يقول المثل “حتى الساعة المعطلة تكون صحيحة مرتين في اليوم”. والمعنى باختصار أنه إن بدا لك موقف ما صحيحا في لحظة معينة، فإن تلك الصحة قد تكون خدعة، قد تكون مصادفة، قد تكون ظننت أن الساعة سليمة فقط لأنك نظرت إليها في نفس التوقيت الذي تعطلت عنده عقاربها.
تذكرت هذا المثل حين انتشرت واقعة الصفعة التي وجهها النجم الهوليودي ويل سميث إلى زميله كريس روك، لأن الأخير ألقى نكتة “رآها البعض سخيفة” بخصوص زوجة سميث، الممثلة جادا بينكت. لقد صار هذا الحدث المفاجيء، الذي وقع هذا الأسبوع على خشبة مسرح جوائز الأوسكار، أحد أشهر الأحداث /اللقطات في تاريخ الأوسكار وهوليوود معا. حتى أن جيمي كيميل، مقدم حفل العام 2017، والذي ارتكب فيه كارثة إعلان فوز فيلم “لالا لاند” (بالخطأ) بدلا من فيلم “مون لايت” بجائزة أفضل فيلم، وهي الجائزة الأهم في الأوسكار، قد عقب قائلا إن تلك الغلطة الفادحة يومها قد تراجعت الآن إلى المركز الثاني بعد “لقطة” سميث وروك، التي لا تقارن – والكلام لا زال لكيميل- سوى بواقعة قضم الملاكم مايك تايسون لأذن إيفاندر هوليفيلد!
لكن ما شأن ذلك بالساعة المعطلة؟
شأنه، أن رد الفعل الأولي لقطاع كبير من الجمهور العربي على الأقل، كان التعاطف مع ويل سميث وزوجته، بدلا من ضحية الصفعة كريس روك. لقد وضع كثير من المشاهدين، رجالا ونساء، أزواجا وزوجات، أنفسهم في مكان سميث وجادا، رجل تتعرض زوجته “للتنمر” أمام أنظار العالم كله، بل إنه تنمر يسخر مما اتضح أنه حالة مرضية تعاني منها، فما كان من الزوج، إلا أن ينفذ ما نعتقد أنه دوره ووظيفته، أن “يدافع عن امرأته”، امرأته المريضة، وأن ينهض من مكانه ليلقّن “المتنمر” درسا.
لقد تعاطفنا مع سميث وزوجته، وهو تعاطف قد يكون في محله حقا، لقد رأينا عقرب الساعة يشير إلى الوقت الصحيح فلم ننتبه إلى أنه معطل، وأن علامة تعطله أنه في سبيله لأخذ حقه لجأ إلى العنف، فردّ على النكتة بصفعة، وأنه عاد بالإنسان الحديث المتحضر، وخلال أحد أهم علاماته تحضره “حفل سينما”، إلى مرحلة الضرب والاعتداء البدني، وأن اللجوء إلى التعامل بالقوة لأننا نؤمن بأننا محقين، سوف يتكرر مرة أخرى إذا “ظننا” أننا محقين، وفي النهاية سوف تكون الغلبة لأصحاب القوة لا الحق. وسيحتل العنف – في العقل الجمعي – المكانة الأعلى من الكلمة والقانون، والخيار “الأكثر رجولة” للرد على الإهانة.
لنرى كيف لخًص كريم عبد الجبار، أسطورة كرة السلة الأمريكية، ما فعله ويل سميث: “سميث بضربة واحدة عنيفة على وجه روك، روّج للعنف، وقلل من شأن النساء، وأهان صناعة الترفيه، كما كرّس الصور النمطية عن مجتمع السود، وقدم نموذجا سيئا للشبان، من أصل أفريقي خاصة”.
يصعب إيجاد ما هو أكثر إيجازا وبلاغة من كلمات عبد الجبار، إن لـ ويل سميث جمهورا عريضا من الأطفال، خاصة بعد مشاركته في فيلم “علاء الدين” ( 2019)، ترى كم طفلا سوف يتأثر ويقلّد وهو يرى “الجنّي الطريف الطيب” في أفلام ديزني يتصرف بهذه الطريقة في الحياة الحقيقية؟ كم طفلا سينبهر بالساعة المبهرجة من دون أن يعرف أنها معطلة.