حال المنتخب هو حال مصر لا أقل ولا أكثر!

في مناقشات وأحاديث المصريين بسبب ضياع حلم التأهل لمونديال كأس العالم في قطر نفس أسباب الغضب ونفس مبررات الإحباط!

الكرة ليست منفصلة عن السياق العام للمجتمع ولا يمكن أن تظل في جزيرة منعزلة.

قارن بين الأفكار والسياسات التي تحكم المجتمع ستصل بسهولة لأسباب فشل المنتخب المصري.

هيا بنا نجرب!

أولًا: الأمن فوق الجميع، لذلك غاب جمهور كرة القدم الحقيقي عن الاستاد. وخلت مدرجات التشجيع من هؤلاء الذين يبثون الحماس في اللاعبين، ويتسرب من تشجيعهم الخوف والقلق إلى صفوف المنافس. وقد كانت المقارنة البسيطة بين الجماهير التي حضرت في مباراة النهائي بين المنتخب المصري ومنتخب السنغال في داكار، وبين أولئك الذين حضروا في ستاد القاهرة كاشفة. لأن سيطرة الأمن على المجتمع بما فيها كرة القدم قد أضر الفريق مثلما أضر كثيرًا من المجالات التي تحكم فيها بدون سبب منطقي أو ضرورة.

فمنطق الأمن هو الحاكم والدخول عن طريق الرقم القومي وتاريخ الميلاد وامتلاء المدرجات برحلات أشبه برحلات تلاميذ المدارس قد ضرب كرة القدم في مقتل. سيطرة الأمن على المدرجات لمدة 10 سنوات خلق جيلًا كاملًا من اللاعبين لا يجيد اللعب تحت ضغط الجمهور والمدرجات.

ثانيًا: القديم يحكم، تمامًا مثلما هو الحال في المجتمع. كل الرموز والسياسات القديمة هي التي تحكم كثيرًا من المجالات في مصر. وفي كرة القدم أيضًا، نفس الأسماء التي تحكم العملية الرياضية كلها مستمرة منذ سنوات، لا تتغير ولا تتبدل.

نظرة سريعة على اتحاد الكرة بالأسماء التي تتغير عليه، الإعلام الرياضي، رؤساء الأندية، نفس الوجوه ونفس الأفكار ونفس السياسات. هذا الاستمرار والاستقرار خلق أنواعًا من الشللية والتكلس ونتج عنها فسادًا لا يوصف. وللأسف لا يوجد من يمكن الرهان عليه وسط منظومة قديمة مهترئة وخارج نطاق الزمن.

هذا الثبات والجمود الذي يحكم الرياضة مثلما هو الحال في المجتمع لا يمكن أن يكون دافعًا للتطور ولا التقدم، وسيكون طوال الوقت محاطًا بالفشل من كل اتجاه.

ثالثًا: نظرية الزعيم الأوحد هي السائدة في الرياضة مثلما في السياسة تمامًا. فمنتخب محمد صلاح لا يمكن أن يكون منتخبًا لكرة القدم. ومع كل موهبة وتفرد محمد صلاح وتجربته الرياضية الثرية ظل الجميع يراهن فقط على اللاعب الأوحد ليكون سببًا في انتصارنا في كل المسابقات. وقد تحمل اللاعب أكثر مما يمكن تحمله. وكانت النتيجة فشلًا كبيرًا، فليس معقولًا أن يتحمل إنسان واحد كل شيء. بينما هناك فريق كامل لا يعول أحد عليه ولا يختبره ولا يبحث له عن دور.

هنا، تبدو المشكلة واضحة. فمهما كانت درجة اجتهاد وموهبة وتفرد صلاح لا يمكن أن ينجح وحده. وليس من العدل أن يتحمل وحده مسؤولية المنتخب ونتائجه. لا سيما أن اللاعب نفسه لم يطلب هذا الدور. ولكن للأسف ظلت عقلية الرجل الأوحد تحاصر هذا الجيل وتعتبر أن شخصًا واحدًا قادرًا على صناعة كل شيء دون أن تكتشف أن هذه الأوهام لا يمكن أن تستمر.

رابعًا: العلم يخسر، فمثلما هو الحال في المجتمع تبدو حالة العشوائية هي المسيطرة على كل القرارات والسياسات في الرياضة. لا خطط ولا علم ولا ترتيبات. وبنفس طريقة “تحيا مصر” وعاش الأبطال يدار المنتخب المصري. وبالطبع تبدو النتيجة واضحة، علم وخبرات وخطط واستعداد في مواجهة حماس ودوافع نفسية فقط. كم مباراة كان المصريون يراهنون على حماس المنتخب وعلى “رجولة” لاعبيه؟

ببساطة، سيكسب العلم والتخطيط على الارتجال. فمهما كانت مثالية ونبل فكرة الحماس والدوافع الوطنية، فإن العالم قد تغير وبات العلم والخبرات أكثر تأثيرًا من أي حديث عن الأمور النفسية. وقد ظهر ذلك جليًا في كثير من المبارايات التي خاضها المنتخب مؤخرًا. فاز العلم على الحماس، ودفع المصريون ثمن عشوائية وارتجالية وفساد كثير من القرارات والسياسات التي تحكم الرياضة.

كل ما يدور حولنا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسياسة، ولا يمكن فصل كرة لقدم عن المناخ العام الحاكم للمجتمع. فإذا كان المجتمع يعتمد بشكل حقيقي على الخبرات والكفاءات والعمل الجماعي والشفافية والعلم، فإن كرة القدم ستتأثر وتتقدم. أما إذا حدث عكس ذلك فإن ما سيحدث هو ما رأيناه في داكار وغيرها بالطبع.