تَكمُن أهمية فنون الكوميديا السياسية بمختلف أشكالها، في قدرتها على تفكيك الخطابات المنمقة والشعارات المفخمة التي يتوارى خلفها مطلقوها. وتحطيم دعاوى الساسة وأكاذيبهم، خاصة في حالة التعبئة للحروب، تحت مطرقة السخرية.

تحدثنا في المقال السابق – فن الكوميديا والحرب – عما استطاع ظهور السينما أن يضفيه على الفنون التمثيلية على مستوى الانتشار. وكذا تطوير آليات الممثل وفن التمثيل عامة.

تَكَوَّنَ جمهور السينما من قطاعات شعبية مختلفة عن رواد المسارح. فيما كانوا أكثر فقرًا ومعاناة. هذه الطبيعة ألزمت الكثيرين من صناع السينما تناول موضوعات قريبة من نمط حياة تلك القطاعات فتعرضوا في أفلامهم لقضايا اليومي والمعاش للجمهور الجديد. والتي قُدم أغلبها في قالب ساخر.

كوميديا شارلي شابلن.. الصعلوك والنظام

شارلي شابلن من أوائل صناع الكوميديا الذين أدركوا طبيعة جمهور السينما والقضايا التي تشغلهم. بل نستطيع أن نقول إن هذا الجمهور هو النوعية التي كان يسعى شابلن طوال حياته للالتقاء بها. كان الرجل النحيل الآتي من قاع المجتمع الإنجليزي يؤدي شخصية “الصعلوك” التي ابتكرها على مسارح لندن كل ليلة. وقد اكتسبت الشخصية شعبية كبيرة.

اتجهت عيون شارلي شابلن إلى هذا الناشئ الجديد. عرف ما تستطيع هذه الآلة العملاقة أن تحققه وتضيفه لفنه. فانتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعمل في السينما عام 1914.

خلال عام واحد -هو عام وصوله إلى العمل في استديوهات أمريكا- قام شابلن ببطولة 35 فيلمًا صامتًا. فيما شارك في كتابتها. لم يتخل في أغلبها عن دور الصعلوك. الأمر الذي جعل هذا الكم إضافة لنوعية الموضوعات القريبة من حياة الناس. شارلي شابلن في واجهة نجوم السينما.

في العامين التاليين 1915-1916 كتب وأخرج ومثل أكثر من ثلاثين فيلمًا. خلال هذه الفترة كانت أعمال شابلن قد صنعت من نموذج المتشرد الفقير المعدم بطلًا للشارع الأمريكي وللغرب كله.

شارلي شابلن.. نقد الرأسمالية

في عام 1936 كتب شارلي شابلن أعظم عمل سينمائي وفني في نقد النظام الرأسمالية. وهو فيلمه الصامت العصور الحديثة. والذي قام بالطبع ببطولته وإخراجه وأيضًا إنتاجه.

جسد شابلن بخفة وسخرية شديدة شخصية العامل المغترب عن عمله في ظل سياسة “تقسيم العمل” الصناعي. حيث يؤدي كل عامل أو مجموعة عمال مهمة واحدة (حركة مُمِلة ومُنِهكة) كمرحلة من مراحل الإنتاج حتى خروج المنتج النهائي. كآلية لتوفير الوقت واستنزاف جهد العمال. سياسة تقسيم العمل كانت تهدف أيضًا إلى عدم امتلاك العامل لمهارة إنتاج مكتمل (مثل عمال الورش الذين كان ينتج الواحد منهم حذاء أو قطعة ملابس كاملة).

هذه الآلية التي ابتدعتها الرأسمالية لمضاعفة الإنتاج تجعل العامل معزولًا عما ينتجه ومغتربًا عن واقعه. حيث تتحكم الآلة “العمل الميت” في العامل “العمل الحي” فيصبح كترس فيها. ما يوصل العامل -بطل “الأزمنة الحديثة”- في النهاية إلى خلل عقلي.

https://www.youtube.com/watch?v=gRrn0ZdGyFc&ab_channel=%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%B1

هذا التجسيد الذي يطابق الرؤية الماركسية لواقع العمل في ظل النظام الرأسمالي وآلية “تقسيم العمل” جعل الاتهامات بالشيوعية تلاحق شابلن. كانت السلطات الأمريكية قد ضاقت به لكن شعبيته الجارفة آخرت بطشها به لسنوات.

