انتشر لقب “المتخاذل” كثيرًا في كرة القدم بالآونة الأخيرة، خاصة على النجوم الكبرى بالعالم الذين يتألقون بشدة مع فرقهم بالدوريات الأوروبية العملاقة. ولا يؤدون نفس المستوى أو نصف هذا الأداء رفقة منتخبات بلادهم عندما يشاركون معهم بالتصفيات أو البطولات القارية. وهناك أسباب مختلفة لهذا التباين في المستوى منها أسلوب لعب مختلف أو لاعبين أقل كفاءة بالمنتخب عكس أنديتهم أو ظروف معاكسة كثيرة.

وكان ليونيل ميسي أسطورة الأرجنتين وخليفة دييجو مارادونا الشرعي في كرة القدم من حيث المهارة الفائقة واللمسات العبقرية. أكبر هؤلاء النجوم الذين لقبوا بالمتخاذل بعد أداء وأهداف وإنجازات خيالية رفقة فريقه برشلونة. مقابل صفر بطولات وألقاب وأداء مع منتخب بلاده التانجو. قبل أن يكسر تلك اللعنة أخيرًا ويتوج معهم بلقب كوبا أمريكا العام الماضي 2021. لكنه فشل في تحقيق كأس العالم مثلما فعل مارادونا في أكثر من مرة.

ومؤخرًا التصق لقب المتخاذل بنجمنا المصري محمد صلاح، أفضل هداف بالدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم والسنوات الماضية. ونجم ليفربول الإنجليزي الأول بالسنوات الخمسة الماضية، وأفضل خامس لاعب في العالم وفقًا لجائزة الكرة الذهبية المقدمة من مجلة فرانس فوتبول الفرنسية الشهيرة. حيث إنه فشل مع منتخب مصر في التتويج بأي لقب قاري رغم احتلاله الوصافة مرتين 2017 و2021 الأخيرة وكان قاب قوسين أو أدنى من الفوز لولا حظه السيء.

بالإضافة لعدم قدرته على قيادة الفراعنة للصعود لمونديال قطر 2022 المقبل بعد الخسارة من السنغال قبل أيام بركلات الترجيح 3-1 في داكار. وعدم ظهوره بالمستوى المطلوب وإضاعته للركلة الأولى المهمة مما أدى لخسارة الفراعنة وعدم التأهل للمونديال. ليهاجم صلاح بقسوة من قبل الجماهير المصرية الغاضبة ووصفته بالمتخاذل مثلما الحال مع ميسي في الأرجنتين طيلة السنوات الماضية.

ليو ميسي.. المتخاذل الأعظم

يعد أكثر من اتهم بلقب المتخاذل هو نفسه الهداف التاريخي لمنتخب الأرجنتين ليونيل ميسي. والذي اتهم بعدم تقديمه نفس الأداء الذي يقدمه مع برشلونة في منتخب التانجو الأرجنتيني. وعلى الرغم مما يقدمه مع المنتخب فبعد خسارته نهائيين متتاليين ظهرت بعض الأصوات تنتقد ميسي بشدة وتتهمه بالتخاذل. بل وطالبوا بهدم تماثيل ميسي في العاصمة بيونس آيريس، حتى أعلن ميسي اعتزاله دولياً، قبل تدخل رئيس الأرجنتين ليعيده عن قراره.

فإن سجل فلماذا لم يصنع لزملائه، وإن ظهر صانعًا للألعاب كان عدم تسجيله علامة استفهام لدى المشجعين. وكان دائمًا تخاذله هو سبب عدم تحقيق الأرجنتين بطولات على الرغم من أن الأرجنتين لم تحقق بطولة منذ عام 1993. وهذا يسبق الانضمام الأول لليونيل مع المنتخب باثني عشر عامًا!.

ولكن أسطورة مارادونا كانت دائمًا تطارد البرغوث، ولعنة دييجو الذي حقق كأس العالم وحده، لكن استطاع ميسي في الصيف الماضي وأخيرًا تحقيق اللقب الأول له مع الأرجنتين. بعد الفوز بكوبا أميركا على حساب البرازيل وفي أرضها، وظهر ميسي فيها بشكل الشبح الذي يفعل كل شيء. فهداف البطولة ميسي، وأكثر من صنع ميسي، وأكثر المراوغات ميسي. وأي إحصائية في البطولة ستجد ميسي هو أكثر من حققها بنجاح. فظهر الشغف الذي شكك فيه الجميع بقوة بعد صافرة نهاية النهائي، عندما جلس ميسي باكيًا من شدة الفرحة.

ليفاندوفيسكي.. نسر بولندي متخاذل

في كأس الأمم الأوروبية لم يظهر منتخب بولندا بالشكل المنتظر له، وفشل في التأهل من دور المجموعات. ورغم تسجيله هدفين أمام السويد وهدفًا أمام إسبانيا. لم يسلم روبيرت ليفاندوفيسكي أفضل لاعب في العالم مؤخرًا من الاتهامات بالتخاذل. شبح في الملعب لا يظهر بمستواه الحقيقي، تلك الاتهامات التي تطارد البولندي دائمًا في مشاركاته مع منتخبه الوطني.

وظهرت تلك الاتهامات لأول مرة بعد كأس العالم 2018، عندما شاركت بولندا في مجموعة السنغال واليابان وكولومبيا وقال الجميع عنها مجموعة في المتناول. إلا أن الفريق البولندي خسر مباراتين أمام السنغال وكولومبيا، قبل أن يغادر البطولة بفوز شرفي أمام اليابان.

