تستعد مصر لاستضافة قمة المناخ “كوب 27” في نوفمبر المقبل. وقد أعلن الرئيس التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، موضوع القمة تحت عنوان “الاستثمار بالطاقة المتجددة في أفريقيا”. ذلك في محاولة للاستفادة من موارد الطاقة المتجددة بالقارة. خاصة في ظل الأزمة العالمية التي نشهدها خلال الفترة الأخيرة. وهي الأزمة التي ضاعفتها الحرب الروسية الأوكرانية. لذا، فإن هذه القمة تشكل فرصة ثمينة لمصر خاصةً. ذلك بما يمكنها من الحصول على الدعم الدولي في برامج تحول الطاقة ومواجهة التغيرات المناخية التي تسعى لإنجازها.
تطورات أزمة الطاقة العالمية والحاجة لـ”كوب 27″
شكلت قضايا التغير المناخي وتحول الطاقة على مدار العقود السابقة رفاهية دولية. إذ لم تمنحها دول العالم على اختلافها الاهتمام المطلوب. وهو أمر أوقعها في أزمة عميقة بدت في أقسى صورها مع انفجار الوضع في أوكرانيا. وقد تجلت تحديات أمن الطاقة على مدار الأعوام الأخيرة نتيجة ظهور عدد من المتغيرات. وهي التي يمكن تقسيمها إلى 3 مراحل مفصلية في تاريخ هذه الأزمة:
انتشار جائحة كورونا
تسببت جائحة كورونا في تدهور وضع الطاقة العالمي. وقد أدت حالة الإغلاق العالمي وتوقف الإنتاج إلى تراجع الطلب على الطاقة وانخفاض مستويات الإنتاج. كما هبطت أسعار النفط. وطبقا لمنظمة الدول العربية المصدرة للنفط، تهاوت معدلات الإنتاج بنحو 6.6 مليون برميل يوميًا، أي بنسبة 6.7%.
انحسار الجائحة
مع تراجع معدلات الإصابة بفيروس كورونا، وانفتاح الدول مرة أخرى، شهدت أسواق الطاقة معدلات طلب غير مسبوقة رافق الانتعاش الاقتصادي فارتفعت مستويات الإنتاج. فيما ساعد في ذلك العديد من العوامل. منها: التغيرات المناخية الحادة، وظهور شتاء شديد البرودة، وحاجة المنازل إلى التدفئة. مع انخفاض الاستثمارات في مصادر الطاقة النظيفة. الأمر الذي أدى إلى زيادة الطلب على النفط والغاز. وبالتالي ارتفاع الأسعار.
اقرأ أيضًا: من أجل فهم طريق مصر الطويل نحو إزالة الكربون
الغزو الروسي لأوكرانيا
مع اشتعال الحرب في أوكرانيا جراء الغزو الروسي، اقترب سعر برميل نفط خام برنت من حاجز 140 دولارًا. وقد مر العالم منذ هذه اللحظة بمرحلة فارقة ولا يزال يخوض تحديًا كبيرًا. ذلك مع ما مثلته هذه الحرب من تهديد لأمن الطاقة العالمي. في ظل عدم قدرة مخزونات الدول من الوقود الأحفوري على تغطية حاجتها من الطاقة. وهو ما تستغله روسيا بشكل جيد تهديدًا بوقف إمدادات الغاز إلى القارة العجوز. خاصة مع وضع روسيا باعتبارها المورد الأول للغاز إلى دول أوروبا، بنسبة 40% من جملة احتياجاتها.
ومن هنا، تبين خطأ التباطئ في إهمال مصادر الطاقة المتجددة لسنوات طويلة. وكذا ظهرت الحاجة الملحة للانتقال إلى مصادر أخرى من الطاقة. ذلك من أجل وقف الاعتماد على الغاز الروسي أو الوقود الأحفوري. ما يضع مسؤولية كبيرة على قمة “كوب 27” في ضرورة تحفيز الجهود نحو الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة وتطوير آليات العمل في ضوء هذه الاستراتيجية.