“الديكتاتور العظيم”..  شابلن والسخرية من الحرب

بينما كان الخطر النازي يتصاعد وتهدد “ألمانيا/هتلر” بالتهام العالم كانت فكرة تجسيد شخصية هتلر في عمل سينمائي ساخر تتنامى لدى شابلن. كتب شابلن قصة فيلمه الديكتاتور العظيم. وهو أول فيلم ناطق يمثله شابلن. قبل عامين من اندلاع الحرب العالمية الثانية. لكنه لم يبدأ تصويره إلا قبل عدة أشهر من نشوبها. أصر على تنفيذ عمله رغم التحذيرات التي تلقاها من صناع السينما في العالم باستحالة عرض الفيلم حتى داخل أمريكا نفسها.

في “الديكتاتور العظيم” يلعب شابلن شخصيتين. الأولى لحلاق يهودي يصاب في الحرب ويدخل المستشفى وقد فقد الذاكرة. أثناء وجوده بالمستشفى تحدث في “تومينيا” (ألمانيا) تغيرات كبيرة. حيث تولى “هينكل” (هتلر) السلطة. و”هينكل” هي الشخصية الثانية التي يلعبها شابلن باقتدار شديد. هناك بعض المشاهد يتقمص شارلي شابلن فيها هتلر تمامًا.

يهلهل شارلي شابلن هتلر – هذا النازي الذي يُرعب العالم. يزيل من حوله هالة الرجل القوي حاد الذكاء. ليكشف عن نرجسي متغطرس أجوف. بل وأبله أحيانًا.

أحد المشاهد العبقرية في الفيلم يصور شابلن هتلر في مشهد عبثي وهو يرقص بعشق مع بالون على شكل الكرة الأرضية. في إشارة إلى سعيه لامتلاكها. تنفجر الكرة في وجهه لينفجر في البكاء كطفل أبله أتلف لعبته.

إذا كانا نابليون ورئيس وزراء إنجلتر يقتسمان ديك رومي على شكل كرة أرضية في كاريكاتير الفنان العظيم “جيمس جيلراي” تعبيرًا عن اقتسام العالم بين إمبرياليتين. فإن هتلر بعين شابلن وأدائه يحتضن الأرض كلها ويحلم بضمها إلى ملكه وسطوته.

العمل الفني كمهمة

يطارد رجال “هينكل” الحلاق وبعد أن يهرب منهم يتنكر في زي عسكري فيظنه الحراس “هينكل” للشبه الكبير بينهما. فيصطحبونه إلى المنصة لإلقاء خطاب.

هنا يؤدي شابلن شخصية ثالثة. فلا هي الحلاق اليهودي ولا الديكتاتور “هينكل” (هتلر). بل شخصية ثالثة قد تكون شارلي شابلن نفسه. أو صوت الضمير الإنساني في عالم تمزقه الحرب. يقول شابلن في خطابه والذي قيل إن الحزب الشيوعي الإنجليزي طبعه في اليوم التالي لعرض الفيلم ووزعه كمنشور سياسي:\

أنا  آسف.. لا أريد أن أُصبح إمبراطورًا. هذا ليس من شأني. لا أريد أن أحكم أو أغزو أحدا. بل أن أساعد الجميع. اليهود وغير اليهود. السود والبيض. نريد مساعدة بعضنا فهذه طبيعتنا. نريد العيش على سعادتنا لا على مآسينا. في هذا العالم مساحة للجميع. والأرض غنية وتستطيع إعاشة كل من عليها. الحياة يمكنها أن تكون حرة وجميلة. لكننا ضللنا الطريق. أيها الجنود لا تستسلموا للمتوحشين. الذين يستحقرونكم ويستعبدونكم. يعاملونكم كالماشية. يستخدمونكم كمدفع وقت الحرب”.

