في يونيو/ حزيران 2021، أشار تسجيل صوتي حصلت عليه وكالات الأنباء. إلى أن زعيم جماعة “بوكو حرام” النيجيرية المسلحة، أبو بكر الشكوي. قد قتل نفسه، بحسب فصيل إسلامي آخر منافس في المنطقة. وهو “تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا”. والذي يعرفه الغرب اختصارًا بـ تنظيم الدولة. وقتها، أوضح أبو مصعب البرناوي -زعيم تنظيم الدولة- أن الشكوي “فجّر نفسه بعبوة ناسفة”.
قوبلت وفاة الشكوي، الذي حاصره مقاتلو التنظيم في قاعدته في غابة سامبيسا -وهي رقعة من الغابات الكثيفة ذات الأهمية الاستراتيجية تقع في شمال شرقي نيجيريا- بالارتياح في الدوائر الرسمية في نيجيريا وخارجها. لكن في الوقت نفسه، كان مجرد فصل في صراع السلطة بين الفصائل الإسلامية المسلحة. بينما لا زالت أبوجا تعمل على تعزيز استراتيجيتها الاحتوائية.
يُشكّل تعزيز تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا لقبضته على بورنو ومنطقة بحيرة تشاد. تهديدًا أمنيًا متزايدًا لنيجيريا والدول المجاورة. رغم الشعور بالارتياح لرحيل الشكوي، وهو مسؤول عن أعمال عنف مروعة وسوء معاملة ضد المدنيين. لذلك، دعا باحثو Ccrisis Group أبوجا وشركاؤها إلى احتواء المزيد من تقدم التنظيم. ومساعدة المقاتلين المتنافسين على الاستسلام، وحماية النازحين داخليًا. والعمل مع الدول المجاورة لقطع الدعم المادي الخارجي عن الجهاديين.
في سبيل العمل على هذا الاحتواء. يجب اتخاذ خطوات لوقف المسلحين الذين كانوا تحت سيطرة الشكوي من نشر عدم الاستقرار في أماكن أخرى. وأن تتوفر أيضًا بدائل أفضل للمدنيين الذين قد يعودون إلى الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة. حيث قد يصبحون قاعدة ضريبية للجهاديين، وأضرارًا جانبية في القتال مع الجيش النيجيري الذي سيحتاج إلى مواصلة حملته. مع توخي العناية الواجبة لحماية المدنيين.
اقرأ أيضا: كيف يجب دعم الحوار في الساحل الأفريقي المليء بالانقلابات؟
التوسع في غرب أفريقيا
على الرغم من أن داعش دعمت في البداية الشكوي كقائد عام لبوكو حرام في عام 2015 -وهو الوقت الذي أعادت فيه الحركة بأكملها تسمية نفسها باسم تنظيم الدولة- فقد ألقى التنظيم بثقله وراء القادة المعارضين الذين انفصلوا عن الشكوي في العام التالي. بدا أن هذا القرار يعكس مخاوف من أن أسلوب القيادة غير المنتظم والمعاملة الوحشية للمدنيين كانت تضعف الحركة وتشوه سمعتها. لذلك، تُرك الشكوي مسؤولاً عن فصيل ردف من بوكو حرام، والتي عادت إلى تسمية “أهل السنة والجماعة” التي كانت تاريخياً الاسم الرسمي للجماعة. وزعم أنه -مع ذلك- حافظ على ولائه لتنظيم الدولة الإسلامية.
أدت وفاة الشكوي إلى تقسيم بوكو حرام إلى فصيلين رئيسيين. هما “أهل السنة والجماعة”، و”تنظيم الدولة” الذي استوعب عدة مجموعات مقاتلة من أهل السنة في صفوفه. لكنها لا تزال تواجه مقاومة من جماعات أخرى تتعدى على الأهوار والضفاف والجزر في شمال بحيرة تشاد. في الوقت نفسه، اختار العديد من عناصر أهل السنة الاستسلام للسلطات النيجيرية بدلاً من الخضوع لتنظيم الدولة، بينما قد يكون البعض قد فروا إلى أجزاء أخرى من شمال نيجيريا.
