأرقام منشورة ويستطيع كل إنسان أن يطلع عليها ببساطة، ومع ذلك فإن السلطة في مصر قد قررت التخلي عن هذه الشركات ومنحها للإمارات دون تبرير واحد يمكن أن يقنع المواطنين، ودون أن تكلف نفسها عناء عرض الموضوع على البرلمان أو إجراء حوار مع المتخصصين!

هكذا يتم التعامل مع ثروة البلد دون اكتراث أو حتى محاولة لإقناع الناس بالأسباب التي أدت إلى اتخاذ القرار ببيع هذه الشركات الرابحة، وهو ما يعني سيطرة الإمارات على أصول الشركات وأرباحها لتضيع ثروة مصر بلا مبرر!

ومن بلومبرج أيضا جاءت البشرى الكبرى!

مصر تفاوض صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.

هذا هو القرض الثالث الذي تحصل عليه مصر من الصندوق الدولي خلال 6 سنوات.

الدولة تحت ضغط الأزمة الاقتصادية الأخيرة تحاول أن تضمد الجراح و”تسدد الديون” بقرض جديد قد لا يكون أفضل مما سبقه!

صندوق النقد قد يكون في حسابات السلطة المصرية هو الأسرع في المساعدة على مواجهة الأزمة الاقتصادية الأخيرة وبعد قرار زياردة الدولار في مواجهة الجنيه والذي أدى لمشكلات اقتصادية كبيرة!

المؤكد أن هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تحصل مصر على ثلاثة قروض من الصندوق الدولي في فترة ست سنوات فقط!

ومع ذلك تبقى الأسئلة مطروحة عما حققته القروض السابقة وعما يمكن أن يحققه القرض الجديد لا سيما إذا ما تذكرنا تاريخ الصندوق السيء مع الكثير من الدول التي أوشكت على الإفلاس بعد “روشتة” العلاج التي وضعها وكادت أن تعصف بدول كاملة.

اقرأ أيضًا: كيف استغلت الإمارات أزمة مصر المالية للاستحواذ على أصول ضخمة؟

هو صندوق للأزمات وليس لحلها: هكذا يعتقد الكثيرون!

بنظرة سريعة على تجربة البرازيل مع صندوق النقد الدولي يمكن أن نتعلم الكثير، وفي التكرار فائدة بلا شك!

فى الثمانينات مرت البرازيل بأزمة اقتصادية طاحنة …

فقررت الاقتراض من صندوق النقد الدولى.

وطبقت البرازيل كل الشروط الصعبة التي طلبها الصندوق للمساعدة في أزمتها الاقتصادية.

عدة سنوات فقط كانت كافية لتصل البلاد إلى حافة الهاوية حتى اقتربت من إعلان إفلاسها. فقد فقد الملايين من العمال فرص عملهم وباتوا يعيشون في العراء فضلا عن انهيار العملة وخفض الأجور وإلغاء الدعم رغم معاناة شرائح واسعة من المواطنين من الفقر

انهار الاقتصاد البرازيلي بشكل كامل. بل طلب الصندوق من الدولة إضافة بنود إلى دستورها الوطني خاصة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما تسبب في مشكلات داخلية كبيرة واحتجاجات عمالية وشعبية واسعة.

الغريب أن ما فعله القرض الأول في الاقتصاد البرازيلي لم يشكل تحذيرا لأهل الحكم هناك. بل طلبوا قرضا جديدا من الصندوق كان كفيلا بهبوط ملايين جديدة من المواطنين إلى ما دون خط الفقر، وأصبحت البرازيل واحدة من الدول الطاردة للمهاجرين وتضاعف الدين العام مرات ومرات!

ولم ينقذ البرازيل من أزمتها إلا انتخاب الشعب للرئيس لولا دي سيلفا الذي قرر وقف التعامل مع الصندوق الدولي والعودة للاعتماد على التنمية المستقلة والمتدرجة، ليستطيع الرجل بعد مواجهة كبرى مع الفساد أن ينجو ببلده من كارثة الصندوق وفقره وديونه!

هذه تجارب تستحق المراجعة. تماما كما يستحق الشعب المصري أن يعرف ما يحدث لثروته وأن يكون طرفا في معادلة القرارات المصيرية!

فمن صندوق أبو ظبي إلى صندوق النقد قد يدفع هذا البلد ثمنا كبيرا من أحواله الاقتصادية والمعيشية ومن استقلال قراره السياسي!