مع تجاوز الحرب الروسية على أوكرانيا حاجز الشهر (33 يومًا)، تتزايد التكهنات حول نتائج العمليات على الأرض. فبينما ترى أوروبا وأمريكا ومراكزها البحثية أن سياسات دعم الأوكران بالسلاح ناجحة، وكانت السبب في فشل موسكو في معركتها. ودخولها حرب استنزاف تؤكد الأخيرة أن الأمور تسير وفقا للخطة المرسومة لها بتدمير البنية التحتية لأوكرانيا. بينا تتحدث دراسات مستقلة عن مآرب خفية في الصراع هي الهدف الرئيسي منه والحاسم الأساسي لمداه الزمني.

في أمريكا، يقول  معهد أمريكان انتربرايز، إن فلاديمير بوتين يوصف عادةً بأنه مقامر عالي المخاطر. لكن الأداء الضعيف المحرج للجيش الروسي في أوكرانيا وضربة العقوبات الغربية تشير إلى أن بوتين ليس مخططًا استراتيجيًا عبقريًا.  بل مجازفًا قضم أكثر مما يستطيع مضغه، على حد تعبير  داليبور روهاك، باحث زميل في المعهد.

لكن روهاك يعود ليؤكد أن قمم بروكسل – الناتو، والاتحاد الأوروبي. ومجموعة الدول السبع تؤكد أن الغرب أيضًا قام بمغامرة خطيرة هو الأخر. وتوقع أنه يمكنه البقاء بعيدًا عن الحرب والحصول أيضًا على النتيجة التي نريدها جميعًا. أي هزيمة روسية حاسمة وسقوط نظام بوتين، عبر السماح للأوكرانيين بالقتال مع تزويدهم ببعض أشكال المساعدة العسكرية و”غيرها”. على أمل أن تنزف روسيا بشكل أسرع.

قد ينجح رهان الغرب بشكل جيد للغاية. بالنسبة للتوقع الأولي المتمثل في اجتياح القوات الروسية لأوكرانيا. مع عزم الأوكرانيين إلى جانب كفاءتهم في ساحة المعركة، ويشير المحللون العسكريون إلى أن الحملة الروسية “بلغت ذروتها” الآن. مما أدى إلى “حالة من الجمود” غير المرضية، والتي يصعب على أي من الجانبين عكس مسارها، وفقًا لـروهاك.

حرب أوكرانيا ستكون استنزاف طويلة يتم فيها تقليص مساحتها ببطء

لكن الباحث الأمريكي يرى أن “الجمود” لا يعني نهاية الصراع، وعلى الأرجح، يعني ذلك حرب استنزاف طويلة. حيث يتم تقليص بقية أوكرانيا ببطء -كما كانت ماريوبول وخاركيف بالفعل- إلى أنقاض. حيث تعمل ما أسماه بـ” الوحشية الروسية” المتزايدة تجاه المدنيين كبديل للتقدم التكتيكي.

من المتصور أنه من أجل وقف الوفيات بين المدنيين والمعاناة على أيدي الروس. ستقدم القيادة الأوكرانية تنازلات إقليمية أو تتخلى عن طموحاتها المنصوص عليها في الدستور للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. إذا حدث ذلك، فلن يكون أمام الغرب خيار سوى الإذعان لخيارات الأوكرانيين. حتى لو كانت هذه قد تضر بأمن أوروبا على المدى الطويل، وحتى لو كانت ستشجع بوتين في المستقبل. وفي تلك المرحلة، للظهور كجهات فاعلة بناءة، قد تعرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على روسيا شكلاً محدودًا من تخفيف العقوبات.

مع ذلك، فإن اعتراف أوكرانيا الرسمي باستيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم و”الجمهوريات الشعبية” في لوهانسك ودونيتسك. سيعني أن الاستيلاء غير القانوني على الأراضي مسموح به بقدر ما يتم دعمه بالقوة، ففي عام 2014. تجاوزت الطموحات الروسية في دونباس القطعة الضيقة من الأرض التي كان الانفصاليون الذين ترعاهم موسكو قادرين على السيطرة عليها. لكن لا هذه الصعوبات ولا العقوبات الغربية أثنت بوتين عن المحاولة مرة أخرى – بل على العكس تمامًا.