مع خروج أهل السنة إلى حد كبير عن مسار الصراع. توسع تنظيم الدولة إلى ريف بورنو، وكثف مرة أخرى عملياته ضد الجيش النيجيري. وشن العديد من الهجمات الأصغر للتكيف مع القصف الجوي المكثف. ومثّل توطيد تنظيم الدولة لسلطته في ريف بورنو -والذي استغرق سنوات من الإعداد- تهديدًا خطيرًا للأمن في شمال نيجيريا والمناطق المجاورة في تشاد والنيجر والكاميرون. بالفعل، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا عن وقوع المزيد من الهجمات في عام 2021 مقارنة بعام 2020. على الرغم من أن تلك الهجمات تسببت في عدد أقل من القتلى.
الثبات في مواجهة الدولة
يأتي انتزاع تنظيم الدولة للسلطة بعد سنوات من التوترات داخل بوكو حرام، والتي أدت في النهاية إلى انشقاق الحركة. ليشير إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية -داعش- كثف دعمه للقادة المعارضين الذين انفصلوا عن الشكوي في عام 2016. واعتبرتهم شركاء أكثر موثوقية في قتال الدولة النيجيرية.
منذ تولّى أبو بكر الشكوي زعامة جماعة “بوكو حرام” في عام 2009، بعد مقتل زعيمها ومؤسسها السابق محمد يوسف. أثناء اعتقاله لدى الشرطة النيجيرية. نزح أكثر من مليوني شخص بسبب النزاع في نيجيريا، وامتد العنف عبر الحدود إلى النيجر وتشاد والكاميرون. بعد وفاته، واصل “تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا” ملاحقة فلول بوكو حرام التي رفضت مبايعته. في الوقت الذي استسلم فيه المئات من عناصر بوكو حرام للجيش مع عائلاتهم وأطفالهم.
تحوّل تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا في عهد البرناوي إلى قوة جهادية مهيمنة في النزاع النيجيري. إذ استهدف بشكل متكرر جنود الجيش. لكن في أكتوبر/تشرين الأول 2021. أعلن رئيس هيئة أركان الدفاع في الجيش النيجيري. الجنرال لاكي إيرابور. مقتل أبو مصعب البرناوي. زعيم التنظيم. دون أن يقدم أي تفاصيل عن تاريخ وكيفية مقتله، بينما لم يصدر التنظيم نفسه أي تأكيد.
ورغم القول بأن وفاة البرناوي تشكّل ضربة لهيكلية تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا. في وقت حاول فيه تعزيز نفوذه. قال الباحث لدى “معهد الدراسات الأمنية” مالك سامويل: في حال صحّ نبأ مقتل البرناوي، لن يكون له تأثير يذكر بسبب تركيبة التنظيم. وأضاف: منذ الانقسام في عام 2016، أجرى تنظيم الدولة حوالي خمسة تغييرات في القيادة. لكن الجماعة حافظت على ثباتها في شن هجمات مميتة وناجحة ضد قوات الأمن.
اقرأ أيضا: رؤى استشرافية لأهم ملامح “أفريقيا جنوب الصحراء” في 2022
لماذا تحركات أبوجا مهمة؟
في الوقت الحالي، يعزز الفرع المحلي لتنظيم الدولة الإسلامية قبضته على مناطق ريفية جديدة في ولاية بورنو الوسطى والجنوبية في نيجيريا. بعدما قضت ولاية غرب إفريقيا الإسلامية -تنظيم الدولة- على الفصيل الجهادي المنافس “جماعة أهل السنة والجهاد”. التي كان زعيمها المتوفى أبو بكر الشكوي يرأس الجماعة المعروفة باسم بوكو حرام.