وقد صرحت وزيرة الطاقة الأمريكية، جنيفر غرانهولم، أن القرن المقبل سيشهد معدلات مضاعفة من الطلب على الطاقة. كما شددت على ضرورة ألا يؤثر هذا النمو في المناخ والأهداف الخاصة بالانبعاثات الكربونية. داعيةً إلى الاستثمارات الموجهة والدعم المنشود لتمكين الحكومات الأفريقية من تشييد بنى تحتية لازمة لتوفير طاقة بسعر معقول لهذا العدد المتنامي من السكان.
إمكانات أفريقيا من الطاقة المتجددة و”كوب 27″
قدرت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) أن أفريقيا تمتلك إمكانات غير محدودة من الطاقة المتجددة. ذلك بإجمالي 10 تيراواط من الطاقة الشمسية، و350 جيجاواط من طاقة المياه، و110 جيجاواط من طاقة الرياح. بالإضافة إلى 15 جيجاواط من الطاقة الحرارية الأرضية. أي أن قدرة الطاقة المتجددة في أفريقيا يمكن أن تصل إلى 310 جيجاوات بحلول عام 2030. ما يضع القارة في طليعة مراكز توليد الطاقة المتجددة على مستوى العالم.
وعلى سبيل المثال، يعتبر مجمع نور ورزازات للطاقة الشمسية في المغرب من أكبر محطات الطاقة الشمسية المركزة في العالم. وبالفعل، بلغت قدرته الإنتاجية أكثر من 814 جيجاوات ساعة من الطاقة النظيفة من خلال شبكة الكهرباء الوطنية منذ عام 2016. وعلى مدار عام 2017، استطاعت محطة الطاقة الشمسية توفير 217 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون.
تجربة جنوب أفريقيا
حاولت الدول الأفريقية تفعيل سياسات تحول الطاقة. كما حددت 45 دولة خططًا تستهدف دعم توسيع الطاقة المتجددة. ذلك في إطار المساهمات المحددة وطنيًا ضمن اتفاقية باريس للمناخ.
وقادت جنوب أفريقيا تجربة رائدة في آلية الحصول على التمويل من الدول المتقدمة اللازم للانتقال السريع إلى أبراج الطاقة المتجددة. مع تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري خلال قمة غلاسكو. حيث استطاعت تأمين 8.5 مليار دولار في شكل منح وقروض على مدى السنوات الخمس المقبلة.
وهو ما يأتي بتمويل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي. ويهدف ذلك إلى تسريع وقف العمل بمحطات الفحم الحالية. مع بناء كميات كبيرة من محطات توليد الطاقة المتجددة وخطوط النقل لتلبية الطلب المتزايد. ومن ثم تحقيق الحد الأدنى من انبعاثات الكربون. بما يتوافق مع الحفاظ على زيادة درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية بموجب اتفاقية باريس.
جهود مصر في التصدي لآثار التغير المناخي
تبذل مصر جهودًا ملموسة في إطار مواجهة التغير المناخي. إذ تبنت الدولة استراتيجية لمدة 15 عامًا للتصدي لتغير المناخ. وفي أكتوبر 2020، وافق البنك الدولي على مشروع بقيمة 200 مليون دولار لدعم مصر في مكافحة تغير المناخ والاحتباس الحراري.
وفي 2020، انضمت مصر إلى مبادرة قبرص الهادفة إلى تنسيق العمل المناخي المشترك في منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط. بالإضافة إلى مناقشة سبل إنشاء منظمة إقليمية معنية بتغير المناخ تضم دول المنطقة.
وفي السياق ذاته، تعهد الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن استضافة مصر لقمة المناخ “كوب 27” ستكون نقطة تحول رئيسية في الكفاح العالمي ضد تغير المناخ. وأوضح أن “مصر اتخذت خطوات مهمة للتصدي لتغير المناخ. وقد استهدفت وصول مشروعات الحكومة الخضراء إلى 50% بحلول عام 2025، و100 % بحلول عام 2030”.
