في يوم السبت الموافق 26 / 3 / 2022 توفى إلى رحمة الله النقيب العام لمحامي مصر في أروقة محكمة جنوب الجيزة الابتدائية، وذلك حال دخوله لقاعة محكمة الجنايات مترأساً لهيئة الدفاع عن تسعة من محامين شمال الجيزة، قد سبق اتهامهم في القضية رقم 12744 لسنة 2017 جنايات الجيزة، قد سبق إحالتهم إلى محكمة جنايات الجيزة عن تهمة إهانة هيئة قضائية وتعطيل هيئة قضائية عن ممارسة عملها والتجمهر.

ومما هو جدير بالذكر أن محكمة الجنايات حال علمها بوفاة نقيب المحامين على باب قاعتها، لم تقم بتأجيل نظر القضية لهذا الظرف الطارئ، وإنما اكتفت بذكر واقعة الوفاة في محضر الجلسة وموجهة التعازي للمحامين في وفاة نقيبهم، ثم طلبت الدفاع بالترافع في القضية، على الرغم من تيقنها بأن النقيب الراحل هو من كان يترأس هيئة الدفاع، كما أن المحكمة أصدرت حكمها في اليوم التالي لانعقاد الجلسة ببراءة لثلاثة من المحامين المحالين للمحاكمة من هذه التهم، والحكم بحبس الباقي منهم سنة مع إيقاف التنفيذ.

ويعد الحق في الدفاع من الحقوق الأساسية للإنسان التي لا يجوز أن ينتقص منها أو يتم التضييق عليها ولا يملك المشرع سوى إقرارها بشكل يحقق التوازن بين حقوق الأفراد وحرياتهم وبين مصالح الدولة، وهذه الممكنات تخول للخصم إثبات ادعاءاته القانونية أمام القضاء والرد على كل دفاع مضاد في ظل محاكمة عادلة يكفلها النظام القانوني، وقد تعرضت المحكمة الدستورية العليا في العديد من أحكامها لمضمون الحق في الدفاع، وقد قالت في ذلك المعنى في القضية رقم 6 لسنة 13 دستورية، وذلك في عصر المحكمة الذهبي، إبان تولي رئاستها المرحوم المستشار / عوض المر بقولها إن “ضمانة الدفاع هذه هي التي اعتبرها الدستور ركنا جوهريا في المحاكمة المنصفة التي تطلبها في المادة 67 منه كإطار للفصل في كل اتهام جنائي تقديرا بأن صون النظام الاجتماعي ينافيه أن تكون القواعد التي تقررها الدولة في مجال الفصل في هذا الاتهام مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، وانطلاقا من أن إنكار ضمانة الدفاع أو فرض قيود تحد منها إنما يخل بالقواعد المبدئية التي تقوم عليها المحاكمة المنصفة، والتي تعكس نظاما متكامل الملامح يتوخى صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها. كما ينال الإخلال بضمانة الدفاع من أصل البراءة”.

وانطلاقاً من هذا المعنى وهذا التعريف فإن توافر الحق في الدفاع عن المتهمين يقتضي عدم مؤاخذة الدفاع عما يبديه أثناء ترافعه بما يضمن له حسن قيامه بمهام عمله كمدافع، وذلك تفعيلاً لما جاء النص عليه بالمادة 198 من الدستور المصري من قولها أن “المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون، وكفالة الحق في الدفاع، ويمارسها المحامي مستقلاً”.

