أصبح نقص الأسمدة أحد أخطر المشكلات الاقتصادية التي تواجه العالم حاليًا، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية التي هددت بفقد خُمس الإنتاج العالمي دفعة واحدة. فمع غياب التسميد تقل المحاصيل بنسب قد تصل إلى 50%.

روسيا.. حصة كبيرة من سوق الأسمدة

تستحوذ روسيا على نحو 22% من الصادرات العالمية من الأمونيا. بالإضافة إلى 14% من صادرات العالم من اليوريا، وقرابة 14% من فوسفات الأمونيوم الأحادي. وهي الأنواع الرئيسية من الأسمدة. وبات خيار مزارعي العالم -حاليًا- إما استخدام كميات أقل من السماد لتقليل التكلفة أو عدم الحصول عليها أساسًا. أو الحل الأصعب بدفع أعباء أعلى لتوفيرها. ومن ثم رفع أسعار المنتج النهائي.

بحسب تحليل أجرته مجموعة سي آر يو بلندن، ارتفعت أسعار الأسمدة إلى مستوى قياسي، على خلفية الحرب في أوكرانيا، وتأثيراتها على تدفقات التجارة الدولية. وقد تضاعفت أسعار الأسمدة النيتروجينية بمقدار 4 أضعاف، والفوسفات والبوتاسيوم بأكثر من 3 أضعاف. وكان ذلك نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة منذ بداية العام الجاري 2022 .

وقد أوضحت المجموعة البريطانية، في تقارير لها، أن التجارة عبر البحر الأسود -الطريق الرئيسي لصادرات الأمونيا- مغلقة تمامًا. بينما توقفت بعض مصانع الأسمدة، بسبب ارتفاع أسعار الغاز خلال الربع الأخير من العام الماضي. وتقلص الإنتاج في أوروبا، بفعل أزمة الغاز، الذي يمثل 60% من تكلفة سماد اليوريا.

اقرأ أيضًا: روسيا وأوكرانيا.. لماذا يبقى انعدام الأمن في مجال الطاقة؟

الطقس وأزمة الطاقة والعقوبات وتبعاتها.. ضربات أصابت سوق الأسمدة العالمي

وفي ألمانيا -أقوى اقتصاديات منطقة اليورو- قالت متحدثة باسم اتحاد المزارعين البافاريين في مدينة ميونخ إنه اعتمادًا على الطقس، يمكن أن يؤدي انخفاض استخدام الأسمدة إلى تقليص إنتاج المحاصيل أو ضعف جودتها.

بينما في الولايات المتحدة من المتوقع أن تقفز فواتير الأسمدة بنسبة 12% لعام 2022. ذلك بعد ارتفاعها بنسبة 17% عام 2021، وفقًا لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية. ووصل سعر سماد اليوريا إلى 1200 دولار للطن، مقارنة بنحو 600 دولار قبل الحرب الأوكرانية. أي زاد بمقدار الضعف.

لقد تضررت الصناعة الزراعية بشدة جراء الحرب والعقوبات الغربية. فروسيا أكبر مصدّر للأسمدة في العالم عام 2019، وفقًا لبيانات من مرصد التعقيد الاقتصادي. ذلك عندما بلغ حجم تجارة روسيا في الأسمدة ما يقرب من 9 مليارات دولار.

وأعرب جيلبرت هونجبو، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، عن قلقه العميق من أن الصراع العنيف في أوكرانيا، سيكون مأساة لأفقر الناس في العالم. خصوصًا هؤلاء الذين يعيشون في المناطق الريفية ممن لا يستطيعون استيعاب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية والمدخلات الزراعية. قال: “نشهد بالفعل ارتفاعًا في الأسعار. وقد يتسبب ذلك في تصاعد الجوع والفقر مع تداعيات وخيمة على الاستقرار العالمي”.

نقص حاد في الأسمدة عالميًا ينذر بانخفاض إنتاجية المحاصيل

قد يكون كبار المنتجين قادرين على الصمود في وجه عاصفة ارتفاع أسعار الأسمدة. لكن المزارع الصغيرة والعائلية التي لا تستطيع تحمل تكاليف أعلى يمكن أن تتضرر بشدة من تقلب السوق لهذه المنتجات الرئيسية، بحسب سفين توري رئيس شركة الأسمدة النرويجية العملاقة “يارا”. وهي شركة تمد أكثر من 50 دولة في خمس قارات بالعالم بمعظم المنتجات الزراعية اللازمة.

تعمل Borealis AG، وهي شركة أوروبية أخرى للأسمدة، على خفض الإنتاج. ومن المتوقع أن يتبعها المزيد. حيث يؤدي ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى الضغط على هوامش الربح في صناعة تواجه بالفعل نقصًا في المعروض.

قبل الحرب، كانت أسعار الأسمدة تواجه بالفعل ضغوطًا تصاعدية من اضطرابات سلسلة التوريد العالمية، وحظر الصادرات الصينية، وإضراب السكك الحديدية الكندية.