وتمثل مشاريع الطاقة المتجددة في مصر حوالي 20% من مزيج الطاقة في مصر. كما أصدرت القاهرة مؤخرًا أول سندات خضراء في الشرق الأوسط بقيمة 750 مليون دولار.
فرص مصر في قمة المناخ “كوب 27”
تحظى مصر بفرصة انعقاد قمة كوب 27 هذا العام في نوفمبر المقبل. وهو ما يضيف ثقلًا استراتيجيًا لها ونفوذًا عالميًا. خاصة في ظل ما يتوافر لديها من مقومات الطاقة النظيفة والمتجددة، وعلى رأسها مشروع بنبان.
مستعرضًا هذه الفرص، يشير مصطفى كمال، الباحث في شؤون الأمن الإقليمي، إلى أن قمة المناخ كوب 27 بالنسبة لمصر لها أهمية، يمكن استعراضها في الآتي:
أولًا، بالنسبة للجانب الأفريقي: من الراجح، أن تعيد كوب 27 الانتباه إلى قارة أفريقيا. حيث لابد أن تتم مناوبة استضافة القمة بين جميع قارات العالم. ويعد استضافة مصر لهذا المؤتمر فرصة للدول الأفريقية من أجل إرسال توصياتها إلى العالم. ذلك كونها البلدان الأفقر في مواجه التغيرات المناخية، رغم مساهمتها الضئيلة في الانبعاثات (فقط بنسبة أقل من 2%)، ومع حقيقة أن تأثير التغير المناخي -للأسف- كبير جدًا على الشعوب الأفريقية.
كذلك “كوب 27” فرصة لإيفاء المجتمع الدولي بتعهداته تجاه الدول الفقيرة دعمًا للتحول الأخضر.
اقرأ أيضًا: طموح ملتهب: عودة مصر إلى القيادة الإقليمية وكيف يجب أن تستجيب أوروبا
ثانيًا، تتيح القمة الفرصة لمصر من أجل تعزيز مكانتها الأفريقية. فمصر قادرة علي لعب دول الوسيط بين الدول الأفريقية والمتقدمة. وبذلك تتحول إلى متحدث فعلي للشؤون الأفريقية بشأن تغير المناخ وتخفيف آثاره. وأيضًا تمويل المبادرات المناخية.
وعلى صعيد دور القطاع الخاص، صرح الباحث مصطفى كمال: يفتح كوب 27 المجال لفرص استثمارية للقطاعي الخاص والعام في مصر. حيث يعد مشروع التحول الأخضر بما يشمله من بنية تحتية ومشاريع دولية فرصة استثمارية كبيرة أمام الشركات المصرية في أفريقيا وغيرها. كذلك يمكن لمصر تقديم استراتيجية شاملة للتحول الأخضر في أفريقيا. وذلك بالتعاون مع بنك التنمية الأفريقي.
وأكد كمال أن كوب 27 هو لمصر بمثابة نافذة لعرض التقدم الذي حققته في مجالات التحول لاستخدام الطاقة النظيفة والتحول الأخضر. بما يشمله ذلك من عرض لاستراتيجية مصر 2030. وهو أمر يدفع بعض الدول الأوروبية إلى الاستثمار في قطاعات الطاقة في مصر. خاصة بعد أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا.
ويوصى الباحث مصطفى كمال بضرورة أن تستغل مصر حدث “كوب 27”. ذلك بإطلاق تقرير سنوي باسمها، يكون بمثابة قانون ومرجع للدول الأفريقية. على أن يحدد الاستعدادات والترتيبات المطلوبة من البلد المضيف للمؤتمر. إضافة إلى بنود تتعلق بمراجعة تخفيضات الانبعاثات على أساس علمي في العالم.