 

ضد الحرب.. كل حرب

لم تكن التحذيرات التي تلقاها شابلن من أن الفيلم قد لا يُعرض في أوروبا وحتى في أمريكا نفسها أمرًا غريبًا برأي البعض. ولا محاولة لاسترضاء هتلر وعدم إثارة غضبه كما يرى آخرون.

رأت الأنظمة في أمريكا وإنجلترا -وكانت محقة آنذاك- أن الفيلم ليس مجرد انتقاد لهتلر العدو. الذي ربما سيلجؤون لمحاربته (عند تصوير الفيلم لم تكن الحرب العالمية الثانية قد اندلعت وبالطبع لم تكن أمريكا قد قررت خوض الحرب). بل رأت أنه فيلم ضدها أيضًا. ضد سياسة الحرب التي تمارسها هي نفسها. بل وأكثر من ذلك كانت ترى الفيلم ضد نظامها الرأسمالي بأكمله.

الحرب على العراق.. مواجهة ساخرة

واجهت الكوميديا بأشكالها المختلفة الحرب على العراق بقوة مع ظهور نية واشنطن غزوها عام 2003. بدعوى امتلاك أسلحة نووية. على مسارح أمريكا وإنجلترا أُعيد إنتاج عشرات المسرحيات الكلاسيكية الساخرة بمعالجات جديدة لفضح الوجه الحقيقي للحرب الوشيكة.

من بين تلك المسرحيات كانت الميجور باربارا لـ(برنارد شو). والتي تصور الدور القذر لأباطرة صناعة وتجارة السلاح والنفط. ودورهم في إشعال الحروب من أجل مراكمة أرباحهم وفتح الأسواق. هذا بالإضافة لعشرات الأعمال الكوميدية التي قدمت نقدًا مباشرا للأسباب التي ساقها بوش الابن لتبرير غزوه العراق.

كما غزت صحف العالم رسومات الكاريكاتير الساخرة من دعاوى أمريكا وبريطانيا للحرب. فضحت تلك الرسومات اتهامات أمريكا للعراق بامتلاك أسلحة نووية. وهلهلت الخطاب التعبوي الذي اعتمده بوش وتابعه رئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) لحشد التأييد للحرب سواء داخل المجتمع أو بين الجنود الذين سيشاركون في الحرب.

في المنطقة العربية كان الفنانان الأردنيان نيبل صوالحة وهشام يانس أبرز المسرحيين الذين سخروا من دعاوى الحرب على العراق. ومن صمت الحكومات العربية لكنهما جعلا صدام حسين مسؤولًا أيضًا عما آلت إليه الأوضاع في المنطقة.

قبلها بسنوات سخر يانس من الفتاوى التي تبيح الاستعانة بأمريكا في ما عرف بـ”حرب تحرير الكويت” أو عاصفة الصحراء عام 1990. عندما قلد بشكل ساخر الشيخ الشعراوي أبرز مطلقي هذه الفتاوى. فهلهل فتوى الرجل الذي كان ولا زال يحظى بقداسة لدى القطاع الأوسع من الجماهير في مصر والدول العربية. وكشف مدى “تسييس” فتواه وسذاجة طرحها.

لم تستطيع الأعمال الفنية الكوميدية كما لم تستطع الاحتجاجات وقف الحرب على العراق. لكنها استطاعت فضح كذب دعاوى تلك الحرب. من خلال السخرية منها. اتخذت من الضحك أداة لتغريغ شحنات التعبئة والتجييش الاجتماعي للحرب.

الكوميديا السياسية ونضج الوعي

يرى سيغموند فرويد أن السخرية من أكثر الدفاعات النفسية الناضجة والتي يستخدمها الإنسان لمجابهة الضغوط والأزمات والحفاظ على توازنه النفسي في أوقات المحن.

فهل يمكن أن نعتبر الكوميديا السياسية تعبيرًا عن نضج سياسي وإفرازًا لوعي مجتمعي وفكري؟

في روسيا لم تكن أعمالًا مثل المسرحية الساخرة بستان الكرز لـ(أنطون تشيكوف) والتي عرضت في 1904 (نفس عام وفاته) سوى تعبير عن سجالات عاصفة خاضتها النخب الفكرية والثقافية والسياسية في روسيا القيصرية آنذاك.