ولم يظهر ليفاندوفيسكي بشكله المعتاد، فلم يسجل أو يصنع أي أهداف في بطولة كأس العالم تلك، فكان دائمًا الخيار السهل هو اتهامه بالتخاذل. ويتناسى الجميع سجله التهديفي كأكثر من سجل وأكثر من خاض مباريات مع الفريق. حينها يجب أن نعلم أن هناك خطاً ما. لكن سيبقى في النهاية ليفاندوفيسكي هو الهداف التاريخي. حتى لو لم يستطع تحقيق أي بطولة مع منتخب بولندا.

صلاح أحدث المنضمين لنادي “المتخاذل”

أهدر محمد صلاح ركلة ترجيح أمام السنغال، في المباراة التي انتهت بخسارة مصر وعدم تأهلها لكأس العالم. وفور انتهاء المباراة كانت السوشيال ميديا تنفجر بوصف صلاح بـ”المتخاذل”، والهجوم عليه وعلى أدائه في تلك المباراة. وفي تلك اللحظات في كرة القدم دائمًا ما نتذكر كلمات فابريجاس ردًا على هجوم جمهور باريس على ميسي ونيمار: “لا تمتلك كرة القدم ذاكرة”.

فبعد أن كان فخر العرب على الأعناق منذ أربعة أعوام، بعد قيادته مصر للتأهل إلى كأس العالم روسيا. ورفضهم وضع أي أحد في تاريخ إفريقيا أو مصر في أي مقارنات معه، ورفضهم لعدم حصوله على الكرة الذهبية. حدث عكس هذا تمامًا بعد مطالباتهم باعتزاله الدولي، وتركه المنتخب المصري وأنه “عالة” على المنتخب وليس له فائدة!.

ورغم أن أداء محمد صلاح كان ضعيفًا ويشمل علامات استفهام حول الكثير من النقاط. خصوصًا في الالتحامات والتدخلات والركض و”القتال” على الكرة الذي غاب عنه في مباراة العودة بداكار. ولكن قبل هذا يجب علينا أن نجيب عن سؤالٍ مهم، فـ”الفيراري” لماذا أصبحت “دراجة” في المنتخب المصري؟.

فليس من المنطقي أن محمد صلاح لا يرغب في التأهل لكأس العالم، أو أنه سيتخاذل عن الظهور بشكل مؤثر قاصدًا ذلك. فبغض النظر عن الأسباب الوطنية والعاطفية، كان من أقوى المؤثرات لترشح صلاح للكرة الذهبية هذا العام. هو عدم حصوله على أي لقب مع منتخبه الوطني، أو حتى تأهيله لكأس العالم القادمة. خصوصًا بعد تقديمه عامًا رائعًا ومميزًا مع ليفربول، ولكن مع المنتخب الوطني ظهر صلاح كدراجة قديمة. لاسيما في مباراة العودة. حيث لم يكن له أي تواجد في الجانب الهجومي للمنتخب المصري.

ولكن لا يمكننا السؤال أين كان صلاح؟ ولكن الأصح أن نسأل أين كان الجانب الهجومي للمنتخب المصري في المباراة. بل وأين كان في مباراة الذهاب أيضًا، حيث كانت اللمحة الهجومية الوحيدة خلال المباراتين هي هدف “صلاح” في مباراة الذهاب وبعدها اختفى.

صلاح يدفع الثمن

يدفع صلاح الآن ثمن ما قدمه له المصريون من دعم، فلن يتذكر أحد ضربة جزاء زيزو ولا مصطفى محمد. ولكن سيتذكر الجميع ركلة صلاح، وهذا ما يُذكرنا بميسي عندما أضاع الركلة الأولى أيضاً مع منتخبه الأرجنتين في نهائي كوبا أميركا. بالطبع جميع من شارك بالمباراة يستحق الانتقاد، نظرًا للمستوى الذي ظهر به المنتخب، ولكن يجب الانتقاد الفني على قدر المباراة. ولكن التقليل من صلاح الذي سجل 45 هدفًا مع المنتخب الوطني وصنع 25 هدفًا. واتهامه بالتخاذل وإضعاف المنتخب المصري هو ما يستحق التعجب.

فحتى في أسوأ أحوال المنتخب المصري كانت الكرة في قدم صلاح دائمًا مختلفة تمامًا عن باقي اللاعبين. وتمريره للكرات وتسلمه لها، ورفع الضغط عن المنتخب أثناء فترات قوة السنغال. كل هذا كان مما قدمه صلاح، ففي حالة إن كان ما ورد في بعض التقارير عن تفكير صلاح بالاعتزال الدولي صحيحًا. فسيكون هذا ضربة قوية للجيل القادم من المنتخب المصري، الذي يجب أن يُبنى للمستقبل ولكن بوجود قوة ضاربة مثل “سوبر مو”.

ولنا في منتخب الأرجنتين الحالي قدوة، فبوجود ميسي ظهر الآن الكثير من اللاعبين المتميزين ليحملوا القميص مع البرغوث. وعليه فيجب أن يكون هذا الحال مع صلاح أيضًا فيما هو قادم. ويجب أن نتذكر دائمًا مقولة: “كرة القدم لا ذاكرة لها، فاليوم أنت فوق الأعناق وغدًا أنت تحت الأقدام”.