صدت القوات الجوية النيجيرية إلى حد كبير هجمات تنظيم الدولة على البلدات الشمالية الشرقية، حيث تنتشر القوات النيجيرية. وفي حين أن القدرة الجوية المتزايدة للجيش النيجيري تسمح له بالدفاع بشكل أفضل عن المدن. يجب كذلك تكثيف الجهود لاحتواء التنظيم من خلال التعامل بشكل أفضل مع المنشقين الجهاديين. والسعي لاستسلام عناصر أهل السنة المتناثرة. من خلال القيام بذلك، يمكن تقليل مخاطر النزاعات غير المباشرة التي قد يستغلها تنظيم الدولة. كما يجب على نيجيريا وجيرانها أيضًا تعزيز التعاون الاستخباراتي. لا سيما لكبح ما يبدو أنه تدفق للنصائح والأموال من قلب داعش.
ربما على السلطات مضاعفة جهودها لتسريح مقاتلين من جماعة الشكوي. لكن -في الوقت نفسه- يجب أن يكونوا حذرين عند إعادة توطين المدنيين في البلدات التي تسيطر عليها الحكومة والواقعة في مناطق تنظيم الدولة. حيث يمكن أن يقعوا في مرمى النيران. أو يخضعون للضرائب التي يفرضها التنظيم الذي اكتسب قوة مضاعفة منذ وفاة الشكوي. حيث بدأ يتوسع في مناطق ريفية جديدة في شمال شرق نيجيريا.
هنا، يلفت باحثو مجموعة الأزمات إلى أن تناثر مقاتلي الشكوي السابقين. قد يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن في أماكن أخرى في شمال نيجيريا. فبينما تعتبر حكومة ولاية بورنو أنه في خدمة “الاستقرار”، يمكنها البدء في إغلاق المخيمات. التي تستضيف مئات الآلاف من الأشخاص الذين نزحوا بسبب النزاع. يرى المحللون أنه لا ينبغي للسلطات دفع المدنيين إلى إعادة التوطين في الأماكن التي ينشط فيها تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا.
الاستجابة العسكرية
لا يزال يتعين على الجيش النيجيري وحلفائه إيجاد طريقة موثوقة وفعالة لمواجهة التحدي المتطور الذي يمثله تنظيم الدولة. مع ذلك، فقد أجروا بعض التغييرات في نهجهم. وفقًا لباحثي مجموعة الأزمات. حيث تبنى الجيش النيجيري موقفًا دفاعيًا أفضل، حيث أعاد تجميع قواته في “المخيمات “في مختلف مناطق شمال بورنو. أدت هذه الخطوة إلى تقليل الخسائر العسكرية. ولكنها سمحت أيضًا لـ تنظيم الدولة بإحكام قبضتها على أجزاء من ريف بورنو.
بالإضافة إلى ذلك، بعد الترقيات لقيادة جيل جديد من الجنرالات ذوي الخبرة القتالية في بورنو. بالإضافة إلى الاستثمارات الضخمة في الأسلحة والطائرات. لا سيما طائرة Embraer EMB 314 Super Tucano التي طال انتظارها -والتي سلمتها الولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول 2021- كثفت السلطات النيجيرية عملياتها العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا.
أدى الهجوم، إلى جانب التحسينات في الاستخبارات والمراقبة وقدرات الاستطلاع المحمولة جواً. وتحسين التنسيق بين القوات الجوية والبرية. إلى تصعيد الضغط على التنظيم في غرب إفريقيا، ومنع الهجمات الجهادية واسعة النطاق على المدن. مع ذلك، لا يزال هناك شك حول ما إذا كان بإمكان الجيش إنشاء وجود دائم في المناطق الريفية. فقد قال المقاتلون الجهاديون السابقون -الذين قابلتهم مجموعة الأزمات منذ فترة طويلة- إنهم يبتعدوا ببساطة أثناء الهجمات البرية، لكنهم يعودون بمجرد مغادرة القوات.
في الأشهر القليلة الماضية، قامت طائرات Super Tucano وطائرات أخرى بضرب مقاتلي تنظيم الدولة مرارًا وتكرارًا. أثناء تجمعهم لشن غارات، أو ضربهم أثناء عودتهم. علاوة على ذلك -مع إمدادات جديدة من المدرعات والمدفعية- شن الجيش النيجيري هجومًا على أجزاء مختلفة من بورنو في أوائل عام 2021 و2022.