ما رصدته “بستان الكرز” من تغيرات هائلة داخل المجتمع الروسي. حيث نظام قديم يتداعى. ورأسمالية ناشئة تسود ثقافتها القاسية. وكذا الطبيعة الاجتماعية والطبقية المركبة للمجتمع الروسي. جميعها كانت قضايا مطروحة للتحليل والنقاش والحسم على أجندات الساسة والمثقفين الروس. وعلى صفحات المجلات والدوريات السياسية والفكرية التي كانت تُطبع في الخارج وتهرب إلى داخل روسيا.

فلم يكن لـ(تشيكوف) أو غيره من كتاب الأدب والمسرح الساخر في روسيا أن يصلوا من خلال أعمالهم إلى هذه التحليلات الاجتماعية. ما لم تكن مطروحة بالأساس على المجتمع. أو بالأقل على طلعيته من المثقفين (الانتلجنسيا).

كذالك لم تكن أعمال “شارلي شابلن” وبالتحديد  بداية من “العصور الحديثة” سوى ترجمة للأهمية الكبيرة التي حظيت بها الأفكار الاشتراكية ونقد النظام الرأسمالي. فضلا عن سطوة تلك الأفكار داخل أوروبا بعد نجاح ثورة البلاشفة في روسيا عام 1917.

انتشرت التمردات والانتفاضات والإضرابات التي دعا إليها قادة القوى الاشتراكية بمختلف تكويناتها في ألمانيا والمجر والنمسا وإيطاليا وحتى بريطانيا نفسها. وذلك قبل أن تُمنى بهزيمة هنا وأخرى هناك.

كوميديا العصور الحديثة

لا يكفي فقط أن تكون هذه الأفكار مطروحة بل يجب على الفنان نفسه أن يعيها تماما. في “العصور الحديثة” التقط شارلي شابلن فكرة تقسيم العمل كأحد أكثر مظاهر تكنيك العمل الرأسمالي الصناعي رتابة ولا إنسانية واغترابًا. لكن هل يمكن لفنان لم يطلع على جدال ماركس في قضية “تقسيم العمل” أن يلتقط هذه الصورة لتكون أساسًا لعمله الفني؟!.

بُنيت سخرية شابلن في “العصور الحديثة” على وعي تام. ليس فقط ممتدًا من الأفكار الناقدة للنظام الرأسمالي. بل من خلال التصاقه بقضايا العمال وبؤسهم. لم يكن شابلن شيوعيًا. لقد أعلن هذا مرارًا ردًا على اتهامه بالشيوعية عقب فيلمه “العصور الحديثة”. لكنه رغم ذلك كان يمتلك الشجاعة لتأييدهم عندما قال: “لست شيوعيًا لكني أؤيد كل ما يفعلونه الآن“.

لم تكن أيضًا الأعمال الفنية الساخرة من عروض مسرحية ورسومات كاريكاتورية وبرامج تليفزيونية فكاهية إبان الحرب على أفغانستان ثم العراق في 2003 سوى نتاج حركة قوية مناهضة للحرب كان يشهدها الغرب.

شارك في المظاهرات المناهضة لغزو العراق ملايين المواطنين في كل أنحاء العالم. ووصفت المظاهرات بأنها أضخم تجمع بشري مناهض للحرب في التاريخ. في إيطاليا بلغ حجم المظاهرة التي نظمت في 15 فبراير 2003 نحو 3 ملايين شخص. وفي بريطانيا مليوني متظاهر. وفي مدريد 1.5 مليون متظاهر.

حتى ما شهدته المنطقة العربية من أعمال فنية ساخرة من دعاوى الحرب على العراق وأسبابها المزعومة. والحكومات العربية المؤيدة لها. فكانت نتاج وعي مناهض للحرب قادته مجموعات سياسية وحركات طلابية استطاعت تنظيم مظاهرات ضد غزو العراق.

