فيما ينشغل العالم بتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وتحركات إعادة صياغة شكل منطقة الشرق الأوسط برمتها. على ضوء الإحياء الوشيك للاتفاق النووي الإيراني، تسارع الدوائر الاستخباراتية الأمريكية والغربية. ووحدة الصقور في المخابرات العراقية، الزمن، من أجل التوصل لهوية خليفة داعش الجديد. الذي اكتفى التنظيم بالإشارة إليه باسم “أبو الحسن الهاشمي” بعد مقتل زعيم التنظيم السابق عبد الله قرداش “أبو إبراهيم الهاشمي”. دون تقديم أية تفاصيل أخرى بشأنه، فيما لا تزال عقيدة “التمكين” وإقامة دولة الخلافة التي تسبق ظهور المهدي المنتظر تسيطر على الكثير من عناصر التنظيم. سواء القابعين منهم في السجون السورية والعراقية، أو هؤلاء الذين ينتشرون في مناطق الشتات الجبلية والنائية. رغم سقوط “دولتهم” التي لم تستمر سوى لبضع سنوات قليلة، وتعرضهم لهزيمة قاسية.

هوية الخليفة الجديد

في العاشر من مارس ذكر التنظيم في كلمة صوتية أطلقها المتحدث الجديد باسمه أبو عمر المهاجر. أن مجلس شورى التنظيم استقر على مبايعة “أبو الحسن الهاشمي القرشي” خليفة جديدا. وأن الكشف عن هوية الزعيم الجديد غير متاح حاليا، داعيا عناصر التنظيم إلى مبايعته، ومواصلة عملياتهم. مشددا على أن اختيار أبو الحسن الهاشمي جاء امتثالا لوصية أبو إبراهيم الهاشمي الخليفة السابق.

رغم حالة الغموض التي فرضها التنظيم إلا أن كلمة “أبو عمر المهاجر” حملت إشارة لا يمكن إغفالها بشأن الزعيم الجديد. إلى جانب إشارات ودلالات أخرى تصب جميعها في خانة شخصية واحدة من المستوى القيادي، بحكم علاقته وقربه من أبو إبراهيم القرشي الخليفة السابق للتنظيم.

كافة المؤشرات تقود نحو اسم واحد فقط بين قيادات داعش المؤثرة، والتي لاتزال على قيد الحياة، أو خارج السجون. وهو بشار خطاب غزال الصميدعي المعروف باسم حجي زيد، إلى جانب أسماء أخرى أطلقت عليه منذ انضمامه للتنظيم عام 2013. ومنها “أبو خطاب العراقي” و”أبو المعز العراقي”، وأهم تلك المؤشرات أنه كان على مقربة شديدة من الزعيم السابق للتنظيم. بل أنه هو الذي قدمه لتولي مواقع قيادية، والتي كان من بينها تعيينه قاضيا مسؤولا عن المحاكمات الخاصة بالإعدامات، بحسب روايات كثير من قادة التنظيم خلال التحقيقات معهم عقب إلقاء القبض عليهم.

كان الصميدعي بمثابة نائبا لـ”أبو إبراهيم القرشي” خلال فترة توليه قيادة التنظيم، وهو ما يعني أنه حال تفويض. أو توصية الخليفة لشخص ما سيكون نائبه الأمين على خزائن أسراره.

هاشمي قرشي  

بخلاف القرب من قائد التنظيم السابق يمتلك الصميدعي مقومات وشروط القيادة الداعشية. التي تكون وفق قواعد وشروط متعارف عليها. ويأتي في مقدمتها أن يكون قرشيا، وأن يكون ممن يمتلكون العلم الشرعي. وهنا يعد الصميدعي أحد القلائل في المستوى القيادي بالتنظيم الذي لا يحتاج لمجهود أو أدلة لإثبات نسبه القرشي على عكس سابقه. الذي ظل لفترة طويلة بدأت قبل توليه القيادة ساعيا لإثبات النسب القرشي العربي.

وينحدر بشار خطاب غزال الصميدعي من عشيرة “الصميدع” العراقية التي يعود تسلسل نسبها إلى قريش. وهي ذاتها القبيلة التي ينتمي إليها مفتي العراق السني الحالي مهدي بن أحمد الصميدعي.