اقرأ أيضا: “داعش الأفريقي” يرسم “دولة خلافة جديدة”: يتمدد عبر حدود هشة لتعويض “سوريا والعراق”
لماذا تفشل قوة العمل المشتركة؟
مع زيادة الضغط العسكري في نيجيريا، قام التنظيم بتكييف تكتيكاته وفقًا لذلك. حيث أسقطت هجماته واسعة النطاق لتجنب الغارات الجوية، والتركيز على تصاعد حواجز الطرق لخطف وقتل مسؤولي الدولة. وضرب القوافل العسكرية بالكمائن والعبوات الناسفة، واستخدام المدفعية. إطلاق النار على الحاميات.
في غضون ذلك، فشلت قوة العمل المشتركة متعددة الجنسيات MNJTF -وهي تحالف من قوات من نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر- في منع تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا، أو جماعة باكورا، من ترسيخ جذورها. في المنطقة التي من المفترض أن تسيطر عليها. على مر السنين، ألحقت الجماعتان خسائر فادحة بجيوش هذه الدول. بدءًا من الاستيلاء على القاعدة الرئيسية للقوة متعددة المهام المشتركة في باجا، على شواطئ بحيرة تشاد.
من المحتمل أن يكون جزءًا من سبب النتائج المحدودة لفريق العمل هو أن نيجيريا وجيرانها “مشغولون في أماكن أخرى”. إلى جانب حركات التمرد في الشمال الشرقي، بينما يتعين على القوات النيجيرية أن تتعامل مع أعمال اللصوصية في الشمال الغربي وعدم الاستقرار في الجنوب الشرقي.
بدأت تشاد -التي تمتلك أقوى جيش في المنطقة- في تقليص مشاركتها مع بوكو حرام في عام 2019. بعد أشهر من اندلاع أعمال عنف جديدة في منطقة تيبستي الشمالية، وقبل هجوم باكورا. تراجعت نجامينا بعيدًا عن عمليات القوة متعددة المهام، بعد اندلاع تمرد سريع في أوائل عام 2021، مما أدى إلى مقتل الرئيس إدريس ديبي.
الممر الآمن
في غضون ذلك، تتعامل سلطات النيجر مع تصاعد العنف في منطقة تيلابيري -معقل داعش في الساحل الأفريقي- بينما لا يزال الجيشان النيجيري والكاميرون يتعاونان بشكل جيد ضد الجهاديين على طول حدودهما الشمالية. كما تنشغل قوات ياوندي أيضًا في قتال المتمردين في المناطق الناطقة بالإنجليزية.
تقر الحكومة النيجيرية بأن العمليات العسكرية ليست كافية لهزيمة تنظيم الدولة. وقد جربت تكتيكات أخرى، لا سيما تطوير برنامج “الممر الآمن” لتشجيع الانشقاقات الطوعية. والتي توفر ممر آمن للجهاديين لتسليم أنفسهم للسلطات العسكرية، والخضوع لما تسميه الدولة “إزالة التطرف” ثم إعادة دمجهم في المجتمع.
مع ذلك، فإن البرنامج به قيود كبيرة، بما في ذلك ضعف عملية الفحص. وظروف الاحتجاز الرهيبة قبل الدخول في البرنامج، والتأخير في الدعم، وضعف لإعادة الإدماج. والمعارضة من السياسيين والمواطنين العاديين الذين يرون أنه خطة عفو عن الجهاديين. لكن رغم هذه الظروف تحسنت عملية الممر الآمن بشكل كبير منذ إنشائها في عام 2016. وقد عملت حتى الآن مع ما يقرب من ألف شخص، مما أظهر للمتمردين أن الانشقاق أمر ممكن. حتى بينما أعرب المنشقون المحتملون عن مخاوفهم بشأن الممر الآمن، شجع البرنامج مقاتلي أهل السنة والمدنيين المرتبطين بهم على مغادرة المجموعة بعد وفاة الشكوي.