الحرب على أوكرانيا.. لماذا لم نسخر بما يكفي من معارك روسيا والغرب؟

فنون الكوميديا السياسية لا تحتمل اللبس. فهي تتخذ موقفًا واضحًا ومتماسكًا تجاه قضية أو إجراء سياسي ما. ترى أن عليها السخرية منه. هلهلته. فضحه. إزالة القداسة من حوله. قلنا إن بلورة هذا الموقف يكون مرهونا عادة بحد أدنى من الوعي ووضوح الرؤية. فليس الفن أداة معلقة في الهواء مفصولة عن السياق الاجتماعي والسياسي. ضربنا في السطور السابقة أمثلة على ذلك.

اقتصر النقد الساخر للحرب الروسية على أوكرانيا حتى الآن على بعض رسومات الكاريكاتير والرسومات الكارتونية المنشورة في الصحف أو على مواقع التواصل الاجتماعي. فبماذا أرادت أن تخبرنا!

جاءت الرسومات في أغلبها ساخرة من الدب الروسي. بينما لم تطرق إلى موقف أمريكا وحلف الناتو. ولا سياستهم التدميرية والمغذية للصراعات العسكرية. كانت الرسومات متماهية بسذاجة شديدة مع موقف دول الغرب.

إحدى هذه الرسومات لسلم صاعد يجسد مراحل تطور الإنسان من كائن يشبه القردة حتى الوصول إلى شكل إنسان اليوم. بينما بالجوار بوتين يهبط بالبشرية للعودة إلى مراحل ما قبل التطور.

كوميديا وحرب
كوميديا وحرب

 رسمة أخرى  تصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمتطي حصانًا مرتديًا زيًا عسكريًا يعود لعصر القيصر. بينما يقف شخص بـ”بذلة” عصرية. يخاطب بوتين قائلًا: “سيدي، لا أحد يغزو البلاد الأخرى هذه الأيام. هذا كان ملائمًا أكثر للقرن التاسع عشر.”

يجيبه بوتين: “حسنًا. بلادي لا زالت عالقة في القرن التاسع عشر”.

الكوميديا والحرب
الكوميديا والحرب

 هنا يتماهى الفنان مع وجهة نظر الغرب ناعتًا بوتين بالتخلف والدموية. حيث يُقبل على غزو شعوب أخرى في القرن الحادي والعشرين بينما هذه السياسة في رأيه صارت من الماضي. يتعامى صانع الكاريكاتير هنا عن الدماء التي لم تجف بعد في أفغانستان والعراق جراء الغزو الأمريكي.

غياب رؤية سياسية متماسكة

كانت هذه مجرد نماذج من الرسومات الساخرة التي تناولت الحرب الروسية على أوكرانيا. لكن غالبيتها لا يخرج عن نفس وجهة النظر: “همجية وديكتاتورية روسية في مواجهة المواطن الأوروبي الديمقراطي المتحضر”.

بينما غابت أي أعمال فنية ساخرة تقدم نقدًا سياسيا موضوعيًا لهذه الحرب وأطرافها الحقيقيين (بوتين والغرب) وتدين دمويتهم. وتكشف عن جوهر الصراع الروسي الغربي من أجل النفوذ والهيمنة. هذا الصراع الذي تدفع ثمنه الشعوب.

هذا الغياب وراءه انعدام تام لأي رؤية سياسية واضحة من قبل القوى السياسية والاجتماعية في أمريكا وأوروبا تجاه هذه الحرب. رؤية مستقلة عن رؤية الأنظمة الغربية. تستطيع الإجابة عن أسئلة: “لماذا هذه الحرب الآن؟ ومن هم أطرافها الحقيقون؟ وعلى من تلقى مسؤولية إشعالها؟ وإلى أين يمكن أن توصلنا؟”.

يبدو أن غياب هذه الرؤية المتماسكة نتاج لضعف القوى السياسية والاجتماعية في أوروبا وأمريكا في هذه المرحلة. كما هو أيضًا ربما تعبير عن صعود اليمين الشعبوي. وهي مسألة تحتاج إلى الكثير من البحث.