اقرأ أيضًا: في قلب العاصفة.. ماذا سيحدث إذا توقف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا؟

تُطبق السلطات الصينية الإجراءات الجديدة في أعقاب لوائح جمركية صدرت في 15 أكتوبر 2021. وهي تفرض تدقيقًا إضافيًا على صادرات الأسمدة. وكانت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح -أكبر مخطط اقتصادي في الصين- أصدرت إشعارًا دعت فيه إلى استقرار إمدادات الأسمدة وأسعارها نظرًا لأهميتها للإنتاج الزراعي والأمن الغذائي.

وقد مثّل هذا التحرك الصيني للحد من صادرات الأسمدة مشكلة عالمية. فبكين مورد رئيسي لليوريا والكبريتات والفوسفات. وهي تمثل حوالي 30% من التجارة العالمية. كما أنها مورد أساسي لكل من الهند وباكستان ودول جنوب شرق آسيا.

ضغوط تضخمية متوقعة جراء نقص الأسمدة

في مذكرة بحثية في وقت سابق من هذا الشهر، قال رئيس بنك باركليز البريطاني وكبير الاقتصاديين الأوروبيين فابريس مونتاني ورئيس الأبحاث الاقتصادية كريستيان كيلر، إن اتساع وشدة صدمة العرض في الأسمدة قد يكون لهما عواقب أكثر خطورة من ارتفاعات أسعار السلع السابقة. لأنه قد ينتج عنه توسيع في الضغوط التضخمية.

يحتوي إنتاج الأغذية والأسمدة على نسبة عالية من الطاقة. ذلك بسبب الميكنة والتصنيع والنقل، ولكنها تتنافس أيضًا مع الصناعات الأخرى على المدخلات الخام: إنتاج الوقود الحيوي، على سبيل المثال، يحول المحاصيل بعيدًا عن الأغذية الزراعية أثناء إنتاج الليثيوم، تتطلب بطاريات الأيونات كيماويات تستخدم في إنتاج الأسمدة الفوسفورية.

تجدد صعوبات الشحن والنقل، والأهم من ذلك، تأثير العقوبات الروسية على الإمدادات العالمية متوقعًا له أن يمتد إلى الأسواق العالمية بشكل أكبر. ذلك على غرار أزمة الغذاء العالمية لعام 2008.

وقد حذرت فرنسا -البلد المصنف كأكبر دولة أوروبية في الإنتاج الزراعي- هي الأخرى من المجاعة. وتوقع مسؤول بشركة” فرانس أجري” الأسبوع الماضي أن تواجه بلاده صعوبات في الحصول على إمدادات الأسمدة مستقبلًا.

اقرأ أيضًا: بوتين ولعبة الروليت الروسية.. كيف ستؤثر الحرب في أوكرانيا على العالم؟

الأزمة تتفشى عالميًا.. البرازيل مثالًا

البرازيل واحدة من أكبر المنتجين الزراعيين في العالم. وقد استوردت ما يقرب من 84% من الأسمدة عام 2021. ومع ذلك، فإن الإمدادات العالمية، التي بدأت بالفعل في التقلص نهاية العام الماضي بسبب عوامل دولية متعددة، قد تصبح نادرة في حالة استمرار النزاع بين أوكرانيا وروسيا.

وقد تسبب النقص في رفع أسعار الكيماويات المستخدمة في الأسمدة بالبرازيل العام الماضي، ليسجل كلوريد البوتاسيوم ارتفاعًا بنسبة 185%، واليوريا بنسبة 138%، وزاد فوسفات الأمونيوم الأحادي بنسبة 103%، وفقًا للاتحاد البرازيلي للزراعة والثروة الحيوانية.

في نهاية عام 2021، سافرت تيريزا كريستينا دياس، وزيرة الزراعة البرازيلية، إلى روسيا، محاولةً تأمين الإمدادات لبلادها. وقد حصلت على ضمانات من الحكومة الروسية وشركات الأسمدة. وقالت في ذلك الوقت إن بلادها: “لن تواجه مشاكل”. لكنها عادت وقالت في مؤتمر صحفي مؤخًرا، إنها تخشى تداعيات الحرب الروسية في الأشهر المقبلة. وأضافت أن موسم الحصاد الصيفي في نهاية سبتمبر أو أكتوبر سيكون مبعث قلق.

يقول محللو السوق أيضًا إن العقوبات التي فرضتها أوروبا والولايات المتحدة على روسيا من المتوقع أن تزيد من زعزعة استقرار الإمدادات، وسيصبح توريد الأسمدة أكثر تعقيدًا، بحسب سيزار كاسترو، المتخصص في استشارات شركة “أرجو” الزراعية، الذي يقول إن “أسعار المواد الغذائية قد تزيد كثيرًا”.