الجيش الروسي  يقول على لسان نائب رئيس الأركان العامة الروسية سيرجي رودسكوي. إنه سيركز من الآن فصاعدا على “التحرير” الكامل للشرق الأوكراني، وأن “الاهداف الرئيسية للمرحلة الأولى للعملية أُنجزت”.

الصراع في أوكرانيا لن ينتهي إلا بتقسيمها إلى بلدين

راشيل جونسون، الصحفية البريطانية المعروفة، تقول إن “الطريقة الوحيدة التي سينتهي بها الصراع في أوكرانيا. هي إذا قام بوتين بتقسيم البلاد بين الشرق والغرب، وهو أمر حذر منه رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية”.

وقالت جونسون: “لن يأخذ بوتين دباباته من أوكرانيا ويفقد ماء الوجه دون أن يكون لديه شيء يريه للشعب الروسي.  وللأمهات اللائي فقدن عشرات الآلاف من أبنائهن في هذه الحرب العبثية”، بحسب تعبيرها.

بالفعل، اعترف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه سيكون “من المستحيل” إجبار روسيا بالكامل على الخروج من أراضي بلاده. وقال إنه يريد “تسوية” مع موسكو بشأن منطقة دونباس، التي تسيطر عليها جزئيًا مجموعات انفصالية تدعمها روسيا لنحو ثماني سنوات.

بعدها بأيام أبدى زيلينسكي استعداده لبحث كل الأمور مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. إذا وافق على التفاوض مباشرة معه بما يشمل حول القرم ودونباس. لكن مع “ضمانات أمنية” بشكل مسبق محذرًا من أن أوكرانيا “ستدمر” قبل أن تستسلم. ما يعني أن التنازلات مستمرة من قبل الجانب الأوكراني.

 

عزل أوكرانيا بالكامل

الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أحد عليبة، يقول إن تحركات روسيا الميدانية. مع انقضاء الشهر الأول من الحرب تؤكد أنها تسعى إلى خطة عزل أوكرانيا بالكامل عن محيطها الخارجي براً وبحراً. فمع الإعلان عن انتهاء المرحلة الأولى من عملياتها العسكرية، كانت قد سيطرت على القوس الشرقي من البلاد.  والذي يمتد من شريط حدودها الشمالية المتاخمة للحدود الروسية–البيلاروسية. مروراً بالشريط الشرقي. الذي يشمل حدود خاركيف وإقليم الدونباس، وصولاً إلى الشريط الساحلي الجنوبي. الذي يمتد من بحر آزوف في أقصى الشرق من الجنوب وحتى ميكولايف في منتصف الشريط الساحلي عند مدخل أوديسا الشرقي.

يضيف أن موسكو ستركز على تضييق الخناق أكثر على العاصمة كييف. بالتوازي مع إغلاق الحدود الغربية-الأوكرانية واستكمال الحصار البحري. أو بمعنى أخر تراهن روسيا تكتيكياً على إغلاق الحدود الغربية لتحرم القوى الغربية من الرهان. على عدم استقرار التواجد العسكري الروسي في أوكرانيا في المدى المنظور.

بالتوازي مع قيام القوات الروسية بقصف المخزون العسكري والإمدادات والبنية العسكرية كالمطارات ومنظومات الدفاع ومخازن الوقود في الجهة الغربية. حتى تقلل بالتدريج من تبعات حرب الاستنزاف التي تخوضها أوكرانيا ضدها. لكن ذلك سيتوقف على عامل الوقت، ومدى قدرة الجانب الأوكراني على الإسراع في الحصول على الدعم العسكري المطلوب قبل تنفيذ خطة العزل الروسية لحدود أوكرانيا الغربية.