أما المقوم الآخر الذي يمتلكه الصميدعي ويجعل من اسمه الأقرب لزعامة التنظيم هو امتلاكه العلم الشرعي. حيث كان الصميدعي واحدا من أبرز المساهمين في كتابة المنهج الحازمي “المتشدد”. وهو المنهج الذي أصل لفكرة التكفير في عقيدة التنظيم. وكان الخليفة السابق للتنظيم أبو إبراهيم القرشي أيضا هو من زكاه لتلك المهمة.

إضافة إلى ذلك شغل الصميدعي منصب مسؤول ديوان القضاء والمظالم لمدة عام ونصف في الموصل خلال فترة سيطرة التنظيم عليها. قبل أن ينتقل إلى الرقة في سوريا عام 2016.

مقومات القيادة الداعشية

كما يمتلك الصميدعي مقوما مهما من مقومات القيادة الداعشية، خاصة وأن غالبية دعاة التنظيم وقادة الصف الثاني به ممن لم يتم القاء القبض عليهم أو من هم في السجون. درسوا على يديه، ما يجعله يتمتع بثقة نواة التنظيم الصلبة في دولة الخلافة الأولى بسوريا والعراق.

وهنا لابد من العودة إلى المراجعات التي أجراها التنظيم عقب هزيمته على أيدي قوات التحالف وفقدانه لكافة الأراضي التي كانت تحت سيطرته. وأشرف عليها الخليفة الأول للتنظيم أبوبكر البغدادي قبل مقتله في 2019. وانتهت بحسب روايات قادة وأعضاء التنظيم خلال جلسات التحقيق معهم إلى التمسك بركنين أساسيين، هما “الفكر والعقيدة” و”المال”.

كان أول تطبيق لتلك المراجعات على أرض الواقع هو خلافة عبد الله قرداش للبغدادي، حيث كان يوصف بأنه حامل الفكر الأول في الدائرة القيادية المحيطة به وقتها. وهو ما يعني أنه في حالة مد تلك الآلية بعد مقتل قرداش، فإنها ستنتقل بالتبعية إلى الشخصية المماثلة وهنا هو بشار الصميدعي.

تحقيقات جديدة وأدلة قديمة

عقب القضاء على خليفة داعش السابق أبو إبراهيم القرشي، وإعلان التنظيم لأسم “أبو الحسن الهاشمي” زعيما جديدا شرعت المخابرات الأمريكية في تحقيقات جديدة. وإعادة استجواب لقادة وعناصر التنظيم في السجون السورية والعراقية. ومواجهتهم بأدلة سابقة بحسب قيادات أمنية عراقية مختصة بملاحقة بقايا داعش في العراق.

وفقا لما كشف عنه مسؤولين أمنيين عراقيين، معنيين بمكافحة الإرهاب، فإن أخر مقطع فيديو ظهر فيه البغدادي قبل مقتله. وحوله عدد من قادة التنظيم مخفاه وجوهمم كان أبرز الأدلة التي تم إعادة التحقيق مع قيادات التنظيم البارزين في السجون بشأنها. حيث رجح بعضهم أن الصميدعي كان واحدا من الأشخاص الذين ظهروا إلى جانب البغدادي في التسجيل، إضافة إلى قرداش الخليفة السابق.

عبد الله قرداش
عبد الله قرداش

كما أن قرداش حينما تولى قيادة التنظيم عقب مقتل البغدادي، عمد إلى هيكلته وإعادة بناءه بمعاونة “اللجنة المتنفذة”. والتي كانت تسمى سابقاً بـ”اللجنة المفوضة العليا” عقب تأسيسها في 2016، وكانت تضم في عضويتها الصميدعي قبل أن يتولى الإشراف على عملها بشكل مباشر. بتكليف من قرداش نفسه، في أعقاب القبض على سامي جاسم الجبوري المعروف بحجي حامد والذي كان بمثابة النائب حينها.

دائما ما كان الصميدعي الخيار الأول لخليفة داعش السابق عبدلله قرداش، فعندما تم تكليفه بتأسيس معهد في الموصل لإعداد دعاة التنظيم وقضاته إبان فترة”دولة الخلافة”. عهد قرداش بالإشراف على المعهد لبشار الصميدعي. وهو ما يحمل رمزية ودلالة هامة مفادها أنه مشرف على خزانة “فكر التنظيم”، والتي يسعى لتواصلها ونقلها لأكبر قدر ممكن من الأتباع. وهو الموقع نفسه الذي سيجعل من الصميدعي لاحقا وجها معروفا وموثوق به لمن تخرجو من المعهد ما يمنحه شرعية إضافية.