وبمعنى كونه مكونا أساسيا من مفردات العدالة فهو يقتضي أمور عدة لابد من توافر تحقيقها حتى يكون النص عليه ذو جدوى ودلالة، فيجب أن يقوم المحامي بتحقيق هدفه وهدف المدافع عنه في الزود عن ورد الاتهام بشكل كامل، وأن يتم منحه الوقت الكافي في الترافع وتقديم ما يعن له من أوراق، ولا يجوز التحجج بضيق الوقت أو زيادة عدد القضايا أمام القضاة، بما يجور على تحقيق دلالة الحق ومجاوزة نطاقة، إذ أن مشكلة تراكم القضايا أو قلة عدد المحاكم أو القضاة لا تخص الحق في الدفاع، وإنما الأوجب على الدولة أن تسعى هي إلى تلافي هذه المشكلة، وذلك لا يكون إلا بزيادة عدد المحاكم والقاعات، وزيادة أعداد القضاة، وذلك ما يضمن حسن سير العمل بمرفق العدالة.

كما أنه يجب أن يتم منح المحامي الوقت الكافي لتحضير دفاعه، وأن يتم تسهيل أمر حصوله على نسخة كاملة من القضية المنظورة، دون إجحاف مالي يزيد من الأعباء الملقاة على المتهمين، إذ أنه قد لوحظ في الآونة الأخيرة زيادة التعريفات المالية بداخل المحاكم المخصصة للحصول على الأوراق أو تقديمها، وزيادة الرسوم الخاصة بالتقاضي أو الطعون بشكل غير مسبوق، ثم يلي ذلك منح الدفاع الوقت الكافي للمرافعة خصوصاً في القضايا الجنائية التي يكون عمادها الأساسي على المرافعات الشفوية، ولا يحق تضييق الوقت أو الاكتفاء بإثبات عناصر أو مبادئ الحق في الدفاع، حتى ولو لم يكن للمتهم مدافع أصيل وانتدبت له المحكمة دفاعاً، إذ يجب كذلك أن يكون هذا الدفاع حقيقياً ويؤدي دوره بشكل كامل دون الاكتفاء بتحقيق شكلي للضمانة الدستورية.

وإذ أن حق الدفاع يمثل أو يعبر عن الطريقة الاجتماعية لرد العدوان سواء كان ذلك عن طريق موقف مادي مباشر كما هو الحال بالنسبة لحق الدفاع الشرعي، أو موقف قولي جدلي كما هو الحال بالنسبة للدفاع في الخصومات، فحق الدفاع إذاً مبدأ مقدس وحق طبيعي للإنسان استمده تلبية لنداء الغريزة البشرية في صراعها من أجل البقاء ويجد أساسه في حق الدفاع المشروع عن النفس، كما يعد الحق في الدفاع أصلاً ثابتاً من أصول الحق في التقاضي ذاته، وسمة أساسية من سمات وجود القانون، تكون له غاية في تفعيل مبدأ المساواة بين الخصوم في المراكز الإجرائية، ولا يمكن تحقيق العدالة دون مراعاة الحق في الدفاع وتفعيل كافة أدواته، وهذا ما أكدته كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وأفردت له اتفاقيات بذاتها متعلقة بممارسة المحامين لمهام عملهم بشكل مستقل وكامل، كما أولت الاهتمام بدور المحامين وأماكنهم كذلك عناية فائقة.

وحيث إن الأمر يتعلق بضمانة العدالة ذاتها، لكون ممارسة كافة الإجراءات القضائية وعملية التقاضي ذاتها غايتها المثلى تقف عند حد تحقيق العدالة في كافة المنازعات القضائية، وهو ما يضفي قيمة فعلية على وجود القوانين كلها، وهو ما يعني أن تبذل الدولة بكافة أجهزتها ما يقتضيه الأمر من تسهيل طرق التقاضي وتذليل العقبات أمام الحق في المقاضاة، وتيسير الوصول للقضاء، وتسهيل أمر التقاضي بكافة إجراءاته، سواء كان ذلك الأمر مرتبط بزيادة عدد المحاكم أو زيادة أعداد القضاة، واستخدام كافة السبل التكنولوجية الحديثة لضمانه دونما أية قيود أو تعقيدات سواء كانت مالية أو إجرائية، لا يقف الأمر عند حد النصوص دون تفعيل حقيقي أو ممارسة فعلية.