النائب المفوض

بعد الضربات المتواصلة التي طالت التنظيم الإرهابي وأسفرت عن مقتل الغالبية العظمى من قيادات جيل التأسيس وقادة الصف الأول. أدرك من تبقى من القادة ضرورة التوافق على البدائل بشكل مسبق ما جعل أبوبكر البغدادي نفسه يوصي قبل مقتله بفترة وجيزة بخلافة “القرشي”. ففي أغسطس/آب 2019، ذكرت وكالة “أعماق” التابعة للتنظيم أن أبو بكر البغدادي يرشح قرداش خليفة له. ليقتل بعدها البغدادي بعملية إنزال أميركية في ريف مدينة إدلب، ويعلن التنظيم اختيار أبو إبراهيم الهاشمي القرشي لخلافته.

ومن ثم ووفقا لهذه القاعدة التي فرضتها ظروف الملاحقة لقادة التنظيم فإن الزعيم الجديد يكون معروفا للأفرع بشكل مسبق. وينتظر إعلان كنيته القرشية فقط فقط عقب مقتل الزعيم الذي رشحه. ومن هذا المنطلق تضيف هذه القاعدة مؤشرا داعما لهوية الخليفة الجديد للتنظيم، حيث كان الصميدعي الشخصية الأقرب لقرداش وبمثابة النائب له.

داعش على وضع ماقبل التمكين

تتمثل مهمة الخليفة الجديد في الحفاظ على الركنين الأساسيين للتنظيم، وهما “الهوية” و”التمويل”. وهو التصور الذي سبق وانتهت إليه “اللجنة المتنفذة” قبل مقتل البغدادي، وعقب خسارة “التمكين” نتيجة سقوط دولة الخلافة في سوريا العراق.

البغدادي خليفة داعش الأول
البغدادي خليفة داعش الأول

الروايات المتطابقة لقادة الصف الأول الذين ألقي القبض عليهم، خلال جلسات التحقيق معهم في السجون. تؤكد جميعها أنه عقب سقوط دولة الخلافة، انتهى البغدادي ومستشاروه إلى العودة بالتنظيم إلى وضعية ما قبل حالة التمكين. أي قبل الدمج بين الجناحين السوري والعراقي، على أمل إعادة البناء مجددا والعودة من خلال أية ثغرة يمكن النفاذ من خلالها.

ويعتمد النهج الجديد في إدارة التنظيم على اللامركزية عبر مفارز أمنية صغيرة تتبع عمل التنظيم الشبكي. تعمل عبر المناطق النائية وتتخذ منها نقاط للتخطيط والانطلاق، مع التركيز على آلية الاستنزاف والإرهاق للقوات الأمنية.

ويعول التنظيم كثيرا في الوقت الراهن، بعد خسارة الكثير من منابع تمويله، في أعقاب سقوط دولته، على أفرعه النشطة حول منابع الثروات في أفريقيا. على أمل إعادة بناء دولة جديدة.

السجون.. رهانات بعث جديد

يمثل العدد الكبير من أعضاء داعش في السجون العراقية والسورية قنبلة موقوتة في وقت تتجه فيه أعين قياداته على ذلك الخزان البشري من الأعضاء. الذين لا يزال الغالبية العظمى منهم تؤمن بفكره وتصوره للشريعة، وإقامة دولة الخلافة.

فكافة التحقيقات التي أجريت مع عناصر وأعضاء التنظيم وقياداته في السجون العراقية والسورية. ترصد عدم تغير في قناعات هؤلاء وتمسكهم بعقيدة “دولة الخلافة التي لابد لها أن تقوم”. في انتظار لحظة مواتية لبعثٍ جديد، وأن الهزائم التي تعرضوا لها هي دليل على صحة منهجهم. الذي يدفع الدول الغربية للتداعي عليهم لمنع إقامة “الدولة الإسلامية”.

نظر قيادة التنظيم للسجون باعتبارها خزان بشري، جعله يتجه لصياغة نهج يهدف من خلاله لمهاجمة السجون سعيا لتحرير من بها من أتباع. وهو ما بدا واضحا فيما تم ترويجه ضمن إنجازات “الخليفة السابق” بعد الهجوم. الذي شنه التنظيم منتصف يناير الماضي على مبنى المدرسة الثانوية الصناعية الذي كانت القوات الأمريكية. قد حولته إلى سجن في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا، والذي أسفر عن هروب عدد غير معروف من سجناء ينتمون إلى داعش من المنشأة التي كانت تحتجز نحو 3000